تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى العام > نقاش حر

> الجمهور العربي والنهج الاقتصادي في الحكم

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 05-02-2009
  • الدولة : الأردن/ الرمثا
  • العمر : 72
  • المشاركات : 1,896
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • ابن حوران is on a distinguished road
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
الجمهور العربي والنهج الاقتصادي في الحكم
05-11-2014, 01:23 PM
الجمهور العربي والنهج الاقتصادي في الحكم


الجمهور في اللغة آتٍ من الجذر الرباعي (جمهر) وفي الحديث (جَمْهِروا قبره) أي ضعوا التراب فوقه دون ماء، والجمهورة هي الرمال المُنقادة التي تسفيها الرياح فتتجه مع الريح، والجمهور هو تكتل الناس..*1

والنهج والمنهاج هو الطريق البيِّن الواضح وفي حديث العباس رضوان الله عليه: (لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ترككم على طريقٍ ناهجة، أي بينة وواضحة.

عندما حاذينا العنوان بالاقتصادي، أردنا تمييزه عن السياسي الذي يختص بطبيعة نظام الحكم (ملكي، جمهوري، برلماني، رئاسي الخ)، لنميز السمة الاقتصادية فيه: اشتراكية، رأسمالية، مختلطة الخ.

يصبح العنوان معنياً بالموقف الذي يتخذه عموم الشعب والجمهور إزاء الطريقة الاقتصادية التي تُدار بها البلاد، تمييزاً عن آراء ومواقف الفلاسفة والمفكرين الاقتصاديين والسياسيين.

(1)

لكل شيء جمهور، في الملاعب نجد جماهير، وفي صالات الغناء والمسارح نجد جماهير، وعند أصحاب الزوايا والمجالس الدينية نجد جماهير، وللقادة السياسيين جماهير، بعضها حقيقي والكثير منها مُصطنع خصوصاً عندما يتعلق الأمر بنظام حُكمٍ قائمٍ بعينه.

يسعى الكثير من المعنيين في مختلف الأمور أن يكون لهم جمهور، ويبدوا أن الجمهور يكون له مفعولٌ عجيب في أداء المقرئين للقرآن واللاعبين والممثلين والوعاظ والخطباء والمغنين، ولا تنسى محطات الإذاعة أن تبين في تقديمها لمقرئ للقرآن الكريم أن تلك القراءة سُجلت من المسجد الفلاني وتجد بعد كل آية أو وصلة صيحات الإعجاب (الله ينوّر عليك يا شيخ)، والشيخ يُصعّد من أداءه، وهذا يحدث أيضاً مع المطربين عندما يصيح الجمهور (أعِد.. أعِد).

وقد يكون لغياب الجمهور أو الجمهور المُضاد أثرٌ في نتائج مباريات كرة القدم، فيُقال (لعبوا أمام جمهورهم).

وتكون الفوائد المرجوة من الجمهور حاسمة في صعود نجوم معينين، من خلال العائد المالي أو حتى إرسال رسائل تلفونية و (sms) ليصبح فلان المتسابق بطلا في مسابقات معينة..

وإذا كانت شبابيك السينما والمسرح تزيد في دخل الممثلين والمطربين، فماذا يستفيد الجمهور بالتالي؟ ومن الغرابة أن تبيع مثلاً محطات بطاقات ذكية لنقل مباريات أجنبية، وتجني تلك المحطات أرباحا خيالية من وراء ذلك.

(2)

لا تُشكل المواضيع السياسية أو الاقتصادية مادة (مهمازية) تُحرك الجماهير العربية، فقد يقوم بالتثاؤب أكثر الجالسين في جلسة ود (عائلية، أو جلسة أصدقاء) وهذا طلب واضح للمتكلم بموضوع اقتصادي أو سياسي، أن يختصر أو حتى يتوقف عن الكلام، لكن أي حديث يتناول أسرار العائلات أو يكون ملفوفاً بطابع السخرية والمرح، فإن كل الموجودين سيشاركون فيه.

لكن، يقوم الجمهور بالسباب واللعن إذا ارتفع سعر سلعة معينة، ويكون رد فعله، تماماً كما يلعن العرب حكاما وشعوباً، إذا شاهد جريمة صهيونية ضد المقدسات الإسلامية في فلسطين..

إن اللعان والشتائم قد تُغرر بأصحابها بأنهم قاموا بالواجب المطلوب منهم، فيسقط بذلك عنهم (فرض، أو سنة ) الانتقاد!

وبالمقابل، فإن الأنظمة العربية تفرح كثيراً عندما تبقى ردة أفعال الجماهير عند هذا الحد..


يتبع





هوامش
*1ـ أنظر لسان العرب
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية khalfoni1
khalfoni1
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 12-10-2007
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 691
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • khalfoni1 is on a distinguished road
الصورة الرمزية khalfoni1
khalfoni1
عضو متميز
رد: الجمهور العربي والنهج الاقتصادي في الحكم
06-11-2014, 07:24 PM
مشكور اخي وان في انتظار المزيد
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 05-02-2009
  • الدولة : الأردن/ الرمثا
  • العمر : 72
  • المشاركات : 1,896
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • ابن حوران is on a distinguished road
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 05-02-2009
  • الدولة : الأردن/ الرمثا
  • العمر : 72
  • المشاركات : 1,896
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • ابن حوران is on a distinguished road
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
رد: الجمهور العربي والنهج الاقتصادي في الحكم
11-11-2014, 08:40 PM
الخصائص الفكرية للنخبة العربية القديمة وأثرها على الاقتصاد

أصبح معروفاً أن الأعراق البشرية تختلف في أرضيات فهمها للحياة، ولكنها في النهاية تتواصل حضارياً وتجعل من المقتربات فيما بينها أمراً وارداً ومتاحاً*1

حتى في المجتمع الواحد، فإن تَسَيُّد لون من الفكر الاقتصادي يكون مقترناً بدور من هم أصحاب الأفكار ومدى تحويل أفكارهم لإجراء أو نهجٍ يُمد الأعراف وقواعد التحكيم بفقهٍ مقبول ضمناً ولا يكون مثار جدل. فالاشتراكيون عندما يحكمون يضعون مبادئهم قيد التنفيذ ـ بما أمكن ـ والرأسماليون كذلك.

نحن هنا ننوي مواضعة هذا الكلام على قُريش قبل الإسلام، وكيف كانت تتعامل مع المسألة الاقتصادية ببساطة مع رؤية أخلاقية واجتماعية تتلاءم مع خصوصية المجتمع في مكة آنذاك. وكيف أن تلك المسألة تركت مساحات واسعة في المادة الإسلامية من خلال القرآن الكريم، ومن خلال الأحاديث النبوية الشريفة، وكيف أنها احتلت مساحة هامة في التعاطي الاقتصادي للدولة الإسلامية حتى انهيار الدولة العثمانية.


(1)


عندما انتصر (قُصي بن كلاب) مؤسس دولة مكة قبل الإسلام، حيث استطاع أن يدخل مكة بجماعته قريش التي كانت تسكن في أطراف مكة، فبعد أن تزوج قصي من (حُبّى) ابنة حليل ابن حبشية الخُزاعي الذي كان مسئولاً عن الكعبة والذي كان أمر مكة كلها بيده، فولدت (حبى) لقصي أولاداً كُثر، وصدف أن ورد مكة للحج تاجر (جلود) معه مالاً كثيراً، فتوفي أثناء الحج فوهب ماله كله لقصي.

وعندما مات (حليل)، أوصى بمفاتيح الكعبة لابنته (حبى)، فقالت لا أستطيع حمل وفتح الأبواب، فتولى الأمر أخوها (أبو غبشان: واسمه المحترش ابن حليل) وكان في عقله خلل، فاشترى قصي منه المفاتيح بزق خمر، وكان ذلك من أسباب نشوب الحرب بين (خُزاعة) و(قريش)، فاستعان قصي بأخٍ له من أمه اسمه (رزّاح) بن ربيعة من قبيلة ضبة فانتصرت قريش على خزاعة وبدأ قصي بتأسيس دولة مكة وتقسيم الأدوار فيها*2

لقد كان للملأ الأعلى الذي يحكم دولة مكة الدور الأكبر في تأسيس ثقافة تُنتج القواعد والقوانين وعقد (الأحلاف)، بقيت مؤثرة في طبيعة الدولة حتى الصدر الأول من الدولة العباسية، مروراً بدولة الخلفاء الراشدين ودولة الأمويين وانتهاءً بعهد الأمين ابن هرون الرشيد. كانت تتصارع مع تعاليم الإسلام بنبذ العشائرية وإحلال العدالة، تتغلب عليه أحياناً ويتغلب عليها أحياناً أخرى، وقد ظهر جلياً تغلب الإسلام على ثقافة قريش في عهد الرسول صلوات الله عليه، وفي جانبٍ كبير من عهود الخلفاء الراشدين وعهد عمر ابن عبد العزيز (الأموي)، ولكنها لم تختفِ حتى يومنا هذا.

لقد كان اقتسام الأدوار في دولة مكة قبل الإسلام، الأثر الهام في ديمومة الدولة في العصر الجاهلي، فأصبح الى جانب الكعبة ، دار الندوة يديرها (الملأ) ، الذي كان أشبه بمجلس الشيوخ ، لا يدخله من لم يبلغ الأربعين عاما .

وكانت الصفوة المتزعمة (حكومة العشرة) التي كانت تمثل بطون قريش ، وتوزعت مهماتهم على النحو التالي:*3

1ـ بنو هاشم ـ سقاية الحج(وزارة الري) ويمثلهم العباس ابن عبد المطلب .
2ـ بنو أمية ـ الراية ( الحرب) ويمثلهم أبو سفيان .
3ـ بني نوفل ـ الرفادة(التموين) يمثلهم الحارث بن عامر .
4ـ بنو عبد الدار ـ السدانة والندوة يمثلهم عثمان بن طلحة .
5ـ بنو أسد ـ المشورة العليا (المحكمة) يمثلهم يزيد بن زمعة الأسود.
6ـ بنو تميم ـ الرايات والغرم (العدل) ويمثلهم أبو بكر الصديق .
7ـ بنو مخزوم ـ القبة و الأعنة (الجيش) ويمثلهم خالد بن الوليد .
8ـ بنو عدي ـ السفارة (الخارجية) ويمثلهم عمر ابن الخطاب .
9ـ بنو جمح ـ الأيسار (الكهانة) ويمثلهم صفوان بن أمية .
10ـ بنو سهم ـ الأموال الموقوفة (الأوقاف) الحارث ابن قيس .

(2)

ومن المسائل الأخلاقية التي تركت أثرها في نفوس العرب ما كان سائداً من انتحار جماعي والذي كان يُسمى (الاعتفاد)، فعندما كانت عائلة تجوع ولم تجد ما تأكله يقوم رب الأسرة بإغلاق الأبواب على العائلة، والجلوس صامتين حتى الموت!

كان هذا اللفظ معروفا ومتداولا بينهم حتى الأطفال يعرفوه . فيحكى أن عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، كان له طفلا يدعى أسد وكان لأسد تربا أي صديقا يلعب معه ، وقد أخبره تربه ذات يوم أنه في الغد لن يحضر للعب ، لأن أسرته ستكون في حالة إعتفاد ، فتكدر أسد وذهب الى أمه باكيا ، فأعطته بعض الدقيق وشحم السنام ، فأرسلها الى بيت صديقه ، أكلوها في عدة أيام ، ثم عاد صديقه ليخبره بأنه لن يحضر للعب في الغد لأنهم في حالة إعتفاد.*4


وعندما أخبر أسد والده عمرو بن عبد مناف ، وكان سيدا في قومه ، جمعهم فقام خطيباً في قريش وكانوا يطيعون أمره، فقال: إنكم أحدثتم حدثاً تقلون فيه وتكثر العرب، وتذلون وتعزّ العرب، وأنتم أهل حرم الله جل وعز، وأشرف ولد آدم، والناس لكم تبع، ويكاد هذا الإعتفاد يأتي عليكم. فقالوا: نحن لك تبع. قال: ابتدئوا بهذا الرجل - يعني أبا ترب أسد - فأغنوه عن الإعتفاد، ففعلوا. ثم انه نحر البدن، وذبح الكباش والمعز، ثم هشم الثريد، وأطعم الناس، فسميّ هاشماً. وفيه قال الشاعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف

تم جمع كل بني أب على رحلتين: في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام للتجارة، فما ربح الغني قسّمه بينه وبين الفقير، حتى صار فقيرهم كغنيهم، فجاء الإسلام وهم على هذا، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالاً ولا أعز من قريش، وهو قول شاعرهم:

والخالطون فقيرهم بغنيهّـم... حتى يصير فقيرهم كالكافي
وهذه أول إشارة عربية قديمة للعدالة الاجتماعية

هوامش
*1ـ العرق والتاريخ/ كلود ليفي شتراوس/ نشرته اليونسكو عام 1952، وترجمه للعربية: سليم حداد، وصدرت الترجمة حديثاً عن دار المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
*2ـ قُريش: من القبيلة الى الدولة المركزية/خليل عبد الكريم/ القاهرة: سينا للنشر ط2 سنة 1997 صفحة 36
*3ـ مقدمة في دراسة المجتمع العربي/ الياس فرح/ بيروت: دار الطليعة ط2سنة 1980 صفحة 48

*4ـ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام/ جواد علي/ بيروت: دار العلم للملايين.
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية اماني أريس
اماني أريس
مشرفة شرفية
  • تاريخ التسجيل : 16-02-2013
  • المشاركات : 13,118

  • وسام اول نوفمبر جنان الشروق المرتبة الثالثة 

  • معدل تقييم المستوى :

    27

  • اماني أريس is a jewel in the roughاماني أريس is a jewel in the roughاماني أريس is a jewel in the rough
الصورة الرمزية اماني أريس
اماني أريس
مشرفة شرفية
رد: الجمهور العربي والنهج الاقتصادي في الحكم
11-11-2014, 08:46 PM
من ارقى المواضيع وأثراها بارك الله فيك يرجى تثبيت الموضوع وفي المتابعة باذن الله شكرا استاذ
[SIGPIC][/SIGPIC]
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية mohamdmoh
mohamdmoh
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 15-02-2014
  • الدولة : --
  • المشاركات : 2,092
  • معدل تقييم المستوى :

    14

  • mohamdmoh will become famous soon enoughmohamdmoh will become famous soon enough
الصورة الرمزية mohamdmoh
mohamdmoh
شروقي
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 05-02-2009
  • الدولة : الأردن/ الرمثا
  • العمر : 72
  • المشاركات : 1,896
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • ابن حوران is on a distinguished road
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
رد: الجمهور العربي والنهج الاقتصادي في الحكم
16-11-2014, 10:11 AM
الفاضلة اماني أريس
شكرا جزيلا لاهتمامكم

الفاضل محمد.. شكراً
واعذرني فتحضير أي مساهمة يحتاج مراجعة ما لا يقل عن 200 صفحة من المراجع

احترامي وتقديري
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 05-02-2009
  • الدولة : الأردن/ الرمثا
  • العمر : 72
  • المشاركات : 1,896
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • ابن حوران is on a distinguished road
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
رد: الجمهور العربي والنهج الاقتصادي في الحكم
16-11-2014, 10:12 AM
محيط مكة عشية ظهور الإسلام

يتساءل أعداؤنا لماذا نزلت رسالة الإسلام في مكة وعند العرب؟ ولم يكن لديهم إلا الجهل، فسمى مؤرخوهم (أي العرب: والكلام للمتسائلين) العصر الذي سبق الإسلام بالعصر الجاهلي؟

من جانب آخر، فإن المنحازين للعرق العربي، يفسرون الآية {كنتم خير أمة أُخرجت للناس} بأن هذا تصريح من رب العالمين بأن هذه الأمة مؤهلة لتلقي الرسالة السماوية ونشرها. ولن ندخل في تفصيلات التفسير لتلك الآية والمواقف المختلفة منها، ولكن أوردنا ذلك لتبيان الرأيين للتأسيس عليهما.

لقد اكتفت الأيديولوجية الماركسية بالتركيز على الجانب المادي والاقتصادي في نظرتها للإسلام، فلم تجد في الجاهلية غير مجتمع الصحراء والعلاقات الاجتماعية القائمة على المشاعية والعبودية والاستغلال الطبقي لكبار التجّار. ولم تجد في الإسلام غير (دين) الصحراء الذي نشأ في (وادٍ غير ذي زرع). ولم تنفذ الى جوهر العلاقة بين المراحل التاريخية، ولم تتبين الدور الحقيقي للإسلام في حياة العرب.

لم يكن عرب الجزيرة معزولين عن محيطهم ثقافياً واقتصادياً وسياسياً ودينياً، بل كانوا متواصلين معهم يعرفون كل التفاصيل عن ذلك المحيط، من فرس وروم وأحباش وأقباط، ومسيحيين ويهود وأحناف وعبدة النار وعبدة الأصنام. وقد مَنّ الله في كتابه الكريم عليهم بذلك عندما قال {لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}. وقد ذهب بعض المفسرين لكلمة (إيلاف) بأن قريش كانت مُحاطة بثلاث قوى كبرى (في وقتها) (الفرس والروم والأحباش)، وسكوتهم عن قريش هو الإيلاف الذي آمنهم من خوف.

(1)

في المجتمعات البدائية، يكون المجتمع امتداد للطبيعة، يغلب عليه السكون، وظاهرة تقسيم العمل مفقودة، وهو في مرحلة غياب الوعي الاجتماعي وغياب المنطق وغياب فكرة الزمن وهيمنة القيم السحرية وضعف الشعور بالمكان، ولا يوجد شعور جمعي.

في المجتمع البدوي، يكون المجتمع صحراوي قائم على تحدي الطبيعة ومتحرك قائم على التنقل والصراع ويبدأ ظهور تقسيم العمل وبذرات الصراع الطبقي، ومرحلة المنطق الحسي، وبدايات الوعي برباط اجتماعي ضيق(قَبَلي)، والتعامل مع الزمن في بُعده (الحاضر)، وبروز قِيم خُلقية وجمعية.

إذا أردنا أن نمر على بعض صفات المجتمع الجاهلي ونتلمس الجيد منها، فلنتتبع ذلك بالقرآن الكريم وما يذكره في النهي عن بعض الصفات ومحاكمة ذلك المجتمع من خلالها:

وأد البنات: {وإذا الموؤودة سُئلت بأي ذنب قُتلت}، وكان ذلك خوفاً من أن تضطر العائلة لزواج البنت من عائلة غير كريمة، أو يضطرها الفقر الى دفعها للبغاء، {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا}، فالدوافع وجيهة وإن كان الإجراء مكروهاً وسيئاً.

قتل الأولاد أو حتى الأسرة بالكامل {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم}؛ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} وقد مررنا على ذلك في ظاهرة (الاعتفاد).

أكل الميتة والدم: كانت بعض الأسر تنقع بعض الجلود بما تبقى بها من لحم ناشف من (سخلة) ميتة منذ مدة لتأكلها من شدة الجوع، وكان الفقير إذا جاءه ضيفٌ يذهب الى راحلته الوحيدة ويستخلص دماً من أسفل ركبة الجمل ويضعه في (جفنة) ويقربه من النار ليتخثر ويخلطه بالتمر، وذلك ليقوم بواجب الضيافة،*1 وقد جاء في التنزيل تحريم الدم والميتة.

(2)


لقد كان لمكة في عصر ما قبل الإسلام دورٌ مركزي احترمته شعوب المنطقة المحيطة بالجزيرة العربية، وذلك الدور لم يكن يتم بالانتخاب أو بالفرض القسري، ولكنه على ما يبدو كان اعترافاً ضمنياً بأن تلك الشعوب المحيطة منشأها الأصلي من تلك البقعة أو محيطها القريب.

إن باحثاً، كالعالم الإيطالي كايتاني L. Caetani يعتقد بأن (جنة عدن) المذكورة في كتب التاريخ القديم، كانت حقاً في جزيرة العرب، وأن بلاد العرب كانت جنة حقيقية وبقيت محافظة على بهجتها حتى الألف الخامس أو الرابع قبل الميلاد، وأن موجات الهجرة المتتالية وصلت بأبناء الجزيرة حتى سواحل المحيط الأطلسي (المغرب وموريتانيا وحتى السنغال)، فانصهر العرق العربي مع الأعراق الأخرى، وأوجد نوعاً من التلاقح الروحي بقي حتى يومنا هذا*2

وما يؤكد هذا الرأي أن منطقة المغرب العربي الكبير قد كانت تحت الحكم الروماني لأكثر من سبعة قرون، لم يستطع خلالها الرومان تنصير أهلها، في حين ما أن دخلت موجات الفتح الإسلامي تلك المنطقة سرعان ما انخرط أبناؤها بالدين الجديد واشتركوا بسرعة فائقة في الفتوحات والتي وصلت أطراف أوروبا الجنوبية (إيبيريا: الأندلس وما حولها)، ولأن تلك المنطقة الأوروبية ليس بها من خاصية التلاقح الروحي لم يبق الإسلام فيها كما هي الحال في شمال إفريقيا، رغم أن مدة حكم العرب لها تفوق مدة حكم الرومان لشمال إفريقيا.

(3)

عندما أراد الخليل بن أحمد الفراهيدي والنصر بن سيّار تدوين الكلام العربي، وضعوا جذوراً لأكثر من مليون ونصف كلمة*3، يتعامل بها أبناء اللغة العربية بيسر حتى اليوم. في حين لا يستطيع أبناء بريطانيا قراءة شكسبير دون الاستعانة بقواميس وهو لم يمض على وفاته خمسة قرون.

لقد عَدَّ المفكر الألماني (هردر Herder 1744ـ1803) أن اللغة ليست مجرد أداة للفكر، بل هي أيضاً القالب الذي يتشكل فيه الفكر، ولا نظن أن هناك من يجادل في كون الطفل الصغير يتعلم التفكير بواسطة الكلمات التي تقدمها له لغة المجتمع الذي ينشأ فيه.

كانت مركزية مكة تُدعم بالنشاط الثقافي وحتى الفكري السياسي من خلال تجمع ما يشبه المهرجان السنوي في سوق (عكاظ) ليتبارى فيه الشعراء، الذين ينشدون الشهرة في محيط أرحب من محيطهم الذي أتوا منه.

فلنتأمل هذا الشعر لزهير بن أبي سلمى:

ومن يك ذا فضـل فيبخـل بفضلـه .. على قومـه يستغنـى عنـه ويذمـم

ومن هـاب أسبـاب المنايـا ينلنـه .. وإن يـرق أسبـاب السمـاء بسلـم

ومن يجعل المعروف في غير أهلـه .. يكـن حمـده ذمـا عليـه ويـنـدم

إنها حِكم من معلقة طويلة تلخص القواعد الخلقية وأسباب الحروب الخ.

أو لنتأمل هذه الأبيات للأفوه الأودي:

والبيـتُ لا يُبْتَنَـى إلا لـهُ عَمَـدٌ......ولا عِمـادَ إذا لـمْ تُـرْسَ أَوْتـادُ
فـإنْ تجمـعَ أَوتــادٌ وأَعـمـدَةٌ........وساكنُ بلغوا الأمرَ الـذي كـادوا
لا يَصْلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُمْ..........ولا سَـراةَ إذا جُهالُهُـمْ ســادُوا

لقد شبه الشاعر الدولة ببيت البدو، الذي لا يقوم إلا على أعمدة، ولن تنفع الأعمدة إذا لم تثبت حبال الشد أوتاد.. الخ

كانت لغة قريش، والتي هي تشبه لحد كبير لغة بني إياد (عرب العراق) هي بمثابة اللغة الرسمية التي يتوجب على التجار والشعراء الإلمام بها، وهي اللغة أو اللهجة التي نزل بها القرآن الكريم، والتي يتعامل بها عرب اليوم.



هوامش
*1ـ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام/ جواد علي/ بيروت: دار العلم للملايين.
*2ـ مقدمة في دراسة المجتمع العربي/ الياس فرح/ بيروت: دار الطليعة ط2
سنة 1980 صفحة 39
*3ـ تكوين العقل العربي/ محمد عابد الجابري/ بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية الطبعة الخامسة 1991؛ صفحات 75 وما بعدها.
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية mohamdmoh
mohamdmoh
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 15-02-2014
  • الدولة : --
  • المشاركات : 2,092
  • معدل تقييم المستوى :

    14

  • mohamdmoh will become famous soon enoughmohamdmoh will become famous soon enough
الصورة الرمزية mohamdmoh
mohamdmoh
شروقي
رد: الجمهور العربي والنهج الاقتصادي في الحكم
16-11-2014, 11:21 AM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابن حوران مشاهدة المشاركة
الفاضلة اماني أريس
شكرا جزيلا لاهتمامكم

الفاضل محمد.. شكراً
واعذرني فتحضير أي مساهمة يحتاج مراجعة ما لا يقل عن 200 صفحة من المراجع

احترامي وتقديري



على أقل من مهلك أخي شكرا ...
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 05-02-2009
  • الدولة : الأردن/ الرمثا
  • العمر : 72
  • المشاركات : 1,896
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • ابن حوران is on a distinguished road
الصورة الرمزية ابن حوران
ابن حوران
شروقي
رد: الجمهور العربي والنهج الاقتصادي في الحكم
21-11-2014, 11:58 AM
غنائم وهزائم

لم يُعثر في صفحات التاريخ أن أجمع كُل الناس على الثناء على أي دولة أو نظام سياسي بشكل كامل، كما لم نجد في تاريخ الرُسل والأنبياء أن كانت الطاعة والموالاة والإتباع لأي منهم دون ظهور أعداء، إلا في حالة (إدريس) عليه السلام، والذي يظهر في التاريخ الإنساني باسم (هرمس).

الأفراد لا يقومون بإطاعة السلطة من أجل الطاعة ذاتها، وإنما يطيعونها من أجل أهداف يعتقدون أنها ستتحقق عندما تؤدي هذه السلطة عملها.*1 وإن لم تؤدي السلطة عملها تظهر القلاقل.

تعتمد مسألة تحقيق الأهداف، على قدسية ونزاهة الأهداف، وعلى قوة القائمين على سير تنفيذها وِفق مجموعة من الضوابط التي تتماها مع تلك القدسية، حيث ينتشر العدل والمساواة وعدم المحاباة وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء.

في الحالة الإسلامية الأولى، كان التشريع من الله رب العالمين والتنفيذ من رسوله المعصوم صلوات الله عليه، ومن بعده صحابة كانوا يتصفون بالزهد واليقين والخوف من الله، فكان سلوكهم مُطابقٌ لدرجة شبه كاملة مع ما يُفترض أن يكون ممثلاً لأوامر الله ونواهيه.

(1)

في معركة (بلاط الشهداء) انكسر المسلمون بعد معارك طاحنة استمرت سبعة أيام، واستشهد منهم الكثير وعلى رأس من استشهد القائد عبد الرحمن الغافقي، الذي أراد الثأر للقائد (السمح بن مالك الخولاني) الذي استشهد في معارك قبله وجهه إليها والي الأندلس الجديد (عنبسة بن سحيم الكلبي) الذي خلف موسى بن نصير، وقد انكسروا بسبب ما كانوا يحملونه من غنائم حصلوا عليها في طريقهم الطويل الذي انتصروا في كل معاركه، والممتد من (قرطبة) الى ما بين بلدتي (تورو) و (بواتيه) قرب باريس، فقد أثقلت تلك الغنائم ظهور الركائب والمشاة، كما أنها احتاجت الى حامية قوية تحميها، وفهم الإفرنج تلك الخاصية عند جيش المسلمين، فأتوا من الخلف وهزموا المسلمين*2.

وأينما وجدت في تاريخ العرب والمسلمين هزيمة، فابحث عن الغنائم، ففي حصار روما في القرن الثالث الميلادي على يد (زنوبيا) ملكة تدمر وحلفائها من العرب والأرمن، وبعد أن تغير خلال أسبوع سبعة قياصرة لروما، وكان دخول روما قاب قوسين، كانت قضية الغنائم وراء هزيمة (زنوبيا) وفرار جيشها الذي استولى على ممتلكات الجيش نفسه.

وفي معركة أحد كاد المسلمون أن ينتصروا لو التزموا بأمر رسول الله المعصوم صلوات الله عليه، لكن الرماة المكلفون بالمكوث على الجبل نزلوا لينالهم بعض الغنائم فانهزموا في أحد!

(2)

لم تكن مسألة الغنائم مقتصرة على ما يتم نيله في الحروب، ولكنها امتدت لأكثر من شأن، وعلى رأس تلك الشؤون السلطة السياسية نفسها، ولن نناقش مسألة الورع وتفاوت عُلية القوم بمستوياتهم فيه، بل ما نهتم به كان الخلافات السياسية الشديدة التي حدثت بين الصحابة ومن بعدهم التابعين، حتى انتهت الى الاستعانة بغير العرب أو حتى غير المسلمين.

فالفتنة التي حدثت في عصر الخليفة الراشدي عثمان بن عفان رضوان الله عليه كان وراءها تعيين ستة من الولاة من أقاربه، ومنهم عُبيد الله بن أبي السرح والي مصر أخ عثمان من أمه، والذي أفسد في البلاد وجاء أهل مصر للمدينة المنورة طالبين تغييره، وعندما تم استبداله ب (محمد بن أبي بكر)، قام مروان بن الحكم بتزييف كتاب بعثه لابن أبي السرح بضرب عنقه، وختمه بخاتم الخليفة عثمان، وحدث ما حدث والقصة معروفة*3

ما تركته تلك الفتنة بقيت آثاره حتى اليوم، صراع على السلطة، زعم بأن كل طرف هو صاحب الحق المطلق! وأن الطرف أو الأطراف الأخرى، خارجة عن الملة كافرة، والحقيقة أن ذلك الصراع يترك آثاره الوخيمة على الجمهور الذي يفتقر الى القوة، فينجر أحياناً وراء طرف ضد طرف.

(3)

سيقول قائل: هل قضية الغنائم هي وِقفٌ على العرب أو المسلمين دون غيرهم؟ ألم تكن قبائل التتار والمغول والقبائل الإسكندنافية وقبائل الجرمان وغيرها تهاجم من أجل الغنائم؟ ألم تكن الاستكشافات لأمريكا وأستراليا، تتم بنفس الدوافع؟ ألم تكن الحروب الحديثة تتحرك بنفس الدوافع؟

نقول: نعم، ولكن تلك الشعوب والغزوات وغيرها ما تمسك منها بالقبلية قد فني وآل مآله الى السقوط والاندثار، فأين القبائل التي أتت من اسكندنافيا وأين التي أتت من الهضبة الصينية والمنغولية، وحتى تلك التي كانت تزعم أنها تحمي الدين (أمويون؛ عباسيون؛ عثمانيون؛ الخ)، ليس هناك فكر اقتصادي منسوب لعشيرة أو قبيلة!

إن الأفكار الاقتصادية التي صمدت وتطورت، تطورت بالمحاذاة مع الإبداع وروح التوافق والقبول لكل الأطراف المنتجة والمبدعة، وهذا ما يفسر صمود الأمريكان الغزاة لقارة أخرى، مع التحفظ على وحشيتهم في تصفية السكان الأصليين، وهكذا فعل الأوروبيون في بلادهم، بعد حروب طاحنة تكللت بحربين كونيتين، فلم يستطع أي منا تحديد عشيرة الرئيس الفرنسي أو رئيس وزراء الدنمرك مثلاً.

من جانب آخر، بقي حكام العرب يبحثون عن كاريزمية دينية، ليلوذوا وراء ساترٍ يحاولون من وراءه حصد المكتسبات على حساب الجمهور العريض.




هوامش
*1ـ الدولة نظرياً وعملياً/ هارولد لاسكي/ إعداد: سعيد شحاتة/ الهيئة العامة لقصور الثقافة الطبعة الثانية (2012) صفحة 14
*2ـ دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية/ عبد الحليم عويس/ مكتبة المصطفى الإلكترونية.
*3ـ العقد الفريد/ العسجدة الثانية/ ابن عبد ربه الأندلسي/تحقيق: محمد سعيد العريان/ المكتبة التجارية الكبرى 1953
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 02:11 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى