الحوت الأزرق للصغار والبحر الأزرق للكبار
20-12-2017, 06:56 AM


الشروق الساخر

لم يفهم عيسى أزيزا ما يحدث لهؤلاء العباد في هذه البلاد، فلا تنتهي مأساة حتى تحل أخرى، ما جعل صداع رأسه في ازدياد، فلا الدواء يصلح ولا ضرب الحيط بالدماغ ينفع، فقد اقتنع عيسى أزيزا بأن الكلام أصبح مثل الريح في الشبكة، في ظل غياب التواصل من القلب إلى القلب، وهو ما جعل مضمون الحديث لا يتجاوز الآذان، وهنا لم يفهم نفسه: هل يبكي لحال الصغار أم لحال الكبار، خاصة الذين يصطلح عليهم بمقولة "كبار لكن جايحين"؟
عيسى أزيزا صُدم وتألم كثيرا لحال أبناء في عمر الزهور يقتلون أنفسهم في صمت وعزلة وهدوء، بسبب لعبة علم بأنهم يسمونها "الحوت الأزرق"، فالحوت حسب الذي كان فرصة للأكل والاستمتاع بنكهة السردين، أصبح يقتل الصغار من وراء الشاشات والجدران والطابلات والطاولات، والأكثر من هذا لم يفهم كيف لهؤلاء الأبناء أن يجدوا نفسهم أسرى وصرعى في لعبة ألصقوها بالسحر والشعوذة، وهنا لم ينته من أزمة الشعوذة الفعلية حتى زادت مأساة الشعوذة تاع الميكروات والبورتابلات والطابلات.
لم تتوقف دهشة عيسى أزيزا عند مآسي "الحوت الأزرق" الذي تحوَّل بين عشية وضحاها إلى غول يصطاد أطفال في عمر زهرة الأقحوان وشقائق النعمان، لتزيد عليه صدمات البحر الأزرق (الأبيض) الذي يأكل يوميا أجساد الكبار الذين يريدون أن يلقوا أنفسهم في تهلكة الماء، مفضلين خيار الحرقة نحو بلاد الطاليان والألمان وما جاورها، ولسان حالهم "ياكلني الحوت أفضل من الموت"، طبعا هو يرفض الموت في أرض الآباء والشهداء، بمنطق خالف تعرف، أو تطبيق "تكون أو لا تكون"، في قضية امتدت إلى الشباب وتعدت إلى الشيوخ وشملت النساء، فتحول قارب الموت إلى محطة للجميع إلا من أبى، وهنا لم يجد عيسى أزيزا سوى أن يقول "اللهم استرنا وعافنا وأعفُ عنا"، وفي غمرة البرد القارس، هم بدعوة خرافه إلى الحرقة نحو الغابة لأكل ما تبقى من حشائش الخريف، واستهداف البلوط، في هدوء ودون القفز على الصخور والحيوط.
غير هاك