أثر الكلمة (لبيد والربيع).
24-12-2017, 09:12 PM
أثر الكلمة ووقعها

بين لبيد ابن ربيعة والربيع ابن زياد



قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( إن من البيان لسحراً))
للكلمة وقعها وأثرها على الإنسان إن خيراً فخيراً ، وإن شرّاً فشرّاً ، لا سيما إذا انطلقت مِن كنانة مَن ملك ناصية البلاغة وخضع له البيان ، فلا تكون إلا سهما مسدّدًا لا يخطئ رمِيَّته ، وأثرها باقٍ لا يمحوه تعاقب الليل والنهار.
قال الشاعر:
جراحات السنان لها التئام **** ولا التئام لما جرح اللسان.



ومن أمثلة ذلك ما قاله أبو فرج الأصفهاني في كتابه الأغاني:


(( وفد عامل بن مالكٍ ملاعب الأسنة، وكان يكنى أبا البراء، في رهطٍ من بني جعفر، ومعه لبيد بن ربيعة، ومالك بن جعفر، وعامر بن مالكٍ عم لبيد، على النعمان، فوجدوا عنده الربيع بن زيادٍ العبسي وأمه فاطمة بنت الخرشب، وكان الربيع نديماً للنعمان مع رجلٍ من تجار الشام يقال له زرجون بن توفيل ، وكان حريفاً للنعمان يبايعه ، وكان أديباً حسن الحديث والندام، فاستخفه النعمان، وكان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه وإلى النطاسي: متطبب كان له، وإلى الربيع بن زياد فخلا بهم، فلما قدم الجعفريون كانوا يحضرون النعمان لحاجتهم، فإذا خرجوا من عنده خلا به الربيع فطعن فيهم وذكر معايبهم، وكانت بنو جعفر له أعداء ، فلم يزل بالنعمان حتى صده عنهم، فدخلوا عليه يوماً فرأوا منه جفاءً، وقد كان يكرمهم ويقربهم، فخرجوا غضاباً ولبيد متخلف في رحالهم يحفظ متعاعهم، ويغدوا بإبلهم كل صباحٍ يرعاها، فأتاهم ذات ليلةٍ وهم يتذكرون أمر الربيع، فسألهم عنه فكتموه، فقال: والله لا حفظت لكم متاعاً، ولا سرحت لكم بعيراً أو تخبروني فيم أنتم؟ وكانت أم لبيدٍ يتيمةً في حجر الربيع، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك وصد عنا وجهه. فقال لبيد: هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه فأزجره عنكم بقول ممض لا يلتفت إليه النعمان أبداً؟ فقالوا: وهل عندك شيء؟ قال: نعم.

قالوا: فإنا نبلوك. قال: وما ذاك؟ قالوا: تشتم هذه البقلة – وقدامهم بقلة دقيقة القضبان، قليلة الورق، لاصقة بالأرض، تدعى التربة – فقال: هذه التربة التي لا تذكي ناراً ولا تؤهل داراً، ولا وتسر جاراً، عودها ضئيل، وفرعها كليل، وخيرها قليل، أقبح البقول مرعى، وأقصرها فرعاً، وأشدها شاسع، وآكلها جائع، والمقيم عليها قانع، فالقوا بي أخا عبس، أرده عنكم بتعس، وأتركه من أمره في لبس. قالوا: نصبح ونرى فيك رأينا فقال عامر: انظروا إلى غلامكم هذا – يعني لبيداً – فإن رأيتموه نائماً فليس أمره بشيء، إنما هو يتكلم بما جاء على لسانه، وإن رأيتموه ساهراً فهو صاحبه. فرمقوه فوجدوه وقد ركب رحلاً وهو يكدم وسطه حتى أصبح، فقالوا: أنت والله صاحبه. فعمدوا إليه فحلقوا رأسه وتركوا ذؤابته، وألبسوه حلة ثم غدا معهم وأدخلوه على النعمان، فوجدوه يتغدى ومعه الربيع بن زيادٍ، وهما يأكلان لا ثلث لهما، والدار والمجالس مملوءة من الوفود، فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين فدخلوا عليه، وقد كان أمرهم تقارب، فذكروا الذي قدموا له من حاجتهم، فاعترض الربيع بن زياد في كلامهم، فقال لبيد في ذلك:

أكل يومٍ هامتـي مـقـزعـه

يا رب هيجا هي خير من دعه

نحن بني أم البـنـين الأربـعة

سيوف حز وجفان مـتـرعـه

نحن خيار عامر بن صعصـعة

الضاربون الهام تحت الخيضعة

والمطمعون الجفنة المدعدعـه

مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معـه

إن استه من برص ملـمـعـه

وإنه يدخل فيهـا إصـبـعـه

يدخلها حتى يواري أشجـعـه

كأنه يطلـب شـيئاً ضـيعـه


فرفع النعمان يده من الطعام وقال: خبثت والله علي طعامي يا غلام؛ وما رأيت كاليوم. فأثبل الربيع على النعمان فقال: كذب والله ابن الفاعلة ، ولقد فعلت بأمه كذا. فقال له لبيد: مثلك فعل ذلك بربيبة أهلة والقريبة من أهله، وإن أمي من نساءٍ لم يكن فواعل ما ذكرت. وقضى النعمان حوائج الجعفريين، ومضى من وقته وصرفهم، ومضى الربيع بن زياد إلى منزله من وقته، فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه، وأمره بالا نصراف إلى أهله، فكتب إليه الربيع: إني قد عرفت أنه قد وقع في صدرك ما قال لبيد، وإني لست بارحاً حتى تبعث إلي من يجردني فيعلم من حضرك من الناس أني لست كما قال لبيد. فأرسل إليه: إنك لست صانعاً بانتفائك مما قال لبيد شيئاً، ولا قادراً على رد ما زلت به الألسن، فالحق بأهلك. فلحق بأهله ثم أرسل إلى النعمان بأبيات شعر قالها، وهي:

لئن رحلت جمال لا إلـى سـعةٍ

ما مثلها سعة عرضاً ولا طـولا

بحيث لو وردت لخم بأجمعـهـا

لم يعدلوا ريشةً من ريش سمويلا

ترعى الروائم أحرار البقول بهـا

لا مثل رعيكم ملحاً وغـسـويلا

فاثبت بأرضك بعدي واخل متكئاً

مع النطاسي طوراً وابن توفيلا


فأجابه النعمان بقوله:

شرد برحلك عـنـي حـيث شـئت ولا

تكثر علـي ودع عـنـك الأبـاطـيلا


فقد ذكرت بـشـيءٍ لـسـت نـاسـيه

ما جاورت مصر أهل الشام والـنـيلا

فما انتفاؤك منه بـعـد مـا جـزعـت

هوج المطي به نحو ابـن سـمـويلا


قد قـيل ذلـك إن حـقـا وإن كـذبـاً

فما اعـتـذارك مـن قـول إذا قـيلا

فالحق بـحـيث رأيت الأرض واسـعةً


فانشر بها الطرف إن عرضاً وإن طولا

قال: وقال لبيد يهجو الربيع بن زياد – ويزعمون أنها مصنوعة. قال:

ربيع لا يسقك نحوي سـائق

فتطلب الأذحال والحقـائق

ويعلم المعيا به والـسـابـق

ما أنت إن ضم عليك المازق

إلا كشيءٍ عاقـه الـعـوائق

إنك حاسٍ حـسـوةً فـذائق

لا بد أن يغمز منك العـاتـق

غمزاً ترى أنك منـه ذارق

إنك شيخ خـائن مـنـافـق

بالمخزيات ظاهر مطابـق.


وَفِي الأَرْضِ مَنْأًى لِلكَرِيِم عَنِ الأَذَى*** وَفِيهَا لِمَـن خَافَ القِلَى مُتَعَزَّلُ.
التعديل الأخير تم بواسطة aziz87 ; 24-12-2017 الساعة 09:15 PM