المعادون للمسلمين في أمريكا يوقظون الفتنة
30-08-2010, 04:14 PM
المعادون للمسلمين في أمريكا يوقظون الفتنة
قبل سنة تقريبا كانت البناية رقم 51 بشارع بارك بلايس، في المنطقة السفلى لمدينة مانهاتن، مجرد بناية شبه مهجورة ما عدا احتوائها على قاعة تقام فيها صلاة الجمعة وبعض الأوقات الأخرى. ورغم تواجدها في مكان متميز لا يبعد سوى 180 متر عن موقع مركز التجارة العالمي، إلا أن سكان مدينة نيويورك لم يكونوا يولون اهتماما كبيرا لهذا المبنى، وحتى المسلمين أنفسهم لم يكن العديد منهم يعرف أن في البناية مصلى.
بمجرد إعلان جمعية ''مبادرة قرطبة''، لرغبتها في بناء مركز إسلامي مكان هذا المبنى، حتى تحولت العمارة ـ التي كانت مرآبا للسيارات ـ إلى المكان رقم واحد في الولايات المتحدة الأمريكية، ليس من حيث قيمتها المادية، بل من خلال تحول كل كاميرات القنوات التلفزيونية نحو هذه البناية لكونها أصبحت مصدر قلق وإزعاج للكثير من الأمريكيين المعادين لكل ما يرمز للإسلام، على اعتبار أن هذا الدين يدعو إلى العنف والإرهاب، وأن المسلمين هم من كانوا وراء أحداث الحادي عشر سبتمبر.
ومع إعلان مبادرة بناء المركز، بدأت تظهر تكتلات تقودها جمعيات متطرفة، وشخصيات معروفة بعدائها للمسلمين، تحت غطاء أو شبه سكوت من قبل التيار المحسوب على الحزب الجمهوري، الذي أعلن فيما سبق تحت قيادة الرئيس السابق جورج بوش حملة على الإسلام والمسلمين، على خلفية أحداث الهجوم الإرهابي الذي استهدف برجي مركز التجارة العالمي.
وقد بدأت الحملة باستمالة عواطف أقارب ضحايا أحداث الحادي عشر سبتمبر، من خلال محاولة إقناع السلطات المحلية لبلدية نيويورك أن إقامة المشروع على مسافة قصيرة من موقع ''غراوند زيرو''، يعد استخفافا بمشاعر الذين توفوا في الهجوم الإرهابي، وتحديا لمشاعر أقاربهم.
ورغم الحملة الواسعة التي شنتها وسائل الإعلام المحلية، وفي مقدمتها ''فوكس نيوز'' المعروفة بمواقفها المعادية للمسلمين، إلا أن طلب المعارضين قابلته السلطات المحلية لبلدية نيويورك بالرفض، بحجة أنه لا يستند إلى حجج كافية، خصوصا أن المبنى ملك للمسلمين ويجوز لهم التصرف فيه. وقال مايكل بلومبرغ، عمدة بلدية نيويورك، في هذا الشأن إن معارضة مواطنين لبناء مركز ديني على ملكيتهم الخاصة ليس من قيم الولايات المتحدة ولا من قوانينها.
وبعد فشل المحاولة الأولى، عاد المعارضون إلى حيلة أخرى تتمثل في إقناع سلطات البلدية بأن المبنى الذي تنوي جمعية ''مبادرة قرطبة'' هدمه لإقامة مركز إسلامي، هو بناية أثرية قديمة لا يجوز هدمها أو تحويلها وذلك بهدف الحفاظ على معالم المدينة. غير أن لجنة الآثار بالمدينة وبعد دراسة لملف البناية، رفضت تصنيفه كبناية أثرية، الأمر الذي يسمح لأصحابه بهدمه وإقامة محله مشروعهم. هذا القرار كان الصدمة الأكبر لمعارضي المشروع، خصوصا أنهم كانوا يعولون كثيرا على قرار اللجنة المذكورة. ومباشرة بعد صدور القرار بادر المركز الأمريكي للقانون والعدل، ومقره واشنطن، برفع دعوى قضائية لإبطال القرار، والمطالبة بتصنيف المبنى في خانة المعالم الأثرية.
ومن جانب آخر فقد لقي المشروع تأييدا كبيرا من قبل عدد من النشطاء والجمعيات غير الإسلامية، حيث أعلن عدد من الجمعيات اليهودية دعمها لبناء المركز، وفي مقدمتها جمعية شالوم التي قال رئيسها إنه ليس من المنطق أن يمنع أشخاص من بناء مركز لممارسة شعائرهم الدينية، مضيفا أن تجسيد هذا المشروع سيسمح بالتعرف أكثر على الآخرين، وزرع ثقافة التسامح بين الأشخاص وليس التفرقة بينهم. وعلى درب هذا الحاخام سارت بعض الشخصيات الأخرى اليهودية والمسيحية، رغم التهويل الكبير الذي تقوم به بعض القنوات التلفزيونية وفي مقدمتها ''فوكس نيوز'' من أن المشروع يعرف معارضة شعبية كبيرة.
بعد نقاشات كثيرة حول المشروع، جاء تصريح الرئيس الأمريكي ليضع حدا للجدل القائم حول مركز قرطبة الإسلامي، حيث أكد أن المسلمين يمتلكون كامل الحق في إقامة هذا المركز، مضيفا أن المسلمين كغيرهم من المجموعات الدينية من حقهم ممارسة شعائرهم.
استغل أوباما حفل إفطار، بمناسبة شهر رمضان، للتأكيد على موقف إدارته من هذا الملف. وأكد على أنه من موقعه كمواطن ورئيس للولايات المتحدة، فإنه يؤيّد المسلمين في بناء مركز في مدينة منهاتن بنيويورك، معتبرا أن الموقف منبثق من القيم والمبادئ التي قامت عليها الولايات المتحدة، التي لا يمكنها أن تهتز. حدث هذا في الوقت الذي شرع فيه المناهضون في تنظيم التجمعات أمام مبنى المشروع وموقع مركز التجارة العالمي. وأمام هذه الحملة أكدت إدارة إقامة المشروع أنها ماضية في تنفيذه رغم المعارضة، معتبرة أن ما تقوم به قانوني خصوصا أن البناية ملك للمسلمين، ولا تصنف ضمن البنايات الأثرية، وهو ما جعل بلدية نيويوك توافق على البناء.
وأثبتت هذه القضية أن الضغوط على الرئيس أوباما ستتزايد في الفترة القادمة، مع اقتراب انتخابات الكونغرس وكذا حكام الولايات، وهي المؤسسة التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي، غير أن غريمه الجمهوري يسعى إلى ممارسة المزيد من الضغوط لكسب معركة الانتخابات.