تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى الحضاري > منتدى الحديث وعلومه

> فَاتَّبِعُونِي (الحديث التاسع والعشرون)

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية محبة الشهادة
محبة الشهادة
مشرفة سابقة
  • تاريخ التسجيل : 13-06-2013
  • الدولة : فلسطين ,غزة,
  • المشاركات : 6,406

  • وسام ذكرى المولد 

  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • محبة الشهادة has a spectacular aura aboutمحبة الشهادة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية محبة الشهادة
محبة الشهادة
مشرفة سابقة
فَاتَّبِعُونِي (الحديث التاسع والعشرون)
10-07-2015, 03:04 PM



الحديث التاسع والعشرون


(عَن مُعَاذ بن جَبَل رضي الله عنه قَال: قُلتُ يَا رَسُول الله َأخِبرِني ِبعَمَل يُدخُِلني الجنََّة وَيُبَاعدني من النار قَال: َلَقدْ سََألْتَ عَنْ عَظِيْم وَِإنَّهُ َليَسِيْرٌ
عََلى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَاَلى عََليْهِ: تَعْبُدُ اللهَ َ لاتُشِْركُ ِبهِ شَيَْئا، وَتُقِيْمُ الصَّلاة، وَتُؤتِي الزَّكاة، وَتَصُومُ رَمَضَان، وَتَحُجُّ البَيْتَ. ُثمَّ قَال: َألا َأدُلُّكَ عََلى َأبْوَاب الخيِْر: الصَّوْمُ جُنٌَّة، وَالصَّدََقةُ تُطْفِئُ الخطِيَْئَة َ كمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاُة الرَّجُل فِي جَوْفِ اللَّيْل ُثمَّ تَلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجع) (السجدة: من الآية ١٦ ) حَتَّى بََلغ: (يَعَْلمُون) ُثمَّ قَال: َألا أُخِْبرُكَ ِبرَأْس الأَمِْر وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ ُقلْتُ: بََلى يَارَسُول اللهِ، قَال: رَأْسُ الأَمِْر الإِسْلامُ وَعَمُودُهُ الصَّلاُة وَذروَُة سَنَامِهِ الجِهَادُ ُثمَّ قَال: َألا ُأخِبرُكَ ِبملاكِ َذلِكَ كُلِّهِ؟ ُقلْتُ: بََلى يَارَسُول اللهِ. َفَأخَذ ِبلِسَاِنهِ وَقَال: ُ كفَّ عََليْكَ هَذا. ُقلْتُ يَانَِبيَّ اللهِ وَِإنَّا َلمُؤَاخَ ُ ذون ِبمَا نَتَكلَّمُ ِبهِ؟ فَقَال: َثكَِلتْكَ أُمُّكَ يَامُعَاُذ. وَهَلْ يَكبُّ النَّاسَ فِي النَّار عََلى وُجُوهِهمْ َأو قَال: عََلى مَنَاخِِرهِمْ ِإلاَّ
حَصَائِدُ َألسِنَتِهمْ.) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.



الشرح

هِمَمُ الصحابة رضي الله عنهم عالية، فلم يقل: أخبرني بعمل أكسب فيه العشرة عشرين أو ثلاثين أو ما أشبه بذلك، بل قال: َأخِبرِني ِبعَمَل يُدخُِلني الجنََّة وَيُبَاعدني من النارَ. . . أي يكون سببًا لدخول الجنة والبعد عن النار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم َلَقد سَأَلتَ عَنْ عَظيم أي والله عظيم، هذه هي الحياة، أن تدخل الجنة وتبتعد عن النار، هذا هو الفوز والفلاح، قال الله عزّ وجل: (َفمَنْ زُحِْزحَ عَن النَّار وَأُدْخِل الْجَنََّة َفَقدْ فَازَ) (آل عمران: من الآية ١٨٥ ) ولهذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عظيم، ولكن الحمد لله. وَِإنهُ ليَسيرٌ عَلى مِنْ يَسرَهُاللهُ عََليه - اللهم يسره علينا يا رب العالمين - وصدق النبي صلى الله عليه وسلم فإن الدين الإسلامي مبني على اليسر، قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ ِبكُمُ اْليُسْرَ وَلا يُرِيدُ ِبكُمُ اْلعُسْرَ) البقرة: من الآية ١٨٥
ومبني على السمح قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهو يبعثهم إلى
الجهات: يَسِّروا ولا تُعَسِّروا، بَشِّروا وَ َ لا تُنَفِّروا، َفِإنَمَا بُعِثتُم مُيَسِّرين وََلم تُبعَثوا مُعَسِّرين، وقال: ِإنَّ هذا الدينُ يُسر، وََلن يُشَاد الدينَ َأحَدٌ ِإلاَّ َ غَلبَهُ، فهو يسير لكن لمن يسره الله عليه، ثم شرح ذلك فقال: تَعبُدَ اللهَ بمعنى تتذلل له بالعبادةحبًا وتعظيمًا، مأخوذ من قولهم: طريق معبد أي ممهد ومهيأ للسير عليه، لا تعبدالله وأنت تعتقد أن لك الفضل على الله، فتكون كمن قال الله فيهم (يَمُنُّون عََليْكَ َأن َأسَْلمُوا ُقل لا تَمُنُّوا عََليَّ ِإسْلامَ ُ كمْ) (الحجرات: من الآية ١٧ ) هذا وهم لميمنوا على الله تعالى، بل على الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، اعبد الله تعالى تذل ً لا له ومحبة وتعظيمًا، فبالمحبة تفعل الطاعات، وبالتعظيم تترك المعاصي. لا تُشِرك ِبهِ شيئًا أي شي يكون حتى الأنبياء، بل الأنبياء ما جاؤوا إلا لمحاربة الشرك،فلا تشرك به شيئًا لا ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرس ً لا، والعبادة لها شروط نذكرها إن شاء الله في الفوائد. قال: وَتُقيم الصَلاَة، وَتُؤتي الزكَاَة، وَتَصوم رَمَضَان، وَتَحُج البَيتَ هذه أركان الإسلام الخمسة، وقد مرت. ثم قال: َألا َأدُلُّكَ عََلى َأبوَاب الخير أبواب أي مسائل، وأبواب تستعمل في الباب الذي يفتح للداخل والخارج، وتستعمل في المسائل، ومن هذا قول العلماء في مؤلفاﺗﻬم: هذا الباب في كذا وكذا. وقول المحدثين: لا يصح في هذا الباب شيء، أي لا يصح في هذه المسألة شيء. فقوله: َأبوَاب الخير أي مسائل الخير، ويجوز أن يكون المراد به الباب المعروف الذي يكون منه الدخول والخروج. َألا َأدُلُّكَ عََلى َأبوَاب الخير

والجواب: بلى، لكن حذف للعلم به، لأنه لابد أن يكون الجواب بلى.

قال: الصَّومُ جنٌة أي مانع يمنع صاحبه في الدنيا ويمنع صاحبه في الآخرة. أما

في الدنيا فإنه يمنع صاحبه من تناول الشهوات الممنوعة في الصوم، ولهذا يُنهى الصائم أن يقابل من اعتدى عليه بمثل ما اعتدى عليه، حتى إنه إذا سابه أحد أو شاتمه يقول: إني صائم. وأما في الآخرة فهو جُنٌَّة من النار، يقيك من النار يوم القيامة.

والصوم: التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب

الشمس. وَالصَّدََقة تُطفِىء ا َ لخطيَئة َ كمَا يُطفِىء المَاءُ النَّارَ الصدقة مطلقًا سواء الزكاة الواجبة أو التطوع، و سواء كانت قليلة أو كثيرة. تُطفِىء ا َ لخطيَئة أي خطيئة بني آدم، وهي المعاصي. َ كمَا يُطفِىء المَاءُ النَّارَ والماء يطفىء النار بدون تردد، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم الأمر المعنوي بالأمر الحسي. وَصَلاُة الرّجُل في جَوفِ اللَّيل هذه معطوفة على قوله الصدقة أي وصلاة الرجل في جوف الليل تطفىء الخطيئة، وجوف الليل وسطه كجوف الإنسان. ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجع يَدْعُون رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَْقنَاهُمْ يُنْفُِقون َفلا تَعَْلمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ َلهُمْ مِنْ قُرَّةِ َأعْيُن جَزَاءً ِبمَا َ كانُوا يَعْمَُلون)السجدة: ١٦
قرأ (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجع) هذا في وصف المؤمنين، أي أﻧﻬم لا ينامون (يَدْعُون رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) إن ذكروا ذنوﺑﻬم خافوا، وإن ذكروا فضل الله طمعوا، فهم بين الخوف و الرجاء، (وَمِمَّا رَزَْقنَاهُمْ يُنْفُِقون) (من) هنا إما أنتكون للتبعيض والمعنى ينفقون بعضها، أوتكون للبيان، والمعنى ينفقون مما رزقهم الله عزّ وجل قلي ً لا كان أو كثيرًا (َفلا تَعَْلمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ َلهُمْ مِنْ قُرَّةِ َأعْيُن جَزَاءً ِبمَا َ كانُوا يَعْمَُلو َ ن) (السجدة: ١٧ )، استشهد النبي صلى الله عليه وسلم ﺑﻬذه الآية على فضيلة قيام الليل، ثم قال: َألا ُأخِبرُكَ ِبرََأس الأَمِر، وَعَمودِهِ، وذِروَةِ سِنَامِهِ ثلاثة أشياء: قُلتُ: بََلى يَا رَسُو َ ل الله، قَال: رََأسُ الأَمِر الإِسلام أمر الإنسان الذي من أجله خُلِقَ، رأسه الإسلام، أي أن يسلم لله تعالى ظاهرًا وباطنًا بقلبه وجوارحه. وَعَمودِهِ الصلاة أي عمود الإسلام الصلوات، والمراد ﺑﻬا الصلوات الخمس، وعمود الخيمة ما تقوم عليه، وإذا أزيل سقطت. وَذِروَةِ سِنَامِهِ الجِهَاد في سَبيل الله ذكر الجهاد أنه ذروة السنام، لأن الذروة أعلى شيء، وبالجهاد يعلو الإسلام، فجعله ذروة سنام الأمر، قال الله تعالى: (وَلا تَهنُوا وَلا تَحْزَنُوا وََأنْتُمُ الَْأعَْلوْن ِإن ُ كنْتُمْ مُؤْمِِنينَ) (آل عمران: ١٣٩ ) وقال عزّ وجل: (َفلا تَهنُوا وَتَدْعُوا ِإَلى السَّلْم وََأنْتُمُ الَْأعَْلوْن وَاللَّهُ مَعَكُمْ) (محمد: ٣٥ ) وقوله: الجهاد يعني في سبيل الله عزّ وجل والجهاد في سبيل الله بينه النبي صلى الله عليه وسلم أتم بيان، فقد_سئل عن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: مَن قَاتَل لِتَكون َ كلِمَُة اللهِ هي العُليَا َفهوَ في سَبيل اللهِ، فهو لم يجب عن الثلاثة التي سئل عنها بل ذكر عبارة عامة، فقال: مَن قَاتَل لِتَكون كَلِمَُة اللهِ هي العُليَا فَهوَ في سَبيل اللهِ ثم قال: َألا ُأخِبرُكَ ِبمَلاك ذَلكَ ُ كله ملاك الشيء ما يملك به، والمعنى ما تملك به كل هذا. قُلتُ: بََلى يَا رَسُول الله، قَال: َفَأخذ ِبلِساِنهِ وَقَال: ُ كفَّ عَليكَ هَذا أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه وقال: ُ كفَّ عَليكَ هَذا أي لاتطلقه في القيل والقال، وقد تقدم قوله: مَنْ كَان يُؤمِنُ ِباللهِ وَاليَوِم الآخِِر َفليَُقل خَيرًَا َأو ليَصمُت فلا تتكلم إلا بخير. قُلتُ: يَا نَبيّ الله وَِإنَّا َلمؤاخِذون ِبما نَتَكّلم ِبه الجملة خبرية لكنها استفهامية والمعنى: أإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ يعني أن معاذًا رضي الله عنه تعجب كيف يؤاخذ الإنسان بما يتكلم به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم حثًا على أن يفهم: َثكِلَتكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذ أي فقدتك، وهذه الكلمة يقولها العرب للإغراء والحث، ولا يقصدون ﺑﻬا المعنى الظاهر، وهو أن تفقده أمه، لكن المقصود ﺑﻬا الحث والإغراء. وقال بعض العلماء: إن هذه الجملة على تقدير شرط والمعنى: ثكلتك أمك يا معاذ إن لم تكف لسانك، ولكن المعنى الأول أوضح وأظهر، وأﻧﻬا تدل على الإغراء والحث، ولهذا خاطبه بالنداء فقال: يا معاذ. وَهَل يَُكبُّ النَّاسَ في النار عَلى وجُوهِهم، َأو قَال: عََلى منَاخِرهِم هذا شك من الراوي ِإلا حَصائدُ َألسِنَتِهم أي ما يحصدون بألسنتهم من الأقوال. لما قال هذا الكلام اقتنع معاذ رضي الله عنه وعرف أن ملاك الأمر كف اللسان، لأن اللسان قد يقول الشرك، وقد يقول الكفر، وقد يقول الفحشاء، فهو ليس له حد.





  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية محبة الشهادة
محبة الشهادة
مشرفة سابقة
  • تاريخ التسجيل : 13-06-2013
  • الدولة : فلسطين ,غزة,
  • المشاركات : 6,406

  • وسام ذكرى المولد 

  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • محبة الشهادة has a spectacular aura aboutمحبة الشهادة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية محبة الشهادة
محبة الشهادة
مشرفة سابقة
رد: فَاتَّبِعُونِي (الحديث التاسع والعشرون)
10-07-2015, 03:40 PM



من
فوائد هذاالحديث:

١- حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم، ولهذا يكثر منهم سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن العلم. ولكن هل سؤالهم رضي الله عنهم ﻟﻤﺠرد أن يعلموا بالحكم، أولأجل أن يطبقوه؟ الجواب: الثاني، عكس ما يفعله بعض الناس اليوم، حيث يسأل ليعرف الحكم فقط، ثم هو بالخيار إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل،وهذا غلط، بل اجعل غايتك من العلم العمل به دون الاطلاع على أقوال الناس.ولهذا تجد بعض الناس يسأل هذا العالم وبعد أن يعرف ما عنده، يذهب يسأل عالمًا آخرًا وثالثًا ورابعًا، لأنه لايريد العمل بالعلم، بل يريد الاطلاع فقط، وهذا غلط، لا تسأل عن العلم إلا لهدف واحد وهو العمل.

٢- علو همة معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث لم يسأل عن أمور الدنيا، بل عن أمور الآخرة، حيث قال: َأخِْبرِني عَنْ عَمَل يُدخُِلني الجنََّة ويُبَاعِدُِني مِنَ النَّار وجدير به رضي الله عنه أن يكون ﺑﻬذه المنزلة العالية، لأنه أحد فقهاء الصحابة رضي الله عنهم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن داعيًا ومفتيًا وحاكمًا، فهو رضي الله عنه من أفقه الصحابة.

٣- إثبات الجنة والنار، والإيمان ﺑﻬما أحد أركان الإيمان الستة كما سبق.
٤- أن العمل يدخل الجنة ويباعد عن النار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على هذا. وهنا يقع إشكال وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: َلنْ يَدْخُل َأحَدٌ الجنََّة ِبعَمَلِهِ َقاُلوا: وَلا َأنْتَ يَارَسُول اللهِ؟ قَال: وَ َ لا َأنَا ِإلاَّ َأن يَتَغَمَّدِِنيَ اللهُ ِبرَحْمَتِهِ فكيف يُجمع بين هذا الحديث وبين النصوص الأخرى الدالة على أن
الإنسان يدخل الجنة بعمله؟ أجاب العلماء - رحمهم الله، فقهاء الإسلام، أطباء القلوب والأبدان، ممن علمهم الله ذلك - فقالوا: الباء لها معنيان: تارة تكون للسببية، وتارة تكون للعوض. فإذا قلت: بعت عليك هذا الكتاب بدرهم، فهذه للعوض. وإذا قلت: أكرمتك بإكرامك إياي، فهذه للسببية. فالمنفي هو باء العوض، والمثبت باء السببية. فقالوا: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: َلنْ يَدْخُل َأحَدٌ الجنََّة ِبعَمَلِهِ أي على أن ذلك معاوضة، لأنه لوأراد الله عزّ وجل أن يعاوض العباد بأعمالهم وجزائهم لكانت نعمة واحدة تقضي على كل ما عمل، وأضرب مثلا بنعمة النََّفس، نعمة النفس هذه نعمة عظيمة لايعرف قدرهاإلا من ابتلي بضيق النفس، واسأل من ابتلوا بضيق النفس ماذا يعانون من هذا، والرجل الصحيح الذي ليس مصابًا بضيق النفس لايجد كلفة في التمتع ﺑﻬذه النعمة، فتجده يتنفس وهو يتكلم، ويتنفس وهو يأكل ولايحس بشيء. هذه النعمة لو عملت أي عمل من الأعمال لاتقابلها، لأن هذه نعمة مستمرة دائمًا، بل نقول: إذا وفقت
للعمل الصالح فهذا نعمة قد أضل الله عزّ وجل عنها أممًا، وإذا كان نعمة احتاج إلى شكر، وإذا شكرت فهي نعمة تحتاج إلى شكر آخر، ولهذا قال الشاعر: إذا كان شكري نعمَة اللهِ نعمًة عليَّ لهُ في مثلها يجب الشكرُ فكيفَ بلوغ الشُّكِر ِإلاَّ بفضلهِ وإن طالت الأيام واتّصل العمرُ.


٥- أن هذا السؤال الذي صدر من معاذ رضي الله عنه سؤال عظيم، لأنه في الحقيقة هو سر الحياة والوجود، فكل موجود في هذه الدنيا من بني آدم أو من الجنّ غايته إما الجنة وإما النار، فلذلك كان هذا السؤال عظيمًا.

٦- أن هذا وإن كان عظيمًا فهو يسير على من يسره الله عليه.
٧- أنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله تعالى التيسير، أن ييسر أموره في دينه ودنياه، لأن من لم ييسر الله عليه فإنه يصعب عليه كل شيء.
٨- ذكر أركان الإسلام الخمسة، في قوله: تَعْبُدَ اللهَ لاتُشِركْ بهِ شَيئًا، وَتُقِيْمَ الصّلاَة، وَتُؤتِي الزَّكَاَة، وَتَصُومَ رَمَضَان، وَتَحُجَّ البَيْتَ ولم يذكر الرسالة، لأن عبادة الله تتضمن الرسالة، إذ لايمكن أن يعبد الإنسان ربه إلا بما شرع نبيه.

٩- أن أغلى المهمّات وأعلى الواجبات عبادة الله وحده لاشريك له، أي التوحيد.
١٠ - فضل النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم حيث يأتي بما لم يتحمله السؤال
لقوله: َألا َأدُلُّكَ عََلى َأبْوَاب الخيِْر وهذا من عادته أنه إذا دعت الحاجة إلى ذكر شيء يضاف إلى الجواب أضافه، مثال ذلك: سُئل عن ماء البحر أنتوضّأ به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم في البحر: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيتَتُهُ، الطهور ماؤه هذا
جواب السؤال و الحل ميتته زائد، لكن لماكان الناس في البحر يحتاجون إلى الأكل بين لهم أن ميتته حلال. وقد عاب قوم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - وقالوا: إنه إذا سئل عن المسألة أتى بمسائل كثيرة، فأجاب عن ذلك بعض تلاميذه
وقال: إن هذا من جوده وكرمه في بذل العلم، واستشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر: هوَ الطَّهُورُ ماؤُهُ الحِلُّ مَيتَتُهُ وهو لم يسأل إلا عن الوضوء بماء البحر.

١١ - أن الصوم جنة، وسبق معناها في الشرح، وبناء على هذا فمن لم يكن صومه جنة له فإنه ناقص، ولهذا يحرم على الإنسان تناول المعاصي في حال الصوم. ولكن هل المعاصي تبطل الصوم أو لا؟ فالجواب: إن كان هذا المحرم خاصًا بالصوم أفسد
الصوم، وإن كان عامًا لم يفسده. مثال الأول: يحرم على الصائم الأكل والشرب، فلو أكل أو شرب فسد صومه، كما يحرم على الصائم وغيره الغيبة وهي ذِكْرُكَ َأخَاكَ ِبمَا يَكرَه، فلو اغتاب الصائم أحدًا تحرم غيبته لم يفسد صومه، لأن هذا النهي لايختص بالصوم. هذه القاعدة عند جمهور أهل العلم، وقال بعض أهل
العلم: إذا أتى الصائم بما يحرم ولو على سبيل العموم فسد صومه، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ َلمْ يَدَعْ قَول الزُّور وَالعَمَل ِبهِ وَالجهْل َفَليْسَ للهِ حَاجٌَة فِي َأن يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، لكن ما ذهب إليه الجمهور أصحّ، والحديث إنما
أراد النبي صلى الله عليه وسلم به أن يبين الحكمة من الصوم، لا أن يبين فسادالصوم بقول الزور والعمل بالزور والجهل.

١٢ - أن الصدقة تطفئ الخطيئة، ففيه الحث على الصدقة فإذا كثرت خطاياك فأكثر من الصدقة فإﻧﻬا تطفئ الخطيئة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ُ كلُّ امِْرئ فِي ظِلِّ صَدََقتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبْعٌَة يُظِلُّهُمُ
اللهُ فِي ظلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ ِإلاَّ ظِلُّهُ: إمَامٌ عَادِل، . . إلى َأن قَال: وَرَجُل تَصَدَّقَ ِبصَدََقةٍ
َفَأخَْفاهَا حَتَّى لاتَعَْلمَ شِمَاُلهُ مَا تُنْفِقُ يَمِيْنُهُ، ومعنى الحديث: أنه في يوم القيامة ليس هناك شجر ولامغارات ولاجبال ولابناء يستظل به الناس إلا الظل الذي يخلقه الله عزّ وجل فيظل به عباده، وهو إما ظل العرش كما قيل به، أو غيره. المهم أنه لايجوز أن نعتقد أن المعنى: ظل الله تعالى نفسه، فإن الله تعالى نور السموات والأرض، وحجابه النور، والظل يقتضي ثلاثة أشياء: مُتَ َ ظلَّ ٌ ل عَنْهُ، وَظِلٌّ، وَمُ َ ظلَّ ٌ ل.
والأعلى منها المظلل عنه، ولايمكن أن يكون فوق الله تعالىشيء، بأن يكون الله تعالى هو الوسط بين الشمس وبين العباد، فهذا شيء مستحيل. وليس هذا من باب التأويل كما قيل به، لأن جوابنا على هذا من وجهين: الوجه الأول: أن التأويل إذا دل عليه الدليل فلا مانع منه، فهاهم السلف أولوا المعيّة بالعلم خوفًا بأن يُظن أن المعيّة بالذات في نفس الأرض. وأول الفقهاء قولالله عزّ وجل: (َفِإَذا َقرَأْتَ الُْقرْآن َفاسْتَعِذْ ِباللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم) النحل: ٩٨
بأن المراد إذا أردت أن تقرأ. فالتأويل الذي دل عليه الدليل ليس تحريفًا، بل هو تفسير الكلام. الوجه الثاني: أن التأويل المذموم هو التحريف، بأن يصرف الكلام عن ظاهره إلى معنى يخالف الظاهر بلا دليل.

١٣ - أن الخطيئة فيها شيء من الحرارة لأنه يعذب عليها الإنسان بالنار، والماء فيه شيء من البرودة، ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالماء يطفىء النار.

١٤ - حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، وما أكثر ما يمر علينا حسن تعليمه صلوات الله وسلامه عليه، لأن حسن تعليمه من تمام تبليغه وذلك بقياس الأشياء المعنوية على الأشياء الحسية، كما في قوله: تُطْفِئُ الخَطِيَئَة َ كمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ.

١٥ - الحث على صلاة الليل، وبيان أﻧﻬا تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار.
١٦ - استدلال النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن مع أن القرآن أنزل عليه، لكن القرآن يستدل به لأن كلام الله تعالى مقنع لكل أحد، ولهذا تلا هذه الآية : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ) (السجدة: من الآية ١٦ ) فإن قال قائل: لم يذكر في الحديث أنه استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد قال الله تعالى: (َفِإَذا َقرَأْتَ الُْقرْآن فَاسْتَعِذْ ِباللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم) (النحل: ٩٨ ) فالجواب: أن هذه الآية لا يراد
ﺑﻬا التلاوة، وإنما يراد ﺑﻬا الاستدلال، والآية الكريمة: (َفِإَذا َقرَأْتَ الُْقرْآن) يعني للتلاوة، وأحاديث كثيرة من هذا النوع يُذكر فيها الاستشهاد بالآيات، ولا يذكر فيها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم. مسألة: كثير من الأخوة إذا أراد أن يقرأ قال: قال الله عزّ وجل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ِإنَّا َأنْزَْلنَاهُ فِي َليَْلةِ الَْقدْر)
(القدر: ١) وهذا تخليط، لأنه إذا قال: قال الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أدخل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في مقول القول، وهذا غلط، وإذا كان ولابد أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فقلها قبل، أي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى. ولكن الذي مرّ علينا كثيرًا أن ما قصد به
الاستدلال فإنه لايتعوّذ فيه بخلاف ما قصد فيه التلاوة، والآية ظاهرة: (َفِإَذا َقرَأْتَ الُْقرْآن فَاسْتَعِذْ ِباللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم) النحل: ٩٨
١٧ - فضيلة أولئك القوم الذين تتجافى جنوﺑﻬم عن المضاجع، لأﻧﻬم يشتغلون
بالصلاة يدعون رﺑﻬم خوفًا وطمعًا، وليس الذين تتجافى جنوﺑﻬم عن المضاجع في
اللهو واللغو والحرام، فإن هؤلاء بقاؤهم ساهرين إما مكروه، وإما محرّم حسب مايشتغلون به.
١٨ - ومن فوائد الآية التي استشهد ﺑﻬا النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ينبغي للإنسان أن يكون عند دعوة الله عزّ وجل خائفًا راجيًا، لقوله: (يَدْعُو َ ن رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) (السجدة: من الآية ١٦ ) والمراد دعاء العبادة ودعاء المسألة، فأنت إذا عبدت الله كن خائفًا راجيًا، تخاف أن لايقبل منك، كما قال الله عزّ وجل:
(وَالَّذِينَ يُؤْتُون مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجَلٌة) (المؤمنون: من الآية ٦٠ ) أي خائفة أن لا يقبل منها، ولكن أحسن الظن بالله. وأيضًا: كن راجيًا ربك عزّ وجل حتى تسير إلى الله بين الخوف والرجاء. وهذه مسألة اختلف فيها أرباب السلوك: هل الأولى أن يغلب الإنسان جانب الرجاء، أو الأولى أن يغلب جانب الخوف، أو يجعلهما سواء؟ فقال الإمام أحمد - رحمه الله-: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا، فأيهما غالب هلك صاحبه. وقال بعض أهل العلم: ينبغي عند الموت أن يغلب جانب الرجاء، وفي حال الصحة يغلب جانب الخوف، قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لايَمُوتَنَّ َأحَدُكُمْ ِإلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ، أما في حال الصحة
فيغلب جانب الخوف لأجل أن يحمله خوفه على الاستقامة. وقال بعض أهل العلم: في حال فعل الطاعة يغلب جانب الرجاء، وفي حال الهمّ بالمعصية يغلب جانب الخوف، وهذا حسن. ووجه الأول أنه في حال الطاعة يغلب جانب الرجاء هو أنه يقول: إن الذي منَّ عليَّ ﺑﻬذه الطاعة سيمنُّ عليَّ بقبولها، فيجعل منّة الله
تعالى عليه ﺑﻬا دلي ً لا على منّة الله تعالى عليه بقبولها، ويغلب جانب الرجاء، ويقول: قمت بما أمرت به وأرجو من الله الثواب. أما إذا همّ بالمعصية فيغلب جانب الخوف لئلا يقع في المعصية، وهذا القول من حيث المعنى أحسن الأقوال، لكن مع ذلك لا نحكم به على كل فرد، إذ قد يعرض للإنسان حالات يغلب فيها الرجاء وحالات يغلب فيها الخوف، لكن نحن نتكلم عن الخوف والرجاء من حيث هما، لا باعتبار كل واحد من الناس.

١٩ - ومن فوائد الحديث في ضمن الآية : فضيلة الإنفاق مما رزق الله العبد، لقوله: (السجدة: ١٦ ). وهل المراد الرزق الطيب أو مطلق الرزق؟ الآية مطلقة، ولكن من اكتسب ما ً لا محرّمًا، أو أنفق ما ً لا محرّمًا فلا مدح له، كمن سرق ما ً لا ثم ذهب يتصدق به، فلا يستقيم. أو تصدق بخنزير فلا يستقيم. وعلى هذا يكون المراد بالرزق في الآية الرزق الطيب.

٢٠ - ومن فوائد الحديث: أن رأس الأمر - أي أمر الدنيا والآخرة- الإسلام. والإسلام هوما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، إذ بعد بعثته لا إسلام إلا ما كان على شريعته، وعلى هذا فلو سألك سائل: هل اليهود مسلمون؟ هل النصارى مسلمون؟ فالجواب: أن اليهود في حال قيام شريعة التوراة إذا اتبعوها
فهم مسلمون، وكذلك النصارى في حال قيام الإنجيل إذا اتبعوه فهم مسلمون، ولهذا في القرآن الكريم ذكر الإسلام لهؤلاء وهؤلاء. وأما بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فإن كل من كفر به ليس بمسلم حتى لو قال: أني أسلمت.

٢١ - أن الصلاة عمود الدين، والعمود لا يستقيم البناء إلا به. ويتفرّع على هذا: أن من ترك الصلاة فهو كافر، لأن العمود إذا سقط لم يستقم البناء، وهذا القول هو القول الراجح الذي دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم حتى حكي هذا القول إجماعًا من الصحابة، وهو مقتضى النظر والقياس، إذ كيف يمكن لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يحافظ على ترك الصلاة؟ لايمكن هذا أبدًا.وقد كتبنا في هذا رسالة موجزة - والحمد لله - لكنها تضمنت ذكر الأدلة على كفر تارك الصلاة والجواب عن قول من يقول: إنه لا يكفر. وليس عند من
يقول إنه لا يكفر دليل، إلا نصوصًا عامة تخص بنصوص كفر تارك الصلاة، أو نصوص قيدت بما لايمكن مع هذا القيد أن يترك الصلاة، أو نصوص قيدت بقيود لا يمكن معها ترك الصلاة. المهم على كل حال هذه الرسالة ينبغي لكل إنسان أن
يقرأها متجردًا عن الهوى، وفي ظني أنه لو شاع هذا القول بين الناس لارتدع كثير من الناس عن ترك الصلاة، وأما إذا قيل: ترك الصلاة فسق من الفسوق فكثير من الناس لا يبالي أن يكون فاسقًا أو مستقيمًا. ويرى بعض أهل العلم من السابقين
واللاحقين أن ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها بلا عذر كفر. ولكن الذي أرى: أنه لا يكفر إلا إذا ترك الصلاة ﻧﻬائيًا.

٢٢ - أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، والذروة هو الشيء العالي، لأنه إذا استقام الجهاد فمقتضاه أن المسلمين تكون كلمتهم هي العليا، وهذا ذروة السنام. ولكن يقيد هذا الإطلاق بما إذا كان الجهاد في سبيل الله عزّ وجل يتعيّن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية - أي حمية لقومه وعصبية ويقاتل شجاعة - أي لأنه شجاع، والشجاع يحب القتال، ويقاتل ليرى مكانه، وفي لفظ: ويقاتل رياءً، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فعدل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا كله وقال: مَنْ َقاتَل لِتَكون َ كلِمَةُ اللهِ هِيَ العُليَا َفهُوَ فِي سَِبيْل اللهِ هذا الميزان.
ولذلك نجد الذين قاتلوا حميّة ممن ينتسبون للإسلام لم ينجحوا، ولن ينجحوا، فماذا حصل من قتال العرب لليهود؟ حصل الفشل، وحصلت الهزيمة لأﻧﻬم لايقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، بل يقاتلون: للقومية العربية، هذه القومية حصل بسببها من المفاسد بأن دخل فيهم النصارى واليهود العرب مادام مناط الحكم هو العروبة، كما دخل فيهم الشيوعيون وغيرهم إذا كانوا عربًا، ولايعقل أن يهوديًا أو نصرانيًا أو شيوعيًا يقاتل لحماية الإسلام. وخرج الملايين من المسلمين من غير العرب وصار في نفوسهم شيء وقالوا: لماذا تخرجوننا من القتال؟ ولهذا صارت الهزيمة والفشل الذي ليس بعده استرداد للعزة والعلو، وإلا قد يكون
هزيمة يبتلي الله ﺑﻬا كما حصل في أحد ولكن استردّ المسلمون عزهم وعلوّهم. أما نحن فلن نزال في أرجوحة، كان الناس في عنفوان العروبة - كما يقولون- عندهم ثلاث لاءات يسمّوﻧﻬا اللاءات الثلاث: لاصلح، لاسلام، ولا استسلام. والآن
يهود براك الخبيث جاء بخمس لاءات، والعرب الآن يلهثون وراءهم يطلبون الصلح، ولكنه ليس بحاصل إلا على ثروات العرب، وربما دمائهم أيضًا. فالمهم: أن الجهاد المحمود المفروض على ا لمسلمين هو: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.

٢٣ - أن ملاك هذا كله كف اللسان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: َألا أُخِْبرُكَ ،ِبملاكِ َذلِكَ كُلِّهِ
٢٤ - خطورة اللسان، فاللسان من أخطر ما يكون، فإن الإنسان ربما يتكلم بالكلمة من غضب الله لا يلقي لها با ً لا يهوي ﺑﻬا في النار كذا وكذا، سنوات، وهو لم يلق لها با ً لا، يتكلم بكلمة الكفر لا يلقي لها با ً لا فيكفر ويرتد - والعياذ بالله - والغيبة الآن ملأت اﻟﻤﺠالس إلا ماشاء الله، وهي من آفات اللسان. والكذب من آفات اللسان، والسبّ مقابلة وجهًا لوجه من آفات اللسان، والنميمة من آفات اللسان، فإذا حفظ الإنسان لسانه حفظه الله عزّ وجل، ولهذا جاء في الحديث: مَنْ يَضْمَنُ لِي مَابَيْنَ َلحْيَيْهِ وَفخِذيْهِ َأضمَنُ َلهُ الجنََّة، أي من كفَّ عن
الزنا وعن القول المحرّم فإنه يدخل الجنة.

٢٥ - التعليم بالقول وبالفعل، لقوله: َأخَذ ِبلِسَاِنهِ وَقَال: ُ كفَّ عََليْكَ هَذا ولم يقل: كفّ عليك لسانك، بل أخذ بلسانه وقال: كفّ عليك هذا، لأنه إذا حصل الفعل رأت العين وانطبعت الصورة في القلب بحيث لاينسى، والمسموع ينسى لكن المرئي لاينسى، بل يبقى في صفحة الذهن إلى ماشاء الله عزّ وجل. ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم أحيانًا يعلمون الناس بالفعل، ومن ذلك لما سئل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه عن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، دعا بماء وتوضّأ أمام الناس، حتى يفقهوا ذلك بالفعل.

٢٦ - أن الصحابة رضي الله عنهم لايبقون في نفوسهم إشكا ً لا ولاقلقًا، بل يسألون عنه حتى ينكشف الأمر، قال معاذ رضي الله عنه: وإنَّا لمؤاخذون بما نتكّلم به؟ وهذا إشكال يرد، لأن الإنسان إذا كان مؤاخذًا بما يتكّلم به فما أكثر المؤاخذة لكثرة الكلام فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: ومن هنا نأخذ فائدة
عظيمة وهي: أن ما لم يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم ولم يرد في الكتاب والسنة من مسائل الاعتقاد فالواجب الكفّ عنها، فإذا سألك إنسان عن شيء في الاعتقاد، سواء في أسماء الله، أو صفات الله أو أفعال الله، أو في اليوم الآخر أو غيره ولم يسأل عنه الصحابة فقل له: هذا بدعة، لو كان خيرًا لسبقونا إليه لأﻧﻬم
- والله - أحرص منا علىالعلم، وأشد منا خشية لله تعالى.

٢٧ - جواز إطلاق القول الذي لايقصد وإنما يدرج علىاللسان، لقوله: َثكَِلتْكَ أُمُّكَ يَامُعَاُذ هذه الكلمة دعاء، لكنها تجري على الألسن لقصد الحث لا للدعاء، وهي موافقة للقاعدة الشرعية، وهي أن الله تعالى لا يؤاخذ باللغو كما قال اللهتعالى:
(لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ ِباللَّغْ ِ و فِي َأيْمَاِنكمْ وََلكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ ِبمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَان)
(المائدة: من الآية ٨٩ )
وفي الآية الأخرى: (َلا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ ِباللَّغْ ِ و فِي َأيْمَاِنكمْ

وََلكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ ِبمَا َكسَبَتْ ُقلُوبُكمْ) (البقرة: من الآية ٢٢٥ ) وعلى هذا فما يجري على اللسان من الأيمان لا يؤاخذ به الإنسان، فمث ً لا: دائمًا يقول لك صاحبك: هل ستذهب إلى فلان؟ فتقول: لا والله لن أذهب إليه، ثم تذهب، فلا كفارة عليك، لأن هذا جرى على اللسان بلا قصد، فما لايعقد عليه القلب فإنه ليس بشيء، ولا يؤاخذ به الإنسان.

٢٨ - أن أهل النار - والعياذ بالله - قد يكبون في النار على وجوههم، لقوله: وَهَلْ يَكبُّ النَّاسَ فِي النَّار عََلى وُجُوهِهِم أوقال: عََلى مَنَاخِرِهِم وهذا اختلاف لفظ والمعنىواحد، لأن المنخر في الوجه، واسمع قول الله عزّ وجل: (َأَفمَنْ يَتَّقِي
ِبوَجْههِ سُوءَ الْعَذَاب) (الزمر: من الآية ٢٤ ) العادة أن الإنسان يتقي العذاب بيده، لكن أهل النار - أجارنا الله منها بمنّه وكرمه - لا يستطيعون، تلفح وجوههم النار، يتقي بوجهه سوء العذاب وهذا دليل على كمال الإهانة، لأن الوجه محل الإكرام، فإذا أهين إلى هذا الحد فهذا غاية ما يكون من الذ ّ ل، قال الله تعالى:
(وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُون عََليْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظرُون مِنْ َ طرْفٍ خَفِيٍّ) الشورى: من الآية ٤٥

٢٩ - الحذر من إطلاق اللسان، وقد مرّ علينا في الأحاديث السابقة مَنْ َ كان يُؤمِنُ باللهِ وَاليَوِم الآخِِر َفْليَُق ْ ل خَيرًَا َأو لِيَصْمُتْ والله لو سرنا على هذا لسلمنا من أشياء كثيرة، وما أكثر ما يقول الإنسان شيئًا ثم يندم في الحال، لكن الكلمة إذاخرجت
فهي كالرصاصة تخرج من البندق، لايمكن ردّها، لكن مادامت في قلبك يمكنك أن تتح ّ كم فيها.





مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 07:34 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى