إزالة الرماد عن لغة الضاد
18-12-2017, 11:32 AM
إزالة الرماد عن لغة الضاد
محمد عبد الرحمن صادق
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
• إن اللغة العربية من أعرق وأثرى اللغات التي عرفَتها البشرية؛ فاللغة العربية هي لغة القرآن ولغة الصلاة، وبها دُوِّنَت الشعائر الدينية للمسلمين ولغير المسلمين، وتُعد اللغة العربية من اللغات الرَّسمية الست في منظمة الأمم المتحدة، ويتم الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر من كل عام.
• ولقد سُمِّيَت اللغة العربية بـ (لغة الضاد)؛ وذلك لأن هذا الحرف (ض): لا يوجد في لغة أخرى سوى اللغة العربية، وأن أصحاب اللغات الأخرى يجدون صعوبةً في تعلُّمه وفي نطقه، ومَن لا يستقم لسانه بهذا الحرف، لا يستقم في قراءة القرآن، ولا في تذوُّق اللغة العربية وأدبها.
• ولقد اعتنى العرب باللغة العربية قبل الإسلام عناية بالغة، وحفظوها من التغيير، فعدوا الخطأ فيها عيبًا يُعيَّر به الإنسان، ولقد كانوا يُعلنون عن بدائع شعرهم وخطبهم في أسواقهم المشهورة أيام مواسم الحج، فكان علمهم الحق هو: أدب لغتهم، وهو علمهم العقلي الوحيد.
• وبعد ظهور الإسلام استمرَّ هذا الاهتمام باللغة العربية وعلومها؛ فهبَّ اللغويون يجمعون اللغة ويدوِّنونها؛ خوفًا من تداخل الألسن واللهجات، فارتحلوا إلى البوادي التي لم يختلط أهلها بالأعاجم، وشافهوا الأعرابَ، ودوَّنوا عنهم اللغة.
• عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع أعرابيًّا يَلحن[1] في كلامه، فقال: ((أرشِدوا أخاكم؛ فإنه قد ضلَّ))؛ أي: أخطأ.
• قال الإمام الشافعي: "على كل مسلم أن يتعلَّم من لسان العرب: ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله تعالى، وينطِق بالذِّكر فيما افتُرِض عليه من التكبير، وأُمِر به من التسبيح والتشهُّد وغير ذلك، وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان مَن ختم به نبوَّته، وأنزل به آخر كتبه، كان خيرًا له".
• وفي العقود الماضية نجد أنَّ هناك إهمالًا ملحوظًا من أهل هذه اللغة في شأنها والحفاظ عليها، مما أدَّى إلى سيطرة لغات أخرى؛ فلقد أصبحت المناهج الدراسية باللغات الأجنبية، والمؤتمرات تُعقد باللغات الأجنبية، والوظائف تتطلَّب خبرة في اللغات الأجنبية، ولافتات الشَّركات تكتب باللغات الأجنبية، ويتهافت الناس على المنتجات ذات الماركات الأجنبية... إلخ.
• وكل هذه المقدمات أدَّت إلى خروج جيل لا يعتزُّ بعروبته، ولا يجعلها له قِبلة، ولا يجعل الاستقرار في بلادها أملًا أو طموحًا، ومما زاد الطِّين بِلَّة: أن أدَّى هذا الهوس بكلِّ ما هو أجنبي، وهذا النهم في تعلُّم اللغات الأجنبية - إلى ظهور لغة بين الشباب يسمونها:(فرانكو أراب) أو (عربيزي)؛ يدمجون فيها الحروفَ العربية مع الحروف الأجنبية؛ لتخرج لغة شبابيَّة جديدة يتواصلون بها، ويتفاهمون من خلالها، فكانوا مسخًا جديدًا، ما أنزل الله تعالى به من سُلطان، ولا عرفَت له البشريَّة مثيلًا.
• وللتدليل على عظمة اللغة العربية ووجوب اعتزازنا بها دون سائر اللغات، يكفينا أن نعرف أنها لغة الإيجاز غير المخلِّ، والإطناب غير الممِل؛ فمثلًا سورة (الفاتحة) المكونة من 31 كلمة عند ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية بلغت أكثر من 70 كلمة؛ (كما ورد في تفسير معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية - الدكتور محمد محسن خان والدكتور محمد تقي الدين الهلالي).
• لقد أخطأ من قال: إن (الإلياذة)[2] هي أطول قصيدة عرفها التاريخ؛ فإنَّه لا يعرف في الأمم من ينافس العرب في ذلك؛ فهذا: محمد بن أحمد بن الربيع الشافعي المتوفى سنة 335 له قصيدة في أخبار العالم، ذكر فيها أخبارَ العالم وقصصَ الأنبياء وكتاب المزني وكتب الطب والفلسفة في ثلاثين ألفًا ومائة ألف بيت، وقبله: بشر بن المعتمر الهلالي البغدادي المتوفى سنة 310 له قصيدة في أربعين ألف بيت، وللبشير الإبراهيمي الجزائري قصيدة رجزية[3] في 36 ألف بيت نظمها في السجن.
أولًا: أهمية اللغة العربية في القرآن الكريم:
لقد نوَّهَت آيات عديدة في القرآن الكريم بأهمية اللغة العربية، نذكر منها:
• قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
• قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾.
• قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾.
• قال تعالى: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
• قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾.
• قال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾.
ثانيًا: القرآن عربي يُفْهم وفق قواعد اللغة العربيَّة:
لا ينبغي أن يُفْهم القرآن الكريم إلا وفق قواعد اللغة العربيَّة الصحيحة، فإذا أطحت بهذه القواعد، وأهملتها جانبًا، وألقيتها وراء ظهرك - فلست مؤهَّلًا لأن تفهم كلام الله، طبعًا أنا لا أقول: إنَّ فهم قواعد اللغة العربيَّة وحده يكفي في فهم كلام الله، لكن فهم قواعد اللغة العربيَّة: شرطٌ لازمٌ غير كافٍ؛ حيث إنَّ ظاهرة الإعراب ظاهرة تتفرَّد بها العربية عن غيرها من اللغات الأخرى، وهذه الظاهرة من أعظم النعم ومن أجمل خصائص العربية، رغم أن الكثيرين يعانون منها؛ فهي تجعلك تتحدَّث بأريحية كاملة، تُقدِّم وتؤخر الألفاظ كما تشاء يحوطك الإعراب بحمايته الكاملة، بعكس ما نجد في اللغات الأخرى[4].
• يقول الشيخ حسن رحمه الله: " والعرف الخاطئ لا يغيِّر حقائق الألفاظ الشرعية، بل يجب التأكُّد من حدود المعاني المقصود بها، والوقوف عندها، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدِّين، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء".
• كما يقول أيضًا: "ولا نكفِّر مُسلمًا أقرَّ بالشهادتين وعمل بمقتضاهما، وأدى الفرائض - برأي أو بمعصية، إلَّا إن أقرَّ بكلمة الكفر، أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، أو كذَّب صريح القرآن، أو فسَّره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملًا لا يحتمل تأويلًا غير الكفر".
ثالثًا: تعلم اللغة العربية فرض واجب:
إن فهم الكتاب والسنَّة فرض واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ أوضح مثل: الوضوء، فالوضوء فرض، مع أنَّ الوضوء ليس صلاة، لكن الصلاة التي هي فرض: لا تتمُّ إلا بالوضوء، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنَّة إلا به فهو سنة، كتب عمر الفاروق إلى أبي موسى الأشعري: "أما بعد، فتفقَّهوا في السنَّة، وتفقهوا في اللغة العربية، وأعربوا القرآن؛ فإنه عربي".
• مثال: الإنسان إذا قرأ قولَه تعالى على هذا الشكل: (إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ): برفع لفظ الجلالة، ونصب كلمة العلماء.
الله هو الذي يَخشى العلماء!!؟، فهذا القارئ بطلَت صلاته بحرَكة واحدة:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )، فأحيانًا حرَكة واحدة: قد تُفسِد صلاتك[5].
رابعًا: فقه العربيَّة هو: الطريق إلى فقه أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم:
كتَب سيدنا عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: "أما بعد، تفقَّهوا في السنَّة، وتفقَّهوا في العربية، وأعربوا القرآن؛ فإنه عربي".
• فقه العربية هو الطَّريق إلى فِقه أقواله صلى الله عليه وسلم، وفقه أقواله هو الطريق إلى فقه أفعاله، إذًا: "تعلَّموا العربية؛ فإنها من الدِّين".
• يقول الإمام الزمخشري في بيان فضل العربية:" لا غناء لعلم من علوم الشريعة عنها".
خامسًا: أقوال أعلام الأمة عن اللغة العربية:
هناك العديد من العبارات والأقوال المأثورة عن أعلام المسلمين في شأن اللغة العربية، والتواصي بالاهتمام بها، نذكر منها:
• قال الفاروق عمر رضي الله عنه: "تعلَّموا العربية؛ فإنها تزيد في المروءة، وتعلموا العربية؛ فإنها من الدين".
• قال شعبة: "تعلَّموا العربية؛ فإنها تزيد في العقل".
• قال عبد الملك بن مروان: "أصلِحوا ألسنتكم؛ فإن المرء تنوبُه النَّائبة فيستعير الثوب والدابة، ولا يمكنه أن يستعير اللسان، وجمال الرجل فصاحته".
• قال الثعالبي: "مَن أحبَّ الله أحبَّ رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أحبَّ النبي العربي أحبَّ العرب، ومن أحبَّ العرب أحبَّ العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب".
• وقال أحد العلماء: "إنَّ الله لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مُبلغًا عنه الكتاب والحكمة بلِسان عربي، ولم يكن من سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، فصارت معرفته من الدين".
يتبع إن شاء الله.