الرعب في قصص الاطفال
03-03-2007, 09:21 PM
الرعب في قصص الأطفال (كالبهار) في الطعام
نحن حين نروي للناس القصص العجائبية بما تحمله من شر وغواية وفتنة وانتقام، فإنما نزعزعهم بفوضانا، وهذا يخلخل العقول، ويهدم البدهيات، ويجد الإنسان نفسه لحظتها في منطقة اللاتوازن وبحاجة لأن يعيد بناء عالمه الخاص.
ولعل ما أرادت الحكواتية غراند أن تصفه أشبه بما يحدث في مدن الملاهي عندما تدور المركبة في الطفل فيشعر أنه يطير وأنه في حالة عدم توازن، وكم سيشعر بنعمة الاستقرار عندما يعود ليقف على الأرض مرة ثانية، بعد أن تنتهي اللعبة.

إن الرعب في قصص الأطفال مثل البهار في الطعام فإنه يعطيه نكهة محببة إذا كان بمقدار قليل، ولكنه يحوله إلى سيء الطعام صعب الهضم إذا زاد عن حده.

· هل صار العنف يحاصر أطفالنا ؟
إن العنف الذي كانت الجدات والأمهات يستخدمنه في حكاياهن والذي طالما انتقدناه، بتنا نجده اليوم في كثير من الأنشطة الثقافية الموجهة للطفل، فعجائب سوير مان، وقوي الخير والشر التي تتصارع في البوكيمون، والمحقق كونان... إن برامج أطفالنا كلها صراعات، وجرائم، وإتيان بالخوارق... ولو تتبعنا جيداً ما يعرض لوجدنا أنه لا يختلف كثيراً عما كنا نرفضه في حكايات جدتنا.

بل إن قصص الأطفال الأكثر رواجاً في العالم والتي حققت انتشاراً كبيراً جداً وبلغت مبيعاتها رقما قياسياً لم يصل إليه أو يقاربه أي كتاب في العالم هو كتاب هنري بوتر، وجوهر الحكاية فيه تقوم على عالم السحر والشعوذة، وتحفل بوجود مخلوقات مرعبة.

وقبل هنري بوتر قدمت المكتبة الخضراء وغيرها من كتب الأطفال مجموعات قصصية تحفل بالمواضيع التي تتحدث عن عالم الجن والسحر والشعوذة، وقصصاً فيها الكثير من العنف.

حتى في مدن الألعاب التي تطرقنا لذكرها قبل قليل فإن المتعة فيها لم تعد الألعاب اللطيفة، بل تلك التي تسمع صراخ الراكب فيها واستغاثته، وكلما زاد الصراخ ارتفاعا زاد الإقبال على اللعبة وارتفع ثمن المشاركة فيها، حتى في المدارس صارت بيوت الأشباح من أهم الأنشطة التي تقام في اليوم المفتوح والذي من المفترض أن يكون يوماً ترفيهياً يستمتع به الأطفال، فهل أصبحت متعة أطفالنا مرتبطة بالعنف؟

· تخيلات بلا أشلاء
في الحقيقة أن العنف موجود في كل فعاليات حياتنا أخبار الحروب، مشاهد الدمار والكوارث، الأوبئة والأمراض.

ويأتي دور الحكاية في تقديم الواقع للطفل ليتعرف عليه ويتدرب على التعامل معه، قبل أن يواجهه على أرض الواقع، فهي تقدم المواقف العنيفة للطفل حسب تخيله لها، فهي تحدثه عن القتل ولكن تترك له تخيل ذلك المشهد حسب خبراته، فهو قتل بلا دماء ولا أشلاء.

الإبهار الحق في معجزات الأنبياء
إن قصص الأنبياء تعتبر زادا تربوياً ضخماً، فهي تقدم لنا قصصا تتيح لعقل الطفل أن ينطلق في عالم الخيال الواسع، وتبهره بمعجزات خارقة، تهزه بقوة ليتعرف على نواميس الكون الذي يحيط به، فيشعر بالرهبة عندما يبتلع الحوت نبي الله يونس عليه السلام، وينبهر لانشقاق البحر بضربة من عصا موسى عليه السلام لتعبره الجيوش الحرارة، وسترى بريقا فريدا يلتمع في أعين الصغار عندما تحدثهم عن عصا موسى عليه السلام وكيف تحولت إلى ثعبان ضخم... وانبثاق الماء من بين أصابع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.... وينتظرون بترقب وحذر رسو سفينة سيدنا نوح بما تحمله من حيوانات إلى بر الأمان بعد الطوفان الكبير الذي أتى على كل شيء في الأرض إلا عباد الله المتقين.. صور فيها من الروعة والإبهار ما تجعل الطفل ينشد لها بقوة، ويحرص على سماعها مرة بعد مرة.

ولكن الإبهار الذي تقدمه قصص الأنبياء للأطفال هو إبهار من نوع خاص، ناتج عن خيال حقيقي واقعي فهو يتيح للطفل أن يتخيل، ولكن الحدث بحد ذاته ليس خالياً، إنه واقعي وحقيقي، فهو معجزة، فنحن نربط بين هذا الحدث الذي يعتبره الطفل خيالي، وبين قدرة الله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء، فالله يستطيع بقدرته أن يجعل الماء يابس لمن أراد، ولكن نحن لا نستطيع ذلك ولابد لنا من بناء الجسور والقناطر والأخذ بالأسباب.

فهذه الإمكانية الثرية للتخيل لا تشل عقل الطفل، ولكنها تنميه وتقويه، وتشعره بعظمة الله سبحانه وتعالى والعون الذي يمده لعباده الصالحين.

إن الفهم الذي تقدمه قصص الأنبياء للمعجزة هو خير معين ليس فقط في تحقيق عامل الإبهار في بنية الحكاية بل الأهم من ذلك، هو جعل الطفل يدرك أن للكون نواميس وقوانين، وهذا الخرق لا يتم إلا بقدرة واضع هذا القانون وهو سبحانه وتعالى، أما نحن بني البشر فلابد أن نتعلم قوانين الحياة، لنستطيع التعامل معها، ومع تتابع أحداث القصة وتتاليها يتعلم الطفل أن الأخذ بالأسباب، وسبيل النجاح في الحياة.

ليس من علبة سبانخ نلتهمها ولا كرة بوكيمون نلقيها، على عكس ما تقدمه له الأفلام الكرتونية مما يشل العقل، وينتج جيلا يريد أن يصبح مثل (باباي)، ولكنه لن يستطيع ذلك أبداً لأنه علق أمر قوته بعلبة سبانخ يلتهمها، والغاية من كل ذلك النضال هو الحصول على رضا وقبول من فتاة علاقته بها محرمة في شرعنا.

إن تراثنا الإسلامي نبع ثري لحكايا تمتع أطفالنا وتثقفهم، وما علينا إلا أن نجتهد في توظيفها، وندرب أنفسنا على أن نحكي لأطفالنا الحكاية التي تمتع أطفالنا وتعلمهم في الوقت نفسه.

ثم نختم الكلام بالصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام.

العدد (98) يناير 2007 ـ ص: 42
www.elkawader-dz.com