قصص مرعبة… واغتصاب جماعي لفتيات أمام آبائهن
29-03-2018, 04:42 AM



مبعوث الشروق إلى حدود بورما: رشيد ولدبوسيافة رئيس تحرير مكلف بالمتابعة

تجوّلنا لساعات داخل المخيمات ودخلنا عشرات المدارس والمساجد، ووقفنا على الإقبال الاستثنائي لأبناء اللاجئين الروهينغا على التعليم، حيث تعج المدارس والمساجد بهم، وتنشط الكثير من المنظمات الدولية في هذا المجال، حيث تنتشر مدارس تابعة لليونسيف، غير أن الكثير من الروهينغا والبنغاليين يتحفظون من الطّريقة التي تعمل بها هذه المدارس، حيث تُقدم للأطفال محتوى تربويا لا يتماشى مع دينهم وتقاليدهم، فيما يشير الكثير إلى وجود محاولات تنصير داخل المخيمات، وهو الموضوع الذي تتبعناه خلال تجولنا بين المدارس، ولم نعثر على أية إشارات تؤكد تنصير اللاجئين، كما أن هذا الأمر مستبعد في ظل الالتزام الكبير بالإسلام من قبل الروهينغا الذين هاجروا أساسا هروبا بدينهم.
وقد دخلنا الكثير من المدارس التابعة لليونسيف، حيث يتم التدريس باللغة الانجليزية، بالإضافة إلى لغة الروهينغا، فيما تمنع السلطات البنغالية تدريس أبناء اللاجئين باللغة البنغالية خوفا من توطينهم في بنغلادش، وتمنع أبناء الروهينغا من الالتحاق بالمدارس والمعاهد البنغالية المنتشرة بكثرة قرب المخيمات، وقد علمنا أن الكثير من هذه المدارس تقوم بتسجيل أبناء الروهينغا سرا على أنهم بنغاليين.
اللجوء إلى بنغلادش منحة وليس محنة


كثرة المدارس والمساجد والحركة العلمية الكثيفة داخل المخيمات، دفعت بالكثير إلى القول بأن أوضاع الروهينغا في بنغلادش على قسوتها تعد أحسن بكثير من الأوضاع التي كانوا يعيشونها داخل إقليم أركان، حيث لم يكن لهم الحق في التعليم بكل أنواعه، كما كانت السلطات البورمية تضيّق عليهم في بناء المساجد، وأسباب ذلك تاريخية إذ لا تعتبرهم مواطنين بورميين، وإنما تعتبرهم مهاجرين بنغاليين غير شرعيين، وتحرمهم من كل الحقوق المدنية، ولا تقدم لهم أدنى الخدمات الصحية والتعليمية، وعليه فإن اللاجئين الروهينغا يحرصون على استدراك ما فاتهم خلال العقود الأخيرة، حيث أدخلوا أولادهم في المدارس والمساجد لحفظ القرآن وتعلم القراءة والكتابة، فيما يتعلم عدد كبير من اللغة الانجليزية في مدارس اليونسيف وغيرها من المنظمات الدولية التي تقوم بعمل كبير في هذا المجال، غير أن عددا كبيرا من البنغاليين الذين تحدثنا إليهم ينظرون بعين الريبة إلى هذه المدارس، ويقولون إنها تلقّن أبناء الروهينغا ثقافة غربية، وهو أمر لم نقف عليه خلال تجولنا، اللهم إلاّ بعض العبارات الانجليزية التي يقولها الأطفال وهذا جيد لمستقبلهم، لأن اللغة الانجليزية فضلا على أهميتها في التواصل مع العالم أجمع، فإنه من الخطأ انغلاقهم على اللّغة الروهينغية فقط، وهي لغة غير متطورة وغير مكتوبة، ومن أغرب ما يقوله أولئك الذين يرفضون نشاط هذه المدارس أنهم يعلمون الأطفال عبارة “باي باي” عند الوداع، وتبقى هذه مجرد تخوفات لأن الخطأ الذي سيرتكب في حق أبناء الروهينغا هو دفعهم للانغلاق على أنفسهم.
لا شيء يقارن بجحيم أركان


ونحن نتجول داخل المخيمات سألنا عشرات الروهينغا عن أوضاعهم قبل الهروب باتجاه بنغلادش، فقالوا إننا كنا نعيش كالحيوانات، لا تعليم، ولا صحة، ولا حقوق مدنية، ولا حق في التملك والتجارة، بل إن الروهينغا أصبحوا شعبا بدائيا في اللباس، حيث لا يضع الأطفال تقل أعمارهم عن سن الخامسة شيئا على أجسادهم، ويتجولون في المخيمات عراة تماما في مشهد لا نراه في الأحياء البنغالية، كما أن كبار السّن لا يعرفون شيئا عن القراءة والكتابة، يضاف إلى ذلك التنكيل والتعذيب والتقتيل الذي كانوا يتعرضون له من قبل البوذيين والجيش البورمي، لذلك يشعر الروهينغا داخل المخيمات أنهم يعيشون أسعد الأيام مقارنة بالواقع الذي كانوا يعيشونه.
مستشفيات بورما تقتل الروهينغا المرضى

التقينا بالناشط المصري في مجال الإغاثة الإنسانية محمد علاء الدين، وهو يعمل مستشارا لعمليات الإغاثة مع العديد من المنظمات الإنسانية، وقد سبق لهذا الناشط أن دخل إقليم أركان ونفذ العديد من العمليات التضامنية هناك، حيث يصف محمد علاء مخيمات الروهينغا في الداخل بالمحتشدات التي لا تصلح لعيش الحيوانات، ويقول إن الجمعيات الخيرية البورمية تتاجر هي الأخرى بقضيتهم وتتلاعب بالمساعدات التي تصلهم، والخطير في الموضوع حسبما كشفه محدثنا أن الروهينغا داخل المحتشدات في إقليم أركان يفضلون الموت على الذهاب إلى المستشفيات في حالة المرض، والسّبب أن كل الذين يذهبون إلى المستشفيات يعودون جثثا هامدة، ويؤكد محدثنا أنهم يتعمدون قتل المرضى داخل المستشفيات في واحدة من أفظع صور انتهاك حقوق الإنسان في هذا البلد.

اغتصاب الفتيات الجميلات أمام أهاليهن




وقد التقت الشروق بالكثير من اللاجئين الذين تمكنوا من الفرار مؤخرا، وبينهم عائلة فرت قبل عشرة أيام فقط من وصولنا إلى المخيمات، حيث روت لنا قصتها المأسوية، والتي بدأت بتجنيد رب العائلة ضمن مجموعات روهينغية مسلحة، مهمتها ملاحقة عناصر جماعة اليقين التي تدّعي حكومة بورما أنها هاجمت قبل ستة أشهر ما يزيد عن 400 مركز أمن داخل إقليم أركان، وما حدث أن رب العائلة وهو شاب في الثلاثينيات له ستة أبناء، رفض التجنيد ضمن هذه المجموعة، بعدها جاءت وحدة من الجيش البورمي إلى بيته للانتقام، ولأن العائلة كانت تعلم مصيرها، سارعت إلى الفرار قبل وصول وحدة الجيش، غير أن أحد الأبناء كان نائما وعمره ستة سنوات فاغادروا دون أن ينتبهوا، وتركوه في البيت، ولم تتفطن الأم لغياب ابنها إلا بعد أن أحاط الجنود بالبيت وأشعلوا فيها النار، وغادروا المكان، فعادت الأم إلى البيت وحاولت إنقاذ ولدها، غير أن النار أتت على البيت كله، ولم تستطع الوصول إلى ولدها الذي تفحم بينما أصيبت هي بحروق خطيرة في وجهها ويديها.
مأساة هذه العائلة هي واحدة من مئات القصص في المخيمات لعائلات فقدوا أفرادا من عائلاتهم في أعمال القتل والتنكيل، وتكاد تكون القصص متشابهة، حيث تبدأ بهجوم البوذيين على القرى، وتبدأ بمحاصرة البيوت ثم يتم تجميع السكان في مكان واحد، بعدها يأتي مسؤول الوحدة المهاجمة، ويختار الفتيات الجميلات، ليتم اغتصابهن جماعيا من قبل الجنود، وغالبا ما يكون ذلك أمام أنظار بقية سكان القرية، ويحرص الجنود على قتل الفتيات بعد اغتصابهن، والقليل منهن كتبت لهن النجاة، وهناك الكثير من الفتيات المغتصبات حاليا في المخيمات، غير أنهن لا يتكلمن إطلاقا على ما حدث لهن، وقد التقينا بفتاة مغتصبة، حيث فقدت القدرة على الكلام تماما بسبب هول ما تعرضت له.
وفي الأخير يقوم الجنود بإشعال نار كبيرة، ويشرعون في إلقاء الأطفال فيها أمام أنظار أهاليهم، في مشاهد سريالية قلّ نظيرها في تاريخ البشرية، وتنتهي المذبحة بالقتل الجماعي باستخدام السلاح الناري أحيانا وبالخناجر، والقلة القليلة من الأهالي يتمكنون من الاختفاء داخل الأدغال والنجاة من القتل.
تحضيرات لتوطين اللاجئين في جزيرة ببنغلادش

نقاش كبير يجري حاليا في بنغلادش حول مصير اللاجئين، في ظل الإجراءات التي تقوم بها سلطات بورما لضمان عدم عودتهم إلى قراهم في إقليم أركان، وكل اللاجئين الذين تحدثنا إليهم يؤكدون رفضهم التخلي عن بلدهم وأرضهم، لكنهم في المقابل لا يريدون المغامرة بأرواحهم دون تلقي ضمانات من المجتمع الدولي، خاصة أن أعمال القتل والتنكيل لا زالت مستمرة إلى الآن.
وقد تردّد على أسماعنا أن السلطات البنغالية تقوم بتهيئة جزيرة تقع قرب مدينة شيتاغونغ، وأنها تنوي توطين اللاجئين الروهينغا إليها، غير أن اللاجئين يرفضون تماما فكرة الانتقال إلى هذه الجزيرة، وعلمنا أن الجيش البنغالي يقوم بأعمال ضخمة في الجزيرة، بعد أن أغلقها ومنع السياح من الاقتراب منها لهذا الغرض، ولأجل معرفة الحقيقة بخصوص توطين الروهينغا في هذه الجزيرة سافرنا من كوكس بازار إلى مدينة شيتاغونغ، والتقينا بعضو البرلمان البنغالي البروفيسور أبو الرضا الندوي، الذي أكد للشروق أن الحكومة البنغالية بالفعل تحضّر لتهجير الروهينغا إلى هذه الجزيرة وأن القضية طرحت في البرلمان وتمت الموافقة عليها، وقال إنه رافع لأن إيجاد موطن للروهينغا في ظل تعنت الحكومة البورمية واستمرارها في ملاحقتهم.
وقد حاولنا زيارة هذه الجزيرة ودخلنا في اتصالات حثيثة مع مسؤولين بنغاليين لأجل زيارتها وتصويرها والوقوف على التحضيرات الجارية لاستقبال الروهينغا، لكن طلباتنا قوبلت كلها بالرفض، كما حاولنا التسلّل إليها سرا، لكن لم نتمكن من توفير وسيلة نقل بحرية في ظل الخوف الشديد للبنغاليين عموما ورفضهم الاقتراب من المناطق المغلقة التي يسيطر عيها الجيش.
نافنادي.. مقبرة الفارين من المذابح


عدنا إلى المخيمات في اليوم الثاني وكانت الوجهة هذه المرة نهر نافنادي الشّهير الذي غرق فيه الآلاف من اللاجئين الروهينغا أثناء هروبهم من المذابح في أراكان، ولأن الجيش البنغالي يمنع الاقتراب من هذا النهر، وقد منعنا من التصوير قربه خلال زيارتنا الأولى في أكتوبر الماضي، كان علينا أن نتسلل خفية إلى مكان لا يتواجد فيه الجيش، واستأجرنا مركب صيد صغير يقوده شاب روهينغي تعرض هو الآخر إلى التعذيب ومحاولة القتل، حيث لا زالت آثار الجروح العميقة في جسده واضحة، بل إن أحد جروحه لا زال يخرج منه الصديد، وبعد مفاوضات تمكنّا من إقناعه بالقيام بجولة في النهر، وحملنا معدات التصوير خفية وركبنا المركب، وكان معنا مترجم من جنسية بنغالية، علما أن اللهجات هناك متداخلة، أي أن البنغالية قريبة جدا من الروهينغية، ويقال إن الاختلاف لا يكون في الدارجة إنما يكون في اللّغة الفصحى وكذلك في الأحرف والكتابة.
انطلقنا بالمركب باتجاه الضفة البورمية من النهر، حيث يصل عرضه إلى 1 كلم، واقتربنا من مراكب صيد كبيرة يقودها بورميون، وحسب مرافقنا فإن هؤلاء متورطون في قتل المئات من اللاجئين الروهينغا، حيث يرمونهم في النهر، وكم كانت نظراتهم مرعبة لنا ونحن نمر قرب مركبهم، وهنا رفض مرافقنا البنغالي الاقتراب أكثر منهم، قائلا: إنهم قد يطلقون عنا النار إذا لاحظوا وجود الكاميرا، وكان علينا أن نعود إلى الخلف، وهنا انفجر الشاب الروهينغي الذي كان يقود المركب بالبكاء بعد أن تذكر ما حدث لعائلته التي أبيدت كلها ولم ينجو سوى هو وأمه، حيث أخذ الجنود شقيقه وقتلوه ولما ذهب شقيقه الآخر للبحث عن أخيه قتلوه هو الآخر ثم قتلوا والده، وأظهر لنا الشاب شريط فيديو في هاتفه النقال، يظهر شقيقه في اللّحظات الأخيرة قبل وفاته، وهو شريط فظيع لا يمكن مشاهدته لذوي القلوب الضعيفة.
عدنا من جولتنا في نهر نافنودي الشهير وعدنا مع الشاب إلى عائلته التي تعيش ظروفا صعبة، بالمحاذاة مع النهر، وتسترزق من قارب الصيد الذي يوفر لهم مبلغا زهيدا يعادل 20 يورو في الشهر، ومع ذلك يحاول الشاب توفير مبلغ يجري به عملية لاستخراج قطعة من الحديد لا زالت داخل ساقه، وهي التي تسبب له ألما فظيعا.
.. يتبع