جبال في السماء!
02-08-2018, 12:12 PM
من عجائب القرآن الكريم أن تجد فيه لطائف إعجازية و إشارات كونية يمكن تفسيرها في كل عصر بما يتماشى مع معطيات ذلك العصر، من ذلك وصفه الدقيق لظاهرة تشكل البرد بثلاث جمل تختصر أبحاثا علمية و مشاهدات استغرقت عشرات السنين؛ و البرَد شكل من أشكال ما يهطل من السحاب، وهو عبارة عن كتل من الجليد المتصخر كروية تقريبا، يتراوح قطرها من بضعة ميليمترات إلى عدة سنتيمترات، وقد يكون بعضها بحجم البرتقالة أو أكبر. تتألف حبات البرد من طبقات جليدية سمكها نحو 1 مم، شفافة تتناوب مع طبقات شافه (أو نصف شفافة).
يستمر هطول البرد عادةً بضع دقائق، وقد يشكل على الأرض طبقة سماكتها عدة سنتيمترات.
يسبب البرد أذًى بالغاً بإتلافه للمحاصيل الزراعية من قمح و عنب و نخيل و غيرها، بالإضافة إلى الممتلكات العامة كالسيارات و المباني و البنى التحتية، لذلك فقد حظيت مكافحة البرد باهتمام المجتمعات عبر العصور، فكانت تُقرع أجراس الكنائس في أوروبا في العصور الوسطى أثناء العواصف الرعدية التي يصاحبها هطول البرد، كما كانت تقصف الغيوم الحاملة للبرد بمدافع لتحطيم حباته و اتقاء شرها، أما اليوم فتعتمد مكافحة البرد على إدخال مادة كيميائية (يود الرصاص أو يود الفضة) في الجزء الأبرد من السحابة الحاملة للبرد بواسطة صواريخ تساعد على تجمد القطرات وزيادة عدد نوى التبلور، وبالتالي إلى تصغير حجم كل حبة برد، فتذوب قبل وصولها إلى سطح الأرض.
لقد حظيت دراسة الظواهر الجوية عموما بالدراسة منذ أقدم العصور: في إفريقيا على يد قدماء المصريين، وفي آسيا على يد البابليين، وفي جنوب وسط آسيا على يد الهندوس والتتار، وفي شرق آسيا على يد أشخاص؛ مثل: هوانج هو، ويانجتز، ولكن معظم معلوماتنا ترجع إلى قدماء المصريين والبابليين، ففي مصر (3500ق.م) أخذت الأرصاد الجوية الطابع الديني، فقد اعتقد قدماء المصريين أن الظواهر الجوية المختلفة تخضَع للآلهة، بينما ربط البابليون (3000-300 ق. م) بين الظواهر الجوية وعلم الفلك، بما عُرِف في ذلك الحين بالأرصاد الفلكية، وبالرغم من أن أول رصد للظواهر الجوية، كان بواسطة اليونان القدماء (600ق.م)، إلا أنه لا يوجد ما يدل على أنهم فهِموا عملية تكوين السحب، حتى بعد أن ظهر مؤلَّف (أرسطو) (300ق.م) تحت عنوان: (الأرصاد الجوية)، والذي كان يمثِّل كل ما عُرِف في ذلك الحين عن الأرصاد الجوية، وفيه يصف الغلاف الجوى بأنه "المنطقة المشتركة للنار والهواء"، وأن الشمس هي العامل الرئيسي والأول لتكوُّن السحب؛ لأن عمليتي التبخر والتكاثف هما نتيجة قُرب أو بُعد الشمس عن الأرض، وهذا يُسبب تكوُّن أو تبدُّد السحب، وتعتمد نظريته على أنه لا يمكن أن تتكون السُّحب في علوٍّ يزيد عن قمة أكثر الجبال ارتفاعًا؛ لأن الهواء بعد قمة الجبل تحتوى نارًا نتيجة حركة الشمس الجغرافية، ولا تتكون السحب قريبًا من سطح الأرض بسبب الحرارة المنعكسة من الأرض، كما اعتقد أن الطبيعة الخاصة للجبال تساعد على تحويل الماء المختزن أصلا في الهواء إلى أمطار أو ثلوج أو بَرَد، و يستشهد على ذلك بأن الأنهار تنبع من الجبال، و أن أكبر الأنهار تنبع من أكبر الجبال، و يعتقد أنه بهذا قد قدم تفسيرا أفضل من غيره الذين يقولون بأن الأنهار تنبع من الأحواض التي تتجمع فيها مياه الأمطار تحت الأرض في الشتاء.
وكان الناس في ذلك الزمان يردون الظواهر الطبيعية إلى خرافات وأساطير يعتقدون بها، فكان الناس ينظرون إلى ظاهرة البرق مثلاً على أنه سلاح للإله "زيوس" ويسمونه صانع البرق، يُعاقِب كل من يعصي أوامره، وكانت الشمس نفسها إله أيضاً تحرق كل من لا يسجد لها.. وهكذا.. أساطير كثيرة.
و في التفسير الهاجادي للتلمود (الملوك الأول30:7 و التثنية 12:28 ) نجد ما يلي في وصف السماء السادسة المسماة (ماكون Makon)، و التي بها كنوز الثلج و البَرَد و حجرات الندى و المطر و الضباب، كل ذلك وراء أبواب نارية.
لم تتطور الأرصاد الجوية إلى علمٍ حتى القرن التاسع عشر، و قد بلغت شأوا كبيرا من التطور في بضعة العقود الفائتة بدخول الأقمار الصناعية و تقنيات التحكم عن بُعد و مناطيد رصد الأحوال الجوية و الطائرات الحديثة المزودة بأرقى و أعقد ما عرفته البشرية في تاريخها من معدات. فكيف يتشكل البرد وفق معطيات العلم الحديث، و هل يطابق ذلك ما جاء في القرآن الكريم:
يقول تعالى:
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)النور-43
وفقا لآخر المعطيات العلمية، فإن البرد يتشكل في السحب الركامية الثقال المشبعة بحبات المطر، و يؤدي إلى العواصف الرعدية نتيجة تجمد قطرات المطر التي تشكل نواة لحبات البرد تنمو عليها طبقات من الجليد؛ وتتشكل حبات البرد الكبيرة المتصخرة بوجود تيارات هوائية صاعدة تمنع سقوط الحبات الصغيرة، ويكون ذلك على مراحل كما يلي:
"ألم تر أن الله يزجى سحابا": يبدأ تشكل السحاب الركامي بأن تسوق الرياح قطعاً من السحب الصغيرة إلى مناطق تجميع؛ مما يؤدى لزيادة حجمها و ارتفاعها و كمية بخار الماء في مناطق التجمع.
"ثم يؤلف بينه": من المعلوم أن سرعة السحب تكون أبطأ من سرعة الرياح المسيرة لها، وكلما كبر حجم السحابة كانت سرعتها أبطأ، وذلك بسبب تأثير قوى العطالة (Drag-Force) كذلك يكون التجمع في النقاط التي تقل سرعة الرياح فيها. يؤدى العاملان السابق ذكرهما إلى أن قطع السحب تقترب من بعضها، ثم تتلاحم، وبالتالي نلاحظ تكاثف السحب كلما اقتربنا من مناطق التجميع.


مراحل تشكل السحاب الركامي
" ثم يجعله ركاما": إذا التحمت سحابتان أو أكثر فإن تيار الهواء الصاعد داخل السحابة يزداد بصفة عامة، ويؤدى ذلك إلى جلب مزيد من بخار الماء، من أسفل قاعدة السحابة، والذي بدوره يزيد من الطاقة الكامنة للتكاثف والتي تعمل على زيادة سرعة التيار الهوائي الصاعد دافعاً بمكونات السحابة إلى ارتفاعات أعلى، وتكون هذه التيارات أقوى ما يمكن في وسط السحابة، وتقل على الأطراف مما يؤدى إلى تراكم مكونات السحابة على أطرافها، فتظهر كالنافورة أو البركان الثائر، الذي تتراكم حممه على الجوانب وقد أثبتت الشواهد أن التحام السحب (Cloud - merger) يؤدى إلى زيادة كبيرة في الركام وبالتالي إلى زيادة سماكة السحاب وأن تجمعاً من الدرجة الأولى(First - order merger) يؤدى إلى عشرة أضعاف الهطل المنتظر، و أن تجميعاً من الدرجة الثانية (Scond- order merger) يؤدى إلى مائة ضعف من كمية الهطل المتوقع لو لم تجتمع السحب. إجمالاً فإن تجميع قطع السحاب يؤدى إلى زيادة ركامه وبالتالي إلى زيادة سماكته و ثقله و هذا مؤشر على قوة هذا السحاب من ناحية أمطاره ورعده وبرقه بل نجد أن السحاب الذي نحن بصدده يسمى سحاباً ركامياً لأن عملية الركم في هذا النوع أساسية و تميزه عن بقية أنواع السحاب. ومن المعلوم أن عملية سوق السحاب قد تستغرق بضع ساعات، بينما تستغرق عمليتا التجميع والركم أقل من ذلك (حوالي ساعة أو أقل).


آلية تشكل البرد

من المعلوم أيضاً أن من السحب الركامية ما يسمى بالركامي الساخن (ذو سمك صغير نسبياً) وأقل درجة حرارة داخل هذا السحاب أعلى من درجة التجمد. وهو بذلك السمك الصغير نسبياً أكثر شبهاً بالتلال لا الجبال وحرارته لا تسمح بتكون البرد وهذا النوع تتكون الأمطار فيه من قطرات الماء فقط، وليس فيه برق و رعد.
أما السحاب الركامي المزني الذي نحن بصدد الحديث عنه، فإن جزءا كبيرا من جزئه الأعلى تكون درجة الحرارة فيه أقل من درجة التجمد (0 مْ)، و إن أفضل درجة حرارة تناسب نمو البرد في هذا السحاب تقع في حدود (-13 مْ).
يصل هذا السحاب إلى ارتفاعات شاهقة قد تزيد عن عشرة كيلومترات بدءا من قاعدة السحابة إلى قمتها، فتمكن مقارنته من حيث الشكل و الارتفاع و ما يحتويه من البرد المتصخر بالجبال الشاهقة التي نجدها على سطح الأرض (ارتفاع قمة جبل افرست مثلا يبلغ حوالي 8 كيلومتر) ويشتمل على قطرات ماء في القاعدة، وخليط من ماء شديد البرودة وحبات برد في الوسط، أما القمة فتسودها بللورات الثلج، تماما كما يزين الثلج قمم الجبال الشاهقة.


أنواع من السحب و تسمياتها

"فترى الودق يخرج من خلاله": هذا السحاب هو الذي يخرج المطر (الودق) من خلاله ويحدث به برق ورعد و هذه السحب هي الجبال التي تتشكل في السماء و ينزل منها البرد.
"فيصيب به من يشاء و يصرفه عمن يشاء": تتحرك السحب الركامية إلى ما شاء الله لها، وعامل التراكم والبناء مستمر طالما كانت تيارات الهواء الصاعدة قادرة على حمْل مكونات السحاب من قطرات ماء، أو حبات برد، وعندما تصبح الرياح الرأسية غير قادرة على حمل هذه المكونات، تتوقف عملية التراكم، وتبدأ مكونات السحاب في الهبوط مباشرة إلى أسفل؛ كمطرٍ، أو برد أو كليهما بإذن الله. وقد شُوهِدت حبات برد يصل حجمها إلى حجم البرتقالة، وهذا يعني: أنه في مثل هذه الحالات التي تكون فيها حبات البرد كبيرة، فإن هذه السُّحب تحمل في طيَّاتها دمارًا عامًّا للزراعة و الأملاك و المنشآت العامة، و قد تشكل خطرا حتى على حياة الإنسان!


التلف الذي تعرضت له سيارات بعد تعرضها لسقوط البرد. هذه السيارات القديمة لم تكن مصممة لمقاومة سقوط حبات البرد

"يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار": يكون تيار الهواء الدافئ الصاعد في مركز السحابة الركامية محملا بقطرات الماء الدافئة نسبيا، فلا يلبث أن يصطدم بتيار الهواء البارد الهابط من أعلى السحابة و المحمل ببلورات الجليد الذي سيتشكل منه البرد، فتصطدم البلورات الجليدية مع قطرات الماء الدافئة و يؤدي الاحتكاك بينهما إلى توليد شحنات سالبة تتوضع على قطرات الماء التي تهبط إلى أسفل السحابة بتأثير ثقلها و شحنات موجبة على بلورات الجليد التي تصعد إلى أعلى السحابة نظرا لخفة وزنها بالنسبة لقطرات الماء، و عندما يتجمع الجليد في الأعلى و الماء في الأسفل بكميات كافية يحدث تفريغ للكهرباء الساكنة بين القطبين السالب و الموجب المتشكلين بهذه الطريقة ينتج عنه برق و رعد شديد أقوى بكثير من البروق و الرعود التي تحدث في أنواع السحاب الأخرى غير الركامية، كما هو مبين في الرسم التعليمي التالي الذي أعدته و كالة ناسا لأبحاث الفضاء.


نتيجة احتكاك نويات الجليد و الثلج الهابطة مع قطرات الماء الصاعدة في مركز السحابة الركامية، تُشحن قطرات الماء بشحنة سالبة و تهبط إلى أسفل السحابة، في حين تُشحن حبيبات الجليد و الثلج بشحنات موجبة و تنتقل إلى الأعلى لأنها أخف وزنا, فتتشكل كهرباء ساكنة تقبع بين القطبين السالب و الموجب، حتى إذا تراكمت هذه الشحنات بكمية كافيةتم تفريغ الشحنة الساكنة بينهما فيحدث البرق و الرعد

فسبحان الله.
التعديل الأخير تم بواسطة طارق زينة ; 02-08-2018 الساعة 12:15 PM