وقفات لا بدّ منها على أبواب فصل الرّبيع
20-03-2018, 01:29 PM
وقفات لا بدّ منها على أبواب فصل الرّبيع
سلطان بركاني


الرّبيع نعمة من أجلّ نعم الله -جلّ وعلا- على عباده؛ تخضرّ فيه الغبراء وتتزيّن الأرجاء وتتعطّر الأجواء، وتنشرح الصّدور وتبتهج الأرواح ببهاء الأشجار وعبق الأزهار وتغريد الأطيار.
في هذا الفصل تتجلّى رحمة الخالق وتظهر نعمته، ويتذكّر العبد المؤمن الموقن بلقاء الله فضل الحنّان المنّان سبحانه في تسخير كلّ ما في هذه الأرض لسعادة وراحة الإنسان:((وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون)) (الجاثية)، وفضْلَه -جلّ شأنه- في إحياء الأرض بعد موتها:((فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)) (الرّوم).
يتأمّل العبد المؤمن رحمة الله وفضله في إحياء الأرض بعد موتها:((وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج)) (الحجّ)، ويتذكّر مع هذا الموقف المعجز موقفَ البعث بعد الموت، وكيف تُبثّ الحياة في العظام بعد أن صارت رميما، يوم:" يُنْزل الله من السّماء ماءً فينبتون –أي بنو آدم- كما ينبت البقل، وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلاّ عظماً واحداً وهو عجب الذنب، ومنه يركّب الخلق يوم القيامة".(رواه مسلم).
يتذكّر العبد المؤمن هذا الموقف، فتهفو نفسه إلى نعيم الجنّة، وهو يقلّب ناظريه في بديع صنع الله وتناسق خلقه، ويتساءل: إذا كانت هذه جنّة الدّنيا، فكيف بجنّة الآخرة؟؛ كيف بخضرتها وبهائها؟، كيف بأشجارها وعيونها وأنهارها؟، كيف بخيامها وقصورها؟، وكيف بنعيمها وحبورها حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؟.
ثمّ يتساءل بعد ذلك: إذا كنّا ننتظر فصل الرّبيع وتتلهّف أرواحنا لقدومه مع علمنا بأنّه لا يلبث أن يعقبه الصّيف بحرّه ولفحه، فلماذا لا نتلهّف لدخول الجنّة حيث الرّبيع الذي لا يأتي عليه صيف ولا شتاء؟.
ومع تساؤله هذا وذاك: يتذكّر عِظم جرم من يغفل عن هذه المعاني التي يحملها فصل الرّبيع، وتسوّل له نفسه أن يقابل نعمة الله بمعصيته في خلوات الحدائق والمنتزهات.
لقد أصبح أرباب كثير من الأسر يتحرّج الواحد منهم من الخروج بزوجته وأبنائه في هذا الفصل لأجل التنزّه، بسبب ما يراه من مظاهر يندى لها الجبين، لحال بعض شبابنا وفتياتنا هداهم الله، ممّن يخرجون مثنى مثنى؛ يصطحب الشّابّ الغافل فتاة مستهترة إلى خارج المدينة ويخلو بها في المنتزهات والحدائق كأنّها زوجته، مع أنّه لا يربطه بها أيّ رباط، فلو كان عقد عليها عقدا شرعيا كاملا ما جاز له أن يخرج بها إلى تلك الأماكن حتى يتمّ إعلان النّكاح، كيف وهي مجرّد مخطوبة له، بل ربّما أجنبيّة عنه، تخادع أهلها الذين وضعوا فيها ثقتهم، وتُوهمهم بأنّها ذاهبة إلى المدرسة أو الجامعة أو إلى بعض قريباتها أو زميلاتها لأجل المراجعة، وتخرج مع ذلك الشابّ الذي تخلّى عن مروءته واستغلّ ضعفها وتطلّعها إلى الزّواج، ليقضي معها أوقاتٍ تنتهي في كثير من الأحيان بهتك الأستار والوقوع في الفاحشة، فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشّيطان ثالثهما، يعدها بالزّواجَ، ولو كان يريدها زوجة: لأتى البيت من الباب، وما رضي أبدا أن يُخرجها ويخلو بها في أماكن الرّيبة، ويوقعها في محظورات: أقلّها الخلوة المحرّمة، ويسوّل لها أن تخون أمّها الطيّبة، وتخون أباها الذي يكدّ ويتعب لأجل سعادتها وراحتها؛ تخون والديها وتنسى قبل هذا رقابة خالقها، لأجل ذلك "الفارغ" الذي يُغريها ويمنّيها بالحياة السّعيدة، فإذا كان له منها ما أراد: ألقاها كما يلقي السّيجارة وتبرّأ منها، وقال: "إنّ التي تخون والديها: تخون زوجها".
لقد وصل الأمر ببعض الشّباب المستهترين إلى حدّ المجاهرة والمباهاة بتصرّفات طائشة مع خليلاتهم في المنتزهات والحدائق العامّة، غير مبالين بالأسر التي ترتاد تلك الأماكن، وغير آبهين بدين أو خلق، وقد زاد الطّين بلّة: تقاعسُ الجهات الوصية عن تطبيق القوانين التي تمنع أمثال هذه التصرّفات المنافية للآداب العامّة، وتواطؤُ عامّة النّاس على السّكوت عن هذا المنكر المتعاظم الذي يقودنا إلى ما أخبر عنه الحبيب المصطفى عليه الصّلاة والسّلام حينما قال:" لا تقوم السّاعة حتّى يتسافدوا في الطّريق تسافد الحمير".
لقد أنسى الشّيطان أولئك الفتيات العابثات: أنّ حصاد الاستخفاء بمعصية الله، وخيانة ثقة الوالدين، سيكون مرا وخيما، فربّما تكون العاقبة عرضا يدنّس، وشرفا يوطأ، وعارا يجرجر، وربّما يكون شبهة تلاحق الفتاة العابثة، تجعلها تبقى حبيسة بيت والديها تعاني العنوسة وتتجرّع الحسرات، بعد أن يتخلّى عنها ذلك العابث المُخادع، وقد نسي أولئك الشّباب العابثون: أنّه سيأتي على كلّ واحد منهم يوم يدفع فيه ثمن عبثه ببنات المسلمين باهظا، فيُبتلى في بناته وربّما في زوجته، ويعيش حياته متوجّسا من كلّ من هم حوله!!؟.
لقد أصبح لزاما على الآباء وأولياء الأمور: أن يتّقوا الله في أبنائهم وبناتهم، ويعلموا أنّ زمن الثّقة العمياء قد ولّى، وصار لزاما على من كلّ أب: أن يتحلّى بالحزم في مراقبة أبنائه وبناته، والسّؤال عن خرجاتهم وصداقاتهم وعن أوقاتهم: فيم وأين يقضونها!!؟، فهؤلاء الفتيات العابثات يخرجن من بيوت مسلمة، يصلّي أربابها في المساجد، وربّما لا يبرحون الصّفوف الأولى، ويحجّ الواحد منهم ويعتمر، لكنّه لا يجد غضاضة في التخلّي عن مسؤوليته تجاه بناته، فيلقي لهنّ الحبل على الغارب، ليعشن حياتهنّ كما يحلو لشياطين الإنس والجنّ، ولا يستيقظ إلا على وقع داهية تنزل به يتمنّى معها: لو وسّد في التّراب دفينا!!؟.