مقالة 3as/ هل تتأسس العدالة الاجتماعية على المساواة أم على التفاوت ؟
07-02-2017, 02:19 PM
هل تتأسس العدالة الاجتماعية على المساواة أم على التفاوت ؟ جدلية


طرح المشكلة :


كل مجتمع من المجتمعات يسعى إلى تحقيق العدل بين أفراده ، وذلك بإعطاء كلذي حق حقه ، ومن هنا ينشأ التناقض بين العدالة التي تقتضي المساواة ، وبينالفروق الفردية التي تقتضي مراعاتها ، إذ إن تأسيس العدالة على المساواةيوقع الظلم بحكم وجود تفاوت طبيعي بين الإفراد ، وتأسيسها على التفاوت فيهتكريس للطبقية والعنصرية ؛ مما يجعلنا نطرح المشكلة التالية : ماهوالمبدأ الأمثل الذي يحقق عدالة موضوعية : هل هو مبدأ المساواة أم مبدأالتفاوت ؟


محاولة حل المشكلة :


عرض الأطروحة:


يرىالبعض أن العدالة تتأسس على المساواة ، على اعتبار أن العدالة الحقيقيةتعني المساواة بين الجميع الأفراد في الحقوق والواجبات وأمام القانون ،وأي تفاوت بينهم يعد ظلم ، ويدافع عن هذا الرأي فلاسفة القانون الطبيعيوفلاسفة العقد الاجتماعي وكذا أنصار المذهب الاشتراكي .


الحجة :


- ويؤكد ذلك ، أن الأفراد – حسب فلاسفة القانون الطبيعي - الذين كانوايعيشون في حالة الفطرة كانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة فيما بينهم ،ومارسوا حقوقهم الطبيعية على قدم المساواة ، لذلك فالأفراد سواسية ،" فليس هناك شيء أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان » ، وعليه فالعدالة تقتضيالمساواة بين جميع الأفراد في الحقوق والواجبات بحكم بطبيعتهم المشتركة ،ومادام الناس متساوون في كل شيء فما على العدالة إلا أن تحترم هذهالمساواة .


- أما فلاسفة العقد الاجتماعي ، فيؤكدون أن انتقال الإنسان من المجتمعالطبيعي إلى المجتمع السياسي تـمّ بناءً على تعاقد ، وبما أن الأفراد فيالمجتمع الطبيعي كانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة ، لم يكونوا ليقبلواالتعاقد مالم يعتبرهم المتعاقدون معهم مساوين لهم ، فالمساواة شرط قيامالعقد ، وبالتالي فالعقد قائم على عدالة أساسها المساواة بين الجميع فيالحقوق والواجبات .


- في حين أن الاشتراكيين يرون أن لا عدالة حقيقية دون مساواة فعلية بينالأفراد في الحقوق والواجبات ، ولا تتحقق المساواة دون الإقرار بمبدأالملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ، التي تتيح للجميع التمتع بهذا الحق ،لأن الملكية الخاصة تكرّس الطبقية والاستغلال وهي بذلك تقضي على روحالمساواة التي هي أساس العدالة .


النقد :


إن أنصار المساواة مثاليون في دعواهم إلى إقامة مساواة مطلقة ، ويناقضونالواقع ، لأن التفاوت الطبيعي أمر مؤكد ، فالناس ليسوا نسخا متطابقة ولامتجانسين في كل شيء ، والفروق الفردية تؤكد ذلك ، ومن ثـمّ ففي المساواةظلم لعدم احترام الفروق الفردية الطبيعية .


عرض نقيض الأطروحة :


وبخلاف ما سبق ، يرى البعض الآخر أن العدالة لا تعني بالضرورة المساواة ،بل أن في المساواة ظلم لعدم احترام الاختلافات بين الناس ، ومن هذاالمنطلق فإن العدالة الحقيقة تعني تكريس مبدأ التفاوت ، إذ ليس من العدلأن نساوي بين أناس متفاوتين طبيعيا . ويذهب إلى هذه الوجهة من النظرفلاسفة قدامى ومحدثين وأيضا بعض العلماء في ميدان علم النفس والبيولوجيا .


الحجة :


- فأفلاطون قديما قسم المجتمع إلى ثلاث طبقات : طبقة الحكماء وطبقة الجنودوطبقة العبيد ، وهي طبقات تقابل مستويات النفس الإنسانية : النفس العاقلةوالغضبية والشهوانية ، وهذا التقسيم يرجع إلى الاختلاف بين الأفراد فيالقدرات والمعرفة والفضيلة ، وعلى العدالة أن تحترم هذا التمايز الطبقي ،ومن واجب الدولة أن تراعي هذه الفوارق أيضا وتوزع الحقوق وفق مكانة كل فرد .


- أما أرسطو فاعتبر التفاوت قانون الطبيعة ، حيث أن الناس متفاوتين بطبيعتهمومختلفين في قدراتهم وفي إرادة العمل وقيمة الجهد المبذول ، وهذا كلهيستلزم التفاوت في الاستحقاق ؛ فلا يجب أن يحصل أناس متساوون على حصص غيرمتساوية ، أو يحصل أناس غير متساويين على حصص متساوية .


- وحديثا يؤكد ( هيجل 1770 – 1831 ) على مبدأ التفاوت بين الأمم ، وان الأمة القوية هي التي يحق لها امتلاككل الحقوق وتسيطر على العالم ، على أساس أنها أفضل الأمم ، وعلى الأممالأخرى واجب ، هو الخضوع للأمة القوية.


- وفي نفس الاتجاه ، يذهب ( نيتشه 1844 – 1900 ) إن التفاوت بين الأفراد قائم ولا يمكن إنكاره ، فيقسم المجتمع إلىطبقتين : طبقة الأسياد وطبقة العبيد ، وان للسادة أخلاقهم وحقوقهم ،وللعبيد أخلاقهم وواجباتهم .


- أما أنصار المذهب الرأسمالي فيقيمون العدل على أساس التفاوت ، فالمساواةالمطلقة مستحيلة وفيها ظلم ، إذ لا يجب مساواة الفرد العبقري المبدعبالفرد العادي الساذج ، ولا العامل المجد البارع بالعامل الكسول الخامل ،بل لابد من الاعتراف بهذا التفاوت وتشجيعه ، لأن ذلك يبعث على الجهدوالعمل وخلق جو من المنافسة بين المتفاوتين .


- ويؤكد بعض العلماء إن كل حق يقابله واجب ، غير إن قدرة الأفراد في ردالواجب المقابل للحق متفاوتة في مجالات عدة : فمن الناحية البيولوجية ،هناك اختلاف بين الناس في بنياتهم البيولوجية والجسمانية ، مما ينتج عنهاختلاف قدرتهم على العمل ورد الواجب ، لذلك فليس من العدل مساواتهم فيالحقوق ، بل يجب أن نساعد أولئك الذين يملكون أفضل الأعضاء والعقول علىالارتقاء اجتماعيا ، يقول الطبيب الفيزيولوجي الفرنسي ( ألكسيس كاريل 1873 –1944 ) : «بدلا من ان نحاول تحقيق المساواة بين اللامساواة العضوية والعقلية ،يجب توسيع دائرة هذه الاختلافات وننشئ رجالا عظماء » . ومن الناحيةالنفسية ، نجد تمايز بين الأفراد من حيث مواهبهم وذكائهم وكل القدراتالعقلية الأخرى ، ومن العبث أن نحاول مساواة هؤلاء المتفاوتون طبيعيا .


وأخيراومن الناحية الاجتماعية ، فالناس ليسوا سواء ، فهناك الغني الذي يملكوالفقير الذي لا يملك ، والملكية حق طبيعي للفرد ، وليس من العدل نزع هذهالملكية ليشاركه فيها آخرين بدعوى المساواة .


النقد :


ان التفاوت الطبيعي بين الأفراد أمر مؤكد ولا جدال فيه ، غير انه لا ينبغيأن يكون مبررا لتفاوت طبقي أو اجتماعي أو عرقي عنصري . كما قد يكونالاختلاف في الاستحقاق مبنيا على فوارق اصطناعية لا طبيعية فيظهر تفاوت لاتحترم فيه الفروق الفردية .


التركيب :


إن المساواة المطلقة مستحيلة ، والتفاوت الاجتماعي لا شك انه ظلم ، وعلىالمجتمع أن يحارب هذا التفاوت ليقترب ولو نسبيا من العدالة ، ولا يكون ذلكألا بتوفير شروط ذلك ، ولعل من أهمها إقرار مبدأ تكافؤ الفرص والتناسب بينالكفاءة والاستحقاق ومحاربة الاستغلال .


حل المشكلة :


وهكذا يتضح ان العدالة هي ما تسعى المجتمعات قديمها وحديثها إلى تجسيدها ،ويبقى التناقض قائما حول الأساس الذي تبنى عليه العدالة ، غير أن المساواة – رغم صعوبة تحقيقها واقعا – تبقى هي السبيل إلى تحقيق هذه العدالة كقيمةأخلاقية عليا