امريكا و الحركات الاسلامية 1
29-01-2007, 03:06 PM
-السياسةالأمريكية
والحركات الإسلامية إلى أين؟
لا يختلف اثنان في أن منطقة الشرق الأوسط تحتل مكانة استراتيجية بالنسبة للسياسة الأمريكية في سعيها للمحافظة على مكانتها في النظام العالمي، ولا يختلف اثنان كذلك في أن هذه المنطقة هي من أصعب وأعقد المناطق في العالم حيث تعيش المنطقة مجموعة من التناقضات السياسية والفكرية والحضارية المعقدة، ولعل النزاع العربي الإسرائيلي وتداعياته المختلفة يمثل أعقد مشكلة دولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
كذلك ترتبط صعوبات المنطقة على السياسة الأمريكية من حيث طبيعة التركيب الثقافي والاجتماعي لشعوب المنطقة وموقفها العام من قيم الحضارة الغربية، حيث نرى هذه الشعوب مصرة على التمسك بهويتها الحضارية ومعتقداتها المستمدة من دينها الذي ترى فيه رسالتها الحضارية للعالم كافة، في حين يعتقد الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية أن العالم قد غادر هذا الاطار اطار الهوية ومرجعيات الانتماء البديلة في عصر عولمة الحداثة.
وإذا ما كانت الولايات المتحدة قد استطاعت المناورة في موقفها من الإسلام على مدار سنوات الحرب الباردة وما تلا ذلك قبل أحداث قبل الحادي عشر من سبتمبر فإن هامش المناورة في مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر وغزو أفغانستان والعراق قد أصبح قليلاً جداً وصار لزاماً على السياسة الأمريكية أن تجيب عن أسئلة المنطقة الصعبة.
عندما ينظر المراقب اليوم إلى الخارطة السياسية والتناقضات في منطقة الشرق الأوسط، فإن أول ما يتراءى له هو حالة الاشتباك والصدام العنيف بين الولايات المتحدة وقوى في أغلبها اليوم إسلامية، لكن مجموعة من التغيرات التي حصلت وتحصل بتسارع شديد ترجح اليوم إمكانية التوافق بين الولايات المتحدة وحركات الإسلام السياسي أو بعضها كواحد من السيناريوهات العديدة المحتملة في الشرق الأوسط..
تاريخ السياسة الأمريكية في المنطقة والموقف من الإسلام السياسي
يرى البعض أن السياسة الأمريكية ترتبط إلى حد كبير بالمصالح لا بالمبادئ، واستناداً إلى ذلك فقد أقامت علاقات جيدة مع الأنظمة الإسلامية في الجزيرة العربية، وعاشت حالة من التناقض والصراع مع إيران ما بعد الثورة الإسلامية، وقد كانت السياسة الأمريكية بشكل عام محكومة بمقتضيات الحرب الباردة وما تمليه من مواقف متنوعة في الصراعات الإقليمية تبعاً لتوازنات المرحلة وظروفها، هذه التوازنات والظروف التي دفعت بالولايات المتحدة للتحالف مع المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاتحاد السوفيتي.
مع نهاية الحرب الباردة بدأت تطفو إلى السطح توجهات جديدة نحو الإسلام تسعى لتقديمه في صورة العدو الجديد للغرب، وراجت مقولات خطر الأصولية الإسلامية على المصالح الأمريكية والغربية بشكل عام.
ففي عام 1991 كتبت صحيفة «واشنطن بوست» أنباء عن دراسة مستمرة تعدها وزارة الدفاع الأمريكية والمخابرات المركزية عن الحاجة إلى العثور على عدو جديد، وكان الإسلام هو المرشح الأبرز لذلك، ومن ثم فقد عقدت العديد من الندوات والكتابات التي تدور حول الإسلام، وكيفية التحريض عليه وإلصاق التهم به، وقد قاد هذه الحملة على مستوى الدراسات العلمية المؤرخ «برنارد لويس»، وأما تلاميذه ـ وأغلبهم من اليهود ـ فإنهم قاموا بالدور على صعيد الصحافة بقيادة «جوديث ميلر».
لكن هذه الدعوات لم تتجاوز في كثير من الأحيان ضرورات البناء الأيديولوجي الذي يقتضي وجود العدو المحفز، دون أن تتحول هذه المقولة إلى سياسة رسمية أو منطلق فعلي في السياسة الخارجية الأمريكية، ولم تلق مقولات هنتنغتون عن صدام الحضارات قبولاً خلال فترتي حكم كلينتون أو من قبله بوش الأب، ولكنها نجحت في نقل الإسلام والحركات الإسلامية السياسية إلى دائرة الاهتمام في مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا، وقد يختلف الكثير من الدارسين والمحللين للسياسة الخارجية الأمريكية حول تفاصيل مهمة في طبيعة الموقف الأمريكي من الإسلام والعالم الإسلامي، لكن أغلبهم يعترفون بحقيقة محورية هي أنه لا وجود لسياسة أمريكية رسمية واضحة ومحددة تجاه الإسلام السياسي، إنما هناك مصالح أمريكية رئيسية هي التي تحدد طبيعة العلاقة مع حركات الإسلام السياسي. وقد خلص إلى هذه النتيجة روبرت ساتلوف مدير قسم السياسة والتخطيط الاستراتيجي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (محسوب على تيار المحافظين ومن المتشددين تجاه الاسلام السياسي ) ويؤكدفواز على هذه الحقيقة في كتابه «أمريكا والإسلام السياسي»
يقدم ساتلوف نماذج من الخطابات التاريخية التي يرى أنها تقدم تعريفاً أولياً بالسياسة الأمريكية تجاه الإسلام السياسي في حقبة التسعينات، منها خطاب إدوارد جورجيان في الشهر الخامس عام 1992 – وكان يشغل حينها منصب مساعد سكرتير الدولة لشؤون الشرق الأدنى حيث يرى أن الولايات المتحدة لا تعرّف الإسلام على أنه الخطر القادم بالنسبة للغرب، فالإسلام بذاته لا يشكل عاملاً إيجابياً أو سلبياً في طبيعة علاقات الولايات المتحدة مع الدول الأخرى، ويقول «إن صراع الولايات المتحدة هو مع التطرف والعنف والنكران والتعصب والتهديد والإرهاب» ويرى ساتلوف ـ الذي يعتبر واحداً من تيار الصقور في النظر إلى الإسلام السياسي ـ على أن هذا الموقف من جورجيان هو نموذج لقصور فهم الولايات المتحدة للظاهرة الإسلامية تستدعي، كما يرى، عقد ورشة عمل جدية حول السياسة الأمريكية تجاه الإسلام.
ويأتي خطاب بليترو ـ خليفة جورجيان ـ ليعيد التأكيد على عدم وجود سياسة أمريكية مخصوصة بالظاهرة الإسلامية، أو الحركات الإسلامية، بل هناك سياسة تجاه مصالح الولايات المتحدة إذ يقول: «يجب أن نتعامل مع الأصولية الإسلامية في سياقات مختلفة، وكيف تؤثر في قضايا ذات أهمية للولايات المتحدة مثل: عملية السلام، محاربة الإرهاب، أو تشجيع السواق المفتوحة، أو احترام حقوق الإنسان، فالقضية الأساسية في أهدافنا ليست الإسلام السياسي» ويكرر بليتر ورؤيته في خطاب آخر عام 1995 موضحاً قاعدة من أبرز القواعد في الأمريكية في التعامل مع الحركات الإسلامية والتي تنص على أن: «الفعالية السياسية الإسلامية تصبح عاملاً بالنسبة لنا فقط عندما ترتطم بأهداف أو مصالح أمريكية محددة».
يتبع ..............