في محاكمة "فساد" مثيرة أغمي فيها على أحد المتهمين 19 مليارا لإنجاز "شبه سقف" بمستشفى مكافحة السرطان
18-02-2016, 03:49 AM

ع. بوشريف



عالجت، أمس، محكمة الجنايات لدى مجلس قضاء تلمسان، إحدى أهم قضايا الفساد، التي تورط فيها كل من المدير السابق للسكن والتجهيزات العمومية، بالإضافة إلى رئيس مصلحة التجهيزات العمومية ورئيس فتح الأظرفة بذات المؤسسة العمومية ورئيس مشروع مستشفى معالجة السرطان وصاحب المقاومة.. بتهم مختلفة، منها جناية التزوير في المحررات الرسمية والشروع في محاولة لتبديد أموال عمومية، بما في ذلك عدم الإبلاغ عن جريمة. وهي القضية التي لم تتأسس فيها الخزينة العمومية لكونها لم تصرف أموال الصفقة، ما جعلها بمنأى عن أي ضرر مالي، كما جاء ذلك في محضر الإحالة.
القضية التي تعود تفاصيلها إلى أواسط شهر فبراير من سنة 2013، بعد معلومات تلقتها عناصر الأمن تفيد بوجود عملية تزوير في محررات رسمية، حيث على ضوء تلك المعطيات، فتحت ذات الجهة الأمنية تحقيقات ميدانية، كشفت عن وجود عملية تزوير في محضر فتح الأظرفة، الذي على أساسه تم منح مشروع إنجاز شبه سقف إلى مقاولة من مدينة سطيف ورفض العروض المتبقية من مجموع 14 عرضا تقدمت بها بعض المقاولات، قبل أن يتم اكتشاف أن العرض المالي الذي قدم من قبل المقاولة التي رست عليها المناقصة مبلغ مالي مبالغ فيه يتجاوز 4 أضعاف القيمة المالية الحقيقية للمشروع المقدرة بـ 19 مليار سنتيم. في وقت تقدمت فيه مقاولات أخرى بعروض مالية أقل بكثير من المبلغ الذي تقدمت به المقاولة التي كلفت بإنجاز شبه السقف على مستوى مستشفى معالجة السرطان .

متهم يتورط قبل أسبوعين من تقاعده
المحاكمة التي عرفت مثول جميع المتهمين بالإضافة إلى الشهود وعدد معتبر من رجال الدفاع يتقدمهم 3 نقباء سابقين، اضطر فيها رئيس المحكمة إلى توقيف الجلسة بعدما أغمي على المتهم "ب. ع. ق"، رئيس مصلحة التجهيزات العمومية، مباشرة بعد مواجهة حدثت ما بينه وبين المتهم الثالث "ب. ن. م. ا"، قبل أن تستأنف المحاكمة من جديد ليتم الاستماع أولا إلى المتهم الثالث في قضية الحال وهو رئيس لجنة فتح الأظرفة. هذا الأخير الذي اعترف بأنه قام بالتوقيع على محضر فتح الأظرفة بحسن نية وأنه لا يعلم ما تضمنه ذلك المحضر الرسمي الذي على أساسه تم إحالة المناقصة إلى اللجنة المكلفة بتقييم العروض، مشيرا إلى أن ما تضمنه المحضر يختلف جذريا عما تم تحريره في السجل الرسمي، قبل أن يستعرض أمام الحضور أهم الخطوات والإجراءات المتخذة في مثل هذه المسائل، مشيرا إلى أنه قدم خدمة 36 سنة وكان على أبواب التقاعد، حيث لم يكن يفصله عن التقاعد سوى 15 يوما، مبرئا نفسه مما نسب إليه من تهم قبل أن يختتم تصريحاته بأنه ابتلاء من الله العلي القدير. من جهته، حاول رئيس مصلحة التجهيزات العمومية المتهم في قضية الحال التنصل من مسؤوليته، معتبرا أن المسؤولية تقع على عاتق رئيس لجنة فتح الاظرفة وأنه لا دخل له في القضية، وأن المحضر المشبوه كان ضمن الوثائق التي استندت عليها لجنة تقييم العروض، مقدما بعض التفاصيل عن كيفية الحصول على الصفقة، وأن مشروع مستشفى معالجة السرطان يعد من بين أكبر المشاريع، وأنه لا يعقل أبدا أن يتم اختلاس أموال مشروع مثل هذا تطرقت إليه الصحافة وظهر إلى العلن. من جانبه، وفي محاولة منه لتبرئة نفسه، كشف مدير السكن والتجهيزات العمومية أنه لا دخل له في صلاحيات لجنة تقييم العروض. كما لا يحق له أن يلغي أي صفقة وأنه مطالب بإرسال الملف إلى اللجنة الولائية المكلفة بالصفقات وهي التي من شأنها إلغاء المشروع قبل انطلاق الأشغال .

وقّع على جدول الإرسال دون الاطلاع على الوثاق فكانت الكارثة؟!
المتهم الرئيسي كشف أنه يقوم بتوقيع وثيقة جدول الإرسال فقط. وهو ما حدث مع ملف هذه المناقصة، أين أكد على أنه قام بالتوقيع فقط على وثيقة جدول الإرسال دون مراقبة الوثائق الأخرى بما فيها المحضر المزور، قبل أن يستوقفه رئيس الجلسة مستغربا هذا التصريح من مسؤول مكلف بهيئة تنفيذية مهمة من صلاحيات مسؤولها الأول مراقبة جميع الوثائق. هذا، وقد عرفت الجلسة الاستماع إلى باقي المتهمين من بينهم المقاولة المكلفة بإنجاز شبه السقف، الذي برّر من جهته الغلاف المالي المخصص لإنجاز السقف، الذي يعتمد على صفائح مضادة للبكتيريا والأشعة النووية المسببة للسرطان، ما جعل القيمة المالية المخصصة لإنجاز هذا السقف مرتفعة جدا. ولا تزال المحاكمة متواصلة إلى غاية كتابة هذه الأسطر، حيث من المنتظر أن يتم النطق بالحكم في ساعة متأخرة بعد سماع جميع الشهود والتماسات النيابة وهيئة الدفاع المشكلة من قرابة 15 محاميا، في قضية أسالت الحبر الكثير وكانت من بين الأسباب التي جعلت مشروع مستشفى مكافحة السرطان يتأخر منذ الانطلاق سنة 2008 الذي كلفت بإنجازه مديرية الصحة قبل أن يتم تحويله إلى مديرية السكن والتجهيزات العمومية بعد التأخر المسجل من قبل القائمين على قطاع الصحة.