عودة من احتفالية ينار (1 ينار 2965 الموافق ل 13 يناير 2015)
18-01-2015, 11:17 AM
عودة من احتفالية ينار (1 ينار 2965 الموافق ل 13 يناير 2015)


الدكتور العربي عقون .


**لكل الأمم أيامها وحساباتها الفلكية وروزناماتها وأجنداتها والأمّة الأمازيغية على غرار كل الأمم لها هي الأخرى روزنامتها وتقويمها الفلكي وأهمّ ما يميِّز هذا التقويم الأمازيغي هو أنه غير مرتبط بالمعبودات ولا بالملوك والأباطرة على غير ما نراه في تقويم الحضارات التي توصَف بالعظمة والرقي ... فالتقويم الفلكي الأمازيغي ليس فيه فراعنة ولا أباطرة ولا آلِهة ولذلك استمرّ قديما في ظل المسيحية ويستمرّ حديثا في ظلّ الإسلام.


**التقويم الأمازيغي (Calendrier amazigh) هو تقويم مناخي فلاحي متكيِّف مع الخصائص المناخية في منطقة شمال أفريقيا يرصد الظواهر المناخية التي تعرفها المنطقة على امتداد السنة من عواصف ثلجية ورياح جنوبية وأيام مطيرة وبهذا التقويم يسترشد الفلاح ليعرف فترات الزرع والغرس والتطعيم ... وفوق ذلك صنع مخياله لكل ظاهرة مناخية قصة أسطورية.
اليوم الأول من السنة الأمازيغية يوافق يوم 14 يناير كانون الثاني (من التقويم الميلادي) ويكون الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في الليلة من 13 إلى 14 يناير حيث تحتفل كل العائلات بالمناسبة ويكون آسكسو (Asksu= Le Coucous) كما يسمّى في اللغة الأمازيغية هو سيّد المائدة إضافة إلى أكلات تقليدية متنوعة من منطقة إلى أخرى.
ترصد الروزنامة الأمازيغية الظواهر المناخية بالأسماء الآتية مترجمة إلى العربية :
- الليالي السود (14 يناير – 2 فبراير) .
- العزارة (3 – 12 فبراير).
- سلف المعزاة (13 فبراير ويوافق يوم 31 يناير الأمازيغي).
- جمرة الهواء (20 – 26 فبراير).
- جمرة الماء (27 – 5 مارس).
- دخول الربيع "الأمازيغي" –ثافسوث- (28 فبراير).
- جمرة التراب (6 – 10 مارس).
- الحسوم (11-17 مارس) .
- قرّة حيان
- لفطيرة
- دخول الصيف "الأمازيغي" – آنبذو- (30 مايو) .
- لغشات (أيام حارّة أواخر شهر غشت (أغسطس)
- دخول الخريف "الأمازيغي" – ثامنزوث- (30 أغسطس).
- آوسّو (أول أمطار الخريف).
- دخول الشتاء "الأمازيغي" – ثاجْرَسْت- (29 نوفمبر).

**من القصص الأسطورية التي نسجها الخيال الأمازيغي أسطورة تسمى "سلف المعزة" تقول هذه الأسطورة أنّ معزاة وفي أواخر شهر ينّار (يناير) قررت الاحتفال بنهاية ذلك الشهر المعروف في جبال الأوراس ببرده وعواصفه وثلوجه وأن تتشفّى في ذلك الشهر الذي كاد أن يميتها ببرده القارص فخرجت في تمام زينتها وهي ترقص وتغني فرِحةً مستبشرة ولما شاهد ينّار رقصها وسمع غناءها اغتاظ وكلّمها مهدِّدا : سأقترض –انتقاما منكِ- يوما من شهر فورار (فبراير) يكون يوما عاصفا بثلوجه ورياحه وستموتين وستجرفك السيول وسيلعب الأطفال بقرونكِ جزاء تشفِّيكِ وهو الذي حدث حسب الأسطورة فجاء ذلك اليوم (المقترَض) عاصفا وماتت المعزاة وجرفتها السيول ! وهكذا فسّرت الأسطورة السبب الذي جعل ينّار بـ 31 يوما أي أنّ اليوم الواحد والثلاثين هو يوم اقترضه "ينّار" من شهر فورار لينتقم لكبريائه من المعزاة التي أهانته كما أنّ الأسطورة فسّرت سبب العواصف التي تحدث في الغالب في اليوم الأخير من ينّار كل سنة والتي يتميَّز بها مناخ الأوراس في ذلك اليوم.

**التقويم الأمازيغي هو تقويم شمسي ونحن الآن في السنة 2965 حيث يمثِّل اعتلاء أحد الأمازيغ العرش الفرعوني في مصر وهو شيشونق مؤسس الأسرة الفرعونية حدثا تردّد صداه في كل شمال أفريقيا ليتحول إلى أساطير وروايات متعددة من سيوة إلى مراكش ، ويمثّل هذا التقويم تراثا حضاريا لامادّيا لكلّ الشعوب الأمازيغية في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وكل الأمازيغ في باقي الدول الأفريقية وحقّ لهذا التراث القادم من أعماق التاريخ أن يكون تراثا إنسانيا عالميا ، على غرار التقويم الفارسي الذي تمّ تصنيفه من قبل اليونسكو أخيرا.

**لقد عاشت مدينة تبسة فرحة عارمة بهذه المناسبة التي أقامت لها احتفالية رائعة وكانت مديرية الثقافة وعلى رأسها السيد سحار محمد وكل مساعديه وكذا إذاعة تبسة الجهوية على موعد مع الحدث الذي تجاوبت معه كل الفعاليات الثقافية بالمدينة وفي هذه النقطة بالذات يجدر بنا التنويه بالأستاذ بلقاسم عبد الرزاق الباحث الشغوف بالتاريخ والآثار الذي كرّس جهده ووقته لهذه الاحتفالية فله مني كلّ التقدير والاحترام كما أتوجّه بعبارات التقدير للأستاذ عادل سلطاني الشاعر المبدِع باللغتين العربية والأمازيغية وهو نموذج لما ينبغي أن يكون عليه المثقف الجزائري لان زرع النفور بين اللغتين هو زرع للنفور بين أبناء الأمة الواحدة كما لا يفوتني أن أنوّه بالأستاذ صالح بريكة وكل موظَّفي وموظَّفات مديرية الثقافة وكذا الأستاذ القدير توفيق عون من إذاعة تبسة ، هؤلاء جميعا هم شباب يتوقّدون حيوية ونشاطا وهم في عمل ثقافي دءوب يستحقون عليه كل التشجيع.
هؤلاء الشباب من ذكرت ومن لم أذكر وجدنا فيهم من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وعلوّ الهمّة ومن الشهامة والمروءة ما يعجز اللسان عن وصفه فلهم مني كلّ التقدير والشكر ولمديرية الثقافة في تبسة أتوجّه بعبارات التقدير عرفاناً وامتناناً للتكريم الذي خصّتني به وعلى الجهود التي تقوم بها لتعود بلادنا إلى ذاتها ولتبني مستقبلها على ركن متين وفاءً لرسالة شهداء الثورة التحريرية.