أدونيس ومحمود درويش بلسان الأمازيغ للمرة الأولى
21-06-2009, 01:18 PM
أدونيس ومحمود درويش بلسان الأمازيغ للمرة الأولى
على طريق إذابة الحواجز الوهمية بين ثقافتين
الخير شوار



أحمد سليم آيت وعلي، هو كاتب صحافي وشاعر باللغة العربية واللغة الأمازيغية، اختار، في تجربة غير مسبوقة، نقل بعض أشعار أدونيس ومحمود درويش إلى اللغة الأمازيغية بلهجتها القبائلية، وشكل ذلك حدثا ثقافيا طريفا عندما ألقى نماذج من تلك الأشعار في المسرح الوطني الجزائري، على هامش احتفاليات «القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية» التي تنظمها الجزائر على مدار سنة كاملة. وينتظر أن تصدر تلك التجارب قريبا في شكل كتب، مما يسهم في تأسيس «مكتبة أمازيغية» أدبية ظلت إلى وقت قريب، أقرب إلى اللغة المحكية منها إلى المكتوبة، ولم تنل الاعتراف بها كلغة «وطنية» في الجزائر إلا مع بداية هذه الألفية الجديدة بعد نضال ثقافي وسياسي كبيرين. وما زال الجدل قائما حول طريقة كتابتها بين مفضل للأحرف العربية ومفضل للأحرف اللاتينية أو «كتابة تفناغ» القديمة التي وجدت ضمن آثار التاسيلي بمناطق الطوارق.
وتكمن أهمية هذه الترجمات التي قام بها أحد الشعراء الذين جمعوا بين العربية والأمازيغية، في إذابة الحاجز بين الثقافتين، بعد السجال الذي دام طويلا والذي تطور من ثقافي إلى سياسي قبل أن يتوارى قليلا في السنين الأخيرة. ويأتي إنجاز الشاعر أحمد سليم آيت وعلي، هذا في إطار التجربة التي بدأها سنة 2006 ضمن برنامج «الطريق يتذكر» التي يعدها ويقدمها كل أسبوع على أمواج القناة الإذاعية الجزائرية الثانية الناطقة باللغة الأمازيغية. ففي إطار هذا البرنامج بدأت أشعار الهندي طاغور والفرنسي شارل بودلير والفارسي القديم عمر الخيام تدخل الثقافة الأمازيغية التي كانت في السابق منطوية على ذاتها ولا تعرف إلا الشعراء الناطقين بها على غرار سي محند أومحند ولونيس آيت منقلات ومعطوب الوناس الذي اغتيل في ظروف غامضة سنة 1998. وجاءت ترجمات ممدوح عدوان وجبران خليل جبران، قبل ترجمة بعض أعمال محمود درويش وأدونيس في الآونة الأخيرة.
وحول هذه التجربة يقول أحمد سليم آيت وعلي لـ«الشرق الأوسط» إنه وجد صعوبة بالغة في تحويل أشعار أدونيس إلى الأمازيغية، ويقول إن أحد أصدقائه خاطبه مازحا عندما علم بترجمة بعض أشعاره أن أدونيس يحتاج إلى ترجمة إلى اللغة العربية أولا قبل أن يترجم إلى الأمازيغية أو إلى أي لغة أخرى. ويضيف أنه أصيب بصداع كبير وهو يشتغل على أشعار أدونيس وكان يسهر معه إلى الساعة الرابعة صباحا في بعض المرات حتى يقترب من روح تلك النصوص. وكم كانت فرحته كبيرة وهو يكسب التحدي، وينجح في تحويل أشعار أدونيس بمحمولها الفلسفي إلى اللغة الأمازيغية. وعن محمود درويش، فهو اختار نصوصه الأولى «الثورية» «لأسباب نضالية» كما يؤكد، ومعروف عن الشاعر أحمد سليم آيت وعلي في الجزائر ميوله النضالية الأقرب إلى اليسار بمفهومه الواسع. ويؤكد آيت وعلي أنه يمتلك قاموسا (عربي – أمازيغي)، وكان يفترض أن يستعين به على الترجمة، لكنه وجد نفسه بعيدا عنه. فالعملية الفنية التي كان بصددها وهو يغوص في لغتين ويعيد إنتاج العملية الشعرية بين لسانين، جعلته يكتشف محدودية القاموس ويلجأ إلى الإبداع الحر بعيدا عنه.
جاءت ترجمة بعض أشعار أدونيس ومحمود درويش إلى اللغة الأمازيغية، تتويجا لجهد كبير وحلم أكبر راود صاحبه الذي كان يتمزق وهو يرى ذلك الصراع المفتعل بين ثقافة نشأ في كنفها وأخرى عشقها وكتب بها لسنين طويلة، وينتظر أن يتجسد هذا الحلم أكثر مع صدور تلك الترجمات في كتب تزيل بشكل عملي وملموس ذلك الجدار الوهمي الذي يفصل الثقافة العربية والثقافة الأمازيغية، وهما وجهان لثقافة واحدة في الجزائر وشمال أفريقيا.