ثلاث خطوات لعلاج ظاهرة ضعف الإيمان
07-11-2017, 03:20 PM
ثلاث خطوات لعلاج ظاهرة ضعف الإيمان
د. عامر الهوشان

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

ليس من المبالغة في شيء: اعتبار ضعف الإيمان ظاهرة تستوجب الوقوف عندها لمعرفة أسبابها وطرق علاجها, فما تشهده وقائع الحياة اليومية في المجتمع الإسلامي يشير بوضوح إلى شيوع هذا المرض الخطير في النفوس واختراقه حجب الأفئدة والقلوب.
كثيرة هي المظاهر والأمارات والعلامات التي تؤكد حقيقة تفشي هذا الداء القلبي بين الحنايا والصدور، وفشو آثاره على الأفعال والسلوك منها : قسوة القلب التي يشتكي منها ومن آثارها: الكثير من المسلمين, و مقارفة الذنوب وارتكاب المعاصي والوقوع في المحرمات حتى أضحت مألوفة وغير مستهجنة، وتُرتكب جهارا نهارا دون خجل أو وجل!!؟, والتهاون في أداء الفرائض والواجبات، والتكاسل عن الطاعات والعبادات, والتعلق بالدنيا والغفلة عن الله و.......الخ .
تنطلق خطوات علاج هذه الظاهرة الخطيرة من أساس عقدي ثابت ومجمع عليه عند:" أهل السنة والجماعة"، ألا وهو:
" اعتقاد أن الإيمان: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان, يزيد بالطاعات وكثرة العبادات، وينقص بالمعصية والغفلة عن الله سبحانه".
قال الإمام البخاري رحمه الله:" لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار، فما رأيت أحداً يختلف في أن الإيمان: قول وعمل، ويزيد وينقص". (فتح الباري: 1/47 ).

أولى خطوات علاج ظاهرة ضعف الإيمان تتمثل في تعميق معرفة المسلم بالله تعالى وتوثيق الصلة به سبحانه من خلال العلم اليقيني بعظمة أسمائه الحسنى وصفاته العلى, و تبديد حجب الجهل بتلك الأسماء والصفات التي تعتبر السبب الأهم في ضعف الإيمان ونقصانه .
إن جهل كثير من المسلمين بأسماء وصفات الله سبحانه, وعدم إدراكهم لعظمة ما وصف الله به ذاته العلية في القرآن الكريم والسنة النبوية, وقلة معرفتهم وقصر فهمهم لكثير من أسمائه الحسنى هو: السبب الأهم في شيوع ظاهرة ضعف الإيمان, والجهل – كما هو معروف - لا يولد إلا ضعفا في العقيدة واضطرابا في اليقين الذي ينعكس بدوره سلبا على الأفعال والسلوك.
فلا سبيل لعلاج ضعف الإيمان في القلوب والنفوس دون الأخذ بترياق الاشتغال بالعلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى, إذ إن محبة الله وخشيته وإخلاص العمل له سبحانه، ومزج الخوف منه بالرجاء بلا إفراط بأحدهما ولا تفريط في الآخر: لا يمكن تحصيله إلا بمعرفة أسماء الله وصفاته.
يقول الشيخ:" عبد الرحمن السعدي" رحمه الله في كتابه:( التوضيح والبيان لشجرة الإيمان: ص41) ما نصه:
" إن الإيمان بأسماء الله الحسنى ومعرفتها يتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأنواع هي: روح الإيمان ورَوحه، وأصله وغايته، فكلما زاد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته: ازداد إيمانه وقوي يقينه ".

إن الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء، والإلحاح عليه سبحانه بتجديد الإيمان في القلوب, وكثرة ذكر الله تعالى بكافة أنواع الذكر، والإقبال على الطاعات والعبادات هي: الخطوة الثانية في علاج ظاهرة ضعف الإيمان , فلا يكفي في:" عقيدة أهل السنة والجماعة": مجرد التصديق بوحدانية الله تعالى وربوبيته دون العمل الصالح الذي يعتبر ركنا من أركان الإيمان، ومقياسا دقيقا لمعرفة نسبة زيادة الإيمان من نقصانه.
لقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم: أن الإيمان يَخلق في جوف المسلم كما يخلق الثوب، وأرشدنا إلى علاج ذلك الوهن والضعف في الإيمان بالتوجه بالدعاء إلى الله تعالى: بأن يجدد الإيمان في قلوبنا, ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم".( المستدرك للحاكم برقم/5، وصححه الألباني).
وبما أن تلاوة القرآن الكريم أفضل الذكر على الإطلاق كما قال العلماء وعلى رأسهم الإمام النووي رحمه الله الذي قال في كتابه:(الأذكار):
" اعلم أن تلاوة القرآن هي: أفضل الأذكار، والمطلوب: القراءة بالتدبر"، فهي بكل تأكيد: علاج فعال لداء ضعف الإيمان إن كانت التلاوة بتدبر وتمعن, قال تعالى:{ وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }.
وإذا أضاف المسلم إلى الدعاء وذكر الله بأنواعه: الإقبال على الطاعات والعبادات الأخرى: كإقامة الصلاة بخشوع وحضور والإكثار من صوم التطوع وصدقة السر والمبادرة لفعل الخيرات، فإنه يستكمل بذلك الخطوة الثانية في طريق علاج ظاهرة ضعف الإيمان.

وتبقى الخطوة الأخيرة اللازمة في هذا الطريق، وتتمثل باجتناب اقتراف المعاصي وارتكاب الذنوب والوقوع في المحرمات لما لها من تأثير سلبي على القلب و ملامح بارزة في ضعف الإيمان.
ويكفي إثباتا لأثر الذنوب والمعاصي في ضعف الإيمان: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ".(صحيح البخاري برقم:2475 ).

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.