رد: لعبة : اكمل القِصّة من البِداية التّالية
05-09-2013, 04:39 PM
بين الجداول تتراقص بصحبة الفراش..تحت الشجر الوارف الظلال..تبتسم تتهامس..تنام على بساط اخضر مزدان..هم فتية جمعتهم الايام..يد تمسك بالاخرى معا..قلوب تنبض بحب البعض..وفي الامسية لقاء الفراق..مودعين شمس الغروب..في مشهد حي..
تنهد بعد أن أحس بضيق في صدره، تزداد معه دقات قلبه الحزين حينما يلوح له صباه من نافذة ذكرياته القاسية، و كعادته أخذ ورقا و قلما، وضع يده على خده الخشن و بدأ يكتب.
اغرورقت عيناه دمعا و هو يتذكر اصحابه، انهم فتية بين الثالثة عشر و الخامسة عشر سنة، قد أنساه الزمن أسماء اغلبهم، بل لن يستطيع استرجاع ملامحهم البريئة خاصة بعد مرور عقدين و نيف عن آخر لقاء بينهم.
إنه يتذكر جيدا اليوم الذي قرروا فيه أن يقوموا بنزهة بأعالي جبال التيطري، مغاميرن لا يأبهون بالمخاطر التي قد تترصدهم، كيف لا و قد كانوا من أعضاء الكشافة البارزين خلقا و تربية و قوة بدنية.
يتذكر جيدا ضحكهم البريئ و نظراتهم الموقدة بحب الطبيعة و المغامرة، يذكر مشاكسة أيوب ، حلم مراد، شجاعة محفوظ، و حكمة صديق آخر "نسيت اسمه فليسامحني".
لقد اتفقوا أن يجعلوا يوم غد هو اليوم الموعود لرحلتهم، و أخذ كل واحد يهيئ زاده و لباسه و بعض الأكياس ليضعوا فيها ما جنوا من الفاكهة الغابية مثل البلوط.
يخبر أمه الحنونة بالأمر، تبتسم و تقول له "بالاكوا على بعضاكم يا وليدي ..." حقا إن حنان الأم لا يفوقه إلا حنان الرب، ثم طلب منها أن تستأذن له أباه، فقد كان لا يجرأ أن يكلمه، ليس خوفا و إنما حياء منه. أبوه الذي درس في بلاد "الرايخ" كان "كارتيزيا" الى حد كبير، رجل ليس ككل الرجال، يخفي حنانه الكبير وراء نظراته الثاقبة، ذلك الرجل الذي كان يستشيره كبار المصنعين من أحفاد هتلر و هو في بيته البسيط بعد أن يئسوا من استدراجه ليعيش معززا مكرما عندهم. ذلك الرجل الذي عاش بمبادئه و مات عليها. رحمه الله و جعل قبره روضا من رياض الجنة و جميع المسلمين - آمــــين-
وافق الاب الكريم بسرور و فرح، و كأنه كان يريد أن يقول له "إذهب يا بني و تعلم من الحياة ..."، بات ليلتها ينتظر الصباح في شوق عظيم، و يرسم في أفكاره غده و ما سيفعله و و .....آآآآآآه
يسمع صوتا، إنه صوت الأواني.. يشم راحة طيبة، انها رائحة "الفطير.." مع راحة القهوة تدغدغ أنفه الصغير، "يتكسسسسل .." كأنه قط مرح، ثم يدرك أن وقت الفجر قد حل و حان معه وقت المغامرة، يتوضأ و يصلي ثم يجتمع مع شلته.
شباب صغار يحملون على ظهورهم مؤونتهم يسيرون مع بعض كأنهم في أحد الأفلام، المدينة لم تستيقض بعد، و قرص الشمس ما زال خجلا يتستر وراء جبال شامخات يفوح منها عطر العظمة و الصلابة التي لا تقهر -سبحان من خلقها-.
"سنروضك اليوم أيتها الشامخات.." هذا ما كان يدور في أخلاحهم بكل براءة و عفوية ساذجة : هذه هي الطفولة.
كان محفوظ و صديقي الآخر هما القائدان، و كان مراد بمثابة الأخ الكبير، كنا معه نشعر بالأمان، أخوه الأصغر مصطفى كان كثير المزاح، كان يضحكنا كثيرا، أيوب كان سريع الركض جدا، كنا نناديه "التريسيتي" هههه.. و الطفل الراوي ينادونه بـ ......... لحبه للغابة و الجبال.
بعد اربع ساعات و نصف تقريبا من المشي وصلنا إلى جنة خلقها الله بين ستائر من الجبال، سبحان الله ، مياه عذباء متدفقة، بساط أخضر يانع، و طبيعو عذراء، ما رأيت مثلها قبلا إلا التي كانت عند "سنان و أصدقائه" -صدقوني-
جلسنا نستريح قليلا قبل أن نكمل برنامجنا ........إإإيـــــــــــه ...
بين الجداول تتراقص بصحبة الفراش..تحت الشجر الوارف الظلال..تبتسم تتهامس..تنام على بساط اخضر مزدان..هم فتية جمعتهم الايام..يد تمسك بالاخرى معا..قلوب تنبض بحب البعض..وفي الامسية لقاء الفراق..مودعين شمس الغروب..في مشهد حي..
سقطت دمعة من وجنتيه على الورقة، توقف فجأة عن الكتابة و هو يرى الحبر الازرق يختلط مع قطرات العبرات و هي ترسم اشكالا تأخذه مرة أخرى إلى بحر الماضي.
اختفى اللون الأزرق، لقد أصبح أحمرا محرقا غصبا، إنها ليست بعبرات، إنها قطرات دم ....لم يستوعب الصبي ما يجري، إنه مصدوم، الكل يجري و في كل الاتجاهات يبحثون عن مخبأ.... يستعيد وعيه شيئا فشيئا، صوت الرصاص يخرق الآذان، يحس بثقل على يديه و ركبتيه و هو جالس على الأرض. ماذا يفعل هنا؟ ماذا حدث ؟ لم يستطع التذكر من هول الصدمة... يشم راحة الموت تخز رئتيه الصغيرتين، يلقي بنظره، فإذا هو صديقه أمين في أحضانه، يغرق في الدم، و أمعاؤه بين يديه ... أستغفر الله العظيم و لا حول و لا قوة إلا بالله.....آه آآآآه
يرج رأسه رجا عله يبعد عنه تلك الأيام و ما حوت. إنها أيام سود سواد الجمر الصارخ ألما. كانت بعد الرحلة بسنوات، إنها رحلة من نوع آخر، امتطينا فيها قطار الموت سنوات عدة.
يتذكر و هو يبكي صديقه مراد، لكالما كانا يلعبان معا، و بحكم كبر سنه، كان يعلمه و يعطيه خلاصات للحياة على بساطتها، اختار حينها أن يكون رجلا من رجال الشرطة، عمل فيها سنوات ثم أصيب. اليوم هو معاق لا يستطيع الحراك.
صديقه أيوب السريع، إلتحق كذلك بسلك الشرطة، فرقة محاربة المخدرات، و لأنه كان مجدا في عمله و أسقط العديد من رؤوس الشياطين، و رفض كل أنواع الرشاوي، تم خداعه على الطريقة الامريكية : فلم محبك، و لفقت له تهمة المتاجرة بالمخدرات و هو بريئ منها، و للأسف القضاء عندنا لا يتعب نفسه في تقصي الحقائق، و لا يرى الا ما يريد ان يرى. دخل أيوب السجن و خسر عمله و أهله.
محفوظ، حسب ما سمعت كان من عائلة فقيرة، غرر به مثل الكثيرين، صعد الى الجبل اعتقادا منه انه يخدم الدين. قتل على ما اظن في كمين للجيش.....
مصطفى، أخو مراد، و بعد الحادثة هرب مع عائلته الى اقاربه نواحي العاصمة، يعمل طلاء.
رضوان انظم الى القوات الخاصة، أصيب كذلك، حاليا معاق يبحث عن عمل لايواء ابنائه.
انا اكملت دراستي و الحمد لله. اعمل، و ليس لدي مسكن، "كراي" منذ 16 سنة، و انتظر مماتي لارتاح ان قدر الله.
هذه القصة ليست من نسج الخيال، إنها قصة واقعية و حقيقية، غيرت فيها بعض المعالم - بتصرف -
سأحكيها لأبنائي حين يكبرون.
الحمد لله على كل حال.