محمد كتو.. الداعية الذي إن فقدته العين لن تنساه الأذن
29-06-2016, 05:56 AM

ننعش ذاكرتنا هذه المرة، باسم أنعش صباحيات الكثير منا لعدة سنوات، من خلال جرعة روحية في حديث ديني مختار، يهب نسيمه على أسماعنا كل صبيحة لعقود كثيرة من الزمن، هو القارئ والمربي، الحافظ لكتاب الله والمتشبع بسيرة خير خلقه، كان سفير القراءات والتجويد خارج حدود الجزائر، صوت بقي صداحا إلى حد الساعة، تحن له الأسماع اليو م،فقد كان فاصل الخيط الأبيض والخيط الأسود مطلع كل فجر.

هجرة والده خوفا على هويتة الجزائرية

لقد كان من أسباب ظلم الاستعمار وجبروته والسعي إلى مسح الهوية الجزائرية طمسها من الواقع والصدور، أن فرّ والده إلى تونس رفقة العديد من الجزائريين وهذا من أجل الحفاظ على الإرث الديني والثقافة العربية، كان والده مدرس القرآن الكريم في العديد من القرى، لذا فقد نشأ "الشيح محمد كتو" رحمه الله، في جو مفعم بتعاليم الدين الإسلامي وأسسه، فحفظ على يد والده القرآن وهو لم يتعد السنة الحادية عشرة، كما أخذ من غزارة علمه مبادئ اللغة العربية وأسسها، وحفظ عنه بعض المتون، ثم التحق بجامع الزيتونة، حيث نهل من كل العلوم والتخصصات، ومنه تخصص في علم القراءات، ثم عاد إلى الجزائر من بعدها.

اختير من بين أحسن 10 مقرئين في الوطن العربي

أصبح سفيرا للجزائر في الكثير من الدول في مسابقات الحفظ الدولية وتجويد القرآن، بل أصبح اسمه مرتبطا بكل المسابقات الدينية في مجال التجويد والقراءات، حيث كان فيها حكما ومقيما، ونتيجة لتمثيله الجزائر أحسن تمثيل في هذه المناسبات، فقد اختارته الرابطة العالمية الإسلامية للقراء والمجوّدين ليكون عضوا فعالا فيها، ومنه اختير من بين أحسن عشرة قراء في الوطن العربي في تلك الفترة.

لقد سنّ في حياته التنقل بين المساجد عبر التراب الوطني وإلقاء المحاضرات والخطب، فكان الناس يتدافعون للجلوس إليه نتيجة لصراحة قوله وطريقة نصحه، ولغته البسيطة التي كان يخاطب بها الناس جمعاء، كما شد كل المستمعين إلى المذياع للاستماع والاستمتاع بخطبه المنقولة، بل أكثر من هذا، فقد فتح أبواب منزله ليكون مدرسة لتعليم القرآن والتجويد والقراءة بالمجان، من دون أجر ولا هدية.

أكثر من نصف قرن في الدعوة والتمسك بسنة خير الأنام

يعتبر للكثير منا موروثا للثقافة الدينية، فقد أخذ عنه العديد من الجيل الذي عاش معه الكثير من صفاء الأحاديث النبوية التي كان يقدمها للتربية والموعظة الحسنة في جو هادئ من كل صبيحة مازالت صافية لم تدنسها خطايا البشر، من خلال صوت جهوري عذب ينطلق من الإذاعة الوطنية بعد النشيد الوطني، فقد هذب أسماع الكثير منا في هذا الجو الصافي، استمع واستمتع معه الكثير لعقود من الزمن، مازالت ذبذبات صوته تحن لها الأسماع، وترجوها كلما ذكر لفظ "الحديث الديني" حتى ارتبط اسمه به وكأنه توأمه.

تحول فيما بعد من الصوت فقط إلى الصورة والصوت معا من خلال الحديث الديني الذي كان يبرمج في التلفزة الوطنية، استطاع من خلال هذه الحصة سواء في الإذاعة أو التلفزيون أن يصل إلى قلوب كل من جلس إلى الاستماع إليه، بل شدهم إليه، لأنه كان بسيطا في إلقائه، مقنعا في طرحه، يحدث الناس عن دينهم بلغة بسيطة وواضحة من دون تكلف ولا تصنع، يفهمه العام والخاص منا باختلاف الدرجات الثقافية والمؤهلات العلمية بيننا.

انطفأت شمعته سنة 1999م في الجزائر، بعد ما استنارت مدينة "باجة" التونسية بميلاده سنة 1915، رحل وترك وراءه أكثر من نصف قرن في النصح والإرشاد والتربية، والدعوة إلى كتاب الله، والتمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، سنوات لم تمحها موجات التغير، وعقود لن تطمسها صفحات النسيان، ويبقى الشيخ "محمد كتو" رحمه الله الصوت العذب الذي تفتحت عليه العين واستأنست به الأذن فجر كل صباح مشرق في الجزائر.