سنة على محرقة غزة 2009.. عام الحروب العربية بالوكالة!
13-01-2010, 04:55 AM


سنة على محرقة غزة

2009.. عام الحروب العربية بالوكالة!


العرب أونلاين

يمر اليوم عام على بدء محرقة غزة، تلك المحرقة التي تفنن خلالها الإسرائيليون في قتل الأبرياء وهدم المنازل على رؤوس أهلها واستعمال الأسلحة المحرّمة دوليا، ثم خرجت إسرائيل من الحرب "مظلومة" حيث تداعت القيادات الغربية إلى عقد لقاء في شرم الشيخ مباشرة بعد انتهاء المحرقة لتعلن بحضور الرئيس المصري وقوفها إلى جانب تل أبيب وتعويضها عن الخسائر التي لحقت بها، وبالتوازي فرض الحصار على غزة لتأديبها على صمودها أياما في وجه الآلة العسكرية الصهيونية!!

أي عالم هذا الذي يهرول إلى المعتدي ويصفق لجرائمه ويتآمر معه على الضعيف ويخنقه بالحصار والتجويع؟
وإذا كان العالم يقع تحت وطأة القبضة الأمريكية المنحازة إلى الصهيونية والتي لا يهمها قانون دولي ولا إعلان عالمي لحقوق الإنسان فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا فعل العرب لفك الحصار عن مليون ونصف المليون فلسطيني؟

الإجابة تقول إن العرب لم يحرصوا على فك الحصار عن أشقائهم، بل إن بعضهم بدا أحرص من إسرائيل والولايات المتحدة على استمراره وإلا بماذا نفسّر الحرص المصري على إدامة الحصار وردم الأنفاق التي يهرب عبرها الفلسطينيون المواد الغذائية والألبسة ومواد التدفئة، وازداد الأمر سوءا بالقرار الأخير الذي اتخذته القاهرة ببناء جدار فولاذي لمنع أي شكل من أشكال التهريب.

وهو قرار أمريكي وبأموال أمريكية وتنفذه شركات أمريكية واكتفت القاهرة بالإمضاء عليه تحت يافطة تزعم حق مصر في السيادة على أراضيها!

إن هذا الجدار يعني إعلان الموت الجماعي لأهل غزة بإمضاء عربي، خاصة أن مصر، قلب العروبة ودولة المقر لجامعة العرب، تعرف جيدا أن غزة محاصرة جوا وبحرا وبرا ولا منفذ لها على الحياة إلا معبر رفح وأنفاقها.

لسائل أن يسأل: لماذا لا يتحرك العرب للضغط على مصر لتتراجع عن قرارها بممارسة القتل البطيء على أهالي غزة؟ أين الرياض وأين دمشق وأين دول الخليج؟ ثم أين الجامعة العربية وما دورها إذا لم تُنقذ المليون ونصف المليون فلسطيني من الموت المحقق؟

لا شك أن مصر تُنفّذ قرارا عربيا جماعيا صامتا وتتحمل وحدها التبعات لأنها دولة المواجهة الوحيدة مع حماس!.. الجميع مصادقون على القرار ومشاركون في تنفيذه ما دمنا لم نسمع تصريحات رسمية من هنا وهناك تحتج على بناء الجدار، بما يعنيه هذا من اصطفاف عربي واع أو غير واع وراء السياسة الأمريكية في المنطقة، وبدل خوض المعركة الدبلوماسية والإعلامية مع العدو الاستراتيجي "إسرائيل" والقوى المساندة له صارت المعركة ضد أعداء ثانويين وأحيانا وهميين والهدف ليس خدمة القضايا العربية وإنما تنفيذ الحرب بالوكالة لفائدة القوى الاستعمارية الغربية الكبرى.

العرب موافقون على احتلال العراق وهم الآن يتنافسون للتطبيع مع الحكومة التي نصّبها الاحتلال الأمريكي، وها هي مصر تُعيد سفيرها وتستعد لأن تأخذ نصيبها من الكعكة العراقية مكافأة لها على المساعدة الخفية و"الذكية" في تمرير احتلال العراق والتطبيع مع زمن ما بعد الاحتلال.

ولأن أمريكا التي تحالفت سنة 2003 مع طهران في الإطاحة بنظام صدام حسين، قررت فك ارتباطها مع إيران والتخلص من حكم الموالين لها، وخاصة الأطراف الدينية "المجلس الأعلى أساسا"، فإن الإعلام العربي الرسمي أصبح الآن يخوض حربا أخرى بالوكالة ضد إيران، متناسيا أن إيران لم تكن لتقدر على دخول العراق وفرض عملائها في السلطة لولا التحالف الأمريكي، وأن إيران وعملاءها لا يقدرون على البقاء يوما واحدا في العراق حال الانسحاب الأمريكي.

إن التركيز على الدور القذر الذي تلعبه إيران في العراق، لا يهدف في عمقه لخدمة القوى المقاومة للوجود الإيراني ومنع الهيمنة المذهبية والسياسية لطهران، إنما تبرئة الاحتلال الأمريكي من جريمة الاحتلال بوصفها الجريمة الأصل ثم الجرائم الأخرى التي تفرعت عنها كالقتل العبثي والاعتقالات الجماعية وأسلوب العقاب الجماعي، وفضائح أبو غريب.

هناك خطة تُدار من وراء الستار بأيد عربية تحاول أن تخفف من حجم التشويه الذي لحق بصورة أمريكا في المنطقة، وهي المهمة التي جاء أوباما لأجلها إلى السلطة، فصارت حماس هي المسؤولة عن حصار غزة وعن الانقسام الداخلي الفلسطيني وليس إسرائيل ولا واشنطن ولا الأطراف الفلسطينية والعربية التي تسير في ركبهما.. وصارت إيران هي العدو الاستراتيجي وليس أمريكا، مع أن إيران، حالها كحال الأنظمة العربية المعتدلة، خاضت حرب الإطاحة بصدام لفائدة أمريكا وهي تتجرع مرارة ذاك القرار الخاطئ خاصة في ظل اهتزاز صورتها عربيا اهتزازا كبيرا رغم ما تبديه من دعم لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين.

إن الخلاف مع حماس لا يمكن أن يبرر بأي صورة التآمر على الشعب الفلسطيني ودفعه إلى الموت البطيء، كان يمكن للدول العربية المؤثرة سياسيا وماليا أن تتحاور مع حماس وتضغط عليها وتدفعها لتقديم التنازلات الضرورية لفائدة سلطة عباس، وقد عبّرت الحركة في لقاءات القاهرة المختلفة، ومكة المكرمة، وصنعاء أنها مرنة وعلى استعداد لتقدم تنازلات معقولة ومقبولة ما لم تنته بها إلى التسليم بالأمر الواقع، ووقف المقاومة والرضاء بالتنسيق الأمني مع الاحتلال مثلما تفعل السلطة الفلسطينية في واضحة النهار، رغم أن شرعيتها الشعبية والدستورية تسمح لها بأن تحكم غزة والضفة وتمثل الشعب الفلسطيني في الخارج.

ثم لماذا يركّز العرب على خنق حماس وتحميلها مسؤولية ما جرى في غزة من دمار إسرائيلي ويسكتون على الجرائم الصهيونية التي هزّت ضمير العالم، ماذا فعل العرب لتتبع الجنرالات الصهاينة الذين ذبّحوا أبناء غزة؟ لماذا حرص بعضهم على إفراغ مضمون قرار غولدستون ومجلس حقوق الإنسان العالمي من محتواه بدل أن يتخذوه وثيقة قانونية لتتبع الجزارين الصهاينة؟

أملنا كبير في أن تحمل قمة طرابلس القادمة خطوات عملية لكسر خط التنازلات العربية المثيرة للخوف والرعب والتي لا مبرر لها سوى مصالح خاصة كضمان انتقال سلس للسلطة بالوراثة، وأن تدفع الدول العربية المؤثّرة لأن تتحمل مسؤولياتها أمام الله وأمام أمتها من أجل استعادة بعض الأمل في المستقبل.