تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى العام > نقاش حر

> كناب عن بوش و المحافظون الجدد..عالم جورج بوش السري

موضوع مغلق
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية لخضر من العاصمة
لخضر من العاصمة
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 26-12-2007
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 336
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • لخضر من العاصمة is on a distinguished road
الصورة الرمزية لخضر من العاصمة
لخضر من العاصمة
عضو فعال
كناب عن بوش و المحافظون الجدد..عالم جورج بوش السري
15-02-2008, 05:00 PM
عالم جورج بوش السري
كناب مهم عن بوش و المحافظون الجدد

) الدين ـ التجـارة ـ الشبكات الـخفية (

اريك لوران

دخل جورج دبليو بوش البيت الأبيض بعد انتخابات أثير حولها الكثير من اللغط، ومع ذلك لم يسبق أن حاز رئيس قبله كل هذه السلطة، وأظهر كل هذه الغطرسة. غير أن مساره يعج بالخفايا والأسرار، و«تشوبه» تحالفات مشبوهة وتلاعبات مالية مشينة، على حد تعبير مؤلف كتاب «عالم بوش السري» الذي حاول دخول دهاليز الحكم في أميركا، ورصد دور رجال المال، وصناع الفكر والاصوليين الدينيين في كواليس البيت الأبيض، وتوقع لقارئه ان يصاب بالهلع والقلق لما يجري في مطبخ النظام العالمي الجديد، نظام القطب الواحد الأوحد.
وقد عمدنا في عملية الترجمة والاعداد إلى الأسلوب الانتقائي في اختيار المادة المترجمة بهدف تقديم صورة متكاملة للقارئ عن هوية حكام عالم اليوم، منذ مرحلة التشكل الهلامي، فمرحلة الكمون وصولا الى مرحلة العمل المنظم والعلني في سبيل الغاية الأعظم أي «إعادة تشكيل المشهد الجيو سياسي بحيث تكون واشنطن فيه سيد اللعبة».
تأليف: اريك لوران
يعد من أبرز المراسلين في فرنسا، متخصص في شؤون السياسة الخارجية، له عدة مولفات رائجة بينها: «حرب الخليج، الملف السري» شاركه في التأليف بيار سالينجر، و«عاصفة الصحراء» وصدر له أخيرا كتاب «حرب آل بوش».


ترجمة وإعداد: مليكة بوشامة



http://www.qassimy.com/prog/pafiledb...le&id=6235&idP=
http://www.qassimy.com/vb/showthread.php?t=79393



) الدين ـ التجـارة ـ الشبكات الـخفية (


اريك لوران

دخل جورج دبليو بوش البيت الأبيض بعد انتخابات أثير حولها الكثير من اللغط، ومع ذلك لم يسبق أن حاز رئيس قبله كل هذه السلطة، وأظهر كل هذه الغطرسة. غير أن مساره يعج بالخفايا والأسرار، و«تشوبه» تحالفات مشبوهة وتلاعبات مالية مشينة، على حد تعبير مؤلف كتاب «عالم بوش السري» الذي حاول دخول دهاليز الحكم في أميركا، ورصد دور رجال المال، وصناع الفكر والاصوليين الدينيين في كواليس البيت الأبيض، وتوقع لقارئه ان يصاب بالهلع والقلق لما يجري في مطبخ النظام العالمي الجديد، نظام القطب الواحد الأوحد.
وقد عمدنا في عملية الترجمة والاعداد إلى الأسلوب الانتقائي في اختيار المادة المترجمة بهدف تقديم صورة متكاملة للقارئ عن هوية حكام عالم اليوم، منذ مرحلة التشكل الهلامي، فمرحلة الكمون وصولا الى مرحلة العمل المنظم والعلني في سبيل الغاية الأعظم أي «إعادة تشكيل المشهد الجيو سياسي بحيث تكون واشنطن فيه سيد اللعبة».
تأليف: اريك لوران
يعد من أبرز المراسلين في فرنسا، متخصص في شؤون السياسة الخارجية، له عدة مولفات رائجة بينها: «حرب الخليج، الملف السري» شاركه في التأليف بيار سالينجر، و«عاصفة الصحراء» وصدر له أخيرا كتاب «حرب آل بوش».


ترجمة وإعداد: مليكة بوشامة
علاقة محرمة» بين صانعي السياسة الدفاعية وشركات الأسلحة في أميركا:
بعد ثمانية أشهر من تولي جورج دبليو بوش مهام الرئاسة في نوفمبر 2000، نشرت مجلة نيوزويك في عددها الذي صادف هجمات 11 سبتمبر مقتطفات من كتاب كان قيد الطبع يحمل عنوان: «رئيس بالصدفة؟» وكان السؤال ليبدو استفزازيا لكنه في الواقع سؤال مغلوط تماما. فبوش يمكن وصفه بأي شيء الا انه وصل الى الحكم بمحض الصدفة. واعتبر قسم كبير من الرأي العام الاميركي حصيلة حكمه آنذاك مخيبة للآمال فيما استطاعت قلة فقط من المراقبين تقييم حجم التغيير العميق والانقلاب المقلق اللذين حدثا.
فهناك كثير من الرؤساء في التاريخ الاميركي الذين شددوا على جذورهم الدينية، وطعموا خطبهم بمقاطع من الانجيل، ولكن لم يحدث ابدا قبل وصول جورج دبليو بوش ان اكتسب الدين وزنا كبيرا كما في عهده.
وخلال حملته الانتخابية أكد بوش أن المسيح هو المفكر الفضل لديه لأنه «أنقذ قلبي» وحالما تسلم السلطة أعلن يوم 20 يناير 2001 يوما وطنيا للصلاة رغم وجود مثيل له في شهر مايو.
ويقول المؤرخ آلان ليشتمان من الجامعة الاميركية في واشنطن: «ان اقحام الدين بهذا الشكل لم يسبق له مثيل».
وفي احدى خطبه الاولى قال على وقع التصفيقات الحارة: «ينبغي ان ينتهي زمن التمييز ضد المؤسسات الدينية لا لشيء الا لانها دينية». وبعيد ذلك، انبرى يدافع باستماتة عن المطالب الاساسية للمنظمات المسيحية المحافظة جدا وضمنها منظمات أصولية تطالب بتوسيع نطاق استفادتها من الاموال العامة لتمويل برامجها للمساعدات الاجتماعية. وهو ما يمثل مصدر اثراء لا يستهان به بالنسبة لهذه الحركات وقادتها بمن فيهم رجال الدين ورؤساء الشركات ومعظمهم يملك ثروات شخصية طائلة.
ويذكر ان جورج دبليو بوش اكد خلال حملته الانتخابية انه يجسد «نموذجا جديدا للمرشح الجمهوري». لكن الواقع كشف عكس ذلك.
«فالتحالف الجديد» الذي كان يدعمه تنكر تماما للقيم والقناعات التقليدية للحزب الجمهوري او على الاقل تلك التي دافع عنها اثنان من الحزب وهما ابراهام لينكولن ودوايت ايزنهاور. إذ اعتبر الأول الحرب الاهلية اختبارا حقيقيا. وظلت الحرب طيلة 140 عاما تقريبا محور الاهداف بالنسبة لهؤلاء المسيحيين الاصوليين الذين يتسمون في الغالب بالعنصرية ومعاداة السامية والمرتبطين ارتباطا وثيقا ببعض المحافظين الجدد اليهود المقربين جدا من حزب الليكود اليميني الحاكم في تل أبيب. اعتبر هؤلاء ان المواجهة اللازمة ينبغي ان تتم على صعيدين اثنين فعلى الصعيد الداخلي، ينبغي التوصل الى تفكيك نظام الرعاية الاجتماعية ودعم الاقليات الذي وضع قبل عدة عقود الى جانب فرض القيم الدينية الاكثر محافظة على المجتمع الأميركي برمته.
وكانت مؤسسة «هيريتيج»، معقل هذه الاستراتيجية، تتحدث عن ثورة اميركية ثانية لـ«الاستقلال الثقافي» ترمي الى نسف المجتمع متعدد الثقافات السائد في الولايات المتحدة وتقويضه.
.. لامنافس لأميركا:
اما على الصعيد الخارجي فكان الهدف يرمي الى تسخير الجبروت الاميركي، وخاصة القوة العسكرية لاعادة تركيب المشهد الجيوسياسي. وقد قالها الصقور المتحلقون اليوم حول جورج دبليو بوش صراحة «ينبغي الا نألو جهدا في منع اي بلد او مجموعة اقليمية من التمكن يوما ما من منافسة اميركا».
وفي خطاب القاه ايزنهاور قبيل مغادرته السلطة في يناير 1961 وترك صداه الى اليوم، تحدث الرئيس عن وجود تحالف عسكري صناعي يمثل خطرا جسيما على الديموقراطية الاميركية وكانت تلك القوة العظيمة المتمثلة في البنتاغون من جهة وشركات الاسلحة من جهة أخرى تشغل بال القائد العسكري السابق.
وظل نفوذ هذا اللوبي وما يمثله من خطر موضوعا يتردد على الالسن طيلة العقود التي تلت. ونستعير كلام لينين، الذي قال قبل وفاته بقليل عام 1924 ان «الشركات متعددة الجنسيات بسطت هيمنتها على الارض» لنقول ان التحالف العسكري الصناعي قد بلغ اوجه حين هيمن على ادارة بوش. فواضعو السياسة الدفاعية ومنفذوها الذين يرسمون ايضا الملامح الجديدة للسياسة الخارجية الاميركية، يقيمون علاقات «محرمة» حسب تعبير احد المراقبين، ولكنها مثمرة مع شركات الاسلحة، والشركات الكبرى.
سيكولوجية:
التقى الصحافي بوب وودوارد الرئىس الاميركي في اغسطس 2002 بمزرعته في كراوفورد. وقد كتب يقول: «خلال المقابلة، جاء الرئىس الاميركي على ذكر فطرته أو «ردود فعله الغزيرية» حوالي 12 مرة الى ان قال: «انا لست من النوع الذي يعمل بما جاء في الكتب بل بما تمليه علي غريزتي».. ومن الواضح ان غريزته هي بمثابة دينه الثاني.
صحيح ان بوش لا يقرأ. وقد ظلت السيرة الذاتية لسام هيوستن، احد مؤسسي تكساس الذي يحلو له ان يتماهى معه، هو الكتاب الذي يتصفحه قبل الخلود الى النوم طيلة شهور عديدة، غير ان ثمة كتابا وحيدا حرص على قراءته سطرا سطرا، وبتركيز شديد، واحدث فيه تغييرات جذرية على مستوى الشخصية والنظرة الى العالم، انه كتاب الانجيل الذي قرأه وهو يشارف على الاربعين من العمر.
تزوج بوش عام 1977 وانضم الى الكنيسة البروتستانتية الاصلاحية التي كانت زوجته عضوا فيها. وعرف عنه ادمانه الكحول حتى ضاقت به زوجته لورا ذرعا وفي عام 1985 اصيب بوش وهو في عمر 39 عاما بحالة احباط شديد مع توالي النكبات والاخفاقات على الصعيد المهني.
ويروي هاوارد فينمان في تحقيق نشرته نيوزويك تحت عنوان: «بوش والرب» كيف تعافى الرئيس الحالي من هذه الحالة بفضل احد اعز اصدقائه بوب ايفانز، الذي يشغل منصب وزير التجارة حاليا. كان ايفانز يمر بدوره بفترة عصيبة على الصعيد المهني والشخصي وكان قد التحق بحلقة دراسية للانجيل وهي عبارة عن برنامج لدراسة احد كتب العهد الجديد دراسة معمقة على مدى عام كامل.
واقنع ايفانز جورج دبليو بوش بالانضمام الىه في الحلقة الدراسية. فتعمق الاثنان في انجيل لوقا طيلة عامين، ودرسا نسخة القديس بول حول طريق دمشق وانشاء الكنيسة المسيحية «وقد كان هذا البرنامج بمثابة انعطافة حقيقية في حياة رئيس المستقبل على صعد عدة، اذ اصبح لديه محور اهتمام فكري للمرة الأولى». ويعتبر بوش بهذا المعنى نتاج «حزام الانجيل» وهو المصطلح الذي يطلق على الولايات المحافظة والمتدينة في جنوب الولايات المتحدة حيث يكن المؤمنون احتراماً شديدا لنصوص الانجيل.
وجد بوش الذي يحب ممارسة المشي والماراثون في دراسة الانجيل بديلا فكريا وتربية روحية كان في أمس الحاجة اليهما لمواجهة التحدي الأساسي في حياته آنذاك، اي ترك تعاطي الكحول.
وقد توقف بوش عن ذلك في صيف 1986 بعدما احتفل هو وصديقه ايفانز ببلوغهما الأربعين.

ويذكر انه قال في احدى المناسبات بعد انتخابه ببضعه شهور: «لقد كان الإيمان خير سند لي في أوقات النجاح والاخفاق. ولولاه لكنت شخصا مختلفا ولولاه لما كنت هنا اليوم، ربما».
وبعد «مولده الجديد» (اشارة الى التجربة الروحية لاعادة اكتشاف الله التي يزعم كثير من الاميركيين «1 من 4» انهم عاشوها) في عام 1986، اهتدى بوش بعد عام من ذلك الى السبيل الذي يكفل له المزج بشكل فعال بين القناعات الدينية والطموحات السياسية. ففي عام 1987، ذهب الى واشنطن والتحق بالفريق الذي كان يحضر الانتخابات الرئاسية لصالح والده. وتم تكليفه بتنسيق العلاقات مع مجموع الحركات والمنظمات التابعة لليمين المتدين وهو ما لم يكن وليد الصدفة.
ويقول احد مساعديه، وهو دوغلاس ويد متذكرا: «أما أبوه فلم يكن يشعر بالارتياح فعليا لهؤلاء الناس في حين كان الابن يعرف تماما كيف تنبغي مخاطبتهم والتعامل معهم». وتكررت مبادرات جورج دبليو بوش، طيلة الحملة لمحاولة اقحام اكبر عدد من النصوص الانجيلية على سبيل الاستشهاد في الخطب الانتخابية التي ألقاها والده.
وحين قرر في عام 1993 ترشيح نفسه لمنصب حاكم تكساس اثار ارتياب والدته التي كانت ترى شقيقة الأصغر جيب مؤهلا للمنصب في فلوريدا اكثر منه. وكان جورج دبليو بوش الذي هزم أبوه امام بيل كلينتون قبل عام من ذلك، قد انكب على تحليل الأسباب الانتخابية الكامنة وراء هذه الهزيمة بمساعدة «ملهمه السياسي» كارل روف الذي يعمل ضمن فريقه في البيت الأبيض.
واتضح ان اسباب هزيمة بوش كان مردها في جزء كبير منها الى نقص اصوات المحافظين المتدينين الذين يشكلون حسب تعبير «روف» «قوة لا غنى عنها لأنها تمثل حوالي 18 مليون ناخب. وهؤلاء الناس لا يمكن التحايل عليهم فهم يريدون ان تكون مثلهم».
ثم ان بوش ارتكب في نظر المسيحيين المتطرفين خطأ.
لا يغتفر حين مارس ضغوطات على اسرائيل وأجبر رئيس الوزراء آنذاك اسحق شامير على الجلوس الى طاولة المفاوضات اثناء مؤتمر مدريد، ويذكر ان هؤلاء الناشطين المسيحيين كانوا يتبنون المواقف الاكثر تشددا لدى اليمين الاسرائيلي، وهو تحالف غاية في الغرابة والغموض.
من يدخل الجنة:
في عام 1993 وخلال الفترة التي كان جورج دبليو بوش يتهيأ فيها لدخول السباق الانتخابي لتبوؤ منصب حاكم ادلى بمقابلة صحيفة لصحافي يهودي وكان من ضمن ما قاله فيها: «وحدهم المؤمنون بالمسيح سيدخلون الجنة».
وهي جملة أثارت حفيظة عدة كتاب اعمدة في الصحافة المحلية والاقليمية في حين ابتهج لها كارل روف لان هذا الكلام الطائش الصادر عن مرشحه يعتبر الوسيلة الاضمن لاستمالة قلوب واصوات الناخبين المسيحيين المحافظين وخاصة في المناطق القروية من ولاية تكساس.
وقد استخدم بوش طيلة حملته الانتخابية القساوسة كوسطاء او مفاتيح انتخابية، وفور اعلان فوزه صرح قائلا: «لم أكن لاصبح حاكما لو لم اكن مؤمناً بمخطط الهي كبديل لكل المخططات الانسانية».
ويتحدث الصحافيان لودوبوز ومولي ايفنس اللذان تقصيا كثيرا حول الرئيس الحالي عن «ايمان قدري وغريب للغاية» ويمكن الجزم ان بوش موقن انه مكلف بمهمة الهية.
رئيس:
بدأت فكرة الترشح للانتخابات الرئاسية تراود جورج دبليو بوش مع مطلع عام 1999، ففاتح والدته في الامر اولا، وبعد ذلك بفترة قصيرة ذهبا معا الى الكنيسة لحضور القداس، وكان موضوع العظة في ذلك اليوم يتلخص في شكوك موسى في مؤهلاته كزعيم، فاسرت بربارة لابنها بالقول: «انك تشبه شخصية موسى» وفور عودتهما الى البيت استشارا القس بيل غراهام باعتباره صديقاً شخصياً لبوش الاب، كما يعد اشهر مبشر ديني في الولايات المتحدة وكان المستشار الروحي للعديد من الرؤساء الاميركيين وكاتم اسرارهم.
وطمأن غراهام بوش جونيور بشأن مؤهلاته، وما هي الا بضعة اسابيع حتى جمع حاكم تكساس في مقر سكنه ابرز القساوسة والقادة في تيار اليمين المسيحي.
أجواء غريبة:
محرر خطابات بوش ديفيد فروم: «جاء بوش يتحدث عن ثقافة مختلفة تماما عن ثقافة رونالد ريغان الفرداني النزعة. ولفهم إدارة بوش لابد من فهم مدى سيادة هذه العقيدة». ويروي أن الرئيس الأميركي بادره بالقول ذات صباح فور وصوله للعمل إلى جانبه: «لم أرك في جلسة قراءة الانجيل». إن ثمة اجواء غريبة تسود البيت الابيض الاميركي فزوجة الامين العام للرئاسة، اندروكارد مبشرة بالعقيدة الميثودية methodiste ووالد كونداليسا رايس يعمل مبشرا في الاباما، ومايكل جيرسون المسؤول عن الفريق الذي يتولى كتابة الخطب الرئاسية خريج كلية «ويتون في ايلنوا» التي تلقب بهارفارد الانجيلية»، وهو يؤمن بنبؤات اليمين المسيحي المتطرف الذي يتحدث عن ارما جدون وشيكة، وعودة المسيح الدجال وظهور مخلص جديد من بعده.
ويشارك كل موظفي البيت الابيض في مجموعات لدراسة الانجيل بشكل يومي، ويبدو مقر الرئاسة اليوم اشبه بقاعة صلاة واسعة يقوم العاملون فيها بادارة شؤون اميركا والعالم بعد جلسة قراءة جماعية لـ «العهد القديم» أو «الجديد».
السفير:
في عام 1973، كان جورج بوش سفيرا في الامم المتحدة في عهد ريتشارد نيكسون ولم يكن احد ليتنبأ له بمستقبل سياسي واعد. وكان يدافع عن السياسة الاميركية في فيتنام امام اعضاء مجلس الامن فيما كان ابنه البكر جورج دبليو ينهي خدمته العسكرية في صفوف الحرس الوطني في تكساس كأضمن طريقة لتفادي ارساله الى الاوحال وحقول الارز في فيتنام. ولا شك انه كان يجهل بل لعله لم يكن يعلم ابدا ان ذلك العام كان بداية هجمة غلاة المحافظين الذين سيبلغ انتصارهم المطلق اوجه بانتخابه هو بعد ثلاثة عقود من ذلك التاريخ.
هيريتيج ضمت «جند الصدام في الثورة المحافظة»
ممول اليمين الأميركي الأول ملياردير معقد وخجول حتى المرض
بدأ كل شيء في عام 1971 حين كان التنديد بحرب فيتنام يتفاقم دون هوادة، وبدا ريتشارد نيكسون وكأنه في مواجهة مباشرة مع قطاع كامل من الشعب الاميركي.
وحدثت آخر صدمة عام 1971 تحديدا مع نشر «ملفات تخص البنتاغون» تكشف مجموعة من الاسرار حول خفايا الحرب الدائرة في جنوب شرق آسيا. وكان مسؤول رفيع في البنتاغون يدعى دانيال إيلسبيرغ قد سرقها ونشرتها صحيفة نيويورك تايمز رغم الضغوط الشديدة التي مارسها عليها البيت الابيض. وكان وقعها شديدا. ووقع الرئىس الاميركي في حيص بيص، حين علم ان نسخة من الملف الضخم قد وصلت الى سفارة الاتحاد السوفيتي في واشنطن.
وفي العام نفسه قامت الغرفة الوطنية للتجارة بنشر مذكرة موجهة للزعماء في عالم الاعمال كتبها لويس باول الذي اصبح فيما بعد قاضيا في المحكمة العليا، وترك هذا النص ابلغ الاثر في العقول والنفوس، وورد فيه ان النظام الاقتصادي الحر يتعرض لهجمات عنيفة من قبل الشيوعيين واليساريين وغيرهم من الثوريين الذين يهدفون الى تدميره تماما اقتصاديا وسياسيا، وذهب باول الى ان من يشنون هذه الهجمات يؤيدهم «الطلاب في الاحياء الجامعية واساتذة الجامعات، وعالم الاعلام، والمثقفون والصحف الادبية والفنانون، والعلماء ومحترفو السياسية».
اعلان الحرب:
ولم يقف تأثير مذكرة باول عند هذا الحد، بل انها ابهرت المسؤولين المحافظين كونها ترسم خطوط الاستراتيجية الواجب تبنيها ليس فقط لاستعادة ما فقد من سلطة ونفوذ بل ايضا لبسط هيمنة دائمة على السياسة والمجتمع الاميركي، اذ تدعو الى تصدي عالم الاعمال لمحاربة هذا الخطر من اليسار واليسار المتطرف وحله عبر تسخير كل حنكة لإنشاء منظمات يتم التخطيط لاهدافها وعملية تطبيقها بعناية، على ان يمتد عملها المترابط لفترة لامتناهية من السنوات تحظى بوسائل تمويل ضخمة تحشد لها جهود متضافرة «فالتأثير في السلطة السياسية يقتضي حسب باول مبادرات موحدة ومنسقة ومنظمات حاضرة على الصعيد الوطني» كما اقترح ان تستعين هذه المنظمات بباحثين، وان تصدر صحفا، وتؤلف كتبا ومقالات ورسائل نقدية وتنخرط في جهود طويلة المدى لتصحيح الخلل النابع من الاحياء الجامعية وتحقيق التوازن، واوصى في نهاية المطاف «بممارسة رقابة دائمة على برامج التلفزيون والكتب المنشورة» معتبرا انه لابد من توخي الحذر نفسه ازاء جهاز القضاء. ويمثل كلام لويس باول اعلان حرب حقيقية ضد الثقافة المضادة التي كانت تتصدر الساحة العامة والاعلامية، وتتزعم كل الافكار والتيارات الفكرية المعتدلة.
وقد افتتن رجال فاحشو الثراء من اقصى التيار المحافظ بهذا الكلام، وكانوا وهم المتشربون «بثقافة حربية» حقيقية على استعداد للدخول في صراع ضد هذه الاميركا التي يبغضونها، اذ «نخرها» في نظرهم «الانحطاط والافكار المنحطة» ولا تزال الذهنية نفسها تسيطر على اقصى اليمين الاميركي في عهد الرئىس جورج دبليو بوش رغم مرور 30 عاما.
أميركا تغيرت:
وربما كان هؤلاء غلاة المحافظين يحلمون في مطلع السبعينات بنزاع مسلح قادر على إحياء أميركا من جديد لو لم تكن رحى الحرب دائرة في فيتنام. وقد اغرق هذا الاخفاق السياسي والعسكري البلاد في واحدة من اخطر الازمات الاخلاقية في تاريخها، فقرروا نقل المواجهة الى الداخل وتحقيق النصر عبر ممارسة تأثيرهم على العقليات واعادة تشكيلها. فتصرفوا بحزم ومنهجية ودأب. وقد قال رئيس معهد «أميركان انتربرايز»، وهو من ابرز المؤسسات التابعة للمحافظين، كريستوفر دي موث: «ان الامور تستغرق وقتا، وعلينا ان ننتظر مرور عشر سنوات على الاقل قبل ان تخرج الافكار الراديكالية الجديدة الى النور». غير ان هذه «المسيرة الطويلة» استغرقت في الواقع 30 عاما. ففي عام 2001 فقط تسنى لأقصى اليمين تذوق طعم النصر الكبير. وقد كتب ويل هاتون في صحيفة الابزورفر يقول: «ما زال البريطانيون وغيرهم من الاوروبيين لا يفهمون، فالولايات المتحدة تغيرت. اذ تحول مركز الثقل السياسي فيها من جانبيها الليبراليين (الشرق والغرب) الى جهتي الجنوب والغرب المحافظتين اللتين لا ترغبان في اية علاقة مع العالم الخارجي [...]. ويذكر ان المحافظين الاميركيين شنوا منذ الستينات حربا ضد التيار الليبرالي بحماس شبه لينيني وها هم يسيطرون اليوم على الدولة الاميركية، ويرغبون في الاستفادة من هذا النصر».
الأب المالي:
في عام 1973، دخل ريتشارد سكيف ميلون الى الحلبة. ومع توالي السنين لقب هذا الرجل الاشقر ذي العينين الزرقاوين والمعروف بتحفظه الشديد «بالأب المالي لليمين الأميركي»، وكان آنذاك في العقد الثالث من عمره.
وهو ابن سارة ميلون، وريثة المصرفي الملياردير اندرو ميلون الذي كان يعتبر في حياته اغنى رجل في الولايات المتحدة الى جانب جون دي روكفيلر. وحين توفيت والدة ريتشارد سكيف ميلون عام 1965 تركت له ثروة قدرت قيمتها بأكثر من مليار دولار الى ثلاث مؤسسات كبرى.
كان ريتشارد سكيف شخصية معقدة ومتكتمة يعيش في عزلة. وكانت لديه املاك في مختلف انحاء الولايات المتحدة. وكان يرفض المقابلات الصحفية وكل علاقة مع الصحافة. وهناك عدد كبير ممن استفادوا من عطاياه لم يلتقوه ابدا. وكان خجولا لحد المرض مشغولا بالنفوذ اكثر من الشهرة وقد قام بسحب اسمه من كتاب .whoصs who ويحكي رئيس التحرير السابق لمجلة بيتسبيرغر التي كان يمولها سكيف أنه سأله أثناء اجتماع عمل قائلا: «هل سلطتك نابعة من سلطة المال؟»، فصمت سكيف لثلاث أو أربع ثوان وهو يحدق فيه بنظرة قاسية قبل أن يجيبه: «أنا لا أضيع وقتي في التفكير في هذا الأمر لكنني كلما تقدم بي العمر زاد تأثيري وبالتالي زادت مكاسبي». وقد ظل العمل الخيري المعفى من الضرائب احدى ركائز عالم الاقتصاد والمال الاميركي وقدرته على التأثير في السلطة السياسية زمنا طويلا. (...) وقد عرف ريتشارد سكيف ميلون دائما باهتمامه بالسياسة وقضايا غلاة المحافظين. ففي عام 1963، قام بدعم باري غولدووتر التي كانت تمثل الجناح اليميني في الحزب الجمهوري للرئاسة. ومول حملتها ووضع طائرة خاصة في خدمتها لكنها منيت بفشل ذريع امام ليندون جونسون وهو ما راعه. وقد نأى بنفسه عن السياسة الاحترافية بعد ذلك وان تبرع بمليون دولار لحملة ريتشارد نيكسون الانتخابية في عام 1972، على شكل 344 شيكا تفاديا للضرائب.
واعجابا من سكيف ميلون بمذكرة لويس باول قام «بتعميد» مؤسسة «هيرتيج» في عام 1973 حيث انشئت لتصبح السلاح الكفيل في نظره بتحقيق «النصر في معركة الافكار» وقدم لها 900 الف دولار. وبعد مرور ثلاث سنوات قدم لها 420 الف دولار اي ما يعادل 42 في المائة من الميزانية الاجمالية للمؤسسة التي كانت تقدر آنذاك بمليون دولار. وقد علق رئيسها الحالي ايدوين ج. فولنر على ذلك بالقول: «كان المبلغ دعما اساسيا جاء في وقت حرج من حياة المؤسسة».
وكان ميلون يشرف بشكل مباشر على ثلاث مؤسسات هي مؤسسة سارة (قدرت موجوداتها في عام 1997 بـ 302 مليون دولار ومؤسسة آليغاني (39 مليون دولار) ومؤسسة قرطاج (24 مليون دولار) وكان والداه ديفيد وكيري يترأسان مؤسسة رابعة هي مؤسسة عائلة سكيف Scaife Family Foundation التي بلغت موجوداتها 170 مليون دولار، وتتقيد بالاهداف التي رسمها والدهما. وقد بلغ مجموع ما انفقه ميلون في ظرف 30 عاما، بين عامي 1967 و1997 في تأسيس ودعم عدة معاهد ومنظمات ذات نهج محافظ متطرف حوالي 600 مليون دولار. ومن بينها معهد هوفر بجامعة ستانفورد الذي كانت كونداليسا رايس مسؤولة عنه، ومعهد اميركان انتربرايز، ومن اعمدته ريتشارد بيرل ولين تشيني، زوجة نائب الرئيس الاميركي، ومعهد كاتو بالاضافة الى مجموعة من المؤسسات الناشطة في المجالات الاجتماعية والقضائية وكذا في المجال الاستخباراتي.
عبقرية هيريتيج:
ظلت مؤسسة هييرتيج على مر السنين درة اعمال سكيف اذ تضم حسب تعبير احد نواب الرئيس بورتون يال بينز «جند الصدام في الثورة المحافظة» وهم رجال يملكون رؤية ايديولوجية للمجتمع الاميركي. فكل خطوة تقدمية اصبحت تعتبر في نظرهم منذ «الصفقة الجديدة» في عهد فرانكلين روزفلت بمثابة «هجمة ضد المبادئ التأسيسية لأميركا كما وضعت في القرن 18».

وقد رصد نصف ميزانية «هيريتيج» على مر السنين لترويج الافكار. فانبرى المتعاونون معها لتحرير المقالات واعداد الدراسات في كل حقول السياسة الاميركية وتحدثوا عن الحظر الشيوعي. وتقليص البرامج الاجتماعية وتعزيز الميزانية العسكرية، ومكانة الدين ومكافحة النقابات وكان اي عضو في الكونغرس، يجد على مكتبه عشية جلسة نقاش او تصويت على قانون هام تقريرا من المؤسسة يتناول المشروع المرتقب بالتحليل ويقترح الحلول. وكانت هيرتيج تقدم هذه الدراسات الى مجلس الشيوخ والنواب ووسائل الاعلام وعامة الناس.
صناعة متنامية:
يرى نائب رئيس وكالة اسوشيتد برس، و«الترمايرز» ان حركة المحافظين كانت تتحول آنذاك الى صناعة متنامية. ونظرا لتواجدها في المكان والوقت المناسبين احدثت تغييرا في الحياة السياسية والنقاشات داخل مبنى الكابيتول.
أما مدير صحيفة ديترويت نيوز فيقول: «تتمثل أهم جوانب نجاحاتهم الباهرة في تمكينك من الاطلاع على وجهة نظرهم في صباح اليوم التالي في بريدك الخاص. كان المرء يجد كل يوم نشرة صادرة عن المؤسسة، وكانت قراءتها كفيلة بجعله ينظر الى الأمور من زاوية كان غافلاً عنها».
كان ميلون يعيش هاجساً مصحوباً بيقين ان الجمهورية الأميركية في خطر قاتل، وان ثمة مؤامرات تحاك لتقويضها. وقد أسر لأحد الأشخاص انه يعتبر جون ادغار هوفر، مدير اف. بي. اي بطلاً ضمن ابطال آخرين. ويذكر ان ميلون لا يقرأ إلا لماما، وهو أمر غريب على رجل يؤمن بقوة الأفكار. لكن ثمة كتاب واحد أثر في نفسه كثيراً، وهو كتاب The Spike لمؤلفه الصحفي ارتو دي بورشغريف الذي أصبح فيما بعد صديقاً له ومديراً لصحيفة واشنطن تايمز التي تحظى بتمويل طائفة المون. ويحكي الكتاب قصة صحافي شاب يكتشف انه يستخدم كبيدق في مؤامرة كبيرة دبرها الاتحاد السوفيتي للسيطرة على العالم.
هيريتيج وأخواتها:
لم يكن وريث ميلون الممول الوحيد الذي قام بدعم ولادة مؤسسة هيرتيج. فهناك ويليام كورز، قطب البيرة الذي تبرع بـ 250 الف دولار. وترتبط مؤسسة كورز التي تأسست عام 1877 على يد ادولف كورز بعلاقات وثيقة مع منظمات تابعة للتيار المحافظ المتطرف وبقادة اليمين المسيحي على نحو خاص.
كما استفادت مؤسسة الكونغرس الحر Free Congress Foundation من عطايا كورز. وهناك ايضاً مؤسسة اولين Olin Foundation وهي مؤسسة تعتمد في عائداتها على شركة عائلية أثرت في صناعة الذخيرة والمواد الكيماوية، لم تبخل بالدعم المالي على مؤسسة هيريتيج فضلاً عن اميركان انتربرايز ومعهد هوفر. كما مولت جامعيين محافظين مثل آلان بلوم الذي تلقى 6.3 ملايين دولار لادارة مركز جون م. أولين بجامعة شيكاغو لدراسة نظرية الديموقراطية وتطبيقها.
وبلوم هذا كان الأستاذ والمعلم الفكري «لبول وولفويتز» نائب وزير الدفاع الحالي، والمنظر الحقيقي للصقور في البيت الأبيض.
أما ايرفين كريستول الذي كان احد الرواد الكبار في تيار اليمين المحافظ في عهد ريغان، فقد تلقى اكثر من 380 الف دولار بين عامي 1992 و1994 بصفته باحثاً في معهد اميركان انتربرايز. ويعتبر ابنه ويليام كريستول اليوم من أهم المفكرين المؤثرين في الادارة الاميركية الحالية، ويتولى ايضاً ادارة مجلة المحافظين الجدد وويكلي ستاندرد التي يمولها قطب الصحافة روبرت مردوخ المقرب من عائلة بوش. وتنتهي قائمة الشركات الداعمة لتيار المحافظين المتطرف بمؤسسة ليند وهاري برادلي Lynde & Harry Bradley Foundation التي تتجاوز قيمة موجوداتها 420 مليون دولار. وقد أصبح هاري بفعل مواقفه اليمينية المتطرفة عضواً ناشطاً وممولاً لمنظمة Jhon Birch Society. وهي منظمة يمينية متطرفة معادية للشيوعية تدافع عن الطروحات القائلة بتفوق الرجل الأبيض. كما تمول موسسة برادلي على نحو خاص قناة NET National Empowerment Television التي تعتبر أخطر سلاح اعلامي يملكه اليمين المتطرف إذ تنشر ايديولوجيا مسيحية متطرفة بين المشتركين الذين يقدر عددهم بالملايين.
اطلعنا في الحلقتين الأولى والثانية على مدى تمكن النزعة الدينية من نفس الرئيس جورج دبليو بوش، وميله الى التودد للمؤسسات الدينية، وما يدين به من فضل للدين باعتباره كان عامل تغيير أساسي في حياته. ثم تعرفنا إلى الارهاصات الأولى التي مهدت لظهور فكر المحافظين الجدد، وأصحاب الثروات الطائلة الذين سخروا ملايين الدولارات لتغذية هذاالفكر ونشره عبر أشخاص ومؤسسات أنشئت لهذا الغرض.
البرنامج السياسي لريغن جسد «ثورة المحافظين» وتحول إلى إنجيل لكل من يصل إلى السلطة
انكمش مفكرو اليسار فاكتسح فوكوياما وهانتينغتون وأمثالهما
كان وصول رونالد ريغان الِى السلطة في عام 1980 بمنزلة اول انتصار ساحق تحققه حركة المحافظين المتطرفين ومؤسسة هيرتيج التي قدمت للادارة الجديدة الرجال والافكار، بل انها وضعت في العام نفسه الذي شهد الانتخابات الرئاسية «مذكرة للقيادة» تقع في 3 آلاف صفحة موزعة على 20 جزءا تتضمن تفاصيل البرنامج السياسي لريغان الذي وصف لاحقا «بثورة المحافظين».
ويقول احد المشاركين في وضع هذا النص متذكرا انها اصبحت «مرجعا حقيقيا وبمنزلة انجيل لكل شخص يصل الى السلطة».
في عام 2000، كان اليسار الاميركي قد خسر تماما معركة الافكار «فابتعد عدد كبير من الكفاءات الفكرية اليسارية الواعدة في صفوف اليساريين عن العالم الواقعي، ليعيش في عزلة داخل الاروقة الجامعية الضيقة، في حين حقق اليمين النجاح تلو الآخر في المكتبات اذ الف كتّاب مثل الان بلون، وجود وانيسكي، وتشارلز موراي، ومارفن اوفالسكي ودينش دسوزا، وفرانسيس فوكوياما، وصاموئيل هانتينغتون كتبا خلال العقدين الاخيرين غيرت من الخطاب السياسي والثقافي حول مواضيع مركزية بالنسبة لكل ما يتعلق «برؤيتنا» لتنظيم المجتمع، غير ان اهم ما في الامر ان هؤلاء الفوا كتبا موجهة لجمهور واسع ويتلقون دعما ماليا من المنظمات المحافظة التي ادركت الاهمية الكبرى لمعركة الافكار» حسب ما كتبه إيريك الترمان في صحيفة the Nation. وقد عدت مؤسسة برادلي في نهاية عام 1999 اكثر من 400 كتاب قامت بتمويلها في غضون 14 عاما، ويقول مدير المؤسسة مايكل جويس مؤكدا «لدينا قناعة بأن عددا لا بأس به من وسائل الاعلام الاخرى، تتأثر بالكتب، فإذا كنت تريد التأثير على عالم الافكار، فإن الكتب تمثل احد القطاعات التي يتعين عليك ان تستثمر اموالك فيها».
معين جورج بوش:
اصبح معهد اميركان انتربرايز «المعين» الذي ينهل منه جورج دبليو بوش لتشكيل ادارته، ومن اعمدته ريتشارد بيرل، احد رواد الصقور وايرفينغ كريستول، مفكر المحافظين الجدد الاساسي ووالد ويليام كريستول، مدير مجلة المحافظين ويكلي ستاندرد، وليسن تشيني، زوجة نائب الرئيس، كما يعد داينش دسوزا احد «نجوم» معهد اميركان انتربرايز».
وتعد كتب تشارلز موراي وداينش دسوزامن بين الكتب المفضلة لدى جورج دبليو بوش غير انه اعجب اكثر بطروحات مارفن اوفالسكي، صاحب كتاب «مأساة الرأفة الاميركية» الذي يدعو فيه الى تفكيك نظام الرعاية الاجتماعية الاميركي وقد اصبح مستشاره خلال حملته الانتخابية وابتكر مفهوم «الرأفة المحافظة» الذي استخدمه الرئىس. وقام اوفالسكي بتأسيس كنيسة في مدينة اوستين في تكساس، تعلم من بين اشياء اخرى ان المرأة ليس لها مكان ولا دور تضطلع به في مركز الزعامة.
الإعلام من بعد النشر للاكتساح:
في عام 1981، عزمت ادارة ريغان - بوش التي كانت تدير شؤون الحكم في واشنطن على انشاء صحيفة يومية محافظة في العاصمة الفدرالية، تستطيع ترجمة رؤاها وسياستها وتنافس في الوقت ذاته صحيفة واشنطن بوست، ذات الحضور الطاغي، وكانت هذه القلعة الليبرالية التي يتسم خطابها غالبا بالصرامة والتشدد الصحفي، بمثابة شوكة في حلق اليمين الاميركي.
وطرح مشروع الصحيفة على عدة شخصيات ادبية وفنية ورفضوه بمن فيهم ريتشارد سكييف ميلون الذي تردد كثيرا قبل ان يعلن رفضه، وكان يتعين على المجنون الذي يقبل بهكذا تحد أن يستعد لتكبد خسائر جسيمة لفترة طويلة. ومع ذلك فإن الرجل الذي اطلق صحيفة الواشنطن تايمز 1982 لم يكن يعرف عنه لا الجنون، ولا التجرد. انه الأب سان ميونغ مون، مؤسس كنيسة التوحيد في الستينات التي يعتبر اتباعها طائفة خطيرة. ومن خلال تصريحاته العديدة نعلم انه هو «المخلص الجديد» بما ان المسيح قصر في مهمته فأخذ هو على عاتقه توحيد الكرة الارضية عبر ضم كل القوى الدينية تحت لوائه.
وفي السبعينات، خضع مون وكنيسته للتحقيق حول ممارساته على يد لجنة من الكونغرس على رأسها النائب الديموقراطي دونالد فريزر.
كان مون قد اصبح مقيما بصفة دائمة في الولايات المتحدة ابتداء من عام 1973 حسب ما تشير اليه تقارير وزارة العدل، فيما اكد المتعاون الرئيسي مع الوزارة، وهو ضابط سابق في جهاز سي.آي.ايه الكوري يدعى بوهاي بارك، انه كان يحمل «البطاقة الخضراء».
وكان غطاء كثيف من السرية يلف طريقة تنظيم امبراطوريته، التي تضم عدة شركات يقدر عددها داخل الولايات المتحدة فقط بـ 12 شركة، وكذا مصادر وقنوات تمويله.
غير ان جهاز السي.آي.ايه كان على علم بكل شيء. وفي الوقت الذي كان مون يخضع فيه للتحقيق من طرف الكونغرس الاميركي كان جورج بوش مديرا لوكالة الاستخبارات. ويذكر ان جهاز سي.آي.ايه تولى تدريب الاجهزة السرية في كوريا الجنوبية التي حملت اسم ك.سي.آي.ايه وعرفت بشدة بأسها تجاه المعارضين الكوريين في الخارج، اذ قامت باختطاف وتصفية كثير منهم.
وكان بوش ومساعدوه الاقرب داخل الجهاز الاستخباراتي يعتبرون كوريا الجنوبية كبلد على «درجة عالية من الحساسية بالنسبة للأمن القومي الاميركي، ومون كمحور للعمليات السرية التي ينفذها جهاز سي.آي.ايه الاميركي بالشراكة مع نظيره الكوري. وقد تدخل رئيس المستقبل شخصيا لدى اعضاء الكونغرس لحضهم على عدم التعمق كثيرا في تحقيقاتهم. وكان له ذلك فأصبح مون ممتنا لجورج بوش طيلة السنوات الاربع والعشرين اللاحقة. وعمل باستمرار على تعبئة امكاناته الهائلة لخدمة الطموحات السياسية لعائلة بوش واغدق كثيرا على بوش الاب ثم الابن لاحقا، ولم يكن ذلك بدافع الشعور بالامتنان تجاه الرجل فقط. فقد استطاع مون بفضل صحيفة واشنطن تايمز ان ينفذ الى قلب السلطة السياسية الاميركية. وكان قد انفق اكثر من 100 مليون دولار لاطلاق صحيفة ستصبح لاحقاً مفضلة لدى المؤسسة المحافظة في واشنطن لكنها لم تتمكن من منافسة غريمتها الواشنطن بوست ابدا.
وقد اضطره هذا الفشل التجاري الى ضخ عشرات ملايين الدولارات سنويا لضمان استمرارها وهي سياسة دأب عليها منذ مطلع السبعينات وفي عام 1978 قامت لجنة تحقيق من الكونغرس بالتحقيق في فضيحة «كوريا غيت» وكان ذلك بمثابة استراتيجية من قبل جهاز سي اي ايه الكوري لشراء النفوذ لدى الحكومة والمسؤولين الاميركيين. وورد اسم مون مرات عدة باعتباره متورطاً في العملية وهي تهمة نفاها عن نفسه.:
غير ان مون قال لبعض المقربين بشكل واضح لا يحتمل اللبس: «ينبغي ان يكون جزء من استراتيجيتنا في الولايات المتحدة اكتساب صداقات داخل جهازي الاف بي اي و سي. آي. ايه وقوات الشرطة، بالاضافة الى الأوساط العسكرية والتجارية». وهذا ما حدث بالفعل، فقد كان جهاز سي. آي. ايه يزود الواشنطن تايمز بانتظام بمعلومات غير منشورة، مقابل قيام الصحيفة بشن هجمات مضادة عنيفة، كلما كشفت معلومات محرجة حول موضوع حساس. فحين دخل جورج بوش حلبة السباق للفوز بالرئاسة وقف مون وواشنطن تايمز في صفه بكل حزم، وزعم المرشح الجمهوري انه لا يعلم شيئا عن القضايا والفضائح التي اثيرت في عهد ريغن مع انه شغل منصب نائب الرئيس طيلة ثماني سنوات، وكان المدعي الخاص لورنس وولش الذي كان يتولى التحقيق في قضية ايران غيت، على وشك النيل من جورج بوش، فهاجمته الصحيفة بشدة، بل ان الهجوم طاول الخصم الديموقراطي لبوش لاحقا، مايكل دوكاكيس، حاكم ولاية ماساشوسيتس سابقا، اذ روجت الصحيفة اشاعات زائفة حول صحته العقلية ساهمت في نزع المصداقية عن دوكاكيس لدى الرأي العام، وخلخلة حملته الانتخابية.
وعندما خاض الرئيس الاميركي معركته الانتخابية للمرة الثانية عام 1992، دأبت الواشنطن تايمز على ترديد الاشاعات التي تتهم خصمه الديموقراطي بيل كلينتون باحتمال تجنيده من قبل جهاز الكي. جي. بي لدى زيارته الى موسكو كطالب حاصل على منحة رودس الدراسية.
وكانت معاداة الشيوعية تبدو في الظاهر كلحمة تجمع بين مون والادارات الجمهورية، لكن الحقيقة كانت أكثر تعقيدا من ذلك، فمون الذي يلقبه اتباعه بـ«أبونا» كان يمول بسخاء الطاقم السياسي في كوريا الجنوبية، خاصة كيم جونغ بيل، الذي سيتولى لاحقا منصب رئيس الوزراء عامي 1998 و1999، وكيم داي جونغ الذي انتخب رئيسا عام 1998 وعرف بتأييده للتفاوض مع النظام الشيوعي في كوريا الشمالية.
حصاد الشيطان:
ومع حلول عام 1991، وفي الوقت الذي كانت بيويانغ لا تزال تخضع فيه للحصار التجاري المفروض عليها من قبل أميركا، وكان بوش الأب يشغل المكتب البيضاوي، قام مون بإرسال عدة ملايين من الدولارات الى دكتاتور كوريا الشمالية كيم ايل سونغ كهدية عيد ميلاده، والتقى الرجلان عدة مرات وحصلت الواشنطن تايمز الأكثر معاداة للشيوعية على شرف اجراء أول مقابلة صحفية مع آخر زعيم ستاليني فوق الكرة الأرضية، وتشير المعلومات التي حصل عليها الصحافي ريتشارد بييري، ومصدرها تقارير اعدها جهاز دي. آي. ايه (الأجهزة السرية العسكرية الأميركية) الى ان عدة لقاءات جرت بين زعيم الطائفة والزعيم الشيوعي في الفترة الممتدة بين 30 نوفمبر و8 ديسمبر 1991، ومهدت لإرساء تعاون تجاري، ونص الاتفاق على قيام مون بتشييد مجمع فندقي في بيونغ يانغ، وتنمية السياحة في منطقة كيم كانغ سان والاستثمار في منطقة كومان غانغ ريفر، وبناء محطة لتوليد الكهرباء في وونسان، وبلغت قيمة الاستثمارات حسب جهاز دي. آي. ايه 5.3 مليارات دولار.
وتضمن الاتفاق الاقتصادي المبرم مع كوريا الشمالية بندا سريا يقضي بحصول زعيم كنيسة التوحيد على حق استثمار أرض تقع في تشونغ تشو مسقط رأسه لمدة 99 عاما، تعبيرا عن امتنان كيم ايل سونغ له على مساعدته، ورصدت المنطقة لتصبح «أرضا مقدسة» ومحجا يقصده أتباع مون من كل أنحاء العالم.
ووضعت هذه المساعدة المقدمة لنظام كوريا الشمالية ادارة بوش في موقف محرج، فالحصار الأميركي المفروض على بيونغ يانغ يعود الى زمن الحرب بين الكوريتين في مطلع الخمسينات ويحظر عقد اي اتفاقات تجارية او مالية «بين كوريا الشمالية وأي مواطن اميركي او مقيم بصفة دائمة». وهذا ينطبق تماما على مون المقيم رسميا في «تاري تاون» قرب مدينة نيويورك، وما فعله بالتالي لا يعتبر في نظر كثير من المسؤولين الاميركيين خرقا للقوانين فقط بل دعما لدكتاتور مفلس بالعملة الصعبة التي كان في امس الحاجة اليها، وفي وقت كان يسعى فيه لتمويل برامج تسلح طموحة.
وهكذا حظيت كوريا الشمالية التي صنفها جورج دبليو بوش ضمن «محور الشر»، بدعم والده قبل 12 عاما في الخفاء، تماما كما حدث مع العراق، وقد تعززت العلاقات اكثر فأكثر بين مون الذي امن العقوبة وبوش حتى بعد خروجه من البيت الابيض في عام 1992.
وشارك جورج وباربرة بوش في عدة ندوات في مختلف مناطق الولايات المتحدة وآسيا لمصلحة منظمات يمولها مون. وفي زيارة رافق فيها الرئيس السابق صديقه مون الى الارجنتين، القى محاضرة تقاضى عنها مائة الف دولار، فيما بلغ مجموع ما تلقاه بوش من مون ومنظمته مقابل محاضراته العديدة 10 ملايين دولار.
ولكن حدث ما عكر صفو العلاقة وضايق الرئيس الأميركي الـ41 من صديقه. ونعني بذلك نبرة معاداة أميركا اللاذعة التي طبعت خطب مون. فقد قال مرة: «سيكشف التاريخ بوضوح مكانة مون وموقع اعدائه وسينحني الشعب الاميركي وحكومته امامه». وفي الاول من مايو عام 1997، اكد قائلا على اسماع جمهور من اتباعه: «ان البلد الذي يمثل حصاد الشيطان هو اميركا».
وقد كتب احدهم في مجلة اميركية بارزة معلقا: «من الواضح ان مون يكن عداء صريحا لأميركا وللديموقراطية، ويملك اجندة لتقويض الديموقراطية الاميركية والنزعة الفردانية».
عمل مون بلا كلل طيلة سنوات عدة على تسخير ثروته الطائلة والاعيبه لنيل الحظوة لدى القادة الاميركيين المحافظين في مجالي السياسة والدين، اي لدى ممثلي بلد يكن له في اعماقه كل البغض. والى جانب تعاونه مع بوش اقام تحالفا مع كل زعامات اليمين المتطرف المسيحي والمدافعين المتشددين عن اميركا وقيمها. وحولهم الى شركاء مثل المبشر الاصولي جيري فالويل، زعيم الاغلبية الاخلاقية الذي كان يمر بأزمة مالية حادة في نهاية عام 1993 فطار يوم 5 يناير الى سيئول حيث اجتمع طويلا بمسؤولي كنيسة التوحيد. وحصل في وقت لاحق على 5.2 مليون من مون.
ولم يكن فالويل الذي ايد حملات التشهير ضد بيل كلينتون الوحيد ضمن «الشبكة» التي اقامها مون، فهناك المبشر تيم لاهاي، مؤلف الكتب الدينية الاكثر مبيعا، الذي تلقى 500 الف دولار من بوهاي بارك، الساعد الايمن لمون، والضابط السابق في جهاز سي.اي.ايه الكوري. وهنالك ايضا، رالف ريد مسؤول هيرتيج وغاري بايور، المدير التنفيذي للتحالف المسيحي، بالاضافة الى روبرت شولر، القس والمبشر الديني الشهير على قنوات التلفزيون.
رؤية عالمية إنجيلية:
كانت المجموعة الاكثر تطرفا في اقصى اليمين المسيحي تقف في صف سيونغ مون. ويقف افرادها على رأس قوة كبيرة تتراوح نسبة الناخبين فيها بين 15 و18 في المائة، تؤازرهم شخصيات نافذة في عالم السياسة. ولم يكن بإمكان اي مرشح جمهوري للانتخابات الرئاسية تجاهلهم او ازدراءهم وكان مون يمثل جسرا حقيقيا بين قطاعي السياسة والدين، وهنا تكمن قوته. ويذكر ان «مجلس السياسة الوطنية» الذي تأسس على يد القس والكاتب الديني المتطرف تيم لاهاي استفاد من تبرعاته. وتضم هذه المنظمة التي يحاط نشاطها بسرية تامة، كل رموز التيار المحافظ المتطرف الديني من امثال جيري فالويل، وبات روبر ستون، وبول ويريش، الناشط السياسي الذي يرى ان مكان المرأة في البيت، وجيمس دوبسون، مرشد جورج دبليو بوش وناصحه، والمبشر الديني المفضل لدى الرئىس الاميركي جيمس روبنسون، وبوب جونز المعروف بمعاداته للكاثوليكية اذي يصف البابا بـ«المسيح الدجال»، وقد حظيت مؤسسته بزيارة جورج دبليو بوش اثناء حملته الانتخابية عام 2000، وكان ذلك حدثا أثار الكثير من الجدل.
ومن بين السياسيين الاعضاء في هذا المجلس، نجد شخصيات نافذة مثل السيناتور جس هيلمز والنواب ديك آرمي، وهوارد فيليبس، وتوم دي لاي، مرشح تكساس الذي كان سيصبح في نوفمبر 2002، الرجل الاقوى في الكونغرس الاميركي بعد انتصار الجمهوريين في مجلس النواب. ويذكر انه قال في كلمة القاها امام شخصيات دينية: «وحدها المسيحية ترسم الطريق للعيش عبر تقديم اجابات لكل ما نواجهه في هذا العالم». كما اسرّ انه مكلف بمهمة ربانية تتلخص في بث «رؤية عالمية انجيلية في السياسات التي تعتمدها الولايات المتحدة».
ويعمل المجلس المذكور، حسب رأي جو كوناسون، وجين لايونز «كلجنة مركزية لجبهة شعبية ثيوقراطية». انه تحالف افراد وجماعات تخفي خلافاتها لمحاربة عدو مشترك، ويتمثل هذا الاخير بصورة مجردة في الفصل الذي ينص عليه الدستور الاميركي بين الكنيسة والدولة.
ومن ابرز المستهدفين من قبل هذا التحالف، الليبراليون وكثير من الديموقراطيين و«اتباع الفلسفة الانسانية» (العلمانيون) بمختلف مشاربهم، بل وحتى الجمهوريون المعتدلون.
ويعتنق معظم اعضاء التحالف مذهبا يؤكد ان الدستور الاميركي يستمد شرعيته الاساسية من الانجيل طبقا لتأويل البروتستانيين الاصوليين.
وفي مطلع 1999، وفي الوقت الذي لاحت في الافق ملامح الانتخابات الرئاسية المقبلة، كانت هذه الجماعات الدينية عازمة على الوصول الى الحكم عبر مرشح يشاركهم في رؤيتهم بعد ان راودهم الشعور بان قادة الحزب الجمهوري عاملوهم بوقاحة. ويقول احد المراقبين: «كانت سلطتهم آنذاك لا تتعدى العمل على إلحاق الهزيمة بالمرشح الرسمي. وهو ما حدث في عام 1992 مع بوش الاب، ثم مع السيناتور بوب دول في عام 1996 وتحدثت كثير من مراسلاتهم عن ضرورة السيطرة على الحزب في المستقبل».
في الحلقة الثالثة رصدنا أول انتصار كاسح يحققه غلاة المحافظين مع وصول رونالد ريغن إلى السلطة. واندحار اليسار الاميركي في معركة الأفكار لصالح مفكري الفريق الأول، من أمثال صاموئيل هانتبنغتون وفرانسيس فوكاوياها، ودينيس دسوزا وغيرهم. ورأينا كيف ظهرت صحيفة «الواشنطن تايمز» تكريسا لهذا الحضور الفكري الطاغي، وتكشّف لنا ما بين هذا الاعلام والمؤسسات الاستخباراتية في أميركا من تواطؤ، وعلاقات مشبوهة جمعت بينه وبين رموز حركة المحافظين الجدد.
اشكروفت لا يتقن تلاوة الإنجيل ويشوه نصوصه
المسيحيون يدعمون اليهود اليوم من أجل إلغائهم غداً
في عام 1999، بدا احد المرشحين هو المفضل لديهم ولكنه لم يكن جورج دبليو بوش بل جون اشكروفت الآتي من الجنوب. وقال عنه جيف جاكوبي في الواشنطن تايمز: «اشكروفت ولد ونشأ في احضان اليمين المسيحي». وكان ينتمي الى جماعات الرب التي تستقطب 3.2 مليون عضو في الولايات المتحدة واكثر من 30 مليونا من الاتباع في مختلف انحاء العالم.
(...) غير ان اشكروفت يتحدث في خطاباته بشكل اختزالي ومقلق عن تاريخ اميركا والانجيل، بل انه ـ حسب ما اشار اليه الصحافي روبرت باري ـ غير قادر على تلاوة نصوص الانجيل دون تشويهها. وقد تلقى لإطلاق حملته الانتخابية. تبرعات بقيمة 10 الاف دولار من زعيم التحالف المسيحي بات روبرستون وزوجته. واسرَّ روبرستون منذ 1992 لصحيفة دنفر بوست قائلا: «ان هدفي هو بسط السيطرة على الحزب الجمهوري». لكن اشكروفت لم يكن قادرا على فرض نفسه على الصعيد الوطني وتحقيق هذا الهدف، اما مون الذي ظل روبرستون على علاقة وثيقة معه فقد كان يفضل جورج دبليو بوش.
وكان حاكم تكساس، الابن البكر للرئىس السابق يملك في نظر روبرستون ميزتين اساسيتين: الامكانات المالية الضخمة، والعلاقات الوثيقة التي يحرص على تنميتها مع الجماعات الاصولية المسيحية.
وحض روبرستون اليمين المسيحي على دعم جورج دبليو بوش واقصاء خصمه الاخطر، السيناتور جون ماكاين، وكان المقابل الذي طلب من بوش دفعه لقاء هذا الدعم تعيين جون اشكروفت في منصب وزير العدل، بينما كان ينوي تعيينه قاضيا في المحكمة العليا، فانهالت عليه وعلى نائبه ديك تشيني الاتصالات من كل مسؤولي اليمين الديني يطالبون بوزارة العدل لأشكروفت، وكان لهم ذلك، مما اثار حفيظة المدافعين عن الحقوق المدنية، وحماية البيئة والفصل الدستوري بين الكنيسة والدولة. والى جانب السلطة القضائىة بسط اشكروفت سيطرته على جهاز الإف. بي. آي. ومكتب الكحول والتبغ والاسلحة النارية، وكلها اجهزة تتمتع بسلطات زجرية مهمة.
وبذلك اصبح بالامكان بالنسبة الى بات روبرستون وحلفه، الذي جعل من الحرب ضد العلمانية سلاح المعركة الاساسي، بدء «المواجهة الروحية» وقد صرح قائلا «سيكون هناك قوى شيطانية يجب علينا محاربتها، وينبغي ان تكون الاستراتيجية الواجب تبنيها ضد اليسار الراديكالي الاميركي مشابهة لتلك التي اعتمدها الجنرال ماكارثور ضد اليابانيين ابان حرب المحيط الهادي».
«إن الشعب اليهودي في اسرائىل والعالم لا يملك صديقا اعز من جيري فالويل»، إذ لم يفوت هذا المبشر ورجل الاعمال الفرصة يوما للتأكيد على الاهتمام الكبير الذي يخص به الاصوليون المسيحيون الدولة العبرية والجاليات اليهودية.
ويعد فالويل احد الزعماء المنتمين الى تيار «المسيحيين الصهاينة» وكذا احد العناصر الفاعلة في هذا اللوبي، الذي يتسم بالتنظيم المحكم والجرأة ولا يستطيع اي زعيم سياسي اميركي تفاديه، او الالتفاف عليه.
ويذكر انه منذ منتصف القرن 20 اصبح مصطلح «اصولي» يعني نمطا عنيفا ومتشددا للغاية من البروتستانتية، ويؤكد على مكافحة الانحطاط الثقافي والفكر الليبرالي، وتؤمن معظم هذه الحركات بنبوءات جون داربي، وهو قس انكليزي تحدث في القرن 19 عن سلسلة من الاحداث باعتبارها نذيرا بقرب نهاية العالم، ومن بينها الحرب، وظهور نظام سياسي واقتصادي عالمي جديد، وعودة اليهود الى الارض المقدسة التي وعد بها ابراهيم.
وعمل القس المحافظ المتطرف، وصديق مون، تيم لاهاي على ترويج افكار داربي في كتبه الدينية وهي نبوءات تعد بعودة المسيح الذي سيقيم مملكة الرب بعد معركة ارمجيدون، لكنه يرهن هذه النهاية السعيدة بتخلي اليهود عن دينهم وهو ما لن يحدث الا اذا استعادوا كل الاراضي التي منحهم اياها الله. ويقول ماثيو انجيل في صحيفة الغارديان معلقا: «يدعم هؤلاء المسيحيون اليهود بغرض الغائهم» ويتبنى جيري فالويل، وبات روبرستون، ودي إل مودي مؤسس معهد Bible moody هذا الاعتقاد، وكذلك مايكل جيرسون، محرر خطابات جورج دبليو بوش.
وفي مجلة بيزنس ويك كتب ستان كروك يقول: «منذ زمن صلاح الدين حتى عهد صدام حسين، ينظر المسيحيون الاصوليون الى القادة المسلمين كمسيح دجال محتمل او على الاقل كنذير بظهوره» ثم يضيف محللا نظريات جون داربي «بعد سبع سنوات من هذه الهيمنة الشيطانية يعود المسيح وقديسوه المتمثلون، على الارجح، في جورج دبليو بوش ومعاونيه» لينتصروا على الشر في معركة ارمجيدون، وهي ساحة معركة قديمة تقع بالقرب من حيفا شمال اسرائيل. وسيستقر المقام بالمسيح في القدس ومنها سيحكم العالم لمدة الف عام، وهي «الألفية» التي طالما انتظرها المؤمنون بهذا الاعتقاد.
ويجد هذا التفسير للانجيل صدى لدى بعض السياسيين مثل جون اشكروفت، وتوم دي لاي، ممثل تكساس الذي أصبح الرجل الأقوى في الكونغرس الأميركي. ويذكر انه خلال الانتفاضة الثانية حذر بوش، رغم الصداقة التي تجمعهما، كما حذر ادارته من مغبة القيام بأي محاولة للضغط على ارييل شارون لحمله على سحب القوات الاسرائيلية من الضفة الغربية.
وتجدر الاشارة الى ان الانتصار الخاطف الذي حققته اسرائيل في حرب الستة أيام عام 1967، واحتلال مدينة القدس، اشاعا نشوة عظيمة بين معتنقي افكار داربي. وقد كتب نيلسون بيل، صاحب صحيفة كريستيانيتي توداي Ghristianuty Today، وهو المبشر الديني الشهير بيلي غراهام، يقول: «ها هي عودة القدس الى اليهود للمرة الأولى منذ أكثر من الفي عام تثير في دارس الانجيل قشعريرة، وتؤكد من جديد صحة الانجيل وصدقه».
تحالف غامض:
انعقد هذا التحالف الغامض بين اسرائيل والمسيحيين المحافظين في عام 1977، حين وصل مناحيم بيغن والليكود الى الحكم للمرة الأولى. وكان بيغن يريد التصدي بأي ثمن لمبادرات الرئيس جيمي كارتر الرامية الى اطلاق مفاوضات من أجل الاعتراف بحق الفلسطينيين في اقامة وطن. وسعى الليكود جاهداً الى استمالة العناصر الاصولية داخل تيار المحافظين المسيحيين المتطرفين المؤيدين للتعنت الاسرائيلي. وهكذا خسر كارتر قاعدة انتخابية مهمة.
وقد اشترى هؤلاء صفحات كاملة في أهم الصحف الاميركية ليكتبوا فيها: «آن الأوان بالنسبة إلى المسيحيين الانجيليين ليؤكدوا اعتقادهم بنبوءة الكتاب المقدس، وحق اسرائيل الإلهي في أرضها. واننا لنؤكد كإنجيليين إيماننا بالأرض التي وعد بها الشعب اليهودي.. وكنا ننظر بكثير من القلق إلى كل الجهود الرامية الى اقتطاع جزء من الوطن اليهودي لأمة أخرى أو كيان سياسي آخر.
شارون نجم الروك:
كان التفاف المسيحيين الصهيونيين المكثف حول رونالد ريغن في عام 1980 احد أسباب الهزيمة التي مني بها جيمي كارتر. وفي يونيو 1981 اتصل مناحيم بيغن هاتفياً بجيري فالويل، حتى قبل الاتصال بالرئيس الاميركي، وذلك مباشرة بعد قيامه بتدمير محطة اوزيراك النووية في العراق. وحين قررت حكومة بيغن عام 1982 اجتياح لبنان، ذهب صانع هذه المبادرة الرئيسي، ارييل شارون، وكان وزيراً للدفاع آنذاك، الى الولايات المتحدة للتأكد من مدى دعم المسيحيين المحافظين لها.
وحظي شارون لدى مثوله أمام المسيحيين الصهاينة بتصفيقات وهتافات «يخص بها عادة حسب أحد الشهود نجوم موسيقى الروك». ويذكر ان رئيس الوزراء الاسرائيلي يتبوأ مكانة خاصة، إذ يعتبر في نظر بعض المتطرفين، الرجل الذي اختاره الله لانجاز نبوءات آخر الزمان. وهو يعرف في زعمهم من مساره حيث ملك السلطة ثم اهتزت صورته لدوره المفترض في مذابح صبرا وشاتيلا. كما يستندون الى نص ورد في الانجيل يقول «يسقط الرجل العادل سبع مرات ثم يقوم منها».
ويستند دعم اسرائيل لأسباب دينية الى تفسير حرفي للتوراة. إذ يؤكد المسيحيون الصهاينة انهم بدعمهم برنامج اسرائيل الكبرى الذي دافع عنه بيغن وحزب الليكود، لا يفعلون سوى تلبية نداء الرب، مثلما ورد في العهد القديم.
(...) وقد صرح زعيم التحالف المسيحي السابق رالف ريد بالقول: «ليس هناك دليل اكبر على بسط الرب سلطانه على العالم اليوم من بقاء اليهود، ووجود اسرائيل، وهذه الحقيقة تفسر في جزء منها سر تشبث المسيحيين وغيرهم من المحافظين المؤمنين بدعم اسرائيل».
أزمة الشرق الأوسط في الإنجيل:
وعن هذا التحالف الغامض، كتب كل من كين سيلفر ستين ومايكل شيرر في ماذر جونز mother jones: «يعمل المسيحيون على دعم اسرائيل فقط لايمانهم ان ذلك يؤدي الى انتصار المسيحية في نهاية المطاف، وازمة الشرق الاوسط بالنسبة إليهم تنبأ بها كتاب الانجيل».
(...) ويؤكد الحليف الاكبر لليكود والقادة الاسرائيليين ان المسيح الدجال قد ظهر وانه «يهودي وذكر» ويعتبر القس تشاك ماسلر معتقل او شويتز النازي «مجرد تمهيد لارمجيدون المقبلة» لكن التحالف بين ادارة بوش والحكومة الحالية في اسرائيل لا يستطيع ان يخفي الجانب المقلق في طروحات داربي التي يرددها المسيحيون المتطرفون، ومفادها انه في نهاية هذه المعركة النهائية بين الخير والشر سيتحول كثير من اليهود الى الدين المسيحي، اما الكافرون من بقية اليهود والمسلمين فسيكون مصيرهم الهلاك والموت، وسيقود المسيح الصالحين بعد ذلك الى الجنة.
إغاثة روحية:
كانت صحيفة لوموند قد ذكرت في احدى مقالاتها ان المبشرين الدينيين الاميركان كانوا يرابطون خلال الحرب عند ابواب العراق «استعدادا لتقديم الاغاثة» المادية والروحية الى السكان بعد تحريرهم من صدام حسين، وكانت «هناك فرق تابعة لكل من المؤتمر المعمداني لمنطقة الجنوب وجمعية سامارتيان بورس الانسانية (يرأسها فرانكلين غراهام ابن المبشر الانجيلي الشهير بيلي غراهام) ترابط على الحدود الاردنية»، ويذكر ان فرانكلين غراهام هذا هو الذي كان له شرف «مباركة» حفل تنصيب جورج دبليو بوش في يناير 2001، ويتلقى دائما دعوات لزيارة البيت الابيض ونقل عنه كلام لاذع عن الاسلام اذ قال: «ان إله المسلمين ليس هو نفسه إله المسيحيين، انه إله مختلف واعتقد ان ديانتهم ديانة عدائية وشريرة جدا».
ليست قوى اليمين المسيحي الاميركي المتطرف وحدها فاعلة في ادارة بوش فثمة عناصر في الفريق الرئاسي كانت من اشد المتحمسين لعملية «الحرية العراقية» وتتبنى طروحات مشابهة لطروحات الاصوليين، لكنها تختلف معهم في الافكار والرؤية، وهي عناصر يهودية مقربة من حزب الليكود الاسرائيلي ومؤيدة لاتباع «اسلوب صارم» في التعامل مع المسألة الفلسطينية.
وقد اصبح هؤلاء، منذ وصول جورج دبليو بوش إلى السلطة، وتحديدا منذ تاريخ 11 سبتمبر، مقربين جدا من القائد العام لأهم جيش في العالم، وباتت توصياتهم وطروحاتهم تلقى آذانا صاغية لديه، وهم الذين يقفون وراء السياسة الخارجية الجديدة لواشنطن.
لكن العلاقات التي تربطهم باسرائيل، وبفئة من الطبقة السياسية الاميركية تطرح تساؤلات كبيرة حول مدى اخلاقيات نشاطاتهم وشرعيتها.
ويعتبر دوغلاس فيث، وكيل وزارة الدفاع خير مثال لهذه العلاقة الوثيقة بين الادارة الحالية واليمين الاسرائيلي.
فهو مقرب جدا من المنظمة الصهيونية الاميركية، حيث يلقي محاضرات عدة.
وكان فيث قبل عمله في ادارة بوش يدير مكتب محاماة يملك فروعا خارجية في اسرائيل دون غيرها، وكان يمثل «صاحب شركة لصنع الاسلحة اسرائيليا».
ويتمتع فيث بخصوصية تميزه عن البقية من أمثاله وتتمثل في كونه المسؤول الاميركي الوحيد الذي يملك سندات خزينة اسرائيلية، وهو استثمار لا يستحق الذكر الى جانب ثروته التي تتجاوز 27 مليون دولار لكن وكيل وزارة الدفاع ليس الوحيد بين الصقور الذي عمل مع اصحاب شركات الاسلحة الاسرائيليين، فريتشارد بيرل الذي يصنف اليوم ضمن المحافظين الجدد، سبق ان عمل لمصلحة شركة soltam التي تصنع قطع المدفعية وقذائف الهاون، ويعد بيرل الأكثر نفوذا بين «الصقور» الى جانب بول وولفويتز، وكان يدير مجلس سياسة الدفاع التابع للبنتاغون قبل ان يقدم استقالته على اثر اتهامه بالتورط في فضائح مالية، لكنه احتفظ بعضويته في المجلس.
وفيما يفضل بيرل العمل في الظل والابتعاد عن الاضواء حتى لقب في عهد ريغن، بـ «أمير الظلمات»، يحب بول وولفويتز الظهور واحتلال موقع الصدارة في وزارة الدفاع الاميركية، لكن الدروب التي سلكاها تقاطعت اكثر من مرة منذ ثلاثين عاما، وخاصة في المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي، وهو مركز ابحاث ودعم لاسرائيل في الظاهر، ومجموعة ضغط في الواقع ذات هدف مزدوج يتمثل في منع بيع الاسلحة المتطورة الى العالم العربي، والحرص على استمرار تدفق المساعدات العسكرية الاميركية في اتجاه الدولة العبرية.
والى جانب بول وولفويتز، ودوغلاس فيث، وريتشارد بيرل، يرد اسم اليوت ابرامز، الذي عين في ديسمبر 2002 مديرا لشؤون الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي بناء على اوامر كونداليسا رايس، وهو بصفته هذه يتولى تحرير التقارير المتعلقة بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني وتزكيتها او وقفها قبل ان ترفع الى كونداليسا رايس وجورج بوش.
كان جون اشكروفت يمثل في البداية المرشح المثالي للرئاسة بالنسبة لليمين المسيحي، لولا أن ابن تكساس تفوق عليه بالجمع بين الثروة الطائلة، والعلاقات الوثيقة مع الجماعات الاصولية المتطرفة. وهو ما رجح كفة الرئاسة لصالحه بدعم من اللوبي المسيحي اليميني الذي يتمتع بنفوذ لا يفل ويحمل مشروعا لمكافحة الانحطاط الثقافي بحسب مفهومه الخاص والفكر الليبرالي بشكل عام.
وأبرز ما يسم حركات اليمين المسيحي المتطرف هو ذلك التحالف الوثيق الذي يجمعها باسرائيل، والنابع من ايمانها الراسخ بحق هذه الأخيرة في أرض الميعاد.
العالم الإسلامي خصم جديد بعد الاتحاد السوفيتي في عرف الصقور
الصقور يتراجعون في خطة تقسيم العراق لإضرارها بالزعامة الأميركية في العالم
لا يمثل المحافظون الجدد كل اليهود والاسرائيليين بل هم مجرد مجموعة صغيرة من الاشخاص يسعون لتحقيق اهداف رسموها لانفسهم عبر وسائل ما فتئوا يبسطون سيطرتهم عليها اكثر فأكثر مع تزايد حجم نفوذهم داخل الادارة الحالية.
ويبدو ان سطوتهم المتنامية لم تعد تجد من يقاومها داخل الادارة، فأسلوب الاعتدال الذي يمثله كولن باول باعتباره خصمهم المبين آخذ في التلاشي تماما، وقد «تطهر البنتاغون في نهاية 2001 من آخر حمامة» ونعني بذلك بروس ريدل الذي كان يدعو الى الحرص على توافر تحالف كبير في الحرب على الارهاب ومراعاة الحساسيات العربية التي قد يفرزها هجوم محتمل ضد العراق.
وامعانا في عزل كولن باول، نجح كل من وولفويتز ورامسفيلد في فرض شخصية اخرى موالية تماماً للصقور عليه، وهكذا تم تعيين جون بولتون، في منصب وكيل وزارة لشؤون الامن القومي، ومسؤول عن الاسلحة رغم تحفظات وزير الخارجية.. وبدوره اتخذ بولتون لنفسه مستشارا خاصا يدعى ديفيد وارمسر، وهو صديق ريتشارد بيرل سبق له التعاون ايضا مع بنيامين نتانياهو حين كان رئيسا للوزراء، وزوجته ميراف شاركت في تأسيس معهد الابحاث الاعلامية لشؤون الشرق الاوسط الى جانب الكولونيل ييغال كارمون، المسؤول السابق عن جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلي، ويحرص المعهد على ترجمة ما ينشر في الصحافة العربية من مقالات لاذعة، وابراز نزعة معاداة السامية التي تهز هذه المنطقة الى جانب ترجمة المقالات المؤيدة للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط، ففي يوم 24 ابريل 2003، وبعد ايام قليلة من ورود ذكر سوريا في خطابات رامسفيلد، نشر المعهد على الصفحة الاولى من موقعه ترجمة لمقال من صحيفة كويتية يعتبر نظام بشار الأسد «أسوأ من نظام صدام». ومن الواضح ان هذه الترجمة لم تأت اعتباطاً لأنها تعكس وجهة نظر عربية مؤيدة لسياسة واشنطن. وهو ما يجافي الحقيقة إذ ما من مسؤول سياسي في الشرق الأوسط ـ فما بالك بالمواطن العادي ـ يؤيد تدخلاً عسكرياً في سوريا مجهول العواقب.
شارك ديفيد وارمسر الذي سبق ذكره، الى جانب ريتشارد بيرل، ودوغلاس فيث في إعداد تقرير سري للغاية يحمل عنوان «قطيعة شاملة» ورفع الى رئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو عام 1996. وتمحور التقرير حول هدفين أساسيين اثنين رسما من أجل مصلحة اسرائيل وهما: تفكيك العراق، وتصفية النظام السوري.
وجاء في التقرير ما يلي:
«جاءت دعوة الاردن الى اعادة النظام الهاشمي لحكم العراق بمثابة الثقل الموازن للطموحات الاقليمية السورية. وبما ان مستقبل العراق سيؤثر في التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط تأثيراً عميقاً. فإن تأييد اسرائيل لعودة الملكية في العراق سيكون له ما يبرره. وبإمكان حكومة نتانياهو ان تقوم بأولى زياراتها الرسمية الى الاردن قبل الذهاب الى واشنطن، وتقدم الدعم للملك حسين لمساعدته (في مجال الأمن والاستخبارات) في مكافحة التخريب السوري وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في الاردن عبر نفوذ اسرائيل في أوساط رجال الأعمال الاميركيين، لتخليصها من تبعيتها (الحالية) تجاه العراق، وإلهاء السوريين باستخدام عناصر معارضة لبنانية لخلخلة قبضة سوريا على لبنان.
... ويمكن لاسرائيل ان تشكل محيطها الاستراتيجي بالتعاون مع تركيا والاردن عبر اضعاف سوريا. وقد يتحقق ذلك بعزل صدام حسين في العراق مما يسمح بالتالي بإجهاض طموحات دمشق. كيف؟ بعقد تحالفات مع العشائر العربية التي تقطن على جانبي الحدود العراقية ـ السورية والمعادية للنظام السوري..».
وفضلاً عن هذه النصائح ذات الطابع الجيوستراتيجي التي تبدو كإرشادات للحرب الحالية، ذهب بيرل وزملاؤه أبعد من ذلك إذ جاء على لسانهم «نظراً إلى طبيعة نظام دمشق، فإنه من الطبيعي والاخلاقي ان تتراجع اسرائيل عن محاولاتها الانفتاحية (السلام الشامل) وتتمسك بكبح نمو هذا البلد عبر لفت الانظار الى برامجه لامتلاك اسلحة الدمار الشامل، ورفض اتفاقات السلام مقابل الأرض الخاصة بمرتفعات الجولان».
بل تضمنت هذه الوثيقة «نصائح» في مجال الاتصال لكسب تعاطف واهتمام الاميركيين خلال زيارات بنيامين نتانياهو للولايات المتحدة. وأوصى أصحابها رئيس الوزراء الجديد بالحديث عن أهدافه السياسية بلغة مألوفة لدى الأميركيين.
هكذا نستخلص إذن ان الحرب في العراق لم تكن قراراً جديداً بالنسبة إلى الصقور في هذه الادارة. وهي ليست نتيجة «عملية التفتيش» التي لم تقنع أحداً بل تمثل تجسيداً لاستراتيجيات أقدم في الزمن تهدف الى اعادة تشكيل ميزان القوى السائد اليوم في الشرق الأوسط.
ولكن يبقى السؤال مطروحاً بعد قراءة هذا التقرير حول الهدف الحقيقي من وراء هذه العملية. هل هو السعي وراء المصالح الاميركية أو تعزيز وضع اسرائيل في المنطقة؟
ومهما كانت القضية الأساسية التي يدافع عنها الصقور، فإن التفكير في تفكيك أمة ذات تركيبة معقدة جداً كما هي الحال في العراق، وإلصاقها بمملكة تفتقر الى الاستقرار مثل الاردن يكشف مدى ثقة هؤلاء بأفكارهم ومشاريعهم ولا واقعيتهم. وبعد أربع سنوات من رفع تلك الوثيقة الى نتانياهو، تم تقديم نسخة أخرى منها مخصصة للأميركيين وتحديداً لجورج دبليو بوش لكنها اختلفت عن النسخة الأصلية في شيئين اثنين، فاستخدمت فيها مصطلحات مألوفة لدى الأميركيين. وتم إغفال الحديث عن أي تفكيك للعراق. وان عادت هذه الفكرة لتتردد على لسان بول وولفويتز. وتم تحرير هذا التقرير تحت اشراف مركز دراسات آخر في واشنطن يحمل اسم المشروع من أجل القرن الاميركي الجديد PNAC، ويعمل من اجل تشجيع «الزعامة الاميركية للعالم» ويضم المركز الصقور الموالين لاسرائىل المتعاطفين مع الليكود واعضاء من اليمين المسيحي المتطرف الاميركي.
مناورة تشيني:
كان الصقور قد حاولوا مرارا الترويج لوجهة نظرهم على اعلى مستوى في السلطة التنفيذية، فبعد مرور فترة قصيرة على سقوط جدار برلين في عهد ولاية بوش الاولى، دار حديث حاسم بين ديك تشيني وبول وولفويتز كان بمثابة الانتصار الاول للمحافظين الجدد، اذ شكل تشيني، وكان وزيرا للدفاع آنذاك، لجنة تضم الى جانب آخرين بول وولفويتز ولويس ليبي (مناصرا آخر للحرب الحالية). وكان الهدف الذي رسمه هؤلاء كبيرا ويتمثل في وضع الخطوط العريضة لسياسة خارجية اميركية جديدة في عالم ما بعد الحرب الباردة، ثم طلب من كولن باول، الذي كان يتولى رئاسة الاركان، اعداد تقرير منافس يقدم رؤية للعالم وللعلاقات الدولية تتسم بالاعتدال قياسا الى رؤية الصقور. وحدد تشيني تاريخ 21 مايو 1990 لعرض التوصيات، وتم تخصيص ساعة لكل من وولفويتز وفريقه، وباول وفريقه، وفي الموعد المحدد اعطيت الكلمة لوولفويتز اولا فتجاوز المدة المخصصة له كثيرا دون ان يقاطعه تشيني. واضطر باول للمغادرة دون عرض تقريره بعد ان حدد له وزير الدفاع موعدا بعد اسبوعين من باب المجاملة.. وهكذا كان الموجز الذي نقله هذا الاخير لجورج بوش الأب تلخيصا وافيا لأفكار وولفويتز وخرج باول خاسرا، وكان من المتوقع ان يلغي الرئيس الاميركي خطابا تاريخيا لكونه كان يمثل انعطافة حقيقية في تاريخ هذه الامة المعروفة بانطوائها على نفسها ونفورها من الاهتمام بما يجري في الخارج ومن التدخل في مشاكل العالم. الا ان الخطاب الذي كان مرتقبا في الوقت نفسه، الذي كانت الدبابات العراقية تتدافع فيه نحو الكويت، ألغي.
وطيلة التسعينات، بدأت ملامح رؤية الصقور تتضح شيئا فشيئا، وحدد مبدؤهم الخاص بالسياسة الخارجية العالمية الذي يقوم على استباق التهديدات وتصفية القوى المنافسة، بغض النظر عن موقعها وعن الظروف، هدفا واضحا تمثل في الشرق الاوسط باعتباره مصدرا للقلاقل الدائمة، وتولد لدى الصقور يقين مطلق بتشابك المصالح الاميركية بالمصالح الاسرائىلية بفعل الروابط القوية احيانا التي تربطهم بإسرائىل (شقيقة وولفويتز تقيم في اسرائىل) وتماثل الرؤى بينهم وبين زعماء الليكود، اذ يدعو هولاء الى ضرورة تكاتف هاتين الديموقراطيتين، مهما كان الثمن، من اجل التصدي للعالم العربي الذي حل محل الاتحاد السوفيتي في دور الخصم. وهو خصم يجب تحريره بالقوة اذا اقتضى الامر ذلك. ويبدو واضحا هنا مدى التأثير الكبير لطروحات المستشرق الشهير المقرب من المحافظين الجدد برنارد لويس، الذي قال عنه بول وولفويتز «كان بارعا في وضع العلاقات مع الشرق الاوسط وقضاياه في سياق اوسع عبر فكر موضوعي وفذ ومستقل، فلويس علّمنا كيف نفهم تاريخ الشرق الاوسط المعقد والمهم، وكيف نستخدمه لنهتدي به، من اجل اقامة عالم افضل للاجيال القادمة».. يذكر ان برنارد لويس هو خبير معروف عالميا خدم ابان ا لحرب العالمية الثانية في اجهزة الاستخبارات البريطانية، وهو الذي ابتكر مفهوم «صدام الحضارات» الذي ردده صاموئيل هانتنغتون في طروحاته لاحقا.
الصقور تحفزوا لبغداد منذ 1998:
اصبحت بغداد هدفا مفضلا لدى الصقور منذ عهد كلينتون، ففي عام 1998 نشر مركز «مشروع القرن الاميركي الجديد» رسالة مفتوحة الى الرئيس يطالبه فيها بالقيام بعمل عسكري من طرف واحد، دون المرور عبر مجلس الامن، وهي الرسالة التي وقعها كل من ريتشارد بيرل وبول وولفويتز ودونالد رامسفيلد وبعد ذلك ببضعة اشهر طلب مركز ابحاث آخر يحمل اسم «لجنة السلام والامن في الخليج» من بيل كلينتون الاعتراف بحكومة عراقية مؤقتة يقودها اعضاء المجلس الوطني العراقي، على اعتبار ان هذا الاعتراف من شأنه ان يشكل الخطوة الاولى باتجاه «استراتيجية سياسية وعسكرية ترمي الى اسقاط صدام حسين ونظامه». وكان من بين الموقعين على هذه الرسالة الثانية الى جانب ريتشارد بيرل، بوصفه أحد رئيسي المركز، كل من رامسفيلد ووولفويتز، وفيث، وأبرامز، وبولتون. ولا تخفى استراتيجية تحريك اللجان والهيئات ومراكز الابحاث بسرعة متدرجة على أحد في واشنطن.
ويقول أحد موظفي وزارة الخارجية شارحا: «يستخدم بيرل وبقية الصقور هذه الطريقة منذ زمن طويل. وهي تولد انطباعا لدى الرأي العام، وكذا بعض اعضاء الكونغرس بأن موجة المحافظين الجدد بصدد التحول الى مدّ كاسح. اذ يعمد مركز بعينه الى حشد التأييد في اطار لوبي لضرب العراق، ثم يحذو مركز آخر حذوه في اليوم التالي.
وفي الاسبوع الموالي تنشر صحيفتك المفضلة في صفحتها الاولى رسالة وصلت من «معهد ابحاث» آخر. وهكذا يجري الحديث بصوت واحد عن الموضوع، وهو ما يكون له اكبر الاثر اذ يعتقد الناس خطأ ان الاغلبية تتبنى آراء هؤلاء».
وقد صرح سياسي اسرائيلي سابق مقرب من اسحق رابين ومعارض لسياسة الصقور فقال: «انهم يأملون في اعادة المجد الاميركي. ومن شأن هذه القوة المتنامية ان تخدم في الوقت نفسه من وجهة نظرهم المصالح الاسرائيلية. ولأنهم منظرون فان ميزان القوى في المنطقة يمكن تحديده بالارقام وعلى الخرائط. فالامر بالنسبة إليهم مجرد عملية حسابية. اي ان اسقاط صدام واضعاف سوريا كفيلان بتركيع الفلسطينيين». ويضيف قائلا: «... الصقور في واشنطن لا يشعرون بشيء من آثار النزاع الذي لا يعيشونه بصورة مباشرة. ومع ذلك، فانهم هم من يقرر مصيرنا اليوم».
العراق بين خياري التقسيم والإلغاء:
الاطاحة بنظام صدام وقعت، والآن ماذا ينتظر العراق او بالاحرى كيف يمكن لاسرائيل ان تستفيد من هذا الوضع الجديد؟ في عام 1996 كان افراد الفريق العامل في البنتاغون اليوم يفكرون في ضم العراق الى الاردن. لكن «مجموعة التحليل والتوقعات الاستراتيجية» STRAFOR كشفت ان ديك تشيني يفكر في خيارين اثنين بخصوص العراق، فإما ضمه الى الاردن (كما جاء في تقرير «قطيعة شاملة») او تفكيكه الى ثلاث ولايات، تمنح واحدة حكما ذاتيا، وتلحق الثانية بالاردن، فيما تدمج الثالثة، والمتمثلة في المنطقة الشيعية في الكويت. انه من الصعب فهم المنطق الاميركي. فمن ذا الذي يمكنه ان يستفيد من ضم العراق الى البلد الوحيد «الصديق» للدولة العبرية في المنطقة اذا استثنينا اسرائيل؟
ومن المعروف ان الشيعة في العراق يمثلون اغلبية تبلغ نسبتها 60 في المائة من مجموع السكان. والعلاقات بين الشيعة والسنّة لا تتسم بالمودة الا في ما ندر. فكيف يعقل ان نتوقع النجاح لعملية الزرع هذه، اذا علمنا ان المذهب السني هو السائد في كل من الاردن والكويت؟
ثم ان الاميركيين تدخلوا في الخليج عام 1991 بعد غزو صدام للكويت بحجة انها كانت جزءا من العراق فيما سبق، وها هي واشنطن تريد اليوم ضم العراق الى بلدين مجاورين، وهي خطوة تفتقر الى الشرعية.
وقد أسرَّ أحد الخبراء بالقول: «يتردد الحديث عن هذه الخطط كثيرا في واشنطن، ولكن هناك شعورا عاما بان مشروع تفكيك العراق سيكون بمنزلة القشة التي تقصم ظهر البعير، وقلة فقط ترى ان الصقور يمكن ان يقدموا على ذلك..».
واشنطن لا تحسن اختيار الهدف:
قال مسؤول بريطاني في حديث لمجلة نيوزويك نشر في اغسطس 2002: «الجميع يريد التوجه الى بغداد، لكن الرجال، الحقيقيين يريدون الذهاب الى طهران»، ومن جهتها، ذكرت صحيفة هآرتس في فبراير 2003 ان جون بولتون اسرّ لمسؤول اسرائيلي ان الولايات المتحدة ستهتم بأمر ايران وسوريا وكوريا الشمالية بعد ان تفرغ من العراق.
لكن الامور ستتعقد على نحو خطير بالنسبة إلى الدولة العبرية في حال التفت الاميركيون صوب دمشق، لان تبرير الهجوم على سوريا سيكون اصعب بكثير.

لقد وضع اسم سوريا على القائمة السوداء في اميركا لان الصقور قرروا ذلك. ولنا ان نتساءل هنا عن سبب التغاضي عن كثير من البلدان التي تؤوي عناصر القاعدة مثل الصومال التي تعتبر ملاذا آمنا لهذا التنظيم. وهذه حقيقة لا يجرؤ اي جهاز مخابرات في العالم على دحضها.
(...) حين يتعلق الامر بالفوائد المرجوة في اوساط اليمين الاسرائيلي من هذه النزاعات، يحرص الصقور على السرية والتكتم. وقد تحدثت نيويورك تايمز في نهاية العام الماضي (2002) عن وجود وثيقة لا تخلو من دلالة، وتنصح الاسرائيليين واليهود الاميركان باجتناب الخوض في موضوع الحملة العراقية. ويقول نص الوثيقة: «اذا كان هدفكم تغيير النظام (في العراق) فعليكم ان تنتبهوا اكثر لما تتلفظون به تحاشيا للعواقب المحتملة، حتى لا يعتقد الاميركيون ان حرب العراق شنت لحماية اسرائيل وليس اميركا (...) اتركوا السياسيين الاميركيين يدافعون عن الحرب في العراق في الكونغرس وفي وسائل الاعلام. واتركوا المجموعة الدولية تتشاجر في منظمة الامم المتحدة. فصمتكم سيصرف انظار العالم الى العراق وليس الى اسرائيل».
في نهاية عام 2001، «تطهر» البنتاغون من «آخر حمامة» مع خروج بروس ريدل المعروف باعتداله، وعَزْل كولن باول بفرض جون بولتون الموالي للصقور عليه في وزارة الخارجية. وحين بدأ يستتب الأمر للصقور جرى إعداد تقرير سري للغاية رفع إلى رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك بنيامين نتانياهو عام 1996. ويتمحور التقرير حول هدفين أساسيين يصبان في مصلحة اسرائيل وهما تفكيك العراق، وتصفية النظام السوري. وهذا ما يؤكد أن قرار الحرب في العراق كان تجسيدا لاستراتيجيات ترمي إلى إعادة تشكيل ميزان القوى السائد اليوم في الشرق الأوسط.
التقت مصالح الصقور وعمالقة النفط فوجب التغيير:
تتعدى علامات الاستفهام حول ولاء بعض «الصقور» نطاق التعاطف مع اسرائيل. ففي مارس 2003 كشف الصحافي الاميركي في النيويوركر، سيمور هيرش، المتخصص في التحقيقات الصحفية ان «ريتشارد بيرل كان احد الشركاء في شركة Trireme التي تستثمر في قطاع التكنولوجيا والخدمات وتولي اهتماما خاصا بقطاع الدفاع والامن الداخلي».
وبعد مرور عام، جمعت الشركة 45 مليون دولار، 20 مليونا منها قدمتها شركة بوينغ. لكن بيرل وشركاه ظلوا في سعي دائم لاستقطاب مزيد من المستثمرين فلجأوا الى الشخص الاكثر اثارة للجدل في العالم طلبا للمساعدة. ونعني بذلك عدنان خاشقجي، السعودي (67 عاما) الذي جمع ثروة طائلة من وراء دور الوساطة الذي لعبه في عقود الاسلحة المبرمة بين العائلة المالكة والشركات الاوروبية والاميركية. وكان يمثل بفضل علاقاته الواسعة وقدرته على التفاوض خير ضمان لنجاح شركة استثمارية تبحث عن استثمارات جديدة.
وقد التقى المسؤول عن الادارة المباشرة في الشركة Trireme بمقرها في نيويورك، جيرالد هيلمان، خاشقجي لاول مرة في باريس وكان برفقته الصناعي السعودي البارز، والمستثمر المحتمل، الذي ولد بالعراق.
وبدأ كل شيء بسوء تفاهم تعمد الاميركيون تعميقه. فالرجل، ويدعى حرب زهير، كان يرى في هذه الصفقة فرصة سانحة للاتصال بصانعي القرار الاميركي من اجل طرح وجهة نظره عليهم، بل واكثر من ذلك، نقل ما يلتقطه من معلومات خلال اسفاره العديدة للعراق اليهم.
كان زهير يملك علاقات على مستوى القمة في النظام العراقي، وربما كان على صلة مع صدام حسين نفسه. وكان مؤمنا بامكان التوصل الى حل للمسألة العراقية عن طريق التفاوض. حدث هذا في ديسمبر، ولم يكن هم شركة Trireme والمساهمين فيها سوى الحصول على استثمارات حتى لو كان مصدرها المملكة العربية السعودية. اما الفائدة من التفاوض السياسي مع زهير فلم يشغل بالهم لحظة، وان كان جيرالد هيلمان عضوا في مجلس السياسة الدفاعية، وهي هيئة ذات نفوذ كبير في البنتاغون يرأسها بيرل.
غير ان هؤلاء كانوا يعلمون انه لا بد من تطييب خاطر زهير، وان أي رفض قاطع لاقتراحه من شأنه ان يفوت عليهم فرصة الحصول على المائة مليون دولار التي وعد باستثمارها في شركته، فكان لا بد من ان يلعبوا اللعبة، وهو ما حدث فعلا.
وهكذا قام هيلمان في الايام التي تلت لقاء باريس، بتحرير مذكرة من 12 نقطة مؤرخة في 26 ديسمبر 2002 وتنص على نحو خاص، على ضرورة ان يقر صدام حسين «بتطويره لاسلحة الدمار الشامل وامتلاكه لها»، وهي الشروط التي رددتها ادارة بوش بعد ذلك بشهرين، وخلصت المذكرة الى القول: «اعتقد ان الولايات المتحدة ستتراجع عن فكرة ضرب العراق في حال تمت الموافقة على الشروط الاثني عشر المنصوص عليها، وسيسمح لصدام حسين بمغادرة البلاد مع ولديه وبعض وزرائه».

ولم يكن لهذه المذكرة ادنى شرعية رسمية، كما لم تنتج عن أي نقاش داخل الادارة. وهيلمان لم يكن يتوقع من ورائها شيئا على الصعيد الدبلوماسي، وكل ما كان يقصده هو خداع الصناعي العراقي - السعودي على امل الحصول على استثمارات منه.
وبعد مرور اسبوع واحد، بعث هيلمان بمذكرة ثانية جاء فيها: «عطفا على المحادثات التي اجريناها مؤخرا، فكرنا في القيام باختبار فوري يسمح بالتأكد من مدى صدق النظام العراقي»، وشملت المذكرة خمسة شروط جديدة، وجدها زهير مستحيلة، فيما اعتبرها خاشقجي طريفة وشبه سخيفة.
بدا مضمون المذكرة كنص كُتب بقلم احد الهواة وهو امر يسهل تفسيره اذا علمنا ان ابنة هيلمان، وهي طالبة في المرحلة الثانوية، هي من ساعده في كتابة هاتين «المذكرتين» اللتين اقل ما يمكن ان يقال فيهما انهما تتعلقان بمستقبل العالم وحرب تشنها اكبر قوة وحيدة في العالم في منطقة الشرق الاوسط، وقد اعترف هو نفسه بذلك وزاد ان بيرل لم يكن على علم بالرسالتين لدى توجيههما الى السعوديين، لكنه اطلع على الموضوع ولم يعلق عليه.
وغداة ارسال المذكرة الثانية، تم تنظيم مأدبة غداء في مارسيليا جمعت خاشقجي، وزهير وبيرل وهيلمان، وكان بيرل بمثابة «الطعم» حسب تعبير خاشقجي الذي اطلع الصحافي سيمور هيرش على ما دار في اللقاء، وكان زهير يريد التحدث عن رفع قيمة الاستثمار المزمع لمصلحة شركة trireme مع الحرص على موضوع مستقبل العراق بشكل خاص، واستهل بيرل الحديث بلهجة مثيرة للدهشة قائلا انه يتسامى على المال وإن اهتمامه ينصب اكثر على السياسة وان «الصفقات تبرم عبر الشركة بالاحرى وليس عبر شخصي».
وبينما يقر بيرل انه لم يعلم ابدا بموضوع المذكرتين المرسلتين الى زهير، وانه لم يأبه كثيرا بالحلول التي اقترحها هذا الاخير، تبدو الاسباب التي كانت وراء لقاء مارسيليا غامضة، ويقول الامير بندر بن سلطان، سفير المملكة العربية السعودية الدائم لدى الولايات المتحدة وابن وزير الدفاع خالد بن سلطان معلقاً: «كان بحاجة الى فرصة لنفي القضية برمتها، وكان بحاجة الى تغطية للتمويه فتحجج بمبادرة السلام في العراق لكن (...) سبب اللقاء كان فعلا التفاوض بشأن صفقة تجارية».
ولا شك ان زهيراً ادرك ذلك مما يفسر الغاء مشروع الاستثمار.

لكن القضية اكتست لاحقاً ابعاداً لم تكن متوقعة ابدا اذ ترددت اصداء مذكرتي الطالبة الشابة بعد شهر من اللقاء الشهير بين بيرل وزهير، في صحيفة الحياة في مقالة حملت عنوان لا يخلو من دلالة: «واشنطن تعرض التراجع عن شن الحرب مقابل اتفاق دولي حول نفي صدام حسين» وذكرت «الحياة» في موقع آخر ان بيرل ومسؤولين آخرين قد قاموا باتصالات سرية من اجل تفادي الحرب.
وبعد مرور بضعة ايام، قامت «السفير» اللبنانية من جهتها بترجمة مذكرتي الانسة هيلمان وابيها ونسبتهما الى ريتشارد بيرل مباشرة.
وان دلت هذه القضية على شيء، فإنما تدل على ما يمكن ان يسفر عنه تداخل التجارة بالسياسة من نتائج مفاجئة تخرج عن نطاق السيطرة، حين تتداخل المصالح المالية بالسلطة فتنسج صلات شاذة، فبيرل الذي يكيل الانتقادات للسعودية من موقعه في الادارة الاميركية لا يتردد في التودد عبر الشركات التي يملك فيها حصة الى مستثمرين من هذا البلد، ويبدو التضارب في المصالح جليا في القضية، وان لم تنطوِ على اي خرق للقوانين. ولعل خير دليل على ذلك يتجسد في هيلمان، احد الشركاء في شركة Trireme وعضو في مجلس السياسة الدفاعية الذي استغل دوره كمستشار في البنتاغون لخداع مستثمرين محتملين، فراح يعدد «الشروط» المزعومة التي يتعين على صدام حسين تلبيتها، لتفادي الحرب.
وقد جاء رد فعل ريتشارد بيرل على القضية التي كشفها الصحافي سيمور هيرش مثيرا للدهشة وذا دلالة، اذ وصف هيرش اثناء مقابلة اجراها معه المذيع وولف بليترز من قناة سي.إن.إن بـ«الارهابي» وحين طلب منه هذا الاخير توضيح كلامه استرسل قائلا: «انه لا يملك ذرة حس من المسؤولية (..) فهو فعل ذلك بغية الايذاء ويسعى له بأي طريقة وعبر اي تحريف ممكن..» ويبدو ان بيرل قد لجأ الى استراتيجية تجعل اخضاعه لاي تحقيق والتشكيك في مدى شرعية افعاله بمثابة مس بالامن العام.
متبنيا بذلك مقولة رئيسه «من ليس معنا فهو ضدنا» واستغلها لمصلحته. فحالة الحرب تعتبر من وجهة نظره مبررا كافيا لإسكات كل المنتقدين، حتى عندما يكشفون النقاب عن وجود تضارب فاضح في المصالح، وحالات التضارب هذه اكثر من ان تعد في نشاط ريتشارد بيرل. ففي فبراير 2000 عُيِّن هذا الاخير مديرا لشركة Automnomy، وهي شركة بريطانية تعمل في قطاع التكنولوجيا المتطورة، وتحديدا في مجال اعتراض ما يدور على شبكة الانترنت من احاديث.
وفي اطار مكافحة الارهاب، حصلت الشركة أخيرا على عقد مجزٍ مع وزارة الامن القومي الاميركية، كما تعمل الشركة مع الجيش الاميركي وقوات البحرية بالاضافة الى القوات الجوية الملكية الاسترالية، وكعادته لم يخترق بيرل القانون بما ان مجلس السياسة الدفاعية الذي ظل يرأسه حتى عام 2003 (وما زال عضوا فيه) هو مجرد هيئة استشارية داخل البنتاغون. ومن موقعه هذا على هامش الادارة الاميركية لا يخضع بيرل للقيود نفسها المفروضة على الاعضاء المباشرين في الادارة، غير ان نفوذه الذي يمتد خارج اطار صلاحياته الرسمية دفع هيئة المراقبة المستقلة اي الجمعية الوطنية لصناديق التقاعد الى التساؤل عن وضع ريتشارد بيرل داخل الشركة، واعلنت هذه الهيئة عن نيتها في تقديم توصية بامتناع المساهمين في هذه الشركة اذا استمر «الصقر»، الذي تحول الى رجل اعمال، في منصبه بشركة Autonomy البريطانية بعد انتهاء فترة رئاسته الحالية.
عقد بـ750 ألف دولار:
بالاضافة الى ما تقدم حصل بيرل على عقد للعمل «كمستشار» لدى الشركة الاميركية غلوبال غروسينغ المفلسة، بهدف تسهيل عملية اعادة شرائها من قبل شركة Hutchinson Whampoa، وذلك لسبب بسيط يتلخص في كونها تتوافر على شبكة هائلة من الألياف الضوئية التي تستخدمها على نحو خاص وزارة الدفاع الاميركية ومختلف الوكالات التابعة لها. والشركة مملوكة لأغنى رجل في «هونغ كونغ» وهو لي كاشينغ الذي تربطه علاقات قديمة مع النظام الشيوعي في بكين.
ولذلك لا يريد البيت الابيض ان تقع انظمة الاتصال الحساسة هذه في يد نظام طالما اعتبر معاديا. وهنا دخل ريتشارد بيرل في اللعبة بعقد قيمته 750 الف دولار كانت 600 الف منها تعتمد على موافقة السلطات الاميركية على عملية البيع. وجاء في مذكرة مؤرخة في 7 مارس، ان موقع بيرل كرئيس لمجلس السياسة الدفاعية يخوله «تكوين وجهة نظر فريدة» و«معرفة عميقة» بالقضايا الامنية والدفاعية التي قد تثيرها لجنة الاستثمارات الخارجية المخولة منع بيع شركة هاتشينسون وامبوا.
وقال بيرل لصحيفة نيويورك تايمز ان الوثيقة حررها محامون وانه لم يتنبه لهذه الجملة. ثم تدارك في وقت لاحق، زاعما انها وردت في نسخة سابقة، وانه قام بشطبها لكن شخصا ما تعمد ادراجها في الوثيقة النهائية دون ان يتنبه لذلك.
ومهما يكن من امر هذه الجملة الشهيرة، فمن الواضح ان منصبه كمستشار للبنتاغون وموقعه شبه الرسمي كمنظر المحافظين الجدد، قد لعبا دورا حاسما في اختيار بيرل لترؤس الفريق المفاوض.
وفي مطلع عام 1989 كانت صحيفة وول ستريت جورنال قد كشفت وجود شركة تمثل الحكومة التركية وتحمل اسم آي. ايه. آي International Advisors Inc وتهدف الى تشجيع «المعونة الاميركية وبيع العتاد العسكري الاميركي لتركيا». وغني عن التذكير هنا بأن هذه الاخيرة تعتبر الحليف العسكري الأضمن لاسرائيل في المنطقة.
ومرة اخرى كذَّب بيرل وجود اي علاقة تربطه بهذه الشركة على نحو مباشر، زاعما انه «مستشار» لها. وهذا صحيح ما دامت الشركة مسجلة باسم «صقر» آخر هو دوغلاس فيث، المستشار الخاص السابق لبيرل. وقد جنى من ورائها مئات الآلاف من الدولارات مثلما جناها من مكتب المحاماة الذي كان يملكه Feith & Zell واكتسب مكانة كبيرة بين زبائنه مثل شركة نورثروب غرونمان مصنعة القاذفات B2 والمقاتلات F18، والطائرات من دون طيار وكلها تستخدم بكثافة في العراق.
إذ كانت زوجة نائب الرئيس الاميركي لين تشيني، عضوا في مجلس إدارة هذه الشركة حتى فبراير 2001. ويمثل ديك تشيني مثالا صارخا على هذا التقارب بل الحميمية التي تجمع السلطات السياسية بقطاع الصناعة الحربية. غير ان هذا الأخير يختلف عن ريتشارد بيرل وبول وولفويتز، ودوغلاس فيث وايليوت أبرامز بعدم ارتباطه باسرائيل بأي علاقة خاصة، لكن مسيرته طبعتها صبغة التطرف الصريح وخصوصاً فيما يتعلق بالسياسة الداخلية الاميركية وماضيه يزخر بمواقف وقرارات محرجة إذ رفض المصادقة على البرامج الغذائية التي وضعت لمصلحة الاطفال المعدمين في اميركا (1986)، والموافقة على جمع المعلومات حول تنامي الجرائم العنصرية، ومنح مساعدة غذائية للاشخاص المسنين (1987).
والقول نفسه ينطبق على موقفه من البيئة اذ صوت ضد قوانين عدة وضعت لحماية المياه والهواء، وأنواع الحيوانات المهددة بالانقراض. وموقفه هذا لم يكن نابعا من قناعاته السياسية بالضرورة بقدر ما هو نابع من مجال اختصاصه «كرجل نفط».
والواقع ان التصريحات القوية التي أدلى بها خلال عام 2000 عن تشدده ازاء العراق لم تكن سوى تمويه انتخابي بالنسبة الى رجل «تزوج» النفط. وقد كشف تقرير سري أعدته منظمة الأمم المتحدة ونشرت صحيفة واشنطن بوست اسماء مختلف الشركات التي تعاملت مع نظام بغداد وتفاصيل الصفقات المبرمة. فاضطر تشيني الى الاعتراف بالحقيقة متذرعا بانه لم يكن على علم بعلاقة الشركتين الفرعيتين مع العراق لدى شرائهما.
غير ان رئيس Ingersoll - Rand جيمس أ. بيريلا اكد لواشنطن بوست ان تشيني كان على علم بالصفقة.
والواقع ان شركات مثل هاليبرتون ساهمت عبر مجموعة فروع ووسطاء في تكدس الثروات التي اكتشفها الجنود الاميركيون في القصور الرئاسية. فقيمة الصادرات العراقية من النفط قفزت من 4 مليارات دولار في عام 1997 الى 10 مليارات بعد ذلك بثلاث سنوات. وما كان هذا الارتفاع ليتحقق لولا الحصول على التكنولوجيا الاجنبية وقطع الغيار وغير ذلك من اللوازم غير المتاحة داخل العراق.
غادر ديك تشيني هاليبرتون حاملا معه 45 مليون دولار، ومطوقا بامتنان على ايصالها الى ارفع مقام في اوساط السلطة في الداخل والخارج (وخاصة في العالم العربي). ولكن ماذا عن ولائه؟ هل هو لعالم الاعمال أم لعالم السياسة؟ ان من يراقب الحرب الدائرة والمجازفة العظيمة، التي اقدمت عليها واشنطن بمصداقيتها، يفترض ان دوافع تشيني كانت سياسية فعلا، لكن الامور تكتسي بعدا مغايرا حين يتأمل ما بعد الحرب.
فقد حصلت شركة هاليبرتون على أهم العقود واجزاها في مجال اعادة اعمار العراق. وذلك حتى قبل ان يهدأ هدير الآلة الحربية، وفي ظروف غير مألوفة البتة. فأميركا تعد من اكثر البلدان شفافية، وخاصة في مجال المناقصات ومع ذلك فلم تواجه هاليبرتون اي منافس على السوق العراقية المغرية.
وفي الوقت الذي كان جورج دبليو بوش يصرح بان «نفط العراق ملك للعراقيين»، تبين في يوم 12 مايو ان عقدا ابرم مع الجيش من دون اعلان مناقصة مرّة اخرى يقضي بمنح أحد فروعه، الذي يعرف اختصارا بـKBR، امتيازا في جزء من النفط العراقي، وهي شركة تحمل اسم Kellog Brown & Root تعمل في مجال الامدادات اللوجستية وتربطها شبكة علاقات وثيقة مع الجيش الاميركي يعود تاريخها الى زمن حرب فيتنام. وهي بمنزلة شقيق سيامي (مدني) للمؤسسة العسكرية. وقد استفادت كثيرا من علاقات ديك تشيني خلال السنوات التي قضاها على رأس هاليبرتون، وحتى قبل ان يخوض غمار الاعمال.
وأي مشروع في مجال الصيانة او سلاح الهندسة سواء في الداخل او الخارج يُعهد به الى هذه الشركة التي تولت في جملة مشاريع اخرى، بناء معتقل غوانتانامو بالاضافة الى عدة قواعد ومعسكرات اميركية في مختلف انحاء العالم. ومنذ بدء الحرب على الارهاب، ازدهر وضع الشركة، ويبدو ان مستقبلا مشرقا ينتظرها بفضل الجيش الاميركي من جهة وعملية اعادة اعمار العراق من جهة اخرى. ومن الصعب ان نتصور الا يكون لديك تشيني ايضا يد في ذلك. فهو طيلة فترة رئاسته لهاليبرتون كان يدير شؤون فرعها هذا بشكل مباشر تقريبا. حتى ان المجموعة كانت تعتبره بمنزلة قيمة ثمينة بفضل علاقاته الواسعة مع مختلف الحكومات في العالم. ويقول الرئيس السابق لهاليبرتون: «كانت كل الابواب تفتح في وجهه بينما قال رئيسها الحالي: «لو ذهبت الى مصر او الكويت او عمان وحدي فان الشخص الذي يمكنني لقاؤه هو وزير النفط. اما مع تشيني فقد كنا نذهب لرؤية السلطان في عمان والامير في الكويت دون ان تكتسي الزيارة طابع الرسمية اذ نذهب لتناول الشاي وتبادل اطراف الحديث..».
وكلما نمت علاقات ديك تشيني مع القادة العرب وغيرهم زادت معها ارباح الشركة (...)، ويبدو ان هذا الاخير قد نفخ روحا جديدة في هذه الشركة التكساسية الهرمة المعروفة بتعاطفها مع التيار المحافظ المتطرف والتي كانت لاتزال تفتقر الى الصيت الدولي، حسب تعبير المحلل النفطي فرد موتاليبوف، وهو ما حققه لها رئيسها الجديد وعزز حضورها في اسواق مختلف الحكومات.
وفي مطلع عام 2002 اعلنت شركة هاربيسون والكر للتأمين المتعاقدة مع هاليبرتون افلاسها فبدأت اوساط وول ستريت تتساءل عن مدى صمود العملاق النفطي في وجه هذه الازمة. ومنذ ذلك الحين، اثار خروج تشيني من هاليبرتون للمشاركة في الحملة الانتخابية لجورج بوش عام 2000 كثيرا من الجدل، اذ اعتبره منتقدوه وكثير من الاميركيين الذين هزتهم الازمة المالية، كفرصة سمحت لنائب الرئىس المقبل ببيع اسهمه وهو يعلم بما ينتظر اسعار اسهم الشركة من انهيار. وجنى تشيني من ذلك 30 مليون دولار، محتذيا حذو جورج دبليو بوش حين قام في نهاية الثمانينات ببيع اسهمه في شركة هاركن النفطية في ظروف مثيرة للجدل. وقد باع تشيني اسهمه بحوالي 52 دولارا للسهم الواحد وبعد عامين من ذلك انهار السعر الى 13 دولارا فقط.
علاقات تشيني بالخليج:
اقام تشيني خلال تسلمه مختلف المناصب علاقات صداقة شخصية متينة في كل بلدان الخليج، وخاصة في الدول الصغيرة العزيزة على قلبه والتي تستقبله بمودة كبيرة.
جاءت احداث 11 سبتمبر والحرب على الارهاب ليمثلا معا بالنسبة إلى الصقور الموالين لاسرائيل «فرصة حقيقية» لتنفيذ السياسات التي طالما دعوا اليها بدون ادنى تعديل. وليست الحرب في العراق سوى خطوة اولى في سياسة المحافظين الجدد في الشرق الاوسط التي تنبع من ارادتهم الصلبة في المساهمة في ضمان امن اسرائيل الاقليمي عبر اضعاف اعدائها بالتدريج مثل العراق وسوريا لمصلحة حلفاء مثل الاردن.
ولئن كانت اهداف تشيني تختلف تماما عن اهداف هؤلاء الا انها تندرج بدورها في اطار مشروع اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط الذي يجري تنفيذه اليوم. فاسرائىل لا تشغل بال نائب الرئىس الاميركي او على الاقل ليست بحماسة بيرل ووولفويتز وفيث وابرامز نفسها، بينما تستهويه فكرة توطن الشركات النفطية الاميركية بشكل دائم وحصري في بلد قد يتحول الى ثاني منتج نفطي في المنطقة.
وخلاصة القول ان ايا من الفريقين لا يتسم بالنزاهة، فالصقور يمثلون مصالح اولئك الذين يعتقدون ان اسرائىل لن يتحقق لها النصر الا بالقوة، وتشيني يمثل عمالقة النفط بالاضافة الى اليمين المتطرف الاميركي هو وزوجته. وابرز ما يطبع الفترة الراهنة التي تمثل انعطافة مهمة في تاريخ العالم، هو ذلك التواطؤ بين مدرستين فكريتين فرق بينهما كل شيء ووحدتهما اخيرا ساحة المعركة في العراق.
مهما يكن من امر النظرة السائدة الى النظام الاميركي فإن المسؤولين السياسيين في هذا البلد يخضعون لضغوط، لا وجود لها في اي بلد آخر، تفرض شفافية تامة في مجال الانشطة التجارية الخاصة للشخصيات البارزة في السلطة، اذ تتولى الصحافة والهيئات المعنية بالرقابة التنقيب في ادق تفاصيل حياتهم، وماضيهم ومختلف نشاطاتهم. ولاشك ان ثمة شيئا قد تغير اليوم، فإدارة بوش غيرت امورا كثيرة في الخارج، كما في واشنطن، في اسلوب ادارة الشؤون السياسية للبلاد. فظاهرة اللاعقاب التي يبدو انها تسود اليوم تخفي وراءها تغيرا عميقا حيث الولاء لقائد بعينه يكتسي اهمية متنامية تتراجع معها القيم والاخلاق الى المرتبة الثانية.
فبوش في حالة حرب، والحرب نادرا ما تكون نظيفة، والاولوية على ساحة المعركة ليست لحسن التصرف ولا للتهذيب ولا للمبادئ بل لما يدين به كل من يعملون في خدمتك من ولاء. فما يريده بوش هو معاونون مخلصون. وما عدا ذلك لا يهم كثيرا.
ويبدو ان جل افراد الفريق الحالي في البيت الابيض يعيشون في عالم مغلق وفوق النقد. وحماية بوش لفريقه من الانتقادات والعقاب لا يمنحهم القوة بل يضعفهم ويجردهم من المصداقية في نظر المجتمع الدولي. ومهما بلغت الخصومات بين اعضاء الادارة يتجنب كل مسؤول فيها كشف الاخر خشية ان يأتي عليه الدور في يوم من الايام ويمثل قانون الصمت هذا ابرز سمة في الفترة الحالية.
هاليبرتون
حين غادر تشيني البنتاغون في يناير 1993 بأمر من الرئيس بوش الأب، ذهب ليترأس الشركة النفطية العملاقة هاليبرتون. وهي شركة متعددة النشاطات وتملك تاريخا زاخرا بالاضطرابات والدسائس. ولفهم مسيرة تشيني لا بد من فهم ماهية هاليبرتون، لأن الامر لا يتعلق بشركة واحدة بل بشركات عدة تعمل في ميادين مختلفة بينها مد انابيب النفط، وبناء السجون العسكرية وتزويد القواعد الاميركية في افغانستان، على سبيل المثال لا الحصر، بالامدادات اللوجستية، وتتولى التفاوض، عبر فروعها، مع حكومات الدول التي تصفها ادارة بوش بالارهاب، وكذلك أبرز الدكتاتوريات في العالم.

هاليبرتون اذا هي افعوان ليس برأسين فقط بل بخمسة او عشرة رؤوس. وتلقي كثير من فروعها الضوء على البون الشاسع بين ما يقال في الخطابات الرسمية وما يجري على ارض الواقع في مجال الاعمال.
عُيِّن تشيني عام 1995 على رأس هاليبرتون التي يتصدر قائمة نشاطاتها التنقيب عن النفط ونقله. وكان العراق يمثل زبونا محتملا رغم الحظر المفروض عليه، غير ان تشيني كان حاسما في تصريحه لقناة ايي.بي.سي عام 2000 إذ قال: «انا اعتمد سياسة حازمة تجاه العراق تنص على عدم التعامل بتاتا مع هذا البلد، ولو عبر ترتيبات قد تبدو قانونية». وفي عام 1998، كان تشيني رئيسا للشركة حين عمدت الى شراء شركة Dresser Industries التي كانت قد شرعت في بيع معدات نفطية لبغداد عبر شبكة معقدة من الفروع الى جانب شركة Inger soll-Rand co لكنه رغم «حزمه» لم يمنع هذه التجارة. وهكذا باعت Dresser Industries و Inger soll-Rand، بصفتهما فرعين لهاليبرتون مضخات معالجة، وقطع غيار خاصة بمعدات نفطية، وتجهيزات انابيب نفطية للعراق عبر أفرع فرنسية بين عامي 1997 و2000 ويجدر التذكير هنا بأن فرنسا اتهمت من قبل الاميركيين بالوقوف ضد حرب الديموقراطية التي دعا اليها تشيني فقط من اجل مصالحها في العراق. ولعل قمة الوقاحة تتمثل في محاولة Inger soll Dresser Pump توقيع عقد (اوقفته الادارة الاميركية آنذاك) لاصلاح منصة نفطية دمرتها القوات الاميركية خلال حرب الخليج الأولى بقيادة ديك تشيني نفسه الذي كان انذاك وزيرا للدفاع.
انتهى
صقر قريش
www.bramjnet.com/vb3
التعديل الأخير تم بواسطة لخضر من العاصمة ; 15-02-2008 الساعة 05:10 PM
موضوع مغلق
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 12:29 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى