أخبار تأبط شرًا مع الجن وطرائفه
30-06-2008, 03:23 PM
حكاياته مع الجن:

- قبل أن نحكم على حكايات تأبط شرًّا مع الجن علينا أن نقول أننا نؤمن إيماناً لاشك فيه بوجود الجن وأكبر دليل على ذلك ورود سورة كاملة باسمهم في القرآن الكريم.
كما أن لدينا ظن بالفعل بوجود علاقة احتكاك قد تحصل بين بعض الجن والإنس وخبر لقائهم مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-بوادي نخلة مشهور ومعروف وهو سبب نزول سورة الجن.
وأيضاً هناك احتمال كبير لاحتكاك الجن مع الشعراء أكثر من غيرهم من عوام الناس وذلك بسبب توفر عدد من الظروف التي تجعلهم أكثر قرباً للقاء بهم فالشعراء يفضلون الوحدة وكذلك الليل والأماكن النائية البعيدة عن سكنى الناس. واجتماع هذه الظروف الثلاثة مشهور لدى الناس أنه يجعل احتمالية لقاء الجن أكبر. فإذا أضفنا لذلك أن تأبط شرًّأ كان كافراً لايذكر الله وفوق كفره كان لايعترف بأخلاق كثيرة وعند ذلك فلن نعجب من ورود أخبار له مع الجن لكن هل في هذه الأخبار مايمكن تصديقه ؟ سوف نرى ذلك واحكموا بأنفسكم...
أيضاً فما كان لتأبط شرًّا من صفات قوية وبكثرة غريبة كان يجعل عدداً من معاصريه يظنون أن له علاقة مع الجن فقد اشتهر بالشعر في قبيلة فهم وهي التي لم يشتهر فيها شاعرٌ واحد غيره، أضف لذلك ماكان له من حدة البصر وقوة السمع وسعة الحيلة وشدة الاهتداء والاستدلال على الطرق ليلاً ونهاراً...ألا ترون أن شيطاناً مثل هذا يمكن أن يكون له علاقة مع الجن؟!

قصة حمله للغول:
- أولاً لمن لايعرف فالغول هي نوع من الجن يلوح لنا من كلام الشعراء العرب أنها الأنثى من الجن لأن الخطاب عنها يأتي في الشعر بصيغة التأنيث.
وقد ورد في أخبار تأبط شرًّا في سبب تلقيبه بهذا اللقب:
أن أمه طلبت منه أن يجلب لها شيئاً يسرها به فخرج من دياره يفكر فإذا به يجد كبشاً لايعلم مالكاً له، فالتقطه من فوره وحمله تحت إبطه وذهب به لأمه فلما أحس أنه ثقل عليه أراد أن يضعه فوجد أنه قد تحول إلى غول فقيل" تأبط شرًّا"...
وهنا انتهت القصة لكن لو سمحنا لأنفسنا ببعض الشقاوة ووضعنا نقطة تفتيش وقلنا: مع مانعلمه من كون تأبط شرًّا نحيل الجسم فهل كان يمكن له وهو صغير السن أن يحمل "كبشاً" تحت إبطه وليس على ظهره أو على كتفيه؟! علينا أن لا ننسى أنهم يتحدثون عن كبش وليس عن حمل أو نعجة صغيرة أو جدي أو حتى عنز... وهنا أترك لكم المجال لتحكمون.

قصة استضافته للجن:
- ذكروا في قصص تأبط شرًّا كان يوماً على سفر فأشعل ناره ليلاً فإذا به يفاجأ بضيوف فرحب بهم وبعد أن استقبلهم أحسن استقبال سألهم : من أنتم ؟ فقالوا : نحن الجن فمكث معهم في حديث وضيافة إلى أن انتهى الليل. وقال في ذلك:
وَنَارٍ قَـدْ حَضَـأْتُ بُعَيْـدَ وَهْـنٍ
بِـدارٍ مَـا أُرِيـدُ بِهَـا مُقَـامَـا
سِـوى تَحْلِيـلِ رَاحِلَـةٍ وَعَـيْـرٍ
أُكالِـئُـهُ مَخَـافَـةَ أَنْ يَنَـامَـا



أتوا ناري فقلت منون أنتم
فقالوا الجن قلت عموا ظلاما

طيب ياتأبط شرًّأ هذه القصة ممكن نجعلها تتجاوز من نقطة التفتيش ونقول احتمالية صدقها واردة لأنني شخصياً ذكر لي صديق أنه عندما أصابه المس الجني كان يتحدث مع الجني الذي تلبسه وكان يغششه في الاختبارات...تخيلوا؟! يمكن يكون بعضكم سمع من صديق أوقريب مثل هذا،فإذا كنتم سمعتم أو عايشتم -بسم الله الرحمن الرحيم- بعض هؤلاء فلا تبخلون وقولوا لنا لأنني حاسس إن بعض القراء بدأ يضع لي أنا نقط تفتيش بدل تأبط شرًّا...
المهم نتوقف بعد نقطة التفتيش ونتسآل : متى أصبح تأبط شرًّأ يتحدث عن الجن؟!
يظهر لنا من قراءتنا لشعره أنه أصبح يتحدث عن الجن بعدما كبر في السن وهذا ماصرح به في إحدى قصائده عن الغول وهو يرد على زوجته التي بدأت تحدث الناس أن تأبط شرًّا كبر في السن وضعفت قدراته ... وهنا يتضح لنا سبب حديثه عن الجن -وخذوه عندكم على انه اكتشاف- فتأبط شرًّا بكل سهولة كبر في السن وضعف تقدير الناس لقدراته وخوفهم من سطوته فتذكر الماضي الجميل ومر بذكره أن هؤلاء الجهلة كانوا يظنون أنه على علاقة مع الجن فأراد أن يعيد ذلك لذاكرتهم بقوة حتى يعود بعض الاحترام والخوف منه.


صراعه مع الغول:

-وهذه أكثر القصص شهرة في كلام تأبط شرًّا عن الجن فقد ذكرها في قصيدتين من قصائده وذكرت في كثير من كتب المنوعات الأدبية بل وبنى عليها بعض المؤلفين والوضاعين قصصاً تشبهها ولكن مع بعض التحسينات والإبداعات ونسبوها لأشخاص آخرين ؛وللأمانة فأول ورود للحديث عن الغول في الأدب العربي كان في شعر تأبط شرًّا ومنه أخذ الشاعر المشهور امرؤ القيس الكلام عنها وهذا مايزيد من إعجابنا بهذا الشاعر الذي كون مع الثالوث الرهيب زهير وامرؤ القيس والنابغة المربع الذي احتضن الشعر العربي وجعل له القالب الجميل الذي أحبه الناس فيه ولكن للأسف فكون تأبط شرًّا صعلوك كريه السيرة جعل بعض النقاد الأدبيين ينزلون به عن قدره الذي يستحقه باستثناء المفضل الضبي الذي جعل إحدى روائع تأبط شرًّا افتتاحية مختاراته الشهيرة والرائعة من شعر الجاهليين والاسلاميين.

- وملخص قصة تأبط شرًّا مع الغول أنه لقيها في إحدى غزواته عند مكان بعيد عن دياره اسمه "رحى بطان" وتحرشت به، فتصارع معها وضربها بسيفه ضربة ولكنها لم تمت فعاد ليضربها مرة أخرى بل ويتكئ بسيفه عليها حتى تأكد من موتها ثم ظل كذلك إلى أن طلع الصبح ولكن يبدو أن الخيال كان ضعيفاً عند شاعرنا لم يكن واسعاً فوصفها بصفات بسيطة فرأسها قبيح كرأس الهر ولسانها مشقوق وساقاها مثل ساقي الخديج ناقص الخلق وجلدة رأسها مثل جلدة الكلب وثوبها كعباءة من صوف قديم... على العموم نعذر تأبط شرًّا في عدم سعة خياله لأنه لم يعش في زمننا هذا زمن أفلام الرعب فطفل صغير اليوم يستطيع أن يصور للغول صورة أرهب من هذه التي يقولها تأبط شرُّا...المهم إليكم أشهر قصيدتي تأبط شرًّا عن الغول ولنا حوار طويل مع تأبط شرًّا بعدها:

أَلاَ مَـنْ مُبْلِـغٌ فِـتْـيَـانَ فَهْـمٍ
بِمَا لاَقَيْـتُ عِنْـدَ رَحَـى بِطَـانِ
بِأَنِّي قَـدْ لَقِيـتُ الغُـولَ تَهْـوِي
بِشُهْبٍ كَالصَّحِيفَـةِ صَحْصَحَـانِ
فَقُلْتُ لَهَـا : كِلاَنـا نِضْـوُ أَيْـنٍ
أَخُو سَفَـرٍ فَخَلِّـي لِـي مَكَانِـي
فَشَـدَّتْ شَـدَّةً نَحْـوِي فَأَهْـوَى
لَهَـا كَفِّـي بِمَصْقُـولٍ يَمَـانِـي
فَأَضْرِبُهَـا بِـلاَ دَهَـشٍ فَخَـرَّتْ
صَـرِيعـاً لِلْيَـدَيْـن وَلِلْـجِـرَانِ
فَقَالَتْ عُـدْ فَقُلْـتُ لَهَـا رُوَيْـداً
مَكَـانَـكِ إنَّنِـي ثَبْـتُ الْجَنَـانِ
فَـلَـمْ أَنْـفَـكَّ مُتَّكِـئاً عَلَيْـهَا
لأنْظُـرَ مُصْبِحـاً مَـاذَا أَتَـانِـي
إِذَا عَـيْـنَـانِ فِـي رَأْسٍ قَبِيـحٍ
كَـرَأْسِ الْهِـرِّ مَشْقُـوقِ اللِّسَـانِ
وَسَاقَـا مُخْـدَجٍ وَشَـوَاةُ كَلْـبٍ
وَثَـوْبٌ مِـنْ عَبَـاءٍ أَوْ شِـنَـانِ

- وهنا أقول : اسمح لي يا تأبط شرًّا ! ليس لأننا سمحنا لك بتجاوز نقطة التفتيش المرة السابقة من غير محاسبة تأتي اليوم بأشياء ملغمة وتضعها أمامنا بكل جرأة ! تعال هنا أليس للغول قدرة على التخفي عندما تصارعك؟! أليس لديها قوة أكبر منك؟! أنا يمكن أن أصدق أن ينتصر عليها شخص مسلم بذكر الله الذي يخضعها له. أمَّا كافر مثلك فاسمح لي لا أصدق أنه يقدر أن ينتصر عليها... وأنتم يامن تقولون لي خفف من غلوائك وهجومك على تأبط شرًّا أقول لكم تعالوا ياسادة وشاهدوا ماذا قال شاعرنا عنها في قصيدته الثانية! وكيف اختلف كلامه بصورة لاتدع لنا مجالاً للشك في كذبه ففي حين ذكر أنها هي من تحرشت به في المرة الأولى فهو يقول في القصيدة الثانية أنه هو من تحرش بها بل وغازلها وطلب منها ياناس أن تمارس الرذيلة معه لما رأى شكلها أعجبه وحين ذاك أرته صورتها الحقيقية الرهيبة ... ياتأبط شرًّا إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً! فالإنسان -الذي يريد أن يكذب -عليه أن يتذكر كذبته كل مرة لكي يستطيع أن يعيدها دون اختلاف... وخذوا الآن القصيدة الثانية عن الغول التي يتحدث فيها مع زوجته التي بدأت تذكر للناس أن ثابتاً الذي هو تأبط شرًّا كبر في السن وضَعُف فيرد عليها ويفتخر أمامها بقوة يديه وسرعة جريه وقوة استدلاله للطرق ولو كان الوقت ليلاً، ثم يقول وياللغرابة! أنه وجدها في الصبح وضعت رحالها إلى جواره ويبدو أنها كانت في صورة فتاة جمية فغازلها الأخ وطلب منها ممارسة الرذيلة معه فانقلبت إلى صورتها الغولية فاستعد لقتالها، فاستعدت هي للهرب وولت، فلحقها وضربها بسيفه على رأسها ثم بدأ يصفها بأنها مثل عظاءة صحراوية وعليها ثوبان من طلح ولاحظوا اختلافه حتى في الوصف...وهنا كأن بعض فتيان فهم الأذكياء ما تقبلوا هذه الكذبة الكبيرة ولم يستطيعوا هضمها ، فقال لهم عن مكانها الذي قتلها فيه وهوالِّلوى -أي الكثبان الصحراوية- يعني ابحثوا يافتيان فهم عنها في كثبان الجزيرة العربية وأعطوني خبر إن وجدتوها !
وفي القصيدة الأخرى يقول :

تَقُـولُ سُلَـيْـمَـى لِجَـارَاتِهَـا
أَرَى ثَـابِـتـاً يَفَنـاً حَـوْقَـلاَ
لَهَـا الْوَيْـلُ مَـا وَجَـدَتْ ثَابِتـاً
أَلَـفَّ الـيَـدَيـنِ وَلاَ زُمَّــلاَ
وَلاَ رَعِشَ السَّـاقِ عِنْـدَ الجِـرَاء
إذَا بَادَرَ الـحَـمْـلَـةَ الْهَيْضَـلاَ
يَفُـوتُ الـجِـيَـادَ بِتَقِـرِيبِـهِ
وَيَكْسُـو هَـوادِيَهَـا الْقَسْـطَـلاَ
وَأَدْهَـمَ قَـدْ جُبْـتُ جِلْبَـابَـهُ
كَمَا اجْتَابَـتِ الْكَاعِـبُ الْخَيْعَـلاَ
إلـى أَنْ حَـدَا الصُّـبْـحُ أَثْنَـاءَهُ
وَمَـزَّقَ جِـلْـبَـابَـهُ الأَلْـيَـلاَ
عَلَـى شَـيْـمِ نَـارٍ تَنَـوَّرْتُهَـا
فَبِـتُّ لَهَـا مُـدْبِـراً مُقْـبِـلاَ
فَأصْبَحْـتُ وَالْغُـولُ لِـي جَـارَةٌ
فَيَـا جَارَتَـا أَنْـتِ مَـا أَهْـوَلاَ
وَطَالَبْـتُـهَـا بُضْعَهَـا فَالْتَـوَتْ
بِـوَجْـهٍ تَهَـوَّلَ فَاسْـتَـغْـوَلاَ
فَقُلْتُ لَهَا يَا انْظُـرِي كَـيْ تَـرَيْ
فَـوَلَّـتْ فَكُنْـتُ لَهَـا أَغْـولاَ
فَطَـارَ بِقَحْـفِ ابْنَـةِ الْجِـنِّ ذُو
سَفَاسِـقَ قَـدْ أَخْلَـقَ الْمِحْمـلاَ
إِذَا كَـلَّ أَمْهَـيْـتُـهُ بِالصَّـفَـا
فَـحَـدَّ وَلَـمْ أَرِهِ صَـيْـقَـلاَ
غَـظَـاءَةُ قَفْـرٍ لَهَـا حُلَّـتَـانِ
مِـنْ وَرَقِ الطَّلْـحِ لَـمْ تُـغْـزلاَ
فَمَنْ سَـالَ أَيْـنَ ثَـوَتْ جَارَتِـي
فَـإِنَّ لَهَـا بِالـلِّـوَى مَـنْـزِلاَ
وَكُنْتُ إذَا مَا هَمَمْـتُ اعْتَزَمْـتُ
وَأَحْـرِ إِذَا قُـلْـتُ أَنْ أَفْـعَـلاَ




هل رثت الجن تأبط شرًّا؟
- اعتاد الناس على نسبة القصائد التي تأتي في نهاية حياة بعض المشاهير الذين لم يعرف عنهم الشعر إلى الجن ومن ذلك قصيدة ابن زريق البغدادي الذي لم يعرف الناس عنه شيئاً إلا عندما وجدوا هذه القصيدة مكتوبة عند رأسه وهو ميت مهاجرًا بعيدًا عن أهله فقالوا لعل القصيدة قالتها الجن ووضعتها إلى جانب رأسه . كذلك ماحصل لمالك بن الريب عندما رثى نفسه بتلك القصيدة البالغة الروعة وهو الذي لم يُعرف عنه قول الشعر.
أما ماحدث من نسبة الناس لقصيدة" إن بالشعب الذي دون سلعِ" للجن فهو أمر غريب للوهلة الأولى لأن القصيدة لم تنسب إلا لشخص معروف بالشعر وهو الشنفرى فقالوا أن الشنفرى قالها في رثاء تأبط شرًّا...لكن الغرابة تنقلب إلى العكس عندما تعرف أن الشنفرى وكما هو ثابت في التاريخ الأدبي مات قبل تأبط شرًّا ولتأبط شرًّا قصيدة في رثاء الشنفرى. فكيف نقبل بنسبة القصيدة للشنفرى...وهنا تدخل بعض الأدباء وقالوا إن القصيدة لابن أخت تأبط شرًّا. من هو ابن الأخت الذي قال هذه القصيدة البديعة ؟! لايعلمون...كيف يخفى مثله؟! لا نعلم...هنا عند هذا التناقض أتى الأدباء برأي غريب وقالوا أن الراوية المشهور الذي روى هذه القصيدة هو من نظمها ونسبها للشنفرى. لكن الذي لايعلمه هؤلاء أن الذي يتهمونه بوضع القصيدة وهو"خلف الأحمر" كان لديه من العلم مايجعله يعلم أن الشنفرى مات قبل تأبط شرًّا ، فكيف يتوقعون أنه يجهل للحد الذي ينسب فيها القصيدة للشنفرى في رثاء تأبط شرًّا...وهنا يأتي رأي رابع فيقول أن القائل هو تأبط شرًّا قالها في رثاء الشنفرى ولكن كثير من الأدباء ينفي ذلك ! إذن من الذي قال هذه القصيدة البديعة ؟!
يأتي رأي خامس يرى أن القصيدة إنًّما قالتها الجن ترثي بها تأبًّط شرًّا . وصراحة لو صح أن الجن تقول القصائد فربما لا نستبعد ذلك فمن تأتي الجن في ضيافته لا غرابة أن ترثيه، لكنني صراحة أنتقد أن ننسب كل شيء لا نعرف قائله للجن...على العموم دعونا نصدق لوهلة أن الجن قالت هذه القصيدة ولتقرأ لأول مرة في حياتك أول قصيدة قالتها الجن:
إنَّ بِالْشِّعْـبِ الَّـذِي دُونَ سَلْـعٍ
لَـقَـتِـيـلاً دَمُـهُ مَـا يُطَـلُّ
خَـلَّـفَ الْعِـبْءَ عَلَـيَّ وَولَّـى
أَنَـا بِالْعِـبْءِ لَـهُ مُسْـتَـقِـلُّ
وَوَرَاءَ الثَّـأْرِ مِنِّـي ابْـنُ أُخْـتٍ
مَصِـعٌ عُقْـدَتُـهُ مَـا تُـحَـلُّ
مُطْـرِقٌ يَـرْشَـحُ سَمًّـا كَمَـا
أَطْرَقَ أَفْعَى يَنْفِـثُ السَّـمَّ صِـلُّ
خَبَـرٌ مَـا نَابَنَـا مُصْـمَـئِـلٌّ
جَـلَّ حَتَّـى دَقَّ فِـيـهِ الأَجَـلُّ
بَزَّنِـي الدَّهْـرُ وَكَـانَ غَشُومـاً
بِـأَبِـيٍّ جَــارُهُ مَـا يُــذَلُّ
شَامِـسٌ فِي الْقُـرِّ حَتَّـى إِذَا مَـا
ذَكَـتِ الشِّعْـرَى فَبَـرْدٌ وَظِـلُّ
يَابِسُ الْجَنْبَيْـنِ مِـنْ غَيْـرِ بُـؤْسٍ
وَنَـدِي الْكَفَّيْـنِ شَـهْـمٌ مُـدِلُّ
ظَاعِـنٌ بِالْحَـزْمُ حَتَّـى إِذَا مَـا
حَـلَّ حَـلَّ الْحَـزْمُ حَيْثُ يَحـلُّ
غَيْثُ مُزْنٍ غَامِـرٌ حَيْـثُ يُجْـدِي
وَإِذَا يَـسْـطُـو فَلَـيْـثٌ أَبَـلُّ
مُسْبِلٌ فِي الْحَـيِّ أَحْـوَى رِفَـلٌّ
وَإِذَا يَـغْـزُو فَـسِـمْــعٌ أَزلُّ
وَلَـهُ طَـعْـمَـانِ أَرْيٌ وَشَـرْيٌ
وَكـلا الطَّعْمَيْـنِ قَـدْ ذَاقَ كُـلُّ
يَـرْكَـبُ الـهَـوْلَ وَحِيـداً وَلاَ
يَصْحَبُـهُ إلاَّ الْيَـمَـانِـي الأفَـلُّ
وَفـتُـوٍّ هَـجَّـرُوا ثُـمَّ أَسْـرَوْا
لَيْلَهُمْ حَتَّـى إِذَا انْجَـابَ حُلُّـوا
كُلُّ مَـاضٍ قَـدْ تَـرَدَّى بِمَـاضٍ
كَسَنَـا البَـرْقِ إِذَا مَـا يُـسَـلُّ
فَادَّرَكْنَـا الـثَّـأرَ مِنْهُـمْ وَلَمَّـا
يَـنْـجُ مِلْحَـيَّـيْـنِ إلاَّ الأقَـلُّ
فَاحْتَـسَـوْا أَنْفَـاسَ نَـوْمٍ فَلَمَّـا
هَـوَّمُـوا رُعْتَهُـمُ فَاشْمَعَـلُّـوا
فَلَئِـنْ فَلَّـتْ هُـذَيْـلٌ شَـبـاهٌ
لَبِمَـا كَـانَ هُـذَيْـلاً يَـفُـلُّ
وَبِمَـا أَبْـرَكَـهَا فِـي مُـنَـاخٍ
جَعْـجَـعٍ يَنْقَـبُ فِيـهِ الأَظَـلُّ
وَبِـمَـا صَبَّحَـهَا فِـي ذَرَاهَـا
مِنْـهُ بَعْـدَ الْقَتْـلِ نَهْـبٌ وَشَـلُّ
صَلِيـتْ مِنِّـي هُـذَيْـلٌ بِخِـرْقٍ
لاَ يَـمـلُّ الشَّـرَّ حَتَّـى يَمَلُّـوا
يُنْهِـلُ الصَّـعْـدَةَ حَتَّـى إِذَا مَـا
نَهِلَـتْ كَـانَ لَهَـا مِنْـهُ عَـلُّ
حَلَّتِ الْخَمْـرُ وَكَانَـتْ حَرَامـاً
وَبِـلأْيٍ مَـا أَلَـمَّـتْ تَـحِـلُّ
فَاسْقِنِيهَا يَـا سَـوادَ بـنِ عَمْـروٍ
إِنَّ جِسمِـي بَعْـدَ خَالِـي لَخَـلُّ
تَضْحَـكُ الضَّبْـعُ لِقَتْلَـي هُذَيْـلٍ
وَتَـرَى الـذِّئْـبَ لَهَـا يَسْتَهِـلُّ
وَعِتَـاقُ الطَّيْـرِ تَغْـدُو بِطـانـاً
تَتَخَطَّـاهُـمْ فَمَـا تَسْـتَـقِـلُّ



يأتي في القصيدة أيضاً بعض الغرائب التي تجعلنا ننفي نسبة القصيدة لتأبط شرًّا فقائل القصيدة يقول أنه سينتقم من هذيل ، وهذيل لم يقتلوا الشنفرى . وبالطبع نحن ننفي أيضاً أن يكون قالها الشنفرى في تأبط شراً.أما الراوية المسكين الذي نسبوا له القصيدة فالغريب ونحن نعلم بمعرفته للشعر كيف لم يعترف بنسبة هذه القصيدة الرائعة له ويدخل بها في سلك الشعراء الذي كان ذو مقام أعلى من مقام الرواة ,انا هنا أتحدى أن تكون القصيدة له!
إذن خذوا علم هذه القصيدة قالتها الجن...وضعوا لي ماشئتم من نقط التفتيش الموت واحد والرب واحد.


طرائف أخباره:

-حقوق الطبع محفوظة:
ومن حديثه أن رجلاً من العرب اسمه أبو وهب قيل أنه كان أحمق جباناً فاستهزأ به بعض قومه وقالوا لو لقيت أحد شجعان العرب فتسميت باسمه لأصبحت شجاعاً,فلقي أبو وهب تأبط شراً وكان على أبي وهب حُلّة جيده , فقال أبو وهب لتأبط شراً , بما تغلب الرجال ياثابت , وأنت كما أرى دميم ضئيل ؟ قال : باسمي , إنما أقول ساعة ألقى الرجل : أنا تأبط شراً , فينخلع قلبه حتى أنال منه ما أردت , فقال له الثقفي : أقط , أي بهذا فقط , فقال ثابت : أقط , قال : فهل لك أن تبيعني اسمك باسمي؟ قال : نعم بهذه الحله وبكنيتك , قال له : أفعل , ففعل , وقال تأبط شراً في ذلك يخاطب زوجة الثقفي :

أَلا هَل أَتَى الحَسنَـاءَ أَنَّ حَليلَـهَا
تَأَبَّطَ شَرّاً وَاِكتَنَيـتُ أَبَـا وَهـبِ
فَهَبهُ تَسَمَّى اِسمِي وَسَمَّانِيَ اِسـمَهُ
فَأَينَ لَهُ صَبرِي عَلَى مُعظَمِ الخَطبِ
وَأَينَ لَهُ بَأسٌ كَبَأسِـي وَسَورَتِـي
وَأَينَ لَهُ فِي كُـلِّ فَادِحَـةٍ قَلبِـي




-النساء يغلبن تأبط شرًّا وصعاليكه:
كان من شأن تأبط شرًّا أنه خرج من أهله بغارة من قومه يريدون بني صاهلة بن كاهل من هذيل وذلك في عقب شهر حرام حتى هبط صدر أدم وخفض عن جماعة بني صاهلة فاستقبل التلاعة فوجد بها دارا من بني نفاثة بن عدي ليس فيها إلا النساء غير رجل واحد فبصر الرجل بتأبط وخشيه وذلك في الضحى فقام الرجل إلى النساء فأمرهن فجعلن رؤوسهن جمماً وجعلن دروعهن أردية وأخذن من بيوتهن عمداً كهيئة السيوف فجعلن لها حمائل ثم تأبطنها ثم نهض ونهضن معه يغريهن كما يغري الرجال وأمرهن أن لا يبرزن خداً وجعل هو يبرز للقوم ليروه وطفق يغري ويصيح على القوم حتى أفزع تأبط شراً وأصحابه وهو على ذلك يغري في بقية ليلة أوليلتين من الشهر الحرام فنهضوا في شعب يقال له شعب وشل وتأبط ينهض في الشعب مع أصحابه ثم يقف في آخرهم ثم يقول يا قوم لكأنما يطردكم النساء فيصيح عليه أصحابه فيقولون انج أدركك القوم وتأبى نفسه فلم يزل به أصحابه حتى مضى معهم فأخبره أحد معارفه فيما بعد بالخبر وأنه إنما هرب من النساء فهانت عليه نفسه وكان ذلك من أسوأ ماقابله في حياته لأنه هان بعدها على الناس وانكسرت أسطورة البطل الذي لايقهر والداهية الذي لايغلب. وقال في ذلك:
أبعد النفاثيـين أزجـر طائـراً
وآسى على شيءٍ إذا هو أدبرا
أنهنه رجلي عنهـم وإخالـهـم

من الذُّلِّ يعـراً بالتلاعة أعـفرا