تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > منتدى الأدب > منتدى القصة القصيرة

> وجـــــــــــــــــــــــــــــــه

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
أبو المجد مصطفى
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 28-03-2016
  • المشاركات : 191
  • معدل تقييم المستوى :

    9

  • أبو المجد مصطفى is on a distinguished road
أبو المجد مصطفى
عضو فعال
وجـــــــــــــــــــــــــــــــه
02-04-2017, 06:16 PM
وجــــــــــــــــــــــــــــ ـــــه



وجه توشك فيه التجاعيد أن تصرخ من ثنايا هذه البشرة السمراء لتروي له يوميات كتبت بغبار الزمن..
محراث السنين و حده كفيل أن يختط في إصرار و أناة تلك الخطوط الغائرة ،التي تذكر الإنسان بساعة النهاية القادمة يوما ما . .
انه وجه العم مسعود الذي كافح رياح التاريخ و تعاقب الأحداث و الوقائع .
الأخاديد تكاد تنفذ إلى عظام الجمجمة المترعة بهواء الريف النقي و بشمسه الدافئة...
جمجمة تحبس بين أعظمها الرقيقة بحرا من التجارب الطويلة و الحكايا اللذيذة و نزق الطفولة الأول و صفحات خالدة من قصة الحياة...
عم مسعود سوف يسلخ عقده الثامن قريبا.
يتبرم من هذه الحقيقة المؤكدة التي تذكره بها زوجه أم أحمد إذا ما دب الخلاف بينهما .
( يا شيخ سوف تطل على الثمانين قريبا و أنت لا تزال تعبث مثل عبث الصبية )..
تلك الحقيقة توغل في إيلامه كلما تذكرها..
و تلتف تلك التجاعيد حول حلقتين غائرتين وسط جبينه العريض...عينان متوثبتان أبدا مثل أعين الطيور الكاسرة.
لقد شهدت تلكم العينان أياما زاهرة و مواقف باهرة من حياته الحافلة بالأحداث..
و يتذكر أنهما كانتا أيضا مصرع كثير من الصبايا أيام الشباب. لقد كانتا رمز وسامته و أناقته و بهاءه..
و لكنهما في الوقت نفسه ذرفتا الدموع الغزيرة مرة و مرة ..حارة أحيانا و باردة أحيانا أخرى.
لقد كان عم مسعود يحفظ عن ظهر قلب مقولة والدته:
( الأحزان دموعها حارة و الأفراح دموعها باردة)....
أهداب طويلة (أو بقايا أهداب)..بيضاء ناصعة مثل حبات البرد. إنها تحيط هذين الحلقتين في أدب و طاعة .
كانت الأهداب أجنادا بحق..تتوشح السلاح و الحراب للذود عن هاتين البحيرتين الوسيعتين ، تضمن سلامتهما من المياه الغريبة أو الحشرات التي تسعى جاهدة لتلويثهما و تكدير صفوهما...
و تستمر الأخاديد في رحلتها غير المباركة طبعا. تحاصر بضراوة أنفا ضخما و شامخا، معقوف المقدمة قليلا ليتحدى في كبرياء الأمواج المتلاطمة التي تسعى للإطاحة به في أقرب مستنقع . يبددها في يسر حينا و في عنف أحيانا.
أنف لم يعرف يوما الانحناء أمام العواصف العاتية ..أو الإحجام دون النوائب و الأرزاء.
أنف جبار لا يحفل للتملق أو الانبطاح أو المسكنة أو الاستسلام...
نمتطي مجددا قطار التجاعيد لغزو هذه الدائرة التي تقبع أسفل الأنف في خجل.
طبعا ليس غزوا مسلحا بالبوارج و الدبابات لأن العم مسعود لا يمكن اجتياحه بقوة السلاح و العسكر و هو الرجل الذي دوخ فرنسا الاستعمارية و أذاقها ألوانا من الألم و المذلة و الخطوب..
انه الفارس المغوار الذي نعتته الصحف الاستعمارية يوما و بلا محاملة :
– مسعود ثعلب الجبال –
ثغر مبتسم أبدا حتى في أحلك الظروف و أقساها فتكا و مرارة...
الشيخ يعلم جيدا أن الابتسام كفيل أن يفتح كل الأسوار التي تطبق على القلوب و كفيل أيضا أن يذيب كل الجليد المترسب بإصرار في العقول المتحجرة...
ثغر لا يجيد لغة المنافقين و لا يتقن لهجة الالتواء و لا يزور عن قول الحقيقة مهما كانت ثقيلة على الأسماع.. .
ليس بعيدا عن الثغر الجميل تندثر الأخاديد فجأة و تفسح المجال أمام هذا الكساء الرباني الأبيض الذي يبث الوقار في سحنة الشيخ..
لحية مهذبة و مكتنزة تنم عن أناقة العم مسعود و أبهته رغم عجلة الشيخوخة التي تطوي العمر في ضراوة.
تلك اللحية البيضاء هي سر الوقار الذي يملكه الشيخ...
- ضع رأسك برفق على المخدة يا عماه –
هتف صوت أنثوي عميق و دافئ و عطوف . كان صوت الطبيبة و هي تمسك رأس الشيخ في رفق و أناة ..
. شكرا يا بنيتي..صدقيني إنني متوتر كثيرا - هتف الشيخ أخيرا بصوت متهدج

- لا داعي للتوتر. لا تخش شيئا ،ما زال الشباب ينبض في عروقك - أجابته في ابتسامة آسرة.
قلبت المرأة عينيه بمصباح يدوي دقيق...فحصت أسنانه وألقت ببصرها الثاقب في أذنيه الكبيرتين.
بحركات مدروسة راحت تقيس ضغطه..نقرت أضلاعه بأناملها اللطيفة.
وجست صدره و ظهره ثم راقبت أصابع قدميه.
(طن..طن..طن) انتفضت الساعة الحائطية ...أعلنت تمام العاشرة. و نطق الشيخ الممدد فوق السرير في محاولة لكسر الصمت المطبق على الحجرة:
- كانت الساعة العاشرة تصادفني دوما في الحقل رفقة زوجتي أم أحمد –
سكت قليلا و أردف.
- كنا نرتشف الشاي في هذا الموعد - ...ابتسم و أغمض عينيه.
فرغت الطبيبة من الفحص...و ابتسمت راضية عن النتيجة.
- أنت بصحة يحسدك عليها الفتيان يا عماه..فقط هي نزلة البرد و الدواء كفيل بردعها في أيام فلا داعي للقلق –
أخذت تملأ الوصفة الطبية و الشيخ يرنو في أبوة صادقة إلى هذا الوجه الملائكي الذي يحمل الشفاء إلى الأجساد العليلة.
- هل معك و صفة لآخر فحص يا عماه – هتفت الطبيبة و هي تدون النتائج على جهاز الحاسوب.
أفرج الشيخ عن ابتسامة كأنها نبتت للتو من قلبه الطيب... وقال بعد لأي:
- ليست لدي وصفات يا سيدتي -
ردت الطبيبة في ذهول واضح :
- أقرانك من الشيوخ يصطحبون معهم حزمة من الوصفات و الأشعة لتسهل على الطبيب مهمة الفحص. على أية حال لا تكترث للأمر يا شيخ –
قال عم مسعود مودعا الطبيبة و هو يستلم الوصفة من يدها:
- ببساطة هذه أول مرة في حياتي أزور فيها عيادة الطبيب –
  • ملف العضو
  • معلومات
السعيد محرش
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 21-07-2015
  • المشاركات : 94
  • معدل تقييم المستوى :

    9

  • السعيد محرش is on a distinguished road
السعيد محرش
عضو نشيط
رد: وجـــــــــــــــــــــــــــــــه
03-04-2017, 09:28 AM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو المجد مصطفى مشاهدة المشاركة
وجــــــــــــــــــــــــــــ ـــــه



وجه توشك فيه التجاعيد أن تصرخ من ثنايا هذه البشرة السمراء لتروي له يوميات كتبت بغبار الزمن..
محراث السنين و حده كفيل أن يختط في إصرار و أناة تلك الخطوط الغائرة ،التي تذكر الإنسان بساعة النهاية القادمة يوما ما . .
انه وجه العم مسعود الذي كافح رياح التاريخ و تعاقب الأحداث و الوقائع .
الأخاديد تكاد تنفذ إلى عظام الجمجمة المترعة بهواء الريف النقي و بشمسه الدافئة...
جمجمة تحبس بين أعظمها الرقيقة بحرا من التجارب الطويلة و الحكايا اللذيذة و نزق الطفولة الأول و صفحات خالدة من قصة الحياة...
عم مسعود سوف يسلخ عقده الثامن قريبا.
يتبرم من هذه الحقيقة المؤكدة التي تذكره بها زوجه أم أحمد إذا ما دب الخلاف بينهما .
( يا شيخ سوف تطل على الثمانين قريبا و أنت لا تزال تعبث مثل عبث الصبية )..
تلك الحقيقة توغل في إيلامه كلما تذكرها..
و تلتف تلك التجاعيد حول حلقتين غائرتين وسط جبينه العريض...عينان متوثبتان أبدا مثل أعين الطيور الكاسرة.
لقد شهدت تلكم العينان أياما زاهرة و مواقف باهرة من حياته الحافلة بالأحداث..
و يتذكر أنهما كانتا أيضا مصرع كثير من الصبايا أيام الشباب. لقد كانتا رمز وسامته و أناقته و بهاءه..
و لكنهما في الوقت نفسه ذرفتا الدموع الغزيرة مرة و مرة ..حارة أحيانا و باردة أحيانا أخرى.
لقد كان عم مسعود يحفظ عن ظهر قلب مقولة والدته:
( الأحزان دموعها حارة و الأفراح دموعها باردة)....
أهداب طويلة (أو بقايا أهداب)..بيضاء ناصعة مثل حبات البرد. إنها تحيط هذين الحلقتين في أدب و طاعة .
كانت الأهداب أجنادا بحق..تتوشح السلاح و الحراب للذود عن هاتين البحيرتين الوسيعتين ، تضمن سلامتهما من المياه الغريبة أو الحشرات التي تسعى جاهدة لتلويثهما و تكدير صفوهما...
و تستمر الأخاديد في رحلتها غير المباركة طبعا. تحاصر بضراوة أنفا ضخما و شامخا، معقوف المقدمة قليلا ليتحدى في كبرياء الأمواج المتلاطمة التي تسعى للإطاحة به في أقرب مستنقع . يبددها في يسر حينا و في عنف أحيانا.
أنف لم يعرف يوما الانحناء أمام العواصف العاتية ..أو الإحجام دون النوائب و الأرزاء.
أنف جبار لا يحفل للتملق أو الانبطاح أو المسكنة أو الاستسلام...
نمتطي مجددا قطار التجاعيد لغزو هذه الدائرة التي تقبع أسفل الأنف في خجل.
طبعا ليس غزوا مسلحا بالبوارج و الدبابات لأن العم مسعود لا يمكن اجتياحه بقوة السلاح و العسكر و هو الرجل الذي دوخ فرنسا الاستعمارية و أذاقها ألوانا من الألم و المذلة و الخطوب..
انه الفارس المغوار الذي نعتته الصحف الاستعمارية يوما و بلا محاملة :
– مسعود ثعلب الجبال –
ثغر مبتسم أبدا حتى في أحلك الظروف و أقساها فتكا و مرارة...
الشيخ يعلم جيدا أن الابتسام كفيل أن يفتح كل الأسوار التي تطبق على القلوب و كفيل أيضا أن يذيب كل الجليد المترسب بإصرار في العقول المتحجرة...
ثغر لا يجيد لغة المنافقين و لا يتقن لهجة الالتواء و لا يزور عن قول الحقيقة مهما كانت ثقيلة على الأسماع.. .
ليس بعيدا عن الثغر الجميل تندثر الأخاديد فجأة و تفسح المجال أمام هذا الكساء الرباني الأبيض الذي يبث الوقار في سحنة الشيخ..
لحية مهذبة و مكتنزة تنم عن أناقة العم مسعود و أبهته رغم عجلة الشيخوخة التي تطوي العمر في ضراوة.
تلك اللحية البيضاء هي سر الوقار الذي يملكه الشيخ...
- ضع رأسك برفق على المخدة يا عماه –
هتف صوت أنثوي عميق و دافئ و عطوف . كان صوت الطبيبة و هي تمسك رأس الشيخ في رفق و أناة ..
. شكرا يا بنيتي..صدقيني إنني متوتر كثيرا - هتف الشيخ أخيرا بصوت متهدج

- لا داعي للتوتر. لا تخش شيئا ،ما زال الشباب ينبض في عروقك - أجابته في ابتسامة آسرة.
قلبت المرأة عينيه بمصباح يدوي دقيق...فحصت أسنانه وألقت ببصرها الثاقب في أذنيه الكبيرتين.
بحركات مدروسة راحت تقيس ضغطه..نقرت أضلاعه بأناملها اللطيفة.
وجست صدره و ظهره ثم راقبت أصابع قدميه.
(طن..طن..طن) انتفضت الساعة الحائطية ...أعلنت تمام العاشرة. و نطق الشيخ الممدد فوق السرير في محاولة لكسر الصمت المطبق على الحجرة:
- كانت الساعة العاشرة تصادفني دوما في الحقل رفقة زوجتي أم أحمد –
سكت قليلا و أردف.
- كنا نرتشف الشاي في هذا الموعد - ...ابتسم و أغمض عينيه.
فرغت الطبيبة من الفحص...و ابتسمت راضية عن النتيجة.
- أنت بصحة يحسدك عليها الفتيان يا عماه..فقط هي نزلة البرد و الدواء كفيل بردعها في أيام فلا داعي للقلق –
أخذت تملأ الوصفة الطبية و الشيخ يرنو في أبوة صادقة إلى هذا الوجه الملائكي الذي يحمل الشفاء إلى الأجساد العليلة.
- هل معك و صفة لآخر فحص يا عماه – هتفت الطبيبة و هي تدون النتائج على جهاز الحاسوب.
أفرج الشيخ عن ابتسامة كأنها نبتت للتو من قلبه الطيب... وقال بعد لأي:
- ليست لدي وصفات يا سيدتي -
ردت الطبيبة في ذهول واضح :
- أقرانك من الشيوخ يصطحبون معهم حزمة من الوصفات و الأشعة لتسهل على الطبيب مهمة الفحص. على أية حال لا تكترث للأمر يا شيخ –
قال عم مسعود مودعا الطبيبة و هو يستلم الوصفة من يدها:
- ببساطة هذه أول مرة في حياتي أزور فيها عيادة الطبيب –
أسلوب ساحر و تصوير دقيق و فني أخّاذ ، يعجز عنه الكثير من الأدباء أبا المجد مصطفى ، سعدت بقراءتها ، مودّتي .
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 02:42 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى