طعـــنة في الظـــــهر
16-04-2017, 05:04 PM
طعنــــــــــــــــــة في الظهر


تأمل سالم ساعته في حزم...لا زالت هناك بضع دقائق عن موعد الانطلاق .
كانت ساعة يد فاخرة تلك التي تزين معصمه الناحل. أهداه إياها أحد أصدقاءه الأوفياء يوم ذكرى زواجه المنصرم...
سالم دائما يتمثل هذه المقولة المأثورة في حق هذا الضرب من الأصدقاء "الأصدقاء كالنجوم يختفون إذا طلعت الشمس لكنهم دائما حاضرون"....
بييييييييييييييييييييييييييييب . زمجرت الصافرة عندما لامست عقارب الساعة تمام السابعة...
صوت الصافرة الحاد شتت سكون البلدة و جعل طيور اللقلق هناك في بطن الوادي تحلق مذعورة نحو الأفق البعيد طلبا للهدوء و السكينة.
تحرك القطار في روية على سكته المهترئة وسط صرير العجلات المقزز و جلبة المحركات و العربات التي تجرها القاطرة العتيقة...
ابتهجت ملامح سالم لبدء الرحلة في موعدها كما العادة. تعلم صاحبنا من حياته الحافلة بالنجاح و الظفر في شركة السكة الحديد أن الإقلاع في الوقت المضبوط صباحا يبشر بيوم ناجح و قليل المشاكل...
لقد التحق بالشركة مذ كان صبيا يافعا. كان عليه وقتئذ أن يعول أمه و أخواته بعد أن أقعد الشلل أباه...
تقلب الفتى بين قطارات الشركة . حينا كان يشتغل في مرآب الشركة و حينا يقوم بصيانة السكك و حينا آخر كان يجمع التذاكر و هاهو اليوم في عقده الخامس و قد غدا سائقا مرموقا لا يشق له غبار...
طلاب المدارس و المعاهد و العمال و الفلاحون هم أغلب من يغشى قطاره لما يلمسون فيه من دقة المواعيد…
انطلق ذلك الثعبان المعدني ليلتهم السكة و يطوي الفيافي و الحقول الحبلى بسنابل القمح و أشجار التفاح.
و صافرته المشاكسة تخرق صمت الفلوات و هدوءها المطبق...
في هذه اللحظة كانت أشجار السرو و البلوط و السنديان تنساب في رشاقة إلى خلف النوافذ. في كبد الأفق كانت بساتين النخيل مسترخية في كسل لتعانق أشعة الشمس الوهاجة ...
السنابل المثقلة بالقمح الطازج قد استسلمت للنسيم الرطيب يشاكسها و يداعبها و يراقصها في خيلاء .
و ينساب القطار على سكته في إباء و كبرياء كما الماء الزلال تحت قيادة العم سالم و مساعده رشيد الذي كان جاثما حذوه...
رشيد شاب نشط و خدوم و لا يلبث أن يذيع بين صحبه دائما :
( أنا إنسان محظوظ فأنا المساعد المقرب لأعظم سائق أنجبته البلدة...عم سالم) ...طبعا كان سالم يرفرف عاليا بأجنحة السعادة حين يتناهى إلى سمعه ذلك الثناء...
لقد كان يتوسم في ذلك الشاب خليفته على مقود القطار . فهو يقول أحيانا :
( رشيد هذا هو ساعدي الأيمن).
فجأة بدا في الأفق دخان أسود كثيف...بوووووووووووم.
انفجار صاخب يزعزع سكون المكان و يفتك بالسكة و يحيلها إلى كومة من الحديد...
ارتاع سالم و هرع و مساعده إلى كبح جماح القطار..
توقف القطار بعد عناء. و في لمح البصر ظهرت بين سحب الدخان كوكبة من الأشباح...
وجوههم ملثمة و بعضهم مدجج بالأسلحة و السيوف...
أدرك سالم على الفور أن القطار وقع في كمين هؤلاء الرعاع المجرمين...في طرفة عين تسور البغاة القطار وسط هلع المسافرين و ضجيجهم.
وتقدم رئيس العصابة من سالم و أمر رشيد قائلا :
- رشيد شد وثاق السائق جيدا واحذر أن يفلت منك –
كانت صدمة موجعة حين تقدم رشيد و هو يتوشح خنجرا صوب سالم قائلا:
– حركة واحدة و سأمزقك إربا أيها الكهل الخرف-
تعاون رشيد مع رئيس العصابة في تكبيل سالم بسلك ...و استبسل الكهل المخدوع في الدفاع عن نفسه .
لكن ضربة قاسية على أم رأسه كانت كفيلة بأن تجعله يخر مغشيا عليه. سيق الركاب جميعا إلى خارج القطار .كبلوهم جميعا بشتى ألوان الحبال و الأسلاك...
وفي لحظات بدأ الغوغاء في نهب الأموال و سلب المتاع و سرقة الحلي ثم لاذوا بالفرار جميعا وسط ذهول المسافرين و حيرتهم
.