ما هو الراجح في مشروعية تحنيك الولد، وما هي كيفية التحنيك
25-01-2014, 07:19 AM
تحنيك الولد

السؤال:
ما هو الراجح في مشروعية تحنيك الولد، وما هي كيفية التحنيك
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاستحب بعض أهل العلم تحنيك المولود (2) لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: »كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى إليه بالصبيان فيدعو لهم بالبركة ويحنكهم« (3) وفي الصحيحين من حديث أبي بردة عن أبي موسى قال: »ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ، فكان أكبر ولد أبي موسى»(4) وقد ثبتت أحاديث أخرى في هذا الباب منها حديث أنس بن مالك في الصحيحين (5) أيضاً، وحديث أسماء رضي الله عنها(6) وهذه الأحاديث في مجموعها تفيد استحباب تحنيك الصبي عند أهل الصلاح والعلم وأهل الورع والفضل ويدعو له بالبركة، وقد نقل النووي في شرحه لمسلم (7) أنّ تحنيك المولود يوم ولادته سنّة بالإجماع ويحنكه صالحٌ من رجل أو امرأة ويُستحب التحنيك بالتمر، ولو حنّك بغيره حصل التحنيك، أي إذا لم يجد تمرا حنّكه بشيء آخر، ويُستحب أن يكون بشيء حلو، والتمر أفضل، لكن هذه الأحاديث -على الصحيح- إنّما تدلّ على مشروعية التبرك بذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وريقه ولعابه... وهو أمر مجمع عليه، غير أنّه ليس فيها دلالة على جواز التبرك بذوات الصالحين وآثارهم، إذ لم ينقل حصول هذا النوع من التبرك من الصحابة رضي الله عنهم بغيره صلى الله عليه وسلم لا في حياته ولا في مماته، وقد كان فيهم الخلفاء الراشدون وبقية العشرة المبشرين بالجنّة وغيرهم، وهم أفضل القرون لاعتقادهم اختصاص الرسول الله عليه وآله وسلم بمثل هذا التبرك دون سواه، وقد أثبت الشاطبي (8) إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ترك ذلك التبرك فيما بينهم حيث يقول: "وهو إطباقهم – أي الصحابة – على الترك، إذ لو كان اعتقادهم التشريع لعمل به بعضهم بعده، أو عملوا به ولو في بعض الأحوال، إمّا وقوفا مع أصل المشروعية وإمّا بناء على اعتقاد انتفاء العلة الموجبة للامتناع"(9) وقال – رحمه الله – في موضع آخر: "فعلى هذا المأخذ: لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء به في الزيادة على أربع نسوة بدعة"(10) وعليه فإنّ القول بجواز التبرك بريق الصالحين ولعابهم من جهة التحنيك هو القول بجواز التبرك بذوات وآثار الصالحين قياسًا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخفى أنّ مثل هذا القياس فاسد الاعتبار لمقابلته للإجماع المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم في تركهم لهذا الفعل مع غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ثمّ إنّ القول بجواز التبرك بآثار الصالحين يقضي بطريق أو بآخر إلى الغلو في الصالحين وعبادتهم من دون الله سبحانه، فوجب المنع من ذلك سدّا لذريعة الشرك.
هذا وفي الأحاديث السابقة ـ أيضا ـ جواز تفويض الشخص الصالح أن يختار لهما اسماً يرتضيه.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّـد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
1- التحنيك هو: مضغ الشئ ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به ( انظر: النهاية لابن الأثير : 1/451 . فتح الباري لابن حجر : 9/588 ).
2- انظر : شرح النووي : 14/372، تحفة المودود لابن القيم: 52، الإنــصاف للمرداوي : 4/104.
3- أخرجه مسلم في الطهارة (286) وفي الآداب (2147) وأبو داود في الأدب (5105) من حديث عائشة رضي الله عنها.
4- متفق عليه أخرجه البخاري في العقيقة (5467) ومسلم في الآداب(2145)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
5- متفق عليه أخرجه البخاري في الجنائز (1301) ومسلم في الآداب(2144)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
6- متفق عليه أخرجه البخاري في مناقب الأنصار(3909)وفي العقيقة(5469) ومسلم في الآداب(2146) وأحمد في المسند(6/246)، من حديث أسماء رضي الله عنها.
7- انظر في: شرحه لصحيح مسلم (14/372).
8- هو أبو اسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، لازم ابن الفخار البيري، وأخذ عن كبار أئمة زمانه كأبي عبد الله المقري، وأبي سعيد ابن لب، وابن مرزوق الجد، وكانت له مناظرات وأبحاث قيمة في مشكلات المسائل مع كبار أئمة عصره كالقباّب وابن عرفة. وللشاطبي تآليف نافعة منها : "الموافقات" في الأصول، و"الاعتصام" في إنكار البدع، توفي سنة (790ه - 1388م).
{انظر ترجمته في : نيل الابتهاج للتنبكتي : (46) . وفيات الونشريسي :(131) لقط الفرائد للمكناسي : (225) . الفكر السامي للحجوي : (2/4/248). فهرس الفهارس للكتاني : (1/191)}
9- الاعتصام للشاطبي : (2/10).
10- المصدر السابق: (2/9).
http://www.ferkous.com/site/rep/Bo8.php

وصيَّة عمر بن عبد العزيز رحمه الله
كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنِ الْقَدَرِ، فَكَتَبَ: «أَمَّا بَعْدُ، أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، وَالاِقْتِصَادِ فِي أَمْرِهِ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ بَعْدَ مَا جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ، فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ فَإِنَّهَا لَكَ -بِإِذْنِ اللهِ- عِصْمَةٌ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النَّاسُ بِدْعَةً إِلاَّ قَدْ مَضَى قَبْلَهَا مَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا أَوْ عِبْرَةٌ فِيهَا، فَإِنَّ السُّنَّةَ إِنَّمَا سَنَّهَا مَنْ قَدْ عَلِمَ مَا فِي خِلاَفِهَا مِنَ الْخَطَإِ وَالزَّلَلِ وَالْحُمْقِ وَالتَّعَمُّقِ، فَارْضَ لِنَفْسِكَ مَا رَضِيَ بِهِ الْقَوْمُ لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا، وَهُمْ عَلَى كَشْفِ الأُمُورِ كَانُوا أَقْوَى، وَبِفَضْلِ مَا كَانُوا فِيهِ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ، وَلَئِنْ قُلْتُمْ إِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ؛ مَا أَحْدَثَهُ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ السَّابِقُونَ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِمَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِي، فَمَا دُونَهُمْ مِنْ مَقْصَرٍ، وَمَا فَوْقَهُمْ مِنْ مَحْسَرٍ، وَقَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوَامٌ فَغَلَوْا، وَإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ، كَتَبْتَ تَسْأَلُ عَنِ الإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ فَعَلَى الْخَبِيرِ -بِإِذْنِ اللهِ- وَقَعْتَ، مَا أَعْلَمُ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ، وَلاَ ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ هِيَ أَبْيَنُ أَثَرًا وَلاَ أَثْبَتُ أَمْرًا مِنَ الإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ، لَقَدْ كَانَ ذَكَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْجُهَلاَءُ يَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِي كَلاَمِهِمْ وَفِي شِعْرِهِمْ، يُعَزُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا فَاتَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ بَعْدُ إِلاَّ شِدَّةً، وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَلاَ حَدِيثَيْنِ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ فَتَكَلَّمُوا بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، يَقِينًا وَتَسْلِيمًا لِرَبِّهِمْ، وَتَضْعِيفًا لِأَنْفُسِهِمْ، أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ، وَلَمْ يُحْصِهِ كِتَابُهُ، وَلَمْ يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ، وَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَفِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: مِنْهُ اقْتَبَسُوهُ، وَمِنْهُ تَعَلَّمُوهُ، وَلَئِنْ قُلْتُمْ لِمَ أَنْزَلَ اللهُ آيَةَ كَذَا؟ لِمَ قَالَ كَذَا؟ لَقَدْ قَرَءُوا مِنْهُ مَا قَرَأْتُمْ، وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ مَا جَهِلْتُمْ، وَقَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ: كُلِّهِ بِكِتَابٍ وَقَدَرٍ، وَكُتِبَتِ الشَّقَاوَةُ، وَمَا يُقْدَرْ يَكُنْ، وَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلاَ نَمْلِكُ لِأَنْفُسِنَا ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا، ثُمَّ رَغِبُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَهِبُوا».
[رواه أبو داود في «سننه» (4614) كتاب السنَّة]