جمال الدين القاسمي
28-03-2009, 07:11 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
وأكمل الصلاة وأعطر التحيات والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد
تتسم أمتنا الإسلامية بكثير من المزايا والصفات التي تميزها عن غيرها من الأمم ما يجعلها متألقة كالنجم في السماء ومن هذه المزايا والصفات كثرة العلماء والمفكرين والمصلحين الذين كانوا أعلاما ونجوما تضيء في وقتهم وزمانهم وفي وقتنا وزماننا وستبقى تشع نورا وضياء إلى أن يشاء الله ، ومن مزايا أمتنا أيضا أنها أقامت الدراسات وأنشأت العلوم لمعرفة أحوال هؤلاء الرجال وتتبع أخبارهم ، و تساعدنا قراءة سير العظماء على شد الهمم وتقوية العزائم ، ومن هؤلاء الأعلام أحد رجال الإصلاح بالشام في العصر الحديث الشيخ محمد جمال الدين القاسمي ، ولد جمال الدين القاسمي في دمشق عام 1866م لأسرة طيبة عرفت بخدمتها للعلم ، أبوه محمد سعيد وجده قاسم ، ويصل نسبه إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريقين أحدهما آباءه والثاني جدته لأبيه ، كان عصر جمال الدين ( نهاية الدولة العثمانية ) مليئاً بالفوضى والاضطرابات . وقد خضعت مختلف نواحي الحياة في الشام لقواعد جامدة جعلت الحياة اليومية رتيبة مملة قليلة التغير ، وجعلت ثقافة الناس محدودة ،وكان الناس يتقبلون بفتور ما يفد من مخترعات جديدة . وكانت المرأة في ذلك العصر مهمشة الدور منزوية في بيتها لا تمارس أي نشاط مهم ، ولا تأخذ حظها من التعليم ، و في كثير من الأحيان تحرم حتى من إبداء رأيها بشيء . وبشكل عام كان الوضع الثقافي مضمحل ، في هذا العصر ، ظهر من الأسرة القاسمية المباركة جمال الدين ... الذي نشأ وعيون المحبة من أبويه ترعاه ، ويزداد شغفهما به بعدما رأيا عليه مخايل النجابة وهي تظهر يوماً بعد يوم ،،، حتى لفت أنظار من حوله وخصوصاً أنظار معلميه وأساتذته فيما بعد ... فكانوا يقولون إن له مستقبلاً زاهراً ينتظره .فلما بلغ سن التمييز ، سعى به أبوه إلى كتاب في القنوات يقوم عليه الشيخ عبد الرحمن المصري فعلمه الترتيل والتلاوة وكان يقوم عليه خير قيام مع من يقوم عليهم من أطفال المحلة ، وبعدما أوفى على ختم الكتاب العزيز صحبه والده إلى الخطاط الشيخ محمود القوصي ، وهو أحد صلحاء الأتراك وكرامهم فانخرط في جملة الذين كانوا يجودون الخط عليه في تربة درويش باشا ، وبقي عنده ثلاث سنين فما جاءت سنة 1878م حتى أتقن قلم الرقعة و القلم الفارسي .وانتقل به والده بعد ذلك إلى مدرسة في تربة الملك الظاهر ، فقرأ عند الشيخ رشيد قزيها المعروف بابن سنان مقدمات في علوم شتى قراءة جد واجتهاد من توحيد وصرف ونحو ومنطق وبيان وعروض وسوى ذلك .ولم يكتف والده بما كان يلقاه جمال في مكتب أستاذه بل ضمه إلى حلقة جمعت طلاباً من أنداده ، أخذ يقرئهم فيها مختصرات الفقه والنحو ، حتى إذا كبر هذا الذي كان نحيل الجسم كبير الروح وتقدمت به أيامه وصح له أن يتردد على حلقات كبار المشايخ الخاصة ، قصد الشيخ أحمد الحلواني الكبير ، شيخ قراء الشام فجود عليه القرآن المجيد ، وحضر في دروسه الميدانية وشرح الجزرية لشيخ الإسلام مرتين ، وكان يقصده لقراءة القرآن الكريم عند كل صباح وقد لازم قراءته مدة تزيد عن ثماني سنين ، وما إن ينتهي من جلسته الصباحية تلك مستفتحاً بها يوماً طيباً مباركاً حتى يغادر إلى باب السلام داخل السور حيث دار الشيخ سليم العطار أحد أجلة العلماء الدمشقيين ، فيقرأ عنده في الكتب التي درج أهل العلم بالشام على إقرائها فقرأ عنده قرابة العشرين من أمن أمهات الكتب في علوم التفسير والحديث واللغة ، ثم قاده بحثه إلى حلقة الشيخ بكري العطار فأخذ يعب مما يلقى فيها من علوم متعددة . فقرأ عليه أيضاً قرابة العشرين من أمهات الكتب وسعى على كثير من المشايخ في الشام و في بلاد أخرى وقرأ الكثير من الكتب ما يضيق المقام بذكرها .
ولقد أصيب لما كان في الخامسة عشرة من عمره بمرض ألزمه الفراش ثلاثة أشهر فصار يتسلى بمطالعة الكتب ، وجمع وهو على تلك الحالة من فوائده وملاحظاته مصنفاً كبيراً غريباً مملوءً باللطائف والنوادر والأبيات الرائقة ، سماه السفينة نقل إليها ما أعجبه من كثير من الكتب الأمهات ، ومن هنا فقد كانت نفس الرجل ومنذ سن مبكرة منفتحة على آفاق رحيبة مما أكسبه شخصية متميزة في عصر اتسم الكثيرون فيه بالجمود فلذلك كاد في ذلك العصر يكون منفرداً في تكوينه واستعداده وفكره ، وكان له مواقف تثبت ذلك ، فإلى كلمة قادمة إن شاء الله
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه والحمد لله رب العامين