الدوافع الاقتصادية للاستشراق
12-05-2016, 11:36 AM
الدوافع الاقتصادية للاستشراق

د. إسماعيل علي محمد

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:


من بين دوافع الاستشراق كان هناك الدافع الاقتصادي، حيث رغبت الدول الأوروبية في تنشيط تجارتها مع دول الشرق الإسلامي، وتسويق منتجاتها، والبحث عن مواد خام لصناعاتها، فلزم الأمر القيام بالتعرف على الشرق وطبيعته وجغرافية بلاده، وعادات شعوبه ومعتقداتهم، وتوظيف هذه المعرفة بالشرق فيما يخدم الهدف الاقتصادي.
وقد سبقت الإشارة إلى ما جاء في تقرير المراجع الأكاديمية المسؤولة في جامعة كمبردج بشأن كرسي اللغة العربية فيها، في خطاب مؤرخ في 9 مايو سنة 1636م إلى مؤسسي هذا الكرسي، حيث أشار صراحة إلى خدمة هدفين:

1- اقتصادي يكمن في:"تقديم خدمة نافعة إلى الملك والدولة عن طريق تجارتنا مع الأقطار الشرقية".
2- وتنصيري يتمثل في:" تمجيد الله بتوسيع حدود الكنيسة، والدعوة إلى الديانة المسيحية بين هؤلاء الذين يعيشون الآن في الظلمات".[1].

وهناك ما يمكن أن يسمي بالدافع الاقتصادي الفردي، والذي يشير إليه الدكتور:" البهي" بقوله:" ويبدو أن فريقاً من الناس دخلوا ميدان الاستشراق من باب البحث عن الرزق، عندما ضاقت بهم سبل العيش العادية، أو دخلوه هاربين عندما قعدت بهم إمكانياتهم الفكرية عن الوصول إلى مستوى العلماء في العلوم الأخرى، أو دخلوه تخلصا من مسئولياتهم الدينية المباشرة في مجتمعاتهم المسيحية؛ أقبل هؤلاء على الاستشراق تبرئة لذمتهم الدينية أمام إخوانهم في الدين، وتغطية لعجزهم الفكري، وأخيرا بحثا عن لقمة العيش، إذ إن التنافس في هذا المجال أقل منه في غيره من أبواب الرزق ".[2].
وبالإضافة إلى امتهان بعض الغربيين للاستشراق: طلباً للرزق؛ فهناك أيضاً "كثير من أصحاب المكتبات التجارية والقائمين عليها، يشجعون نشر المؤلفات والكتب التي تدور حول الإسلاميات والشرقيات، ويشرفون على نشرها لما يرون لها من سوق نافقة في أوربا وآسيا، وتنال هذه المؤلفات من القبول والإعجاب: ما يجعلها عظيمة الانتشار كثيرة الذيوع، وهي: ولا شك وسيلة لتجارة رابحة، وكسب أموال خطيرة".[3].

هوامش:
[1] راجع: المستشرقون الناطقون بالإنجليزية، ملحق بكتاب الفكر الإسلامي الحديث، ص 477.
[2] الفكر الإسلامي الحديث، ص 430 - 431.
[3] الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية، أبو الحسن علي الحسني الندوي، ص 188، دار القلم - الكويت، ط الرابعة 1403هـ 1983م.