إنقاذ المنظومة التربوية.. مسؤولية الجميع
12-09-2017, 03:25 PM
إنقاذ المنظومة التربوية.. مسؤولية الجميع
سلطان بركاني

انتهت العطلة وبدأت الدّراسة، وسمعنا –كالعادة- في قناتنا الرسميّة وفي القنوات الخاصّة كثيرا من الأرقام التي تتحدّث عن أزيد من ثمانية ملايين وستمائة ألف تلميذ، يلتحقون بأكثر من 26400 مؤسّسة تربويّة، بينها 146 مؤسّسة جديدة، خلال هذا الموسم (2017/ 2018م)، ويشرف على تعليمهم ما يقرب من نصف مليون معلّم وأستاذ، بينهم 28 ألف معلّم وأستاذ جديد. أمّا الكتب، فالأرقام تشير إلى رصد أكثر من 60 مليون كتاب لهذا الموسم، أثارت طبعاتها الجديدة نقاشا حادا على إثر حذف البسملة من كتب بعض الموادّ الدّراسيّة، في إطار الأجيال الجديدة من الإصلاحات التي يرى بعض المتابعين أنّها تركّز على محاصرة عناصر الهوية بدل الاهتمام بالمادّة التعليميّة والمناهج وطرق التّبليغ.
عندما نقرأ ونسمع عن الأرقام سالفة الذّكر، ونرى تلك الجموع الجامعة تتّجه كلّ صباح إلى المدارس، نستبشر خيرا بمستقبل مزهر لهذا البلد، ولكنّنا إذا عدنا إلى الواقع، فإنّنا سنصدم بحال كثير من تلامذتنا الذين يزاولون دراستهم ويتخرجون من هذه المدارس، يوم أصبح الانتقال من سنة إلى أخرى غاية الأماني لدى الأغلبية من تلاميذنا؛ ما عاد يهمّ كثيرا منهم ما يحصّلون من معارف وما يحملون من علوم، بل ما عاد يشغل كثيرا منهم أن يرفعوا مستوياتهم ويفهموا شيئا من الواقع الذي يعيشونه، فضلا عن أن يفكّروا في منافسة تلاميذ الدول المتقدّمة الذين أصبحت ثانوياتها ناهيك عن جامعاتها مراكز للاختراع والابتكار والإنتاج.
نعم.. السّبب الرّئيس في الواقع المزري الذي يعيشه التعليم في هذا البلد وفي أكثر بلاد المسلمين هو: مناهج التعليم، التي أصبحت حقلا للتجارب المتلاحقة:((كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا))؛ هذا هو: السّبب الرّئيس، ولكنّ حال بعض الأساتذة والمعلّمين الذين اضطرّوا إلى قصر اهتمامهم على الماديات، وحال التلاميذ والطلبة الذين تدنّت همم كثير منهم، وما عاد يهمّهم أن يكونوا أوعية للعلم، ولا يضيرهم أن تكون حالهم كحال رواد الأسواق والملاعب؛ هؤلاء وأولئك يتحمّلون جزءًا مهمّا من تبعات هذا الواقع الذي أسال العرق البارد على الجباه، وجعل المدرسة الجزائرية تكاد تتحوّل إلى مؤسسة استهلاكية صرفة، لا تقدّم للمجتمع شيئا آخر غير تعليم الحروف والحساب وشيء من المعلومات البسيطة والسّطحية التي تتبخّر مع مرور الأيام لأنّها لا تجد لها أثرا في الواقع.

اللغة العربية والتربية الإسلامية سببا تخلّف التعليم!!؟.
مناهج التعليم وواقع المدارس وحال بعض الأساتذة والمعلّمين وكثير من التلاميذ والطلبة، أسباب أوصلتنا إلى مهازل تدمي القلوب، وبدل أن تتضافر الجهود لوضع اليد على موضع الدّاء، تتعالى من حين لآخر أصوات غلاة العلمانيين والمستغربين تصرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية للواقع وتلقي بالتبعة على اللغة العربية والتربية الإسلامية على أنّهما سببا التخلّف!!؟.
دولة الاحتلال الصهيونيّ المسمّاة:"إسرائيل"، تجعل تدريس عقيدتها اليهودية المحرّفة الموغلة في الخرافة من أهمّ أولوياتها، بل وتجعل معاملها في الامتحانات: 12، بينما لا يتجاوز معامل التربية الإسلامية في مدارس كثير من دول المسلمين الواحد، ومع ذلك يصرّ غلاة العلمانية على أنّها سبب التخلّف!!؟، ويخرج من يتحدّث باسم وزارة التربية في الجزائر، ليقول إنّ الوزارة بصدد الانتقال إلى تعليم قيم الإنسانية والوطنية بدل القيم الإسلاميّة!!؟، وأنّ البسملة لا محلّ لها في الكتب العلمية التي لا ينبغي أن تتحوّل –بسبب البسملة- إلى مجلاّت دينيّة!!؟، وربّما نسي هذا النّاطق: أنّ دستور البلاد تُفتتح ديباجته بالبسملة، فهل تحوّل هو الآخر إلى مجلّة دينيّة!!؟.
اليهود الذين حازوا من وسائل التقدّم والتطوّر ما حازوا، واستطاعوا امتلاك الأسلحة النووية، يولون تعليم التوراة وتعليم الدين اليهوديّ الأهمية القصوى؛ ففي عام 1953م عندما قام الكيان الصهيوني بسنّ قانون التعليم للدولة اليهودية، نصّت المادة الثانية منه على أنّ:"التّعليم في دولة إسرائيل يجب أن يرتكز على قيم الثقافة اليهودية والولاء لدولة إسرائيل والشعب اليهودي، وتحقيق مبادئ الريادة في العمل الطلائعي الصهيوني".
وجاء في القانون التعليميّ الرسميّ لدولة الاحتلال الصّهيونيّ أنّ:"الهدف من التّعليم الرسمي هو: إرساء الأسس التربوية على أساس الثقافة اليهودية ومنجزات العلم، وعلى محبة الوطن والولاء للدولة وللشّعب اليهودي".
ويقول:( مائير بارايلان: أحد مفكري التربية اليهودية): " إنّ روح التلمود ومعرفة عامة شرائعه وآدابه يجب أن تكون جزءًا من دراسة كل يهودي متعلم، حتى وإن لم يكن سيجعل من حقل الدراسة هذا مجالاً للعمل، والأمر شبيه بتعليم الفيزياء والرياضيات، فمع أنه ليس كل تلميذ يتخصص فيهما، ولا يستخدم جميع ما يتعلمه فيهما في حياته العملية، إلا أنهما ضروريتان له، كذلك بالنسبة للتلمود، يجب أن يحفظ كل تلميذ مقاطع معينة منه، وأن يتشرّب روحها".
هذا ما يقوله مفكّرو اليهود، وهم أتباع دين لا يقبله علم ولا عقل، في مقابل إصرار المستلبين عندنا على ترديد ما يقوله بعض الحاقدين في الغرب، عن دين الحقّ والعلم والعقل: دين الإسلام، الذي شهد المنصفون شرقا وغربا بأنّه الدّين الوحيد الذي لا يعارض العلم.

ربط التعليم بالدين والأخلاق مسؤولية الجميع.
ربط التّعليم بالتربية والدين والأخلاق والآداب؛ ضرورة حضارية نتحمّل مسؤوليتها جميعا، من واجبنا جميعا أن نطالب الوزارة الوصية بأن تلتفت إلى إصلاح التّعليم وترقيته بوسائل التّطوير التي تعتمدها الدّول التي تهتمّ حقيقة بمصلحة أبنائها، وتتوقّف عن استفزاز أسرة التعليم بمعاركها الإيديولوجية الشاذّة، ومن حقّنا كشعب مسلم يعيش في دولة ينصّ دستورها على أنّ:" الإسلام دين الدّولة": أن نطالب وزارة التربية بترقية مكانة التربية الإسلامية في مناهج التعليم، وبسنّ قوانين صارمة تحفظ الآداب والأخلاق في المدارس.
الأولياء من جانبهم مسؤولون عن أبنائهم وبناتهم؛ فليس توفير الكتب والكراريس والأقلام هو: حدّ المسؤولية ونهاية المطاف، وإنّما لا بدّ من متابعة ومراقبة ونصح متواصل، وزجر وتأنيب كلّما بدر خطأ مهما كان بسيطا.
المعلّمون والأساتذة أيضا مسؤولون عن واقع المدارس وواقع؛ فليس نقل الدّروس من الكتاب إلى السبورة ومنه إلى الكراسات هو: الهدف، بل ينبغي أن يتذكّروا أنّهم: أصحاب رسالة، وأنّهم: مربون قبل أن يكونوا أساتذة ومعلمين؛ فإذا كان المعلّم يدخّن، فتلاميذه سيتعاطون المخدرات، وإذا كان لا يحترم الوقت ولا يتقي الله فيما يتقاضاه من راتب، فلا ينتظر من تلاميذه إلا العقوق والكلام الفاحش والبذيء، وإذا كان لا يكلّف نفسه عناء البحث والاجتهاد لتطوير قدراته في الإلقاء وإدارة الدروس ليحبّب الحصص إلى تلاميذه ويجعلها متعة بدل أن تكون سجنا موحشا، ولا يهمه أن يثري معلوماته ويبحث عن الجديد كلّ عام، فإنّه سيكون حملا ثقيلا على طلبته وتلاميذه.
المعلمون والأساتذة، والأولياء والطّلبة، ينبغي أن يتذكّروا أنّ الشهادة ليست هي: الهدف عند من يحمل عقيدة بين جنبيه، إنّ الهدف ليس أن نُخرّج أطباء ومهندسين ومدرّسين بغضّ النظر عن الهمّ الذي يحملونه، وإنّما أن نربي جيلاً يفخر بدينه، ويلتزم تعاليمه، وينافح ويدافع عنه، وينشره في العالمين، إن كان طبيباً في عيادته، أو مهندساً في مصنعه، أو معلما في مدرسته.