"قنابل موقوتة" مصنعة في الصين في بيوت الجزائريين
03-02-2016, 02:54 AM

سعيد باتول / راضية مرباح / ر. ملاح



لا شكل له ولا ظل..لا يمكن لمسه لكن باستطاعته أن يقتلك، يفتك بك، يخنقك .. يترك لك عاهات على مدى الحياة.. إنه الغاز المدعو بـ "المرعوب" أو "القاتل الصامت"، يكثر الحديث عنه خلال فصل الشتاء للاستعمال المفرط لأجهزة التدفئة وسخانات الماء منها ما هي مغشوشة وأخرى مركبة بطريقة غير سليمة ومنها ما تحتاج إلى صيانة دورية يتغاضى عنها المواطن ويتهاون للإبلاغ والإصلاح وتسجل بموجب ذلك مصالح الحماية المدنية أكثر من مائة ضحية ويتم إنقاذ الآلاف منهم في حالة الإبلاغ والتدخل السريع، عائلات بأكملها أبيدت في حوادث مماثلة بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون الذي يعد أكثرهم فتكا كونه عديم اللون والرائحة وليس له ذوق لكنه جد سام، لأنه يمنع الدم من امتصاص الأكسجين، مما قد يسبب فقدان الوعي ووفاة الإنسان في وقت معين..لمعرفة أكثر التفاصيل عن أسباب حدوثه، كيفية تفاديه. الشروق فتحت ملف الاختناقات مع مختصين وممثلي التجار لتسليط الضوء على هذه الظاهرة.
أكثر من 77 ألف مواطن تم تكوينهم في برنامج مسعف لكل عائلة .. الملازم برناوي
30 بالمئة من التدخلات المنزلية للحماية المدنية سببها حوادث الاختناقات
كشف المكلف بالإعلام لدى المديرية العامة للحماية المدنية الملازم نسيم برناوي عن رقم مخيف يتم تسجيله سنويا في التدخلات السنوية بشأن "القاتل الصامت أو ما يعرف منذ القديم بالمرعوب"، هو الغاز ذاك الشبح الذي يقتل –حسب برناوي من 3 إلى 5 أفراد من أصل 10 إلى 20 تدخلا في اليوم، مشيرا أن نسبة التدخلات المنزلية للحماية تصل أو تفوق أحيانا 30 بالمئة يسببها الغاز "المرعوب" الذي زاد الحديث عنه خلال السنوات الأخيرة نظرا لارتفاع عدد التدخلات، يؤكد برناوي أن غاز أحادي أكسيد الكربون قتل في 2015، 107 شخص في ما تم إنقاذ 1500 آخر.

أما السنة الحالية فتشير الأرقام الأخيرة أن شهر جانفي لوحده سجل أكثر من 13 حالة وفاة وإنقاذ 100 شخص آخر من موت مؤكدا أن التدخلات لم تقتصر على فصل الشتاء فقط بل تعدت ذلك لتسجيل حالات في فصل الصيف بسبب الاستعمال الخاطئ لسخان الماء حيث سجل شهر أوت المنصرم وفاة شخصين اختناقا، وعاد المتحدث للوقوف عند مسببات الاختناقات التي تعود إلى الأجهزة المغشوشة وغياب ثقافة الاستهلاك لدى المواطن الذي لا يهمه دليل الجهاز ولا حتى شهادة الضمان التي يمكن أن تساعد في التحقيقات، ونوّه برناوي بإيجابيات الحملات التحسيسية التي يشرف عليها المدير العام للحماية المدنية منذ 2010 حيث تم تكوين إلى غاية الساعة أكثر من 77 ألف و600 مواطن في برنامج مسعف لكل عائلة، يهدف إلى خلق مجتمع آمن انطلاقا من المدارس ثم الساحات العمومية والتجمعات الكبرى. وشدد برناوي على ضرورة ترك التهوية داخل المنازل لا سيما الأماكن الموصولة بأجهزة التدفئة والسخان المائي، معتبرا توصيلات الغاز داخل الجدران من أكثر الأخطاء الشائعة التي تضاعف من أخطار "الشبح القاتل" في حالة حدوث تسرّبات أو زلزال ..

خالد حجيج رئيس قسم تقنيات الغاز بـ SDA بلوزداد:
أخطار الغاز ناجمة غالبا عن الشبكة الداخلية للمنازل التي تفتقد للصيانة
أرجع خالد حجيج رئيس قسم تقنيات واستغلال الغاز بمديرية توزيع الكهرباء والغاز لبلوزداد، الأخطار الناجمة عن تسرّب الغاز إلى غياب الصيانة بالشبكة الداخلية للمنازل عكس الخارجية التي هي تحت تصرف المؤسسة يشرف على مراقبتها وصيانتها أعوان أكفاء ضمن برنامج دوري غير منقطع باستعمال أحدث الآلات والأجهزة، مشيرا أن المؤسسة تقوم بتوصيل الغاز للزبون بكل آمان حتى أنها تقوم بقطع التزوّد به فور تلقي إشارة بوجود تسرّب، واستنكر المتحدث خلال نزوله ضيفا على "فوروم الشروق" حول أخطار الغاز، غياب الثقافة الحسية لدى المواطن الزبون الذي لا يهمه كفاءة الحرفي المعوّل عليه تمديد الشبكة إلى داخل مسكنه مكتفيا بـ"بلومبي" عادي حتى ولو كان مبتدئا لا يعي الشروط الكافية واللازمة للمهنة كما أن المواد التي تستعمل للغرض أغلبها غير مطابقة للمقاييس المعمول بها في المجال بسبب لجوء أغلب الحرفيين إلى اقتناء مستلزمات التشحيم والأنابيب من عند محلات الترصيص دون مراعاة للمطابقة من جودة النحاس الذي يتطلب أن يكون سمكه 1 ملم لمقاومة الحرارة وحتى الشرارات الكهربائية. وقال إن المؤسسة لديها قائمة تضم نحو 300 حرفي مقاول محترف مكلف بأشغال الغاز تستغلهم المؤسسة لامتصاص طلبات التوصيل أغلبها لمؤسسات عمومية.

ورشات البلديات و"سيال" وراء أعطاب شبكات الغاز الأرضية
واستطرد المتحدث بالقول إن أغلب الأعطاب والتسرّبات التي يمكن أن تحدث للشبكة الأرضية هي ورشات وأشغال البلديات و"سيال"، حيث سجلت مؤسستهم خلال 2015 نحو 150 عطب سببتها أشغال مقاولي الصيانة سواء المتعلقة بشبكة الصرف الصحي أو الماء، مرجعا ذلك إلى غياب التنسيق ما بين البلدية والمؤسسات، حتى أنه لا يتصل بالمديرية العامة لتوزيع الكهرباء والغاز لمعرفة مناطق تمركز الشبكات، متهما الدوائر الإدارية بمنح الموافقة للمقاولين بغية الحفر والصيانة دون التبليغ عن ذلك أو المطالبة بخريطة الشبكات الأرضية التي عادة ما تتعرض لأعطاب وتسرّبات نتيجة أشغال الحفر العشوائية.

إسماعيل عليلي رئيس قسم تقنيات الغاز بـ SDA بولوغين:
احذروا اللهب البرتقالي والأحمر لأجهزتكم.. والأزرق يعني السلامة

أكد إسماعيل عليلي رئيس قسم تقنيات واستغلال الغاز بمديرية توزيع الكهرباء والغاز لبولوغين، أن هناك فرق شاسع بين النيران المشتعلة بمختلف الأجهزة المتعلقة بالتدفئة أو التسخين وعلى المواطن في هذه الحالة التفطن لها، فالنار الحمراء أو البرتقالية –حسبه- تعني أن الجهاز يعاني من خلل ويعتبر أشد خطرا على السلامة ويتطلب الصيانة في حين أن اللون الأزرق للنار يعتبر أكثر أمنا ويضمن سلامة وأمن مستعمليه، كما تطرق عليلي إلى قضية أخرى يجب الإشارة إليها من باب الاحتياط والتنبيه لها هي لجوء البعض إلى تشييد سكناتهم فوق أسطح العمارات لا سيما القديمة منها وهو ما يخلف خطرا على سلامة المواطنين حيث يلجأ هؤلاء إلى سد منافذ المدفئات المبنية لغرض التهوية، منوّها بعمليات الترحيل الأخيرة التي باشرتها ولاية الجزائر التي شملت كافة قاطني الأسطح، كما دعا المتحدث عبر هذا المنبر كافة المواطنين القاطنين بالعمارات نزع "الخردة" التي يضعونها داخل الخزانات التي هي عبارة عن مكان لتأمين العدادات الكهربائية وتلك المتعلقة بالغاز، مؤكدا أن المواطن يخفى عليه أن بمثل هذا التفكير يمكنه أن يعرض حياته للخطر، فالخزانات تلك وجدت لأجل حماية العدادات ضمانا للتهوية في حالة أي خطر أو تسرب للغاز، معيبا وفي الوقت ذاته لجوء بعض المقاولين إلى تضييق مساحة الخزانات ربحا لمكان إضافي وهو ما يتطلب حسبه ضرورة متابعة مثل هذه الخروقات التي قد تؤدي إلى حوادث لا يحمد عقباها. وتحدث في الأخير عن المركز الجديد الذي يحمل رقما أخضر 3303 لتلقي نداء الاستغاثة أو الاستشارة وضع تحت تصرف مواطني العاصمة للتدخلات السريعة على أن يعمم لاحقا في الولايات الأخرى –يقول المتحدث.

بولنوار:
لا قضاء على الأجهزة المغشوشة ما لم نقض على مافيا الاستيراد

أكد رئيس الجمعية الوطنية للتجار، الحاج الطاهر بولنوار، أنه لا يمكن الحديث عن محاربة تسويق الأجهزة المقلدة والمغشوشة، التي تتسبب في قتل مئات الجزائريين سنويا، ما لم يتم القضاء على الأسواق الموازية، وتعزيز الرقابة على مستوى المناطق الحدودية
وأرجع الحاج الطاهر بولنوار، أسباب تسويق أجهزة مغشوشة، لا تتطابق مع أدنى شروط التصنيع، إلى ضعف الرقابة على نشاط مافيا الاستيراد، التي تعمل على إغراق السوق الوطنية بأجهزة مغشوشة ومقلدة، مؤكدا أن المستوردين الجزائريين هم من يطلبون شراء منتجات رديئة بمواصفات معينة مقابل أسعار جد منخفضة، حتى يتم تسويقها محليا وبكميات هائلة، في وقت ذكر أن بعض التجار يسوّقون أجهزة مخزنة منذ عشر سنوات، تكون قد فسدت وغير صالحة للاستعمال السليم. من جهة أخرى، أعاب المتحدث، على الزبون عدم مراعاته بعض الشروط في اقتناء أجهزة التدفئة، رغم وعيه بالمخاطر التي تترتب عنها، وانسياقه وراء اقتناء أنواع رديئة بسعر رخيص، مشيرا في ذات السياق، إلى جهل الزبون لطريقة استعمال هذه الأجهزة، ناهيك عن عدم اعتماده على مهنيين ومختصين في تركيبها.

ممثل منظمة حماية المستهلك
الجزائر تحوّلت إلى أكبر "بازار" للسلع المغشوشة

كشف كمال عزوق، ممثل المنظمة الوطنية للحماية المستهلك أن الجزائر باتت أكبر "بازار" لبيع المواد المغشوشة المهددة لحياة المواطن، مشيرا أن غياب مراكز لمراقبة الجودة على مستوى مديريات التجارة ولامبالاة المواطن يعدان سببين مباشرين لحدوث كوارث بمنازل الجزائريين.
وقال ضيف منتدى "الشروق" إن أبرز أسباب الكوارث التي تسجلها مصالح الحماية المدنية بالمنازل جراء حالات الاختناق بالغاز وكذا الانفجارات تعود إلى النوعية الرديئة للمواد المستعملة في تركيب الغاز، إلى جانب بعض الأخطاء التي يرتكبها أعوان الترصيص على غرار استعمال الأنابيب البلاستيكية لربط مختلف المستلزمات بالغاز وأخرى منتهية الصلاحية، لاسيما وأن 70 من المائة من المواطنين يجهلون أن لوسائل وأدوات الترصيص نهاية صلاحية لابد من تحري موعدها قصد استبدالها. ومن بين أسباب وقوع حوادث الاختناق التي تحصد أرواح 100 شخص سنويات وعشرات المصابين عدم استعمال مانع الغاز، وكذا تلحيم أنابيب الغاز بمواد سريعة التلف، في ظل غياب عمال ترصيص مؤهلين واعتماد الكثير من المواطنين على غير المتخصصين، حيث أشار أن الحرارة تتسبب في تذويب بعض المواد المستعملة بدل قطعة الفضة التي تعتبر الأنسب لعملية ربط الأنابيب النحاسية.
وحذر المتحدث كثيرا مما وصفه "القنابل الموقوتة" التي تهدد الجزائريين، والمتمثلة في "الطابونات" الخطيرة التي أغرقت الأسواق الجزائرية المستوردة من الصين بالأساس، والتي قال بشأنها إنها تشكل خطرا فادحا على حياة المواطنين نظرا لتهافت الزبائن عليها بالنظر إلى سعرها المنخفض، بفعل نوعية المواد المصنوعة منها، وأردف قائلا: "هناك عدة أنواع من "الطابونات" التي تتراوح أسعار ما بين 1500 دينار و6000 دينار، فالأقل سعرا هي الأخطر على حياة الزبون بسبب النوعية الرديئة لمكوناتها ووزنها الخفيف مقارنة بالنوعية الجدية كما يلاحظ وجود ثلاث أرجل وليس أربع. ودعا عزوق المواطنين إلى توخي الحيطة والحذر مما يقتنونه من وسائل وأدوات بالأسواق الفوضوية التي اعتبرها من أكبر الكوارث التي تعصف بالجزائريين، مشيرا أن كميات معتبرة من منظم الضغط الذي يربط قارورة غاز البوتان بالمدافئ مغشوشة، ولا تتواجد حاليا سوى نوعية لا تراعي المقاييس العالمية وتباع على مستوى محطات نفطال، متهمين بعض التجار ممن وصفوهم بعديمي الضمير بإغراق السوق بالمواد المغشوشة، وحمّل المتحدث مسؤولية الفوضى التي تشهدها السوق إلى غياب مراكز لمراقبة الجودة بالموانئ ومديريات التجارة، ما حال دون مراقبة كل ما يدخل الجزائر من سلع.

السكنات الحالية خطر على حياة الجزائريين
وفي ذات السياق قال ممثل المنظمة الوطنية لحماية المستهلك أن السكنات المنجزة في السنوات الأخيرة تمثل خطرا على حياة المواطن لعدم احترام معايير الأمن والسلامة بسبب غياب منافذ التهوية على مستوى مرشات المنازل، فضلا عن غياب مداخن مفتوحة ما يجعل المواطن الذي يرغب في تنصيب مدافئ لا يهتم بوضع منافذ للتهوية وهو ما ينعكس بالسلب عليه، والنتيجة وقوع حالات اختناق قد تودي بحياة عائلات بأكملها.

عبد الحميد بوداود:
أغلب مشاريع السكن لا تملك شهادة المطابقة لشروط الأمن والسلامة

قال رئيس المجمع الجزائري لخبراء البناء والمهندسين المعماريين، عبد الحميد بوداود، إن أغلب المشاريع السكنية في الجزائر لا تتطابق مع أدنى شروط السلامة والأمن، وأكد أنه من المفروض أن تخضع جل المشاريع قبل تسليمها للجنة تشرف على معاينتها ومنحها شهادة المطابقة لمعايير الأمن والسلامة.
وحمّل عبد الحميد بودواو القائمين على المشاريع السكنية، سواء العمومية أو الخاصة، جزءا من مسؤولية حوادث الاختناقات بالغاز، التي يتم تسجيلها كل سنة، بسبب عدم احترام أدنى شروط السلامة والأمن، المتعلقة بالتهوية وأماكن وضع أجهزة التدفئة، بالإضافة إلى غياب منافذ النجدة. وأضاف أنه منذ الاستقلال لم نستطع رسم ثقافة سكنية واضحة.
وواصل بودواو قائلا "أتحدى أي مسؤول بشأن الاعتماد على شهادة مطابقة السكنات بعد انتهاء المشاريع"، حيث ذكر أن أي مشروع سكني من المفروض أن يمر بعد الانتهاء منه على لجنة صحية خاصة توكل لها مهمة إمضاء شهادة المطابقة، التي تتعلق بشروط سلامة المواطن، وذكر أن لغة الأرقام المتمثلة في عدد المشاريع والبنايات المنجزة والموزعة طغت على جودة ومعايير البناء في الجزائر، حيث أصبح المسؤولون يتغنون بكمية ما تم إنجازه من وحدة سكنية في السنة، ضاربين عرض الحائط نمط البناء ومعايير الجودة والسلامة .