لماذا يراهن البعض على نفس الخيارات الخاسرة؟
31-01-2015, 10:56 AM


في كثير من الأحيان، يُقدم بعضنا على اختيارات غبية عند ممارسة إحدى ألعاب القمار مثلا. فلماذا يراهن البعض على نفس الخيارات الخاسرة؟ الصحفي توم ستافورد يبحث في الأمر.
إذا نظر المرء إلى الكيفية التي تتصرف بها القردة عندما تكون في المواقف ذاتها، ربما سيدرك أن هناك تفسيرا منطقيا لذلك.
فعندما نمارس القمار، يحدث شئ غريب وغير منطقي على ما يبدو، وهو تصور شائع بين الناس رغم كونه خاطئا؛ يُطلق عليه اسم "مغالطة اليد الساخنة".
وتتمثل هذه المغالطة في اعتقاد مفاده أن حظ المرء على طاولة القمار ينجم عن إصراره على نفس الاختيارات – من أرقام أو خلافه - التي سبق وأن جلبت الفوز لآخرين أقدموا على اختيارها، وأن يواصل الإبقاء على تلك الاختيارات على نحو متواصل من أجل تحقيق مكاسب متوالية.
لكن مثل هذا الاعتقاد قد يؤدي لأن يخسر المقامر أموالا طائلة. فعلى سبيل المثال، إذا ما فزت مرة في لعبة "الروليت" باختيارك رقما معينا، فإن ذلك لن يؤثر على فرصك المستقبلية في اللعبة، سواء بالسلب أو بالإيجاب؛ فهذه الفرص ستظل تماما كما هي.
غير أن شيئا ما في التركيب النفسي للإنسان يقاوم الاقتناع بمثل هذه الحقيقة، وهكذا نجد أن البشر يضعون أموالهم في خيارات معينة خلال المقامرة، افتراضا منهم أن سلسلة الحظ الحسن التي حالفت مرة من راهن على مثل هذه الخيارات ستظل متواصلة.
في المقابل، ثمة خرافة معاكسة مفادها بأنه يتعين على لاعب القمار ترتيب أوراقه على أساس افتراض بأن مثل هذه السلسلة من الحظ الجيد لابد وأنها بلغت منتهاها.
مجرد صدفة؟
وتستند الخرافة السابقة بدورها على اعتقاد خاطئ يفيد بأن الأحداث المنفصلة التي تقع بطريق الصدفة وعلى نحو عرضي، لابد وأنها تصحح نفسها على نحو ما، لتصبح نتائجها متكافئة ومتوازنة في نهاية المطاف. ويُعرف هذا الاعتقاد باسم "مغالطة المقامر".



لكن لماذا يتصرف الناس على هذه الشاكلة مرة تلو الأخرى؟ بوسعنا التعرف على رؤى تبدو مثيرة للاهتمام في هذا الشأن، من خلال الاستعانة بقردة ودفعها للمقامرة بدورها.
فإذا ما أقدمت هذه الحيوانات على اختيارات غبية مثل تلك التي نُقدِمُ عليها، فإن ذلك قد يوفر لنا معلومات أكثر عن أنفسنا نحن.
مع ذلك، وفي البداية، فلنفكر في السبب الذي يجعل ألعابا بعينها تُحدث مثل هذه التأثيرات. فبعض نتائج الألعاب التي يتم المراهنة بشأنها تستند إلى عنصر المهارة.
فعلى سبيل المثال؛ يمكن أن يكون منطقيا أن يراهن المرء على احتمال أن يحرز هداف متألق مثل ليونيل ميسي هدفا في إحدى المباريات، وهذا يزيد بكثير عن احتمال أن يسجل مدافع ذو معدل تهديف متدنٍ هدفا في المباراة نفسها.
لكن نتائج الكثير من الألعاب تتسم بأنها ذات طابع عشوائي. ففي ألعاب تعتمد على أحداث تقع على نحو عشوائي بشكل كامل، مثل الروليت أو اليانصيب، ما من قوة يمكن أن تجعل احتمال توالي ظهور مجموعة أرقام بعينها أكثر أو أقل.



على سبيل المثال، إذا ما نظرت إلى لعبة رمي العملة المعدنية في الهواء من أجل المراهنة على أي وجه ستسقط هذه العملة، ستجد أنه إذا ما ظهر لك الوجه نفسه عشر مرات متتالية، فإن ذلك لا يؤثر على إمكانية ظهور الوجه الآخر، خلال المرات التالية سواء بالزيادة أو النقصان، إذ يظل احتمال ظهور ذلك الوجه 50 في المئة مقابل نفس نسبة الاحتمال للوجه الآخر.
وعلى الرغم من ذلك، فقبل أن تبدأ اللعبة من الأصل، يمكن القول إن احتمال ظهور الوجه نفسه من العملة عشر مرات متتالية؛ يشكل بالطبع احتمالا ضئيلا للغاية.
وعلى كل الأحوال، فإن تصورات مثل "مغالطة اليد الساخنة" و"مغالطة المقامر"، تشير كلها إلى أننا نميل إلى أن نؤمن - على نحو لا عقلاني - بأن للكون طابعا غير عشوائي، كما لو كنا عاجزين عن تصديق أن احتمالات ظهور أي من وجهي العملة المعدنية حينما نلقيها تظل كلها احتمالات متساوية.
القرود عندما تقامر
نتيجة مثل هذه تجعلنا نسخر في بعض الأحيان من الطابع اللاعقلاني الذي تتسم به النفس البشرية.



كشفت تجربة أجراها تومي بلانتشارد من جامعة روتشستر بولاية نيويورك، وزملاؤه، النقاب عن أن اختيارات القردة حينما تمارس القمار، تميل إلى أن تستند إلى نفس "مغالطة اليد الساخنة"، تماما كما يفعل البشر.
وتضمنت التجربة مشاركة ثلاثة قردة تتحكم في شاشة جهاز كمبيوتر عبر حركة أعينها، إذ كانت تحدد اختياراتها عبر توجيه نظراتها إما يمينا أو يسارا.
وفي إطار هذه التجربة، تم منح خيارين فحسب للقردة الثلاثة؛ أحدهما فقط يحمل في طياته مكافأة للقرد إذا ما وقع اختياره عليه.
ورغم أن إمكانية وقوع اختيار القردة على الخيار الصائب ظلت تساوي تماما إمكانية وقوعه على نظيره الخاطئ، تماما كفرص سقوط العملة المعدنية على أيّ من وجهيها، فإنه ظل لدى القردة ميل لمواصلة اختيار أخر خيار جلب لها مكافأة، وكأنه يُفترض أن يظل الحظ مواتيا على ذات الشاكلة، وأن يكرر نفسه في شكل سلسلة متصلة.
ولعل السبب الذي يجعل نتيجة هذه الدراسة مثيرة للغاية هو حقيقة أن القردة لم يسبق لها أن تعلمت في المدارس نظرية الاحتمالات، بخلاف ما حدث مع البشر.
إضافة إلى ذلك، فإن تلك الحيوانات لم تتعلم قط النظريات المتعلقة بالتوزيع العشوائي للأمور، كما أنه لم يسبق لها وأن أدركت - على نحو عرضي- أفكارا معقدة بشأن كيفية وقوع الأحداث عن طريق الصدفة.
وهكذا فإن تبني القردة لاختيارات معينة، لابد وأنه يعتمد على بعض الغرائز الأكثر بدائية، بشأن كيفية عمل منظومة هذا العالم. فليس بوسع هذه الحيوانات بلورة مفاهيم لاعقلانية بشأن نظرية الاحتمالات، نظرا لأنه ليس بمقدورها تبني معتقدات مغلوطة -على عكس البشر– بشأن ما يمكن أن نصفه بـ "كيفية دوران عجلة الحظ".
ورغم كل ذلك، فإن القردة تتبع النمط المنحاز نفسه في الاختيار، تماما مثل الإنسان.
ويذهب الباحثون للقول إن الأمر كله يتلخص في أن تصرف المرء على هذه الشاكلة يعود عليه بالنفع دائما. ففي غالبية أوقات حياة المرء، ثمة روابط ما بين سلاسل النجاحات أو الإخفاقات لأسباب واضحة للغاية.
ففي بعض الأيام، يكون عليه أن يولي اهتمامه لمباراة تنس يخوضها، وفي نفس اليوم قد يفسد كل شيء بفعل مشكلات ميكانيكية تعاني منها سيارته.
لا تتسرع
في حالات مثل هذه، يعكس ما يقع من أحداث حقيقة كامنة، وهي حقيقة يمكن أن يغتنمها المرء لكي يتوقع ما يمكن أن يحدث بعد ذلك. ومن الأمثلة التي تصلح جيدا لكي نسوقها مع القردة بالتحديد؛ مثال الطعام.



فالعثور على فتات عالي القيمة والأهمية بالنسبة لهذه الحيوانات؛ مثل الطعام الناضج، يشكل حدثا يقع بشكل عرضي، ولكن يمكن القول في الوقت نفسه، إن كل حدث من هذا النوع ليس منفصلا عن سواه. فإذا ما جرى العثور على ثمرة فاكهة على شجرة ما، فإن ذلك يعني أن هناك فرصا للعثور على مزيد من الثمار هناك.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن الدرس الأوسع نطاقا الذي يمكن أن يستخلصه المهتمون بدراسة الطبيعة البشرية من كل ذلك يكمن في أنه لا يتعين علينا التسرع بوصف سلوكيات ما بأنها تفتقر إلى العقلانية.
من المؤكد بطبيعة الحال أن الاعتقاد في صحة فكرة مثل تلك المعروفة باسم "مغالطة اليد الساخنة"، يمكن أن يجعل المرء يراهن – ولعدة مرات - على الوجه الخاطئ من العملة، إذا ما كان بصدد ممارسة لعبة "رمي العملة المعدنية"، أو ربما يؤدي ذلك إلى ما هو أسوأ، من قبيل خسارته أموالا طائلة؛ إذا ما كان يمارس لعبة أخرى.
لكن على الرغم من ذلك، فربما كان الاعتقاد في أن الحظ يأتي في شكل سلاسل متوالية متشابهة، قد أثبت - على مدار المدى الزمني لتطور الإنسان - أنه مفيد في غالب الأحيان، أكثر من كونه مضرا.