تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى الحضاري > منتدى القرآن الكريم > قسم القراءات

> إفحام الموحدين للمشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين

  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
إفحام الموحدين للمشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين
11-07-2018, 05:39 PM
إفحام الموحدين للمشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:



من المعلوم بداهة وقطعاً: أن الجهل سبب من أعظم الأسباب الموجبة لانتشار البدع والضلالات، وما نراه اليوم من انحرافات عقدية، وخروج عن جادة السلف، وانخداع بمذاهب منحرفة، وطرق مبتدعة: تزين الألفاظ، وتزخرف الكلمات، وتنمق العبارات، إنما منشأه ومرده إلى الجهل بمقاصد الشريعة، وأسسها الرفيعة.
والضلال لا يحصل إلا بتصدر الجهال، وذهاب العلم والعلماء؛ كما ثبت ذلك في:( الصحيحين) عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
" إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا، ولكنه يقبضه بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالماً: اتخذ الناس رؤساء جهالًا فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا".
ومن أكبر الضلالات التي يحاول أعداء الإسلام بائسين يائسين: بعثها من تحت الرماد:(ضلالة التشكيك في حفظ رب العالمين لكتابه المبين!!؟).
وبذلا للنصيحة لكتاب رب العالمين، عملا بقول سيد المرسلين:
" الدِّين النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ؟. قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".(مسلم)، يأتي متصفحنا هذا تكملة لمتصفحات أخرى نشرناها بتوفيق الله: دفاعا عن القرآن المبين بالرد على الشبهات المتهافتة للمشككين، ونسأله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى: القبول.
وحول هذا المعنى جاء شرح الإمام: أبي عمرو بن الصلاح رحمه الله كما في:( صيانة صحيح مسلم: 223-224):
" والنصيحةُ لكتابه: الإيمانُ به وتعظيمُه وتنزيهُه، وتلاوتُه حَقَّ تلاوته، والوقوفُ مع أوامره ونواهيه، وتفهُّم علومه وأمثاله، وتدبرُ آياته، والدعاءُ إليه، وذبُّ تحريف الغالين، وطعنِ الملحدين عنه".

وقال الإمام: النووي رحمه الله في:( شرحه على صحيح مسلم:1/144):
"وَأَمَّا النَّصِيحَة لِكِتَابِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى، فَالْإِيمَان بِأَنَّهُ كَلَام اللَّه تَعَالَى وَتَنْزِيله، لَا يُشْبِههُ شَيْءٌ مِنْ كَلَام الْخَلْق، وَلَا يَقْدِر عَلَى مِثْله أَحَد مِنْ الْخَلْق، ثُمَّ تَعْظِيمه وَتِلَاوَته حَقّ تِلَاوَته، وَتَحْسِينُهَا وَالْخُشُوع عِنْدهَا، وَإِقَامَة حُرُوفه فِي التِّلَاوَة، وَالذَّبّ عَنْهُ لِتَأْوِيلِ الْمُحَرِّفِينَ وَتَعَرُّض الطَّاعِنِينَ...".

إن محاولة التشكيك في حفظ رب العالمين للقرآن المبين لدعوة آثمة، ومكيدة مهولة، قد اجتمعت فيها بلايا التحريف والانتحال وفاسد تأويل المقال، وإن هذه الأمة المرحومة: أمة الإسلام لن تجتمع على ضلالة، ولا يزال فيها - بحمد الله - طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة، من أهل العلم والقرآن، والهدى والبيان، تنفي عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فكان حقا على أمة القرآن: النصح والإرشاد، والتعليم والبيان، وصد العاديات عن كتاب الرحمن، والخير في أمتنا باق إلى يوم القيامة، وصدق الإمام أحمد رحمه الله القائل في خطبته الشهيرة:
" الحمد للّه الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل عليهم الصلاة والسلام، بقايا من أهل العلم، يدعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب اللّه الموتى، ويبصرون بنور اللّه تعالى أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم.
ينفون عن كتاب الله تعالى تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب، يقولون على اللّه تعالى، وفي الله تعالى، وفي كتاب اللّه تعالى بغير علم، يتكلّمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون الجهال بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين".

وبخصوص موضوع متصفحنا نقول بتوفيق الله تعالى:

إن أقسام الناس بالنسبة لمسألة:(حفظ الله لكتابهثلاثة أقسام: قسمان يتفق كلام العقلاء فيهما، فلا نقاش معهما من حيث الحكم على قولهما، وقسم ثالث، وهو الذي قد يقع فيه التلبيس والتدليس من قبل أصحابه: إمعانا منهم في تضليل المسلمين بتشكيكهم في القرآن المبين، وإليكم تفصيل الأقسام الثلاثة:

1) القسم الأول: المؤمنون بحفظ الله لكتابه لقوله وهو أصدق القائلين:
[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)].(الحجر).
[وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)].(فصلت).
[أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)].(النساء).
[وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37)].(يونس).

وهذا القسم هم: المؤمنون، وقولهم حق لإيمانهم بحفظ رب العالمين لكتابه المبين، فلا نقاش معهم، لأن قولهم هو قولنا.

2) القسم الثاني: الكفار الجاحدون المعاندون الذين نسبوا القرآن لقول البشر، وأنه مفترى، أو أنه مأخوذ من كتب اليهود والنصارى، قال الله تعالى مبينا أقوال أصحاب القسم الثاني:
[وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)].(سبأ).
[وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)].(فصلت).

[وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)].(يونس).
[أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)].(يونس).
[فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ(24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ(25)].(المدثر).
[وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)].(النحل).

وهذا القسم هم: الكفار أصالة، وقد حكم الله عليهم بالكفر لتكذيبهم الصريح لحفظ الله لكتابه، وهو ما تدل عليه الآيات السابقة، وهذا القسم أيضا: لا نقاش معهم، لأنهم لا يؤمنون أصالة بحفظ الله لكتابه، إذ لا فائدة في نقاش فرع: لا يؤمن المخالفون بأصله!!؟، فهؤلاء يعتقدون بأن:" القرآن كلام بشري، وأنه مفترى، أو مأخوذ من كتب اليهود والنصارى!!؟"، وإذا كانوا كذلك، فلا جدوى من نقاشهم في:( مسألة حفظ القرآن من التحريف).

وفي القسمين: الأول والثاني المتفق على الحكم عليهما يقول رب العالمين
مبينا أثر القرآن الكريم على كل قسم منهما:
[وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)].(التوبة).

3) القسم الثالث: وهو الذي يدور معهم النقاش، ولأجله نشرنا بتوفيق الله متصفحاتنا: دفاعنا عن كتاب الله العظيم، وهذا القسم هم: من ينتسبون ظاهرا للإسلام، وفي الوقت ذاته يطعنون في كتابه القرآن!!؟، فيناقشون مجادلين معتقدين بأن القرآن قد وقع فيه تحريف!!؟، ويستدلون في ذلك بآثار وأقوال لبعض العلماء، سبق لنا بتوفيق الله تعالى الرد عليها، وبيان المقصود منها على متصفحاتنا الأخرى، فليراجعها من شاء، إذ أنه من العبث: تكرار نفس الكلام على هذا المتصفح الذي خصصناه وحصرنا النقاش فيه حول قضية مفصلية محورية، الجواب عنها: سهل ميسر لا يحتاج إلى كثير سفسطة ولا كثرة تصوير سهمي!!؟، لأنها تتعلق بآية اتفق القراء على قراءتها، وهي مؤيدة بآيات أخرى تدل على نفس معنى:" حفظ العظيم لكتابه الكريم"، والآيات المقصودة هي: الآيات الأربعة التي سقناها كأدلة لأصحاب القسم الأول المذكور أعلاه.

وهنا: نخاطب المشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين، فنقول:
أنتم تنتسبون ظاهرا للإسلام، فمن لازم انتسابكم له: إيمانكم بكتابه، خاصة آياته المحكمة، ومنها: تلك الآيات الأربعة الدالة على حفظ الله لكتابه، لكن اعتقادكم بأن قرآن الإسلام قد حرف: ينقض انتسابكم للإسلام، لأن من كذب منزل الكتاب المتعهد بحفظه، فقد قال فيه رب الأرباب:
[قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)].(يونس).

وهنا: نضعكم أمام الأمر الواقع، سائلينكم سؤالا، مهما كان جوابكم عنه، فأنتم مخطؤون إلا بأن تقروا بأن الله العظيم قد حفظ كتابه الكريم، وإلا كان ادعاؤكم الإسلام: مجرد ثوب زور لنشر باطلكم بمكر واضح، وكيد فاضح، وإلى المقصود بتوفيق الحافظ المعبود:

حين أنزل الله كتابه الكريم جملة واحدة إلى اللوح المحفوظ، هل كان يعلم بأن كتابه العظيم، سيحرف بعد تمام إنزاله على رسوله الكريم أم لم يكن عالما بذلك!!؟.
إن جوابكم لن يخرج عن:" أحد احتمالين إلا بالفرى والمين!!؟"، وإلا، فنحن في انتظاركم، لتعطونا احتمالا ثالثا، بله الرابع والخامس!!؟، والاحتمالان هما:

أ) أنه كان يعلم بوقوع تحريفه، ثم تركه بعد وقوعه، وبذلك يكون قد أخلف وعده بحفظه له بقوله:[ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وهو القائل جل وعلا:
[وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)].(الروم).
[ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)].(النساء).
[وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)].(الرعد).
فمن اعتقد بأن الله قد أخلف وعده، فقد كذبه في قوله، ولا شك بأن هذا:" كفر وضلال" بالاتفاق.

ب) أنه لم يكن يعلم بوقوع التحريف في كتابه، وهذا:" كفر وضلال" بالاتفاق أيضا، لأن فيه نسبة الجهل للخبير العليم تعالى وتقدس عن الجهل، فهو:[اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)].(الطلاق).
[إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)].(طه).
[عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)].(سبأ).

وعلمه جل وعلا ليس كعلم المخلوقين، لأن علمه تعالى: لم يسبقه جهل ولا يلحقه سهو أو نسيان.
وهذا القسم الثالث الذي لا يؤمن بأن الله العظيم قد حفظ كتابه الكريم، مكذبا لتنزيل العليم، ويحاول نشر معتقده ملبسا مدلسا: قد قال فيه الخبير العليم:
[إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)].(فصلت).

وهنا ننتظر جوابا من المشككين في حفظ رب العالمين لكتابه المبين مع ادعائهم انتماءهم للمسلمين!!؟، فليأتونا إن كانوا قادرين باحتمال ثالث يخالف الاحتمالين:(أ، ب) المشار إليهما أعلاه، و:" إن غدا لناظره قريب!!؟".


وأما أقوال أئمة المسلمين وإجماعهم على حكم القائل بتحريف القرآن الكريم ممن ينتسب للإسلام، فسنوردها إن شاء الله تعالى في المشاركة القادمة.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: إفحام الموحدين للمشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين
11-07-2018, 05:43 PM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:



تجدون تحت الرابط الآتي متصفحا ذا صلة بعنوان:" دعوى وجود اللحن في القرآن الكريم":
http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=379323
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: إفحام الموحدين للمشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين
14-07-2018, 11:11 AM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:




هذا أوان الوفاء بوعدنا بذكر أقوال أئمة المسلمين وإجماعهم على حكم القائل بتحريف القرآن الكريم ممن ينتسب للإسلام، وقبل ذلك، هذا تمهيد لأحد الأفاضل:

" إن من جسيم ما خصالله به أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الفضيلة وشرفهم به على سائر الأمم من المنازل الرفيعة: ما حفظه عليهم من وحيه وتنزيله الذي جعله على حقيقةنبوة نبيهم:دلالة، وعلى ما خصه به من الكرامة: علامة، الذي لو اجتمع جميع من بين أقطارها من جنّها وإنسها وصغيرها وكبيرها، على أن يأتوا بسورة من مثله: لم يأتوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
أنزله الله تبارك وتعالى ساطعاً تبيانه قاطعاً برهانه، قرآناًعربياً غير ذي عوج، نزل به أمين السماء إلى أمين الأرض معجزاً باقياً دون كل معجزٍ على وجه كل زمان، أنزله الله على نبيهمحمد صلى الله عليه وسلم، ففتح الله به أعيناً عميا، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، أخرج به الناس من الظلمات إلى النور، قال فيه علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه:
" كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبارقصمهالله، ومن ابتغىالهدى في غيره أضلهالله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغبهالأهواء، ولا تلتبسبه الألسنة، من قالبهصدق، ومن عملبهأُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعاإليههدي إلى صراطمستقيم".
ولقد أنزل الله تبارك وتعالى التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب، وعهد إلى الناس حفظها، قال تعالى:[ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ]، ولكنهم لم يحفظوها، بل حرفوها، كما قال تبارك وتعالى:[ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ]، فلما أنزل الله تبارك وتعالى القرآن تعهّد سبحانه وتعالى بحفظه، قال جلّ ذكره:[ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]، وقال:[ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ].
فمن قال بأن في القرآن:نقصاً أو تحريفاً، فلاشك أنهليس من أهل القبلة، وليس من الإسلام في شيء، ولسنا نحن الآن في مقام الدفاع عن كتابالله تبارك وتعالى، فإن أولئك الأقزام: لم ولن يستطيعوا الوصول إلى الطعن في كتابالله تبارك وتعالى، قال جلّ ذكره:[ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا].

وفي ثبوت القول بتحريفالقرآن لأي طائفةتنتسب إلى الإسلام: أكبرفضيحة، تهدم بنيانهم من الأساس، ودعوىتحريفالقرآنمحاولة يائسة من أعداءالإسلام لضربالإسلام وأهله:[ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)].(التوبة).
ولاشك: أن من يقول بتحريفالقرآن: كافر بأدلة القرآن نفسه التي سبق ذكرها في أصل المتصفح، ومن لم يُكَفّرمن يقول بتحريف القرآن: لا يصح له أبداً أن يكفر أحداً من الناس!!؟، وذلك أن حفظالقرآن من التحريف والزيادة والنقصان: أمر معلوم منالدينبالضرورة، وقد صرح كبار علماء المسلمين من الأئمة المنتسبين للمذاهب الأربعة وغيرهم:" أن من اعتقد أن القرآن فيه زيادة أو نقص، فقد خرج من دين الإسلام".
وهذه العقيدة عند أهل السنة والجماعة من الشهرة والتواتر، بحيث أنها لا تحتاج إلى من يقيم أدلة عليها!!؟، بل هذه العقيدة من المتواترات عند المسلمين، وصدق من قال:" توضيح الواضح: إبهام!!؟"، و:" توضيحالواضحات: من أكبر المشكلات!!؟".
وإليكم نصوصا تنقل إجماع أئمةالإسلام على كفر القائل بتحريفالقرآن، ولنبدأ بأقوال أئمة المالكية في هذه المسألة، وننبه إلى أننا سنذكر تلك الأقوال على:" سبيل المثال لا الحصر"، وإلا، فإن الناظر في كتب علماءالإسلام، سيصعب عليه استيعاب أقوالهم في المسألة، والله الموفق:

1 - قال إمام المالكية المجتهد:(ابن عبد البر) رحمه الله:
" وأجمع العلماء: أن ما في مصحف عثمان بن عفان، وهو الذي بأيدي المسلمين اليوم في أقطار الأرض حيث كانوا هو: القرآن المحفوظ الذي لا يجوز لأحد أن يتجاوزه، ولا تحل الصلاة لمسلم إلا بما فيه، وإن كل ما روى من القراءات في الآثار عن النبي أو عن أبي بكر أو عمر بن الخطاب أو عائشة أو ابن مسعود أو ابن عباس أو غيرهم من الصحابة مما يخالف مصحف عثمان المذكور لا يقطع بشيء من ذلك على الله عز وجل، ولكن ذلك في الأحكام يجري في العمل مجرى خبر الواحد، وإنما حل مصحف عثمان رضي الله عنه هذا المحل لإجماع الصحابة وسائر الأمة عليه، ولم يجمعوا على ما سواه وبالله التوفيق، ويبين لك هذا: أن من دفع شيئا مما في مصحف عثمان:كفر".( التمهيد: 4 / 278 - 279).

2) وقال الإمام المالكي الكبير:( القاضي عياض) رحمه الله:
" وقد أجمع المسلمون: أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول:{الحمد لله رب العالمين} إلى آخر:{ قل أعوذ برب الناس}: أنه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفا: قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامداً لكل هذا: أنه كافر".(الشفاء1102- 1103).
وقال أيضا:
" اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف بشيء منه، أو سبهما، أو كذب به، أو جحده، أو جزءاً منه، أو آية، أو كذب به، أو بشيء منه، أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر، أو اثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك، فهو كافر عند أهل العلم بإجماع، قال الله تعالى:[ وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد].(الشفاء :2/304].

يتبع إن شاء الله.

  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: إفحام الموحدين للمشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين
29-07-2018, 01:32 PM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:


3 -قال الإمام المالكي القرطبي رحمه الله:
" باب ما جاء مِن الحجةِ في الرَّدِّ على مَنْ طعنَ في القرآنِ وخالَفَ مصحف عثمان بالزيادة والنقصان: لا خلاف بين الأمة، ولا بين الأئمة أهل السنة؛ أن القرآن اسمٌ لكلام الله تعالى الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم معجزةً له على نحو ما تقدم، وأنه محفوظٌ في الصدور، مقروءٌ بالألسنة، مكتوبٌ في المصاحف، معلومةٌ على الاضطرارِ سورُه وآياتُه، مبرأةٌ مِن الزيادةِ والنقصانِ حروفُه وكلماتُه، فلا يحتاج في تعريفه بحَدٍّ، ولا في حَصْرِهِ بِعَدٍّ، فمَنِ ادَّعَى زيادةً عليه أو نقصانًا منه، فقد أبطلَ الإجماع، وبَهَتَ الناسَ، ورَدَّ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مِنَ القرآن المنزل عليه، ورَدَّ قوله تعالى:{قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء:88وأبطل آيةَ رسولهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه إِذْ ذاكَ يصير القرآن مقدورًا عليه حين شِيبَ بالباطل، ولما قُدِرَ عليه: لم يكن حجة ولا آية، وخرج عن أَنْ يكون مُعْجِزًا، فالقائل: إِنَّ القرآنَ فيه زيادةٌ ونقصانٌ رَادٌّ لكتابِ الله، ولما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان كمن قال: الصلوات المفروضات خمسون صلاة، وتَزَوُّج تسع مِن النساء حلالٌ، وفرض الله أيامًا مع شهر رمضان، إلى غير ذلك مما لم يثبت في الدين، فإذا ردّ هذا الإجماع؛ كان الإجماع على القرآن: أثبت وآكَد وأَلْزَم وأَوْجَب".

ونقل القرطبي كلامًا مطولاً عن ابن الأنباري رحمه الله، ومنه ذلك قول أبي بكرٍ ابن الأنباري رحمه الله تعالى:
" إِنَّ الله عز وجل قد حَفِظَ القرآن مِن التغيير والتبديل والزيادة والنقصان، فإذا قَرَأَ قارئٌ:(تبت يدا أبي لهبٍ وقد تبّ ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارًا ذات لهبٍ ومريته حمالة الحطب في جيدها حبل من ليففقد كذبَ على الله جل وعلا، وَقَوَّلَهُ ما لم يقل، وبَدَّلَ كتابَهُ وحَرَّفَهُ، وحاول ما قد حَفِظَهُ منه ومنع مِن اختلاطه به، وفي هذا الذي أَتَاهُ توطِئَةُ الطريق لأهل الإلحاد ليُدْخِلُوا في القرآن ما يُحِلُّون به عُرَى الإسلام، وينسبونه إلى قومٍ كهؤلاء القوم الذين أحالوا هذا بالأباطيل عليهم، وفيه إبطال الإجماع الذي به يُحْرَسُ الإسلام، وبثباته تُقَامُ الصلوات، وتُؤَدَّى الزكوات، وتُتَحَرَّى المتعبّدات، وفي قول الله تعالى: {الر كتاب أحكمت آياته} [هود:1]: دلالة على بدعةِ[يعني: إتيانه بقولٍ مُحْدَثٍ لم يُسْبَق إليه] هذا الإنسان وخروجه إلى الكفر؛ لأنَّ معنى:(أُحْكِمَتْ آياتُه)[هود:1]: منع الخلق مِن القدرةِ على أَنْ يزيدوا فيها، أو ينقصوا منها، أو يعارضوها بمثلِها، وقد وجدنا هذا الإنسان زاد فيها: (وكفى الله المؤمنين القتال بعليٍّ وكان الله قويًّا عزيزًا)، فقال في القرآن هُجْرًا، وذَكَرَ عليًّا في مكانٍ لو سَمِعَهُ يذكرهُ فيه، لأَمْضَى عليه الْحَدَّ وحَكَمَ عليه بالقتلِ، وأَسْقَطَ مِنْ كلامِ الله: {قل هو} وغَيَّرَ {أحد} فقرأَ: (الله الواحد الصمدوإِسْقَاطُ ما أسقطَ: نفيٌ له وكفرٌ، ومَن كفر بحرفٍ مِنَ القرآن، فقدَ كفر به كلَّه، وأَبْطَلَ معنى الآية؛ لأنَّ أهل التفسير قالوا: نزلت الآية جوابًا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صِفْ لنا ربك أمِنْ ذهبٍ أم مِن نحاسٍ أم مِن صفر؟، فقال الله جل وعزَّ ردًّا عليهم: {قل هو الله أحد} [الإخلاص:1]، ففي {هو} دلالة على موضعِ الرَّدِّ ومكان الجواب، فإذا سقط: بطل معنى الآية، ووضح الافتراء على الله عز وجل، والتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويُقَالُ لهذا الإنسان ومَنْ ينتحل نُصْرَتَه: أَخْبِرونا عن القرآن الذي نقرؤه ولا نعرف نحن ولا مَن كان قبلنا مِن أسلافنا سواه: هل هو مشتملٌ على جميع القرآن مِن أوله إلى آخره؟، صحيح الألفاظ والمعاني؟، عارٍ عن الفساد والخلل؟: أم هو واقع على بعض القرآن والبعض الآخر غائب عنا كما غاب عن أسلافنا والمتقدمين مِن أهل ملتنا؟، فإِنْ أجابوا بأَنَّ القرآن الذي معنا مشتملٌ على جميع القرآن لا يسقط منه شيء، صحيح اللفظ والمعاني، سليمها مِنْ كل زللٍ وخللٍ؛ فقد قضوا على أنفسِهم بالكفر حين زادوا فيه: (فليس له اليوم هاهنا حميم وليس له شراب إلا مِن غسلين مِن عين تجري مِن تحت الجحيم)، فأي زيادةٍ في القرآن أوضح مِن هذه؟، وكيف تُخْلَطُ بالقرآن، وقد حرسَهُ الله منها؟، ومنعَ كلَّ مفترٍ ومُبْطِلٍ مِنْ أَنْ يُلْحِق به مثلها".(تفسير القرطبي:1/80- 85).
ثم استطردَ ابن الأنباري رحمه الله في بيان فساد الزيادة المذكورة، وبيان معنى الآية :" فيما أَنْزَلَ الله تبارك وتعالى على الصحَّةِ في القرآنِ الذي مَن خالفَ حرفًا منه: كَفَرَ".

4 - قال الإمام المالكي: أبو عثمان الحداد رحمه الله:
" جميع من ينتحل التوحيد متفقون: أن الجحد لحرف من التنزيل: كفر". ينظر:( الشفا للقاضي عياض: 2 / 1101).


5- قال الإمام المجتهد: ابن حزم رحمه الله:
" من قال: إن القرآن نقص من بعد موت النبي حرف، أو زيد فيه حرف، أو بُدِّل منه حرف، أو أن هذا المسموع أو المحفوظ أو المكتوب أو المنزل ليس هو القرآن، وإنما هو حكاية عن القرآن وغير القرآن، أو قال إن القرآن: لم ينزل به جبريل على قلب محمد، أو أنه ليس هو كلام الله تعالى، فهو كافر خارج عن دين الإسلام؛ لأنه خالف كلام الله عز وجل وسنن رسول الله وإجماع أهل الإسلام". ينظر:( الدرة فيما يجب اعتقاده لابن حزم:ص 220).

وقال أيضا:
" القول بأن بين اللوحين تبديلا: كفر صحيح وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم".( الفِصَل في الأهواء والملل والنِّحَل:4/139).

وقال أيضا في جوابه عن احتجاج النصارى بدعوى الروافض تحريف القرآن:
" وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القرآن، فإن الروافض ليسوا من المسلمين". (الفِصَل في الأهواء والملل والنِّحَل: 2/80).

وقال أيضاً رداً على قول الشيعة بأن القرآن محرف ومغير فيه:
" واعلموا أنه لو رام اليوم أحد أن يزيد في شعر النابغة أو شعر زهير كلمة أو ينقص أخرى: ما قدر، لأنه كان يفتضح في الوقت، وتخالفه النسخ المثبتة، فكيف القرآن في المصاحف، وهي من آخر الأندلس، وبلاد البربر، وبلاد السودان إلى آخر السند، وكابل، وخراسان، والترك، والصقالية، وبلاد الهند فما بين ذلك".( الفِصَل في الأهواء والملل والنِّحَل، ص:80 ج2 ط بغداد].

6 - قال الإمام المجتهد: ابن قدامة رحمه الله:
" ولا خلاف بين المسلمين أجمعين: أن من جحد آية أو كلمة متفقاً عليها أو حرفاً متفقاً عليه: أنه كافر". ينظر:( حكاية المناظرة في القرآن مع بعض أهل البدعة33).

وقال أيضاً:
" واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه، ولا خلاف بين المسلمين في: أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفا متفقا عليه: أنه كافر".( لمعة الاعتقاد: ص 99).

7 - قال الإمام: ابن بطة رحمه الله:
" من كذَّب بآية أو بحرف من القرآنأو رد شيئا مما جاء به الرسول، فهو كافر".(الإبانة الصغرى: ص 201).

8 - قال شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله:
" من زعم منهم: أن القرآن نقص منه آيات وكتمت، أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك، وهؤلاء يسمون القرامطة والباطنية، ومنهم التناسخية، وهؤلاء: لا خلاف في كفرهم".( الصارم المسلول: ص 590).

9- قال الإمام البغدادي رحمه الله:
" وأكفروا - أي أهل السنة - من زعم من الرافضة أن لا حجة اليوم في القرآن والسنة لدعواه أن الصحابة غيروا بعض القرآن وحرفوا بعضه". (الفرق بين الفرق: ص 315 دار الآفاق الجديدة - بيروت) .

10-قال الإمام ابنُ مُفْلِحٍ رحمه الله:
" وجزم ابنُ عقيل بأنَّ: مَن وُجِدَ منه امتهانٌ للقرآنِ، أو غَمْصٌ منه [يعني: احتقره أو عابه]، أو طَلَبُ تناقُضِهِ، أو دعوى أنه مختلفٌ أو مُخْتَلَقٌ، أو مقدورٌ على مثلِه، أو إسقاطٌ لحُرْمَتِهِ: كلُّ ذلك دليلٌ على كفرِهِ، فيُقْتَلُ بعد التوبةِ".(الفروع:6/161).

وختاما:
فالشواهد في هذا المجال لا تحصى كثرة، وهي موجودة في مواضعها في كتب التفسير وعلوم القرآن والحديث والعقيدة والأصول وغيرها، وصدق من قال:" اللبيب بالإشارة يفهم، فإن في لطيف الإشارة: ما يغني عن طويل العبارة "، ولعل فيما ذكرناه:" كفاية للمبتدي، وتذكرة للمنتهي"، ونذكر مرة أخرى بأن:" طالب الحق: يكفيه دليل، وصاحب الهوى: لن يقنعه ألف دليل، فالجاهل يعلم، وصاحب الهوى: ليس لنا عليه سبيل".

وللتفصيل ينظر:( المحلى: 1 / 15)، و( الفصل: 5 / 40)، و:( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي: 2 / 232)، و:( الشفا للقاضي عياض: 2 / 1076)، و:( البحر الرائق لابن نجيم: 5 / 131)، و:( كشاف القناع: 6 / 168).

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

يتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: إفحام الموحدين للمشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين
01-08-2018, 03:15 PM
قاصمة ظهر المشككين الطاعنين في القرآن المبين
تنبيه لقاعدة فاصلة هامة جدا




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:



ردا على المشاغبين المشككين بخربشاتهم التافهة الساقطة في حفظ رب العالمين لكتابه المبين، وتثبيتا لقلوب المؤمنين، ننبه إلى قاعدة فاصلة هامةجدا، وهي:

[ أن القرآن الكريم محفوظ في الأفئدة والصدور قبل أن يكون محفوظا في المصاحف و السطور، فالمصدر الأصلي في حفظ ونقل القرآن العظيم هو: السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف]

وبذلك، فإن تشكيك المشككين الطاعنين في حفظ رب العالمين لكتابه المبين، بأثر هنا ورواية هناك والمقارنة بين المخطوطات: لا يعدو أن يكون رسما في الماء، أو نقشا في الهواء!!؟.
قال الإمام المقرئ الحجةابن الجزري رحمه الله:
" ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على خط الْمصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لِهَذِهِ الأمة".(النشر في القراءات العشر لابن الجزري: 1/6).

تلك القاعدة العظيمة الفاصلة التي أرعبت وأفزعت كل المستشرقين وأذيالهم!!؟، لأنها نسفت كدهم وتعبهم لعشرات السنين وسفرهم الأيام والليالي بحثًا عن مُؤَكِّدٍ لشُبْهَتهم القائمة على قضية المخطوطات!!؟.
إن كافة المستشرقين قديمًا وحديثًا، ممن قاموا وناموا على رعاية شبهة الدراسة المقارنة بين الأصول الخطية للمصحف بغرض:(تحقيق القرآن!!؟) ذابت كل جهودهم وانْماعَت كما يَنْماعُ المِلْحُ في الماءِ بهذه القاعدة العظيمة:

[ الأصل في نقل القرآن على السماع والحفظ لا على الكتابة والمصاحف]
لقد هَيَّأَ الله عز وجل لكتابه العظيم: كُتَّابًا وحُفَّاظًا، كتبوه في ألواحهم وقلوبهم معًا، وجعل الله عز وجل السماع والحفظ: حاكمًا على الكتابة والمصاحف، لا العكس، ولو أراد سبحانه وتعالى عكس ذلك: لفعل، وقد كانت الكتابة والألواح هي: الْحَكَم لدى بني إسرائيل مثلاً؛ ولذا ألْقَى الله عز وجل الألواح لموسى عليه السلام؛ كما قال سبحانه وتعالى:
{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِينَ} [الأعراف: 145].
وقال سبحانه وتعالى:{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 150].
وقال سبحانه:{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154].
فالْحَكَم عند بني إسرائيل إذن هو: الكتابة والألواح والصُّحُف، وليس السماع والْحِفْظ.
غير أَنَّ الله عز وجل قد مَيَّزَ المسلمين على غيرهم، واختصَّهم دون سواهم بخصيصة الإسناد والسماع المعتمدة على الحفظ والأخذ المباشر من أفواه المشايخ.
روى الإمام البخاري رحمه الله: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}، قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ}، فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ". ورواه مسلم أيضًا:(448).

فأنتَ ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعجَّل حفظ القرآن، فأمره الله عز وجل أن ينصت إلى جبريل عليه السلام، أولاً، ووعدَه بأن يحفظه، وأن يقرأَه النبي صلى الله عليه وسلم كما سمِعَه من جبريل عليه السلام.
وبناءً على هذا: جاء جبريل عليه السلام بالوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع لا حصر لها، فألقاهُ إليه سماعًا ومشافهةً لا كتابةً أو صُحُفًا.
وفي حديث ابن عباسٍ المذكور:
" فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ".
فها هو يقرأه كما قرأَه جبريل تمامًا، ثم تأتي روايات حديث البراء بن عازبٍ، ومنها:
رواية البخاري (4990) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ادْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ أَوْ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95]"، وَخَلْفَ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِي، فَإِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95].

فانظر في هذا الترتيب الرباني المُحْكَم: يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأَهُ جبريل تمامًا، ثم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة الوحي على الفور، في الوقت نفسه يقرأَهُ النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه فيحفظوه، حتى إذا ما نَسِيَ شيئًا منه ذكَّرَتْه قراءة أصحابه رضوان الله لما سمعوه منه من قبلُ، وما دوَّنوه بأمره وتحت سمعه وبصره في ألواحهم،
فلك اللهم الحمد على ما أنعمتَ به وأوليت.

ومِنْ هنا وبناءً على ما تقدَّمَ:
صار السماعُ عندنا هو: الْحَكَم بأمر الله عز وجل وإشارَتِه، لا بُحُكْمِنا وهوانا.
روى البخاري:(4987 - 4988): أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال:
" إِنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ: رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزهري رحمه الله (أحد أئمة الحديث، وراوي الحديث الذي معنا): وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ:
" فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ:{مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}، فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ".أهـ

ويلاحظ في هذه المرحلة: أن زيدًا وغيره من الصحابة الكرام الذين قاموا على جمع القرآن الكريم رضي الله عنهم: قد اعتمدوا على السماع والكتابة معًا، وجمعوا بينهما، فاشترطوا اقتران السماع والكتابة وتلازمهما في المجموع، وهذا من أعلى درجات التوثيق التي يمكن الوصول إليها، وقد أتاحها الله عز وجل لكتابِه: صيانةً له، وحمايةً لجنابه الشَّريف.
ولذا: رأينا زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه يفقد آيةً أثناء جمعه للقرآن زمن أبي بكرٍ رضي الله عنه، وأخرى زمن عثمان، لا يجدهما أمامه في المكتوب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنهما معروفتان عنده، لا شك فيهما؛ لأنه سمعهما هو وغيره من النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أنهما سُمِعَا من النبي صلى الله عليه وسلم، وأُخِذا عنه بلا واسطةٍ إلا أَنَّهُ لم يثبتهما حتى بحث عنهما، ووجدهما كتابةً أيضًا، فلم يعتمد الكتابة وحدها، ولا السماع وحده، وإن كان كل واحدٍ من الكتابة أو السماع يصح الاعتماد عليه بلا غضاضة؛ لكنَّ الصحابة الكرام رضي الله عنهم أرادوا بلوغ النهاية في توثيق القرآن الكريم وصيانته والحفاظ عليه، فالحمد لله تعالى.

لقد أَرَسَلَها أئمتُنا الكرام رضي الله عنهم قاعدةً أصيلةً حَمَلَتْها الركبان إلى جميع الأقطار؛ لتقول لهم:

" لا تأخذوا القرآن مِنْ مُصْحَفِيٍّ، ولا العلم أو الحديث عن صُحُفِيٍّ"

فقطع أئمتُنا بذلك كل طُرق الاعتماد في نقل القرآن على الكتابة والمصاحف، وتركوا الباب مفتوحًا أمام السماع والأسانيد لا غير.
* فَعَن سليمان بن موسى أَنَّه قال:" لا تأخذوا الحديثَ عن الصُّحُفيِّين، ولا تقرؤوا القرآنَ على الْمُصْحَفِيِّين".(الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم:2/31)، و(المحدث الفاصل، للرامهُرْمزي:211).
* وقال سعيد بن عبد العزيز:" لا تأخذوا العلم عن صُحُفِيٍّ، ولا القرآن مِنْ مُصْحَفِيٍّ".( الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم: 2/31).
* ويقول الوليد بن مسلم: " لا تأخذوا العلم من الصُّحُفيِّين، ولا تقرؤوا القرآن على الْمُصَحَفِيِّين؛ إلا مِمَّن سمعه مِن الرجال وقرأَ على الرجال".(تاريخ دمشق، لابن عساكر:63/292)، و(تهذيب الكمال، للمزي: 31/98).
*ويقول السخاوي في (فتح المغيث:2/262):" والأخذ للأسماء والألفاظ من أفواههم - أي العلماء بذلك، الضابطين له ممن أخذه أيضًا عمن تقدم من شيوخه وهلم جرَّا- لا من بطون الكتب والصُّحُف من غير تدريب المشايخ: أَدْفَع للتَّصحيف، وأَسْلَم من التبديل والتحريف".
* ويقول الصنعاني في:(توضيح الأفكار:2/394):
" ويقال: لا تأخذ القرآن من مُصْحَفِيٍّ، ولا العلم من صُحُفِيٍّ".
ومما حكاه الصنعانيُّ في ذلك: قول القائل:
" والعلم إِنْ فاتَه إسنادُ مُسْنِدِه ÷ كالبيتِ ليس له سقْفٌ ولا طُنُب"
والطُّنُب: حبلٌ يُشَدّ به البيت، فكأنه بيتٌ لا عماد له ولا سقف.

ختاما:
وبهذا تدحض بفضل الحافظ المتين لكتابه المبين شبهة المشككين الطاعنين القائمة على المقارنة بين مخطوطات المصاحف، والتي نسفت نسفا بأصل نقل القرآن العظيم بالحفظ في أفئدة الصدور بأسانيد ذهبية متواترة إلى اليوم حتى تصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام عن جبريل عليه السلام، فلك الله الحمد والمنة أولا وأخرا، وظاهرا وباطنا.
هذا هو: العلم بالحجة والبيان، والدليل والبرهان، يشهد له كل منصف، ويقر به كل عاقل، وليس بعده إلا الإعراض والعناد والجحود والمكابرة، وهي: صفات ملازمة لأعداء الإسلام من المستشرقين وأذنابهم سابقا ولاحقا الذين خاب ظنهم، وضل سعيهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!؟.
قال العزيز الحكيم في كتابه العظيم:
[قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)].(الكهف).
إن أعداء الإسلام من المستشرقين وأذنابهم قد أنفقوا جهودهم وأموالهم وأوقاتهم للصد عن سبيل الله، فردهم خائبين متحسرين مغلوبين، وقال عنهم ذو القوة المتين:
[إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)].(الأنفال).

لقد حاول أعداء الإسلام إطفاء نور الله بأفواههم وأقلامهم، فرد الواحد القهار كيدهم في نحورهم، وصدق الخبير العليم القائل في كتابه الكريم:
[وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)].(الصف).

ملاحظة:
أغلب ما ذكر في هذه المشاركة، وما سيأتي بعدها من الردود المفحمة للأستاذ الفاضل المستشار: سالم عبد الهادي، جزاه الله خير الجزاء، وقد جاءت في سياق رده على:( المستشرق الألماني د. ميلكوش موراني من كلية الآداب ـ جامعة بون ـ بألمانيا)، وهو: مستشرق بروتستانتي، تيسر له الاطلاع على بعض المخطوطات العربية والإسلامية في بلاد المغربوغيرها، خاصة مخطوطات الفقه المالكي، وقد زعم موراني في لقاء له مع:( شبكة التفسير):
"... كان هناك مشروع في النص القرآني قبل الحرب العالمية الثانية، وجَمعَ تلاميذُ نولدكه المشهورون المتخصصون في القراءات نسخاً للقُرآنِ بغرض تحقيقِ النصِّ القرآنيِّ تَحقيقاً علميَّاً كما تُحقَّقُ كتبُ التراث، إذ ما بين يدينا مطبوعاً هو النص المتفق عليه، وليس نصاً مُحقَّقاً بِمعنى التحقيق!!؟، وأنه ربما ترتب على تحقيقه: إعادة صياغة هذا النص القرآني من جديدٍ؛ لأننا قد نحصل على كلمةِ نقصٍ هنا وكلمة زيادة هناك!!؟".

ونذكر القراء الأفاضل بأن غاية المستشرقين من دراساتهم حول الإسلام ومصادره قد فضحها المستشرق:( رودي بارت:1143م) حين قال:
" إن الهدف من الكتابات الاستشراقية كان إقناع المسلمين بلغتهم ببطلان الإسلام واجتذابهم إلى الدين المسيحي".( الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، للمستشرق رودي بارت ص 11 ترجمه إلى العربية مصطفى ماهر، ونشرته دار الكتاب العربي).

يتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: إفحام الموحدين للمشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين
04-08-2018, 05:26 PM
هذا مزيد بيان بتوفيق الحافظ الرحمن للقاعدة الفاصلة الهامة جدا في كون:

[ القرآن الكريم محفوظ في الأفئدة والصدور قبل أن يكون محفوظا في المصاحف و السطور، فالمصدر الأصلي في حفظ ونقل القرآن العظيم هو: السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف]

فإلى المقصود بتوفيق الحافظ المعبود:

قال الأستاذ الفاضل المستشار: سالم عبد الهادي:

سَـمَــاعِــيٌّ مِن البدايةِ إلى النهايةِ

روى الإمام البخاري رحمه في:(صحيحه:4679): حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ؛ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ؛ وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ؛ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ، قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ـ وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ ـ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلَا نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ: مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} إِلَى آخِرِهِمَا، وَكَانَتْ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. انتهى.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا الحديث:" إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ؛ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ".

وفي هذا فوائد ثلاثة:
الأولى: إقرار أبي بكرٍ وزيد رضي الله عنهما لقول عمر المذكور، فهذا إجماعٌ من إجماعات الشيخين أبي بكرٍ وعمر، ثم موافقة باقي الصحابة لهما على فعلهما، وعدم إنكاره؛ تدل على إجماع الصحابة الكرام رضي الله عنهم على هذا الأمر.
الثانية: خشية عمر رضي الله عنه من كثرة قتل القُرَّاء، والتي سينتج عنه لو حصل: (أن يذهب كثيرٌ من القرآن)؛ تعني بكل إيجاز: أنه لم يذهب حرفٌ من القرآن حتى هذه اللحظة التي كان الثلاثة (أبو بكر، وعمر، وزيد رضي الله عنهم يتباحثون في جمع القرآن)، فحتى هذه اللحظة لم يذهب حرف من القرآن، لكن عمر رضي الله عنه يخشى أن يضيع كثيرٌ من القرآن إذا استحرَّ القتل، أو كَثُر القتل في صفوف القُرَّاء في كل معركة من معارك المسلمين، فيرى عمر رضي الله عنه ضرورة جمع القرآن الآن، والقرآء متوافرون متواجدون قبل أن يُقْتلوا في معارك المسلمين، وبهذا يضيع كثيرٌ من القرآن بمقتل من يحفظه، فلابد إِذن من البدء على الفور في جمع القرآن.
وإذا لم يكن قد ذهب حرفٌ من القرآن حتى اللحظة المذكورة بإجماعهم؛ ثم بَدَءَ الجمعُ مباشرة، ولله الحمد، فهذا بإيجاز يعني: أَنَّه لم يذهب حرفٌ واحدٌ من القرآن الكريم أبدًا، ولله الحمد.
الثالثة: لكن رويدًا يا أمير المؤمنين: أبا حفصٍ العظيم رضي الله عنك وعن أولادك وذريتك وأحبابك، وحشرنا الله معك في جنات النعيم في صحبة نبينا صلى الله عليه وسلم.
رويدًا أبا حفصٍ، ودعني أسألك، لأتعلَّمَ منك، يا مَنْ أنعم الله عليَّ بحبِّكَ:
لماذا تخشى ضياع القرآن بموت القراء!!؟.
هل لأن الجزيرة العربية أو المدينة قد خلتْ ممن يُحْسِن القراءة إلا هؤلاء القراء، فتخشى إن قُتِلوا: أن لا تجد قارئًا أو كاتبًا يجيد القراءة والكتابة!!؟.
أرجوك أبا حفصٍ: سامحني على غبائي في سؤالي.
أرجوك أبا حفصٍ أن تسامحني، وليشفع لي عندك حُبّي للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وسائر الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
أنا ما سألتُك أبا حفصٍ لأعترضَ؛ كلا.
وما سألتُك أبا حفصٍ لجهلي بالإجابة؛ كلا.
وكيف أجهلها، وأنا ابنُ الإسلام وتلميذكم!!؟.
إنما سألتُكم، ليعلم السامع جواب ما أريد:
يلزم من ضياع القرآن بمقتل القرآء: أن يكون القراء هم: المصدر الأساسي في نقل القرآن لا غير، وقد وافق أبو بكرٍ وعمر وجميع الصحابة على هذا الذي قاله أبو حفص عمر رضي الله عنه.
فالقراءهم: مصدر التلقّي الوحيد للقرآن، لا غير، ولو كان مصدر التلقِّي هو: الصُّحُف أو الكتابة: لما هَمَّ ذلك عمر، ولا غيره من الصحابة.
أعلمتَ أبا حفصٍ رضي الله عنك: أنني أفهم قصدك وما ترمي إليه.
نعم أبا حفصٍ: أَعْلَمُ أنك ترسل رسالة لمثلي؛ كأنك تقول فيها: المصدر الوحيد في نقل القرآن هو: السماع لا الكتابة، ولذلك فأنتَ تخشى من موت الحفظة الذين يحفظونه كما أُنْزِل، فلابد من جمع القرآن من هؤلاء الحفظة بنفس الطريقة التي حفظوه بها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو كان الاعتماد في نقل القرآن على الصحف: لم يكن ثمة ما يدعو للانزعاج من مقتل القرآء والحفظة، وما يضرهم أن يُقتل القرآء جميعًا: إِنْ كان القرآن محفوظًا لديهم في صحفٍ خاصةٍ به!!؟، فدل هذا على أن نقل القرآن وروايته على القراء (السماع)، لا على الكتابة (الصُّحُف).

ـ وفي(صحيح مسلم:2865) من حديثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ.. فذكر حديثًا طويلاً، وفيه يقول سبحانه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم:" إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ"
يقول الإمام النووي في(شرح صحيح مسلم):
" أَمَّا قَوْله تَعَالَى [يعني في الحديث القدسي]: (لَا يَغْسِلهُ الْمَاء)، فَمَعْنَاهُ: مَحْفُوظ فِي الصُّدُور, لَا يَتَطَرَّق إِلَيْهِ الذَّهَاب, بَلْ يَبْقَى عَلَى مَرّ الْأَزْمَان، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: (تَقْرَأهُ نَائِمًا وَيَقْظَان) فَقَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ يَكُون مَحْفُوظًا لَك فِي حَالَتَيْ النَّوْم وَالْيَقَظَة, وَقِيلَ: تَقْرَأهُ فِي يُسْر وَسُهُولَة".

يقول أبو بكر بنُ مجاهد في:(كتاب السبعة في القراءات:88):
" ذكر الأسانيد التي نقلت إلينا القراءة عن أئمة أهل كل مصر من هذه الأمصار.
أسانيد قراءة نافع:
فأما قراءة نافع بن أبي نعيم، فإني قرأت بها على عبد الرحمن بن عبدوس من أول القرآن إلى خاتمته نحوا من عشرين مرة".أهـ
ثم بدأ في سرد أسانيده إلى أئمة القراءات.
فانظر إلى قوله عن قراءة نافع فقط:" فأما قراءة نافع بن أبي نعيم، فإني قرأت بها على عبد الرحمن بن عبدوس من أول القرآن إلى خاتمته نحوًا من عشرين مرة".
فهو قد قرأ قراءة واحدة فقط من قراءات القرآن على شيخٍ واحدٍ فقط: نحوًا من عشرين مرة، فما بالك ببقية القراءات وبقية الشيوخ!!؟.
وهذا يؤكد ما نكرره دائمًا: أن الاعتماد في نقل القرآن وروايته على السماع لا على الكتابة.
وانظر إلى قول أبي بكر بن مجاهد في نفس الكتاب (48) أثناء كلامه على روايات القرآن:
" ومنها: ما توهم فيه من رواه، فضيع روايته، ونسي سماعه لطول عهده، فإذا عرض على أهله: عرفوا توهمه، وردوه على من حمله، وربما سقطت روايته لذلك بإصراره على لزومه، وتركه الانصراف عنه، ولعل كثيرا ممن ترك حديثه، واتهم في روايته كانت هذه علته، وإنما ينتقد ذلك أهل العلم بالأخبار والحرام والحلال والأحكام، وليس انتقاد ذلك إلى من لا يعرف الحديث ولا يبصر الرواية والاختلاف".
فانظر: كيف يُتْرَك الراوي للقرآن إذا (نسي سماعه!!؟).

وانظر إلى قول أبي بكر بن مجاهد في:(كتاب السبعة في القراءات: 46) أيضًا: " وقد ينسى الحافظ، فيضيع السماع، وتشتبه عليه الحروف، فيقرأ بلحن لا يعرفه، وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره، ويبرئ نفسه، وعسى أن يكون عند الناس مصدقا، فيحمل ذلك عنه، وقد نسيه ووهم فيه، وجسر على لزومه والإصرار عليه.
أو يكون قد قرأ على من نسى وضيع الإعراب، ودخلته الشبهة فتوهم، فذلك لا يقلد القراءة، ولا يحتج بنقله.
ومنهم: من يعربقراءته ويبصر المعاني ويعرف اللغات، ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس والآثار، فربما دعاه بصره بالإعراب إلى أن يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين، فيكون بذلك مبتدعًا.
وقد رويت في كراهة ذلك وحظره أحاديث".
ثم يروي لنا ابنُ مجاهد بإسناده:
ـ عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال:" اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم".
ـ وعن حذيفة رضي الله تعالى عنه:" اتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم، فوالله لئن استقمتم: لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموهم يمينا وشمالا: لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا ".
ـ وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" إن رسول الله يأمركم أن تقرؤوا القرآن كما عُلِّمتم".
ـ وعن عبد الله بن مسعود نحو أثر عليٍّ، ولكني رأيتُ إسناده ضعيفًا، فلم أذكره.
ـ قال ابنُ مجاهد:" وقد كان أبو عمرو بن العلاء، وهو إمام أهل عصره في اللغة، وقد رأس في القراءة والتابعون أحياء، وقرأ على جلة التابعين: مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ويحيى بن يعمر، وكان لا يقرأ بما لم يتقدمه فيه أحد.
حدثني عبيد الله بن علي الهاشمي وأبو إسحق بن إسماعيل بن إسحق بن إسماعيل بن حماد بن زيد القاضي قالا: حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: أخبرنا الأصمعي قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول:" لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قُرِىءَ به: لقرأت حرف كذا كذا وحرف كذا كذا".
وحدثني عبيد الله بن علي قال: حدثنا ابن أخي الأصمعي عن عمه قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء {وبركنا عليه} في موضع {وتركنا عليه} في موضع أيعرف هذا؟، فقال:" ما يعرف إلا أن يُسْمع من المشايخ الأولين".
قال: وقال أبو عمرو:" إنما نحن فيمن مضى كبقل في أصول نخل طوال".
قال أبو بكر: وفي ذلك أحاديث اقتصرت على هذه منها".

فحتى وإن كان وجهًا جائزًا في اللغة: لا يُقْرَأُ به، وإنما يُقْرأُ بما سُمِعَ، وأُخِذَ روايةً وسماعًا، وعلى هذا كلام أبي عمرو بن العلاء السابق في قوله:" لولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قُرِئَ به، لقرأتُ حرف كذا كذا وحرف كذا كذا"، يعني: أن اللغة العربية ووجوهها يصح فيها، ويجوز قراءة هذه الحروف على الشكل الذي قصده أبو عمرو، ولكن لا يصح في القرآن إلا أن يكون مسموعًا.
وانظر ما رواه لنا ابنُ مجاهد في:(كتاب السبعة في القراءات: 51)، وسأختصر الأسانيد هنا:
ـ عن محمد بن المنكدر قال:" قراءة القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأول"، قال: وسمعت أيضا بعض أشياخنا يقول عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز مثل ذلك.
ـ وعامر الشعبي قال:" القراءة سنة، فاقرؤوا كما قرأ أولوكم".
ـ وعن صفوان بن عمرو وغيره قالوا: سمعنا أشياخنا يقولون:" إن قراءة القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأول".
ـ وعن عروة بن الزبير قال:" إنما قراءة القرآن سنة من السنن، فاقرؤوه كما عُلِّمتموه".
وفي لفظٍ عن عروة بن الزبير قال:" إنما قراءة القرآن سنة من السنن، فاقرؤوه كما أُقْرئتموه".
ـ وعن زيد بن ثابت قال:" قراءة القرآن سنة".

وقال ابن الجزري رحمه الله:
" ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على خط الْمصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لِهَذِهِ الأمة".[النشر في القراءات العشر لابن الجزري: 1/6].

ويقول الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه:
" والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على المصاحف؛ كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال:" إِنَّ ربى قال لي أَن قم في قريش فأنذرهم، فقلت: أي رب إذًا يثلغوا رأسي - أي يشدخوا- فقال: إني مبتليك ومبتل بك، ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظانًا، فابعث جندا أبعث مثليهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأَنْفق أُنْفِق عليك"؛ فأخبر: أن كتابه لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء، بل يقرؤه في كل حال، كما جاء في نَعْتِ أُمَّتِه: (أناجيلهم في صدروهم بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب، ولا يقرؤونه كله إلا نظرًا لا عن ظهر قلب".(مجموع الفتاوى لابن تيمية: 13/400).

قال المفسر الآلوسي رحمه الله:
" المرعى فيه: السماع من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم".( روح المعاني للآلوسي: 1/21).
وقال الآلوسي أيضًا أثناء ردّه على بعضهم:
" فلأن قوله: إن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مجموعًا مُؤَلَّفًا على ما هو عليه الآن إلخ؛ إنْ أراد به: أنه مرتب الآي والسور كما هو اليوم، وأنه يقرأه من حفظه في الصدر من الأصحاب كذلك، لكنه كان مفرقًا في العسب واللخاف؛ فمُسَلَّمٌ".( روح المعاني: 1/25).

ويقول الزرقاني في (مناهل العرفان: 1/177):
" وقد قلنا غير مرة: إن المعول عليه وقتئذٍ كان هو: الحفظ والاستظهار، وإنما اعتمد على الكتابة كمصدر من المصادر زيادة في الاحتياط ومبالغة في الدقة والحذر".

شهادة من ألماني:
يقول:( د. مراد هوفمان):
" إن المستشرقين حاولوا إثبات: أن القرآن ليس من عند الله وفشلوا، كما فشلوا في إثبات حدوث تغيير في أي حرف أو كلمة فيه، وقد يرفض غير المسلم محتوى القرآن، ولكنه لا يستطيع أن يتجاهل تأثيره الخلاب على قارئه والمستمع إليه، ويجد الباحث أن في القرآن: إشارات علمية لم تكن معلومة في هذا الزمان، ثم ثبت صدقها مؤخرا، والقرآن هو: الكتاب الوحيد في العالم الذي يحفظه ملايين البشر عن ظهر قلب، ولغة القرآن هي: العربية التي تجمع العالم الإسلامي الذي يزيد على 1200 مليون مسلم، والقرآن هو: الذي حافظ على اللغة العربية بقواعدها وكلماتها، ولذلك، فهي اللغة الوحيدة في العالم التي كتب بها القرآن منذ أكثر من 1400 عام، ولا يزال مئات الملايين من عامة أهلها يستطيعون قراءته دون تأهيل بدراسات خاصة، ودون ترجمته إلى اللغة المتداولة الآن عند العرب، فلغة القرآن هي: اللغة التي يتكلم ويكتب بها العربحتى اليوم...".أهـ.
هنا

ومن هنا:
يظهر للقراء الكرام: أن الأصل في رواية القرآن وتلقّيه على السماع والحفظ، لا على الكتابة والمصاحف.
وقد صار هذا ديدنًا لعلماء القراءات يذكرونه في فواتح كتبهم، بعبارات شتى، ومعنًى واحدٍ.
ومن ذلك: قول أبي عمرو الداني رحمه الله في مقدمة كتابه:(نقط المصاحف):
" هذا كتاب علم نقط المصاحف، وكيفيته على صيغ التلاوة، ومذاهب القراءة".

ويقول ابن خالويه رحمه الله في مقدمة كتابه:(الحجة في القراءات السبع:61) في بيان منهجه في كتابه:
" فإني تدبرت قراءة الأئمة السبعة، من أهل الأمصار الخمسة، المعروفين بصحة النقل وإتقان الحفظ، المأمونين على تأدية الرواية واللفظ".

يتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: إفحام الموحدين للمشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين
09-08-2018, 01:46 PM
قال الأستاذ الفاضل المستشار: سالم عبد الهادي:

التدوين الكتابي للقرآن
ذكرتُ فيما سبق:" أن الأصل في نقل القرآن على السماع والحفظ لا على الكتابة والمصاحف"، وسيأتي ما يؤيد هذا إن شاء الله تعالى ويُؤَكده.
وقد آن للقراء الكرام: أن نوقفهم على تاريخ تدوين المصحف في نسخٍ خطية ومصاحف مكتوبة باليد.
صار من حق البحث الآن: أن نذهب به صوب مخطوطات المصحف، وما حقيقة ما جرى هنالك، وهل يا ترى كُتِبَت هذه النسخ الخطية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أم في حياته!!؟.
خلط المستشرقون هنا خلطًا عجيبًا، فزعم بعضهم: انقطاع أسانيد النُّسَخ الخطية، وزعم آخرون: أنها دُوِّنَتْ بمعرفة الصحابة الكرام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وهلم جرَّا من تُرَّهات المستشرقين وأباطيلهم التي لا حصر لها!!؟.
رغم أن القضية في نظر البعض ربما لم يعد لها أهميتها من حيث البحث، أو لم تعد الحاجة ماسة إلى بيانها في نظر البعض؛ بعد بيان: أن الاعتماد في نقل القرآن على السماع لا الكتابة، ورغم ذلك: فإنها تكتسب أهمية من عدة جهاتٍ؛ أذكر منها:

أولاً: أن الكتابة مؤكدة للحفظ ومعينة على تثبيته والعناية به، ومذاكرته وتذكُّره على الدوام، ووجودهما معًا: أعلى درجات الحفظ وأولاها وآكدها من وجود الحفظ دون الكتابة أو الكتابة دون الحفظ.
ولذا نعلم أن حفظ القرآن ونقله يأتي في أعلى درجات الحفظ والعناية والتثبُّت؛ لأنه يعتمد على السماع والحفظ في الأصل، ثم لم يُغْفِل أهمية الكتابة وفائدتها في تذكُّر المحفوظ واستذكاره.

ثانيًا: أن كثيرًا من المستشرقين قد عبثوا في هذه الجهة جدًا، وحاولوا تشكيك المسلمين في القرآن الكريم من خلالها، وخلطوا فيها خلطًا عجيبًا، مع تزوير الحقائق وتزييفها وإخفاء الوجه الصحيح للمسألة.
فكان من حقنا: أن نعيد الأمر إلى نصابه، وندخل البيت من بابه، فننظر في المسألة نظرة المسلمين الأصحاء، لا نظرة المستشرقين الخبثاء، ونقيم الأدلة على كلامنا من خلال ثوابت الروايات وقواطع النصوص التي لا تقبل الجدل ولا التشكيك، لعل الله عز وجل ينفع به أقوامًا ويضر به آخرين.


النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بكتابة القرآن فور نزوله:
لنترك الروايات الثابتة والصحيحة تتكلم بنفسها عن نفسها، ولننقلها من أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل وهو:(صحيح البخاري)، وسنرى الآتي:

البخاري (2831) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا، فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا، وَشَكَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95].

البخاري (4594) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ادْعُوا فُلَانًا"، فَجَاءَهُ وَمَعَهُ الدَّوَاةُ وَاللَّوْحُ أَوْ الْكَتِفُ، فَقَالَ:" اكْتُبْ{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95]"، وَخَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ؛ فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95].

البخاري (4990) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ادْعُ لِي زَيْدًا، وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ أَوْ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95]"، وَخَلْفَ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِي، فَإِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}.[النساء: 95].
وفي رواية الإمام أحمد لنفس الحديث (18174) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَن أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95]، أَتَاهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنِي إِنِّي ضَرِيرُ الْبَصَرِ؟، قَالَ: فَنَزَلَتْ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ائْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ أَوْ اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ". ونحوها في رواية الإمام أحمد أيضًا (18084).

دروسٌ مستفادة:

والحقيقة: أن أمر كُتَّابِ الوحي مشهور متواتر لا يحتاج لبيانٍ، ولكنا عمدنا هنا إلى بعض ما يؤكد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة القرآن فور نزول الوحي عليه، وقد سبق هذا صريحًا واضحًا في النصوص المذكورة هنا، فما معنى هذا، وما هي الفائدة من إيراده!!؟:

أولا: براءة النبي صلى الله عليه وسلم من نسيان بعض الوحي، أو عدم تبليغه لأُمَّتِه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن فور نزول الوحي عليه: يقطع الطرق على هؤلاء المستشرقين الخبثاء أمثال: نولدكه (الذي يشيد به موراني دائمًا) وجون جلكورايست وغيرهما ممن يقولون:" إن المصحف لم يشتمل على كافة الأجزاء القرآنية"، أو:" أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نسي شيئًا من القرآن لم يبلغه أمته!!؟".
ومع وضوح فساد هذا القول جدًا ومصادمته للنصوص القرآنية المؤكدة لحفظ الله عز وجل لهذا القرآن الكريم خاصة وللإسلام عامة، وتوصيله كاملا لكافة أجيال أمة الإسلام؛ ومع هذا كله، فقد جاءت النصوص السابقة لتقول:
" هاؤم: انظروا كيف كتب النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فور نزول الوحي عليه، فها هو يقيد الوحي بالكتابة إلى جانب الحفظ، حتى لا ينسىَ شيئًا أو يضيع منه شيء، أو يتسرب الشك إليه في يومٍ من الأيام!!؟".
وكأن الله عز وجل بسابق علمه: قد أراد أن يقطع بهذه النصوص السابقة طريق التشكيك الاستشراقي الخبيث في القرآن الكريم من جهة نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الوحي الذي نزل.
كلا؛ هذا هو الوحي ينزل، فيستدعي النبي صلى الله عليه وسلم كتَبَة الوحي فورًا، ويأمرهم بكتابة ما نزل، ثم يأتي زيد بن ثابت رضي الله عنه (كما سيأتي)، فيجمع القرآن من هذه الصحف التي كتبها هو أو غيره بناءً على أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتحت سمعه وبصره وفي حياته، فلا مجال إذن لحاقدٍ أو عابثٍ!!؟.

ثانيًا: القرآن ليس وجادةً، والوجادة في الكتب كالضالة في الأشياء لا صاحب لها، ولا نسب ولا صلة تربطها بأحدٍ!!؟.
ومِنْ هنا: اختلف علماء الحديث في قبولها وردها، واستقرَّ الأمر عندهم على قبولها في مواضع، ورفضها في أخرى، فقبلوها حيث قامت القرائن على صحَّتِها، ورفضوها حين احتفَّتْ بها أمارات الرفض، أو كانت عارية عن أسباب القبول.
فأنتَ ترى أنها لم تُقْبَل لذاتها، وإنما قُبِلَتْ بناءً على ما حولها من ملابسات؛ فهي من (المقبول لغيره) لا (المقبول لذاته).
وهذا هو منهج العقل السليم، وهو الذي عليه علماء المسلمين، بخلاف النصارى الذين قبلوا الوجادة في كل وقتٍ، بل وأثبتوا بها: القداسة والنزاهة لما لا تهدأ فيه منافرة الحروف، وتلاحي الكلمات: لتضاربالمعاني وسمج السياقات!!؟، فيا الله: ما أحلمك عليهم!.
نبقى مع القرآن الكريم، فنقول: رغم الضوابط الصارمة التي ذكرها أهل الحديث الشريف في قبول الوجادة وردّها إلا أن الإجماع قد قام على أن الاعتماد في نقل القرآن على السماع والحفظ لا الكتابة والمصاحف، وقد سبق بيان هذا الأصل، كما رأينا هنا: أن نُسَخ القرآن الخطية التي اعتمد عليها زيدٌ في جمع القرآن: لم تكن وليدة زمن أبي بكرٍ رضي الله عنه، ولا كانت وجادةً؛ يعني لم تكن صحيفةً وُجِدَتْ بعد عصر كاتبها أو وفاته، وإنما كُتِبَتْ بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفي حضرته، وتحت سمعه وبصره، فأغلق الله بهذا الطريق على خبيث يدعي انقطاع سند مخطوطات المصحف، أو جاهلٍ يزعم: أنها كُتِبَتْ بعد النبي صلى الله عليه وسلم!!؟.
ثم هاهو زيدٌ يتتبع هذه النُّسَخ، وينسخها كلها في مكانٍ واحدٍ، فالحمد لك يا الله.

نعم؛ ثبت لنا الآن، وبلا أدنى شكٍّ:
أن القرآن الكريم قد كُتِبَ بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتحت سمعه وبصره وبحضرته، وفور نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم، ثم جاء زيدٌ رضي الله عنه، فتتبَّع هذه النُّسَخ المعروف نسبتها وصلتها، والسابق كتابتها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ زيدٌ هذه النُّسَخ المعروفة نسبًا وصلةً، فجمعها في مصحفٍ واحدٍ، اعتمادًا على المحفوظ والمكتوب، وبناءً على الضوابط الصارمة التي وُضِعَتْ في نَسْخِ القرآن المكتوب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

يتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: إفحام الموحدين للمشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين
12-08-2018, 02:27 PM
ما بينَ موراني وجلكرايست: شُبْهَةٌلا أساس لها!!؟


سبق وذكرتُ: أن طعونات المستشرقين في ثوابت الإسلام لا تتوقف عند قضية مخطوطات القرآن، وأنها حلقة في منظومة كبيرة للطعن في الإسلام، وتشكيك المسلمين في دينهم من ناحية، وتشويه الإسلام وتقديمه للشعوب الغربية بصورة منفرة من ناحية أخرى، فهي حلقة ذات حدين: لإصابة المسلمين وتشكيكهم في دينهم، ولحجب غير المسلمين عن الدخول في الإسلام.
وقد تتابع المستشرقون على الطعن في القرآن الكريم خاصة، وفي الإسلام عامة، ولم تتغير نظرتهم للقرآن عبر العصور، وإن اختلفتْ مناهجهم في تناول الطعن وتقديمه، كما سبق وأفاد د.موراني في عبارته التي سبق لي أن نقلتُها عنه في بدايات موضوعنا هذا.
وكان الإطار الذي اختاره موراني لوضع الطعن فيه هو:" إطار البحث العلمي النزيه القائم على الدراسة المقارنة بين مخطوطات المصاحف، وتحقيق المصحف تحقيقًا علميًّا " حسب زعمه!!؟، كما زعم: أنه ربما أوصلتنا هذه النسخ إلى زيادة ونقصان في بعضها، أو إلى اختلاف ترتيب بعض الآيات ولو جزئيًّا.. كذا زعم موراني!!؟، وقد مضى نقل كلامه بنصه في أول هذه المقالات، وفي غير مرة.
وجاء جون جلكرايست، فأخذ هذا الطعن وجعله في إطارٍ آخر، ثم أضاف إليه أشياء أخرى لم يذكرها لنا موراني هنا، وربما ذكرها في موضعٍ آخر؛ لأن غيره من المستشرقين قد ذكرها، ولا زال موراني يؤكد على أن نظرة المستشرقين للقرآن لم تتغير!!؟.
تكلم جلكرايست كلامًا كثيرًا لا طائل من ورائه، وخلط في كلامه خلطًا عجيبًا، وحَرَّفَ وزَوَّرَ وَزَيَّفَ، بل لم يدع رذيلة علمية أو خطيئة منهجيَّة إلا وارتكبها في كتابه هذا!!؟، ومع هذا نقتطف من كتابه النص الآتي فقط:
يقول جون جلكرايست في كتابه:(جمع القرآن) تحت عنوان:(3- نظرة عامة حول المرحلة الأولى لجمع القرآن):
" إمكانية فقدان بعض أجزاء النص واردة في عدة أحاديث نبوية تبين بعضها أن محمدا كان هو نفسه عرضة لنسيان بعض أجزاء القرآن.
"حدثنا موسى، يعني: ابن إسماعيل حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلا قام من الليل، فقرأ فرفع صوته بالقرآن، فلما أصبح قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم: يرحم الله فلانا كائن من آية أذكرنيها الليلة كنت قد أسقطتها ". (كتاب الحروف و القراءات سنن بن أبي داود، رقم: 3456).
وضع مترجم المرجع السابق إلى الإنجليزية ملاحظة هامشية بين فيها: أن محمدا لم ينس بعض الآيات تلقائيا، بل الله هو الذي أنساه إياها مقيما بذلك عبرة للمسلمين، مهما كانت الغاية و الأسباب، فالمهم هو: أن محمدا تعرض لنسيان بعض القرآن الذي أقر أنه أوحي إليه".
وبناءً على هذا، قال جون جلكرايست:
" نفس النصوص تنفي الفرضية الحديثة القائلة بأن المصحف الحالي هو: نسخة طبق الأصل للقرآن الأول لم يحذف منها شيء، و لم يمسسها أي تغيير، ليس هناك ما يدل على أن النص تعرض للتحريف، وكل محاولة لتأكيد ذلك (كما فعل بعض الباحثين الغربيين) يمكن دحضها بسهولة، بالمقابل: هناك أدلة عديدة على أن القرآن كان غير مكتمل وقت تدوينه في مصحف واحد".

إن جون جلكرايست يشير إلى تأكيد بعض الباحثين الغربيين على تحريف القرآن، ثم ينفي هذا الزعم، ويؤكد على أنه لم يُحَرَّف، وبهذا ينفذ إلى قلوب القراء، ويظن القارئ به: الإنصاف أو النزاهة أو الحيادية!!؟، فيسهل عليه بعد ذلك: أن يزيف الحقيقة، ويزعم: أن القرآن لم يصل كاملاً!!؟، ويطلق عبارة لا قيمة لها بأن هناك:" أدلة عديدة على أن القرآن كان غير مكتمل وقت تدوينه في مصحفٍ واحدٍ!!؟".
ويخبط خبط عشواء، ويحطب والدنيا ظلام!!؟، ليؤكد كلامه وفكرته هذه، بل
وصل الأمر به: أن يجعل الواقعة المذكورة في الحديث السابق في كلامه مؤكدة لنسيان النبي صلى الله عليه وسلم بعض الوحي!!؟.
وقد نقله من سنن أبي داود، على عادة المستشرقين في عدم الفهم في ترتيب المصادر، والجهل بعلوم الإسلام ومصادره، ولنر رأي التاريخ في هذا الخبط الموراني أو الجلكرايستي!!؟.

فماذا لديك أيها التاريخ!!؟:
إذا رجعنا إلى الحديث السابق في كلام جلكرايست، فسنرى أنه عند البخاري ومسلم، وكان العزو إليهما أولى: لو كان عارفًا بمصادر المسلمين أو بطرق استخراج النصوص وتخريجها عندهم!!؟.
على كل حالٍ، فالحديث رواه:( البخاري:5042) و:(مسلم:788):
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِئًا يَقْرَأُ مِنْ اللَّيْلِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ:
" يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا".

والجواب على هذه الشُّبْهة من وجوهٍ عديدة نذكر منها:

أولاً: فرقٌ بين النسيان الجائز على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الوحي، وبين دعوى نقصان القرآن، وأنه نسي بعضه ولم يبلغه أُمَّتَه!!؟،
فالنسيان جائزٌ على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الوحي، وربما نسِيَ شيئًا من الوحي، لكن لا يُقَرّ على هذا النسيان أبدًا، بل كان سبحانه وتعالى يتعهَّد نبيه بالتذكير دائمًا، إما عن طريق الوحي المباشر، أو عن طريق نصب الدلالة له على التذكُّر كما في الحديث المذكور، حيثُ نصَبَ الله عز وجل له رجلا من الصحابة يقرأ الآية، ليتذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: أن هذه الشُّبْهة لا دليل فيها على أن بعض القرآن قد ضاع، أو أنه لم يصل كاملاً، بل الحديث المذكور واضح جدًا في كمال القرآن وتمامه، وأنه قد بلَّغَه النبي صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِه، كاملاً غير منقوص.
ولو تدبَّر المستشرقون وفكروا بعقولهم قليلاً: لرأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" لقد أَذْكَرَنِي كذا وكذا آيةً أسقطتُها"، فمِنْ أين وصلتْ هذه الآيات للرجل الذي قرأَ بها!!؟، ومَنْ أبلغه إياها هو وغيره من الصحابة!!؟.
أليس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم!!؟.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ الآية لأصحابه، فحفظوها ووعوها، ثم نساها لبعض الوقت حتى تذكرها بقراءة القارئ، فالقضية هنا: محصورة في نسيان النبي صلى الله عليه وسلم للآية لبعض الوقت، ثم تذكُّره لها ثانية بعد سماعها من القارئ، ولا أثر لها على القرآن إطلاقًا.
لماذا!!؟.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلَّغَها أصحابه، فوصلتهم ووعوها وحفظوها وقرؤوا بها، ففي الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يذكرها: كانت الآية محفوظة في صدور أصحابه، معلومةً لديهم، يقرؤون بها في صلاتهم، فلم تتأثر الآية أصلا بنسيان النبي صلى الله عليه وسلم لها لبعض الوقت؛ لأن نسيانه لها جرى بعد أَنْ بلَّغَها أصحابه فحفظوها ووعوها، بدليل أنه تذكرها حين سمعها من القارئ، ولو كان نسيان النبي صلى الله عليه وسلم للآية المذكورة مؤثِّرًا عليها: لم يكن ليقرأ بها أحدٌ أصلاً، ولا ليتذكرها هو ثانيةً صلى الله عليه وسلم، ولكن وقع نسيانه لها بعد تبليغه لها، فكأَنْ شيئًا لم يكن كما ترى؛ إِذْ لا صلة لنسيانه لها لبعض الوقت من قريب أو بعيد بقضية وصولها لأصحابه رضوان الله عليهم، ولا حفظهم لها؛ لأنه كما كررتُ مرارًا: قد بلغها قبل نسيانه لها، والحديث ظاهرٌ واضحٌ في ذلك.
ويؤَكِّد هذا ويوضِّحه بلا أدنى لبسٍ: أنه صلى الله عليه وسلم كان يبادر بإملاء الوحي فور نزوله على كُتَّابِ الوحي إِنْ كانوا حضورًا في مجلسِه، أو يبادر بالإرسال لهم وأمرهم بإحضار أدوات الكتابة، وكتابة ما نزل من الوحي فور نزوله، وقد سبق هذا في المداخلة السابقة هنا، مع أدلة ذلك بوضوح.
فأنت ترى الآن: أنه صلى الله عليه وسلم كان يكتب الوحي فور نزوله، ثم كان يُبَلِّغه أصحابه فور نزوله، ويقرأه عليهم فيكتبوه، فلا إشكال بعد ذلك: إن نسيَ شيئًا لبعض الوقت، ثم تذكَّرَهُ ثانيةً؛ لأنه قد سبق تدوينه فور نزوله فحُفِظَ في أدوات الكتابة كما حُفِظَ في الصدور.
فاجتمع فور نزول الوحي أعلى درجات الحفظ له، وهما: حفظ الصدر وحفظ الكتابة، وتكاتف السماع مع الكتابة على حفظ القرآن الكريم، فلله الحمد.
ومن هنا: لا مدخل ولا شُبْهَة لهؤلاء المستشرقين الذين يزعمون: أن القرآن وصل ناقصًا!!؟، ويستدلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نسيَ بعض الآيات!!؟.
كلا؛ نساها بعد أن كتبها.
كلا؛ ونساها بعد أن حفظها أصحابه، ومِنْ ثَمَّ، تذكَّرَها ثانيةً حين سمعهم يقرؤون بها، كما هو واضح من الحديث بحمد الله تعالى.

ثانيًا: قال ابن حجرٍ شارح البخاري في شرحه للحديث السابق:
" وَقَوْله فِيهِ:(لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَة)، قَالَ الْجُمْهُور: يَجُوز عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْسَى شَيْئًا مِنْ الْقُرْآن بَعْد التَّبْلِيغ، لَكِنَّهُ لَا يُقَرّ عَلَيْهِ، وَكَذَا يَجُوز أَنْ يَنْسَى مَا لا يَتَعَلَّق بِالإِبْلاغِ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى:{سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ اللَّه} [الأعلى: 6 - 7]".أهـ
والاستثناء في قوله تعالى:{إلا ما شاء الله} يعني: إلا ما شاء الله أن يُنسيكه، فسيُنْسِيكه الله عز وجل، لعلَّة النسخ مثلاً، كما يقول الله عز وجل في الآية الأخرى:{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106].
وقد بَوَّب:( البخاري:5037) على الحديث المذكور هنا بقوله:" بَاب نِسْيَانِ الْقُرْآنِ، وَهَلْ يَقُولُ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَكَذَا؟، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ اللَّه} [الأعلى: 6 - 7]".
قال شارحه ابنُ حجرٍ رحمه الله:" كَأَنَّهُ يُرِيد أَنَّ النَّهْي عَنْ قَوْل: نَسِيت آيَة كَذَا وَكَذَا: لَيْسَ لِلزَّجْرِ عَنْ هَذَا اللَّفْظ , بَلْ لِلزَّجْرِ عَنْ تَعَاطِي أَسْبَاب النِّسْيَان الْمُقْتَضِيَة لِقَوْلِ هَذَا اللَّفْظ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَنْزِل الْمَنْع وَالْإِبَاحَة عَلَى حَالَتَيْنِ: فَمَنْ نَشَأَ نِسْيَانه عَنْ اِشْتِغَاله بِأَمْرٍ دِينِيّ كَالْجِهَادِ: لَمْ يَمْتَنِع عَلَيْهِ قَوْل ذَلِكَ، لِأَنَّ النِّسْيَان لَمْ يَنْشَأ عَنْ إِهْمَال دِينِيّ, وَعَلَى ذَلِكَ: يُحْمَل مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسْبَة النِّسْيَان إِلَى نَفْسه، وَمَنْ نَشَأَ نِسْيَانه عَنْ اِشْتِغَاله بِأَمْرٍ دُنْيَوِيّ - وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مَحْظُورًا - اِمْتَنَعَ عَلَيْهِ لِتَعَاطِيهِ أَسْبَاب النِّسْيَان.
قَوْله ـ [يعني البخاري]ـ: وَقَوْل اللَّه تَعَالَى:{سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلا مَا شَاءَ اللَّه}: هُوَ مَصِير مِنْهُ ـ [يعني البخاري]ـ إِلَى اِخْتِيَار مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر: أَنَّ (لا) فِي قَوْله:{فَلا تَنْسَى} نَافِيَة، وَأَنَّ اللَّه أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لا يَنْسَى مَا أَقْرَأهُ إِيَّاهُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ (لا) نَاهِيَة، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِشْبَاع فِي السِّين لِتُنَاسِب رُءُوس الآي، وَالأَوَّل أَكْثَر. وَاخْتُلِفَ فِي الاسْتِثْنَاء، فَقَالَ الْفَرَّاء: هُوَ لِلتَّبَرُّكِ وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْء اِسْتُثْنِيَ، وَعَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة:{إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّه}، أَيْ: قَضَى أَنْ تُرْفَع تِلاوَته، وَعَنْ اِبْن عَبَّاس: إِلاَّ مَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُنْسِيكَهُ لِتَسُنّ، وَقِيلَ: لِمَا جُبِلْت عَلَيْهِ مِنْ الطِّبَاع الْبَشَرِيَّة، لَكِنْ سَنَذْكُرُهُ بَعْد, وَقِيلَ الْمَعْنَى:{فَلَا تَنْسَى}، أَيْ: لا تَتْرُك الْعَمَل بِهِ إِلاَّ مَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يَنْسَخهُ، فَتَتْرُك الْعَمَل بِهِ".أهـ

ثالثًا: قال الإمام البخاري رحمه الله: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}، قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ}، فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ: اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ: قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ". ورواه مسلم أيضًا:(448).
فأنتَ ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعجَّل حفظ القرآن، فأمره الله عز وجل أن ينصت إلى جبريل عليه السلام، أولاً، ووعدَه بأن يحفظه، وأن يقرأَه النبي صلى الله عليه وسلم كما سمِعَه من جبريل عليه السلام.
ففي حديث ابن عباسٍ المذكور:" فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ".
فها هو يقرأه كما قرأَه جبريل تمامًا، ثم تأتي روايات حديث البراء بن عازبٍ السابق في المداخلة السابقة، ومنها:
رواية البخاري (4990) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ادْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ أَوْ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95]"، وَخَلْفَ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنِي، فَإِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}[النساء: 95].
فانظر في هذا الترتيب الرباني المُحْكَم: يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأَهُ جبريل تمامًا، ثم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة الوحي على الفور، في الوقت نفسه يقرأَهُ النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه فيحفظوه، حتى إذا ما نَسِيَ شيئًا منه ذكَّرَتْه قراءة أصحابه رضوان الله لما سمعوه منه من قبلُ، وما دوَّنوه بأمره وتحت سمعه وبصره في ألواحهم،
فلك اللهم الحمد على ما أنعمتَ به وأوليت.

رابعًا: قال الإمام عبد الرزاق الصنعاني رحمه الله في:(تفسيره:1/55):
" حدثنا مَعْمر عن قتادة والكلبي في قوله:{ما ننسخ من آية أو ننسها} قالا: كان الله تعالي ذِكْره يُنْسِي نبيَّه ما شاءَ، وينسخ ما شاء.
قال مَعْمر: وقال قتادة: وأما قوله:{نأت بخير منها أو مثلها} يقول: آية فيها تخفيف فيها رخصة فيها أمر فيها نهي".أهـ
وهذا المعنى مشهور في تفاسير المسلمين، ومنه يؤخذ: أن نسيان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقع إلا بمشيئة الله عز وجل، وبطبيعة الحال، فإن ما أراد الله عز وجل أن يُنْسِيه لنبيه صلى الله عليه وسلم، فليس هو من الوحي المأمور بتبليغه، بخلاف ما لو أوحاه الله عز وجل إليه، ثم نساه النبي صلى الله عليه وسلم بعد تبليغه لأُمَّتِه، فهذا وحي، لا يضره أن ينساه النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الوقت؛ لأنه قد بلَّغَه لأُمَّتِه فحفظوه ووعوه ودوَّنوه في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وتحت سمعه وبصره، ثم ها هو يتذكره ثانيةً إذا سمعهم يتلونه.
وقال ابنُ أبي حاتمٍ في:(تفسيره:1057):" حدثنا أبو زرعة حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة حدثنا أسباط عن السُّدِّي:{ما ننسخ من آيةٍ}: نسخها: قبضها.
قال أبو محمد ـ [وهو ابن أبي حاتمٍ] ـ: يعني بقبضها: رفعها؛ مثل: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة، وقوله: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى إليهما ثالث".أهـ
ولننظر في هذه النصوص في:(تفسير ابن أبي حاتمٍ) أيضًا:
" 19222 عن مجاهد في قوله:{سنقرئك فلا تنسى} قال: كان يتذكر القرآن في نفسِه مخافة أن ينسى.
19223 عن ابن عباس:{سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله} يقول: إلا ما شئت أنا، فأنسيك.
19224 عن قتادة في قوله:{سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله} قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئًا إلا ما شاء الله".أهـ
ويقول ابنُ كثير في:(تفسيره:4/501):
" وقوله تعالى:{سنقرئك}، أي: يا محمد {فلا تنسى}، وهذا إخبارٌ من الله تعالى ووعدٌ منه له بأنه سيقرئه قراءةً لا ينساها، {إلا ما شاء الله}، وهذا اختيار ابن جرير، وقال قتادة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئًا إلا ما شاء الله، وقيل: المراد بقوله:{فلا تنسى}: طلب، وجعل معنى الاستثناء على هذا ما يقع من النسخ، أي: لا تنسى ما نقرئك إلا ما يشاء الله رفعه، فلا عليك أن تتركه".أهـ.

وأكتفي في الجواب عن الشُّبْهة المثارة بهذه الرُّباعية المذكورة، ومنها: يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم مُبَرَّأٌ تمامًا من نسيان بعض الوحي قبل أَنْ يُبْلِغَه أُمَّتَه، كما يتضح لنا مما سبق بجلاءٍ لا لبس فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينسَ حرفًا من القرآن لم يُبْلِغه أُمَّتَه، وأنَّ القرآن قد وصلنا كاملاً غير منقوص تمامًا كما قرأهُ النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، فالحمد لله ربِّ العالمين.

يتبع إن شاء الله.

  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: إفحام الموحدين للمشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين
16-08-2018, 01:32 PM
عودةٌ إلى تدوين القرآن وترتيبه في العهد النبوي

نعود إلى ما كنَّا فيه من الكلام عن التدوين الكتابي للقرآن الكريم وترتيبه في العهد النبوي، وبحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، حيثُ خلط أكثرُ المستشرقين في هذا الموضع خلطًا عجيبًا جدًا، وكان على رأس هؤلاء المستشرقين:( جولدزيهر ونولدكه وجون جلكرايست وموراني وغيرهم) ممن لم يتمكن مِن دراسة الإسلام مِن منابعه الأصلية، أو بطرقِه الصحيحة،
حتى وصل الحال بنولدكه أن يزعم: أن القرآن قد وصلنا ناقصًا!!؟، بينما ذهب جولدزيهر وجلكرايست إلى أن القرآن قد جُمِع من الصحف والأكتاف ومن صدور الرجال، فاحتملا هنا دخول الخلل، وضياع بعض القرآن!!؟، ومن هنا: جاء نولدكه وموراني ليزعما ضرورة الدراسة المقارنة لنسخ المصحف بغرض تحقيق القرآن، للوقوف على الزيادة والنقص واختلاف الترتيب بين هذه النسخ!!؟.
وذهب بعض الباحثين الغربيين إلى أن القرآن قد وقع فيه التحريف؛ لأنه قد كُتِبَ من الصحف والأكتاف وغيرها من أدوات الكتابة، ولم يُكْتب ـ كما زعم ـ بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، حكى ذلك عنهم: جون جلكرايست في كتابه:(جمع القرآن) وردَّه وأَكَّد على أن القرآن لم يقع فيه أي تحريف، ولكنه في نظره لم يصل كاملاً!!؟، وعلل ذلك بعللٍ شتى، كان منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك القرآن مجموعًا، وأن جمع القرآن قد خضع لضوابط صارمة ورغبة صادقة قام بها الصحابة رضي الله عنهم، ولكن فاتهم الكثير من القرآن حسب زعمه، فلم يُدَوِّنُوه!!؟.
ويلاحظ هنا: وحدة الأفكار مع اختلاف الأشخاص والأزمنة، واختلاف عباراتهم في التعبير عن نفس الأفكار: لا يعني اختلاف الفكرة أو تغيُّرها.
وهذا كله يؤكد ما سبق لموراني: أن ردده حين قال في كلامه عن إدوارد سعيد:" غير أنه قال كلمة حق، ولم يرد بها إلا الحق عندما زعم أنّ موقف المستشرقين لم يتغير في جوهره عن موقف أسلافهم , يعني بذلك في الدرجة الأولى: موقف المستشرقين من النبي ومن القرآن، إلاّ أنه أخطأ عندما زعم أن منهجية الأبحاث لم تتغير، إنه كان عاجزا من أن يرى أن المنهجية والاقتراب من العلوم الإسلامية قد تغيّر كما تغيرت الأوضاع بظهور المصادر الجديدة التي لم يتناولها الأسلاف بسبب عدم وجودها في بداية القرن 20 م مثلا.
أما الموقف المبدئي من القرآن، فهو لم يتغير".[مستند رقم (5) السابق في المستندات].
وعلى كل حالٍ، فقد سبق رد هذه التخليطات في المداخلات السابقة، كما سبق إثبات: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دوَّنَ القرآن فور نزوله، وأمر بكتابته غضًّا طريًّا بمجرد نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن الكاتب موجودًا بعث في طلبِه، وأمرَهُ بإحضار أدوات الكتابة، ثم أَمْلَى عليه الوحي، فكتبه في الصحف والأكتاف، بجوار حفظه في الصدور.

ونتابع مسيرتنا في نفس الموضوع، فنزيده أدلةً وأطروحات جديدةً، مؤَكِّدَةً لما سبق تقريره في:" كتابة النبي صلى الله عليه وسلم للوحي فور نزوله، وأنه لم يَمُتْ صلى الله عليه وسلم إلا والقرآن محفوظ في الصدور، مكتوب في الألواح والأكتاف وغيرها من أدوات الكتابة".
مع الإشارة للاقتصار في ذلك كله على الثابت من الأدلة، وكذا الإيجاز في ذلك جدًّا، بعدَ ضمان السلامة مِن بَتْر المعاني والموضوعات، وذلك تأكيدًا على أمرين:
الأول: وصول القرآن الكريم كاملاً، عن طريق الكتابة، وبدء تدوينه وكتابته فور نزول الوحي، ثم تكرر عملية نسخ هذا المكتوب على مَرِّ الأجيال دون زيادة أو نقصان.
وفي كثرة النُّسَّاخ وتطاول الزمان مع ثبات المنسوخ: أكبر الدلالة على تحقُّقِ وعْدِ الله عز وجل بحفظ القرآن الكريم.
الثاني: التأكيد على ما سبق بيانه من أن الاعتماد في نقل القرآن على السماع والحفظ لا على الكتابة والمصاحف.
والضبط على قسمين:
ضبط صدرٍ، وهو: الحفظ، وضبط كتابة، وهو: التدوين الكتابي للعلوم.
وكلا الضبطين معتمدٌ ومعمولٌ به، بيدَ أن أعلى الحالات: ما اجتمع فيه الضبطان معًا، وتوازيا على حفظِ المنقول، وهذا عينه ما تحقق في القرآن الكريم.
فقد كان ولا زال الاعتماد فيه على الحفظ والسماع، لا على الكتابة والمصاحف، ومع هذا فقد كان ولا زال مكتوبًا محفوظًا مضبوطًا كتابةً ورسمًا في الصُّحُفِ.
والخلاصة عند البخاري:
وخلاصةُ ذلك كله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دَوَّنَ القرآن بأمرِه وحضرتِه، فأَمَرَ صلى الله عليه وسلم بكتابةِ القرآن في حياته، وتحت سمعه وبصره، فور نزول الوحي مباشرةً، ولم يَمُتْ صلى الله عليه وسلم حتى كان القرآن محفوظًا في الصدور، مكتوبًا في الألواح والأكتاف ونحوهما من أدوات الكتابة.
وقد لَخَّصَ لنا البخاري العظيم هذه القضية بقوله رحمة الله عليه: (بَاب مَنْ قَالَ لَمْ يَتْرُك النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ).
ثم أوردَ البخاري رحمه الله (5019): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ: أَتَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَيْءٍ؟. قَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، فَسَأَلْنَاهُ؟، فَقَالَ: مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ.
وفي رواية الإمام أحمد رحمه الله في هذا الحديث (1912): حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ، وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ.
والحديث رواه البيهقي في كتابه:(شُعَبِ الإيمان:172) من وجهٍ آخر عن سفيان بن عيينة عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت مع شداد بن معقل على ابن عباس، فسألناه: هل ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئًا سوى القرآن؟، قال: ما ترك سوى ما بين هذين اللوحين، ودخلنا على محمد بن الحنفية، فسألناه؟، فقال مثل ذلك.

وهذا الحديث يُلَخِّص لنا المعاني السابقة في روايات الباب وأحاديثه، ثم هو غنيٌّ بظهور لفظه، وجلاء معناه؛ عن كثيرٍ مِنْ تَجَشُّمِ شَرْحِه، وتَتَبُّعِ مفرداته.
وسواءٌ كان مراد السائل عن أمر الخلافة كما ذكَرَهُ بعضُ الشُّرَّاح، أو عن غيره من الأمور؛ فإنَّ مما لا خلاف عليه أنه صلى الله عليه وسلم:" لم يترك سوى ما بين اللوحين"، أو:" ما بين الدفّتين".

دلالةُ التَّرْتِيب
يروي لنا الإمام أحمد رحمه الله في:(مسنده:21097): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ شِمَاسَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنْ الرِّقَاعِ، إِذْ قَالَ:"طُوبَى لِلشَّامِ"، قِيلَ: وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ:" إِنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا".
وهو حديثٌ ثابتٌ رواه ابن أبي شيبة والترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم.
وهو عند:( الترمذي:3954) من وجهٍ آخر عَنْ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنْ الرِّقَاعِ... الحديث؛ بنحوه.
يقول البيهقي في كتابه:(شُعَبِ الإيمان:171):" وَإِنَّما أَرَادَ والله تعالى أعلم تَأْلِيف ما نزلَ مِن الآياتِ المتفرِّقَةِ في سُورَتِهَا وَجَمْعها فيها بإشارةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم".
وإطلاق التأليف على الترتيب معروفٌ في لغة العرب، ومن ذلك: ما في (لسان العرب، لابن منظور:3/496):" قال أَبو عبيد تأْويل الأَوراد أَنهم كانوا أَحْدثوا أَنْ جعلوا القرآن أَجزاء كل جزء منها فيه سُوَر مختلفة من القرآن على غير التأْليف جعلوا السورة الطويلة مع أُخرى دونها في الطول" إلى آخره.
فقوله:"على غير التأليف"، يعني به: على غير الترتيب.
وقد استخدم العلماء التأليف بمعنى الترتيب في كلامهم وعباراتهم أيضًا، ومن ذلك:
قول الإمام مسلم رحمة الله عليه في مقدمة:(صحيحه) أثناء كلامه عن منهجه في الصحيح وترتيب أحاديث كتابه:
" فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَإِنَّا نَتَوخَّى أَنْ نُقَدِّمَ الْأَخْبَارَ الَّتِي هِيَ أَسْلَمُ مِنْ الْعُيُوبِ مِنْ غَيْرِهَا...... فَإِذَا نَحْنُ تَقَصَّيْنَا أَخْبَارَ هَذَا الصِّنْفِ مِنْ النَّاسِ أَتْبَعْنَاهَا أَخْبَارًا يَقَعُ فِي أَسَانِيدِهَا بَعْضُ مَنْ لَيْسَ بِالْمَوْصُوفِ بِالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ كَالصِّنْفِ الْمُقَدَّمِ قَبْلَهُمْ ....... فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ نُؤَلِّفُ مَا سَأَلْتَ مِنْ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، يعني: يُرَتِّب الأخبار في كتابه.

إِلَهِيَّة الترتيبِ القرآني:
ويُستفاد من الحديث السابق:
أن الترتيب القرآني الكريم ليس اجتهاديًّا، بل هو توقيفي، صنعه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، بناءً على الوحي، ولم يتركه لاجتهاد المسلمين.
وقد حكى ابن تيمية وكذا الزركشي في:(البرهان) والسيوطي في:(الإتقان) وغيرهم؛ حكوا الإجماع على أن ترتيب الآيات توقيفي، وليس اجتهاديًّا.
واختلفوا في ترتيب السور، والذي رجحه ابن الأنباري وغيره: أنه توقيفي أيضًا، وهو: الراجح المؤيَّد بالأدلة الكثيرة.
وقد عقَدَ ابنُ كثيرٍ في كتابه:(فضائل القرآن:81) فصلاً في تأليف القرآن؛ يعني ترتيبه، وقال فيه:
" فأما ترتيب الآيات في السور، فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن كثيرٍ أيضًا:" وقد حكى القرطبي عن أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال : فمن أَخَّرَ سورةً مُقَدَّمَة أو قَدَّمَ أُخرى مُؤَخَّرَة: كان كمَن أَفْسَدَ نظمَ الآيات وَغَيَّرَ الحروفَ والكلماتَ، وكان مستنده اتّباع مصحف عثمان رضي الله عنه، فإنه مُرَتَّبٌ على هذا النحو المشهور".
وهذا هو الراجح المؤَيَّدِ بالأدلةِ، ومنها: الحديث السابق.
ومن الأدلة على ذلك أيضًا:
ما رواه البخاري في:(صحيحه:4530):" عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 240]؟ قَالَ: قَدْ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا أَوْ تَدَعُهَا؟، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي: لا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ".
وفي روايةٍ:( للبخاري:4536):" عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} إِلَى قَوْلِهِ:{غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240]، قَدْ نَسَخَتْهَا الْأُخْرَى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا؟، قَالَ: تَدَعُهَا، يَا ابْنَ أَخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ".
والحديث صريحٌ جدًّا في أَنَّ عثمان رضي الله عنه لم يُغَيِّر شيئًا مما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم في المصحف، ولا غَيَّرَ شيئًا مِنْ مكانه، وهذا عامٌّ في ترتيب السور والآيات، ولا فرق بين هذا وذاك.
" قال ابنُ وهبٍ: سمعت سليمان بن بلال يقول : سُئِلَ ربيعة لِمَ قُدِّمَت البقرة وآل عمران، وقد نَزَلَ قبلهما بضع وثمانون سورة؟، فقال : قُدِّمَتَا وأُلِّفَ القرآن على عِلْمٍ مِمَّن أَلَّفَهُ، وقد أجمعوا على العلم بذلك، فهذا مما يُنْتَهَى إليه، ولا يُسْئل عنه.
قال ابن وهب: وسمعتُ مالكًا يقول: إِنَّما أُلِّفَ القرآن على ما كانوا يسمعونه مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم".[فضائل القرآن لابن كثيرٍ:81].
وهذا الخبر الأخير عن مالكٍ: رواه أبو عمرو المقرئ في كتابه:(المقنع) (مخطوطة الأزهرية) [ق/5/أ] بإسناده عن ابن وهبٍ قال:" سمعتُ مالكًا يقول: إنما أُلِّفَ القرآن على ما كانوا يسمعون من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وما وَرَدَ عن عثمان رضي الله عنه يخالف هذا، فلا يصح، بل هو حديثٌ منكرٌ جدًّا، وقد ضعَّفَه القاضي الشرعي الْمُحَدِّث:" أحمد بن محمد شاكر"، والعلامة:" الألباني"، والشيخ:" شعيب الأرنؤوط" وغيرهم.
وهو حديث ٌ رواه الإمام أحمد:(401) واللفظ له، والترمذي:(3086)، والبزار في:(مسنده:344)، والحاكم في:(المستدرك:2/360)، والطبراني في (الأوسط:7638) من روايةِ يَزِيدَ الفَارِسِيِّ قَالَ:
" قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ، وَهِيَ مِنْ الْمَثَانِي، وَإِلَى بَرَاءَةٌ وَهِيَ مِن الْمِئِينَ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرًا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ؛ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟، قَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ مِنْ السُّوَرِ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَكَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ يَدْعُو بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ عِنْدَهُ يَقُولُ: ضَعُوا هَذَا فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَيُنْزَلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ، فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَيُنْزَلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ الْآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتْ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ، فَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهًا بِقِصَّتِهَا، فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، وَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرًا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ".
ويزيد الفارسي المذكور في الإسناد: رجلٌ آخر غير يزيد بن هُرْمُز المشهور، وقد فَرَّقَ بينهما يحيى بن سعيدٍ القطان، وأنكر أن يكونا واحدًا، وكذا فرَّقَ بينهما أبو حاتمٍ الرازي والترمذي والمزي وغيرهم.
وقد ضعَّفَ أبو زرعة يزيدًا الفارسيّ هذا، وذكر يحيى بن سعيدٍ القطان: أنه رجلٌ كان يكون مع الأمراء، يعني أنه لم يكن بصاحب حديثٍ، ولم يكن الحديث صَنْعَته وحِرْفَته، فمثل هذا لاشك في نكارة تفَرُّدِه، خاصةً إذا تفَرَّدَ بحكمٍ وتفصيلٍ مخالفٍ للمقطوع به، شهرةً وتواترًا.
ولذا قال الشيخ القاضي الشرعي:" أحمد بن محمد شاكر" رحمة الله عليه، وهو يتكلم عن يزيدٍ الفارسي هذا:" فلا يقبل منه مثل هذا الحديث ينفرد به، وفيه تشكيك في معرفة سور القرآن الثابتة بالتواتر القطعي، قراءة وسماعًا وكتابة في المصاحف، وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور؛ كأن عثمان كان يثبتها برأيه وينفيها برأية، وحاشاه من ذلك، فلا علينا إذا قلنا: إِنَّه حديثٌ لا أصلَ له تطبيقًا للقواعدِ الصحيحةِ التي لا خلافَ فيها بينَ أئمةِ الحديثِ".
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في:(ضعيف الترمذي):" ضعيف".
وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط رحمه الله في تحقيقه لمسند أحمد:" إسناده ضعيف ومتنه منكر"، ونقل كلام الشيخ أحمد شاكر السابق أيضًا.
وهذا هو الذي يقطع به مَن يعمل بالحديث، أو يشم رائحته؛ لأنَّ مَن ضَعَّفَه مثلُ: أبي زرعة الرازي إمام الجرح والتعديل، ولم تكن الرواية صنعته كما يفيد قول يحيى القطان إمام الحديث، حيثُ قال فيه:" كان يكون مع الأمراء".
أضف إلى هذا كلّه: أنه لم يشتهر بالرواية، ولم يذكر له المزي في ترجمته من:(تهذيب الكمال:32/287) في الكتب الستة سوى هذا الحديث، وهو عند أبي داود والترمذي والنسائي، وحديثًا آخر عند الترمذي في(الشمائل).
ورغم هذا كله: تَفَرَّد برواية هذا الحديث المخالف للمتواتر عن ابن عباس، دون سائر أصحاب ابن عباس الثقات الأثبات أمثال: سعيد بن جبير وغيره من أئمة القرآن والحديث.
فأين كان هؤلاء الأئمة عن هذا الحديث!!؟.
ولماذا لم يأتِ به سوى هذا الضعيف الذي لا يُعْرَف بالحديث ولا بالرواية!!؟.
فهذا كله: يؤكد ما ذكره المشايخ الكرام السابق ذِكْرهم هنا: من نكارة وضعف هذا الحديث.
وهذا الكلام يجري على سنن المسلمين في البحث العلمي، ولا يجري بطبيعة الحال على سنن وطريقة موراني في البحث والتصحيح والتضعيف، القائمة على تصحيح كافة ما ورد مكتوبًا في صحيفة لمجرد أنه ورد مكتوبًا وفقط، تمامًا كما لدى أصحاب الحفريات، وستأتي الإشارة لمناهجهم في ذلك بإذن الله تعالى.
لكن لا علينا من مخالفتهم لما يجهلونه ولا يعرفونه، وقديمًا قيل:" مَنْ جهل شيئًا: عاداه!!؟".
نعم؛ و:" مَن استعصى عليه أكل الموز قال: وجدتُه مالحًا!!؟".

يتبع إن شاء الله.

  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: إفحام الموحدين للمشككين في حفظ رب العالمين للقرآن المبين
01-09-2018, 11:11 AM
مصحفٌ واحدٌ وترتيبٌ واحدٌ لا غير

نعم؛ لا يوجد لدى المسلمين أكثر من مصحفٍ، بل هو مصحفٌ واحدٌ له ملايين النُّسَخ والصور المأخوذة عن النسخة الأصلية.
وجميع الصور هي بعينها النسخة الأصل، فهي صور طبق الأصل لنسخةٍ واحدةٍ ومصحفٍ واحدٍ فقط لا أكثر.
دعنا نعود للوراء حيث موراني وأسلافه المستشرقين لنرسم صورتهم التي يريدونها:

يرى موراني تبعًا لنولدكه أنَّ النسخة المنشورة من المصحف بأيدي المسلمين الآن ليست نسخةً محققةً، وأنها بحاجةٍ إلى تحقيقٍ، كيف!!؟.
عن طريق الدراسة المقارنة لنسخ المصحف الخطية المتداولة في العالم الإسلامي، ومنها هذه المجموعة النادرة التي عُثِر عليها في صنعاء مثلاً، أو تلك التي عُثِر عليها في الأزهرية أو في دار الكتب أو غير ذلك من نسخ المصحف الخطية حول العالم، لكن انتبهوا يا قراء، فالأمر لم ينته بعدُ!!؟،
فالقصة القصيرة عند موراني ونظرائه تقول:" لابد من الدراسة المقارنة للنسخ الخطية للمصحف".
هكذا تبدو قصتهم القصيرة بريئة وعفيفة المظهر، لكن ثمة عبارات تُظْهِر ما في البطون!!؟.
حينما نسمع بالدراسة المقارنة يقفز إلى أذهاننا احتمالية وجود خلاف، فيؤكد موراني هذا، فيحتمل أنه ربما وجدنا كلمة نقصٍ هنا أو كلمة زيادة هناك أو اختلاف في الآيات على حدِّ زعمه السابق في عبارته المذكورة في صدْر موضوعنا.

في النُّسَخ الخطية للمصحف: ما عُزِيَ إلى عثمان، وبعضه قيل: إنه بخطِّ عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه نفسه.
انظروا يا قراء: نُسَخ بخط عليٍّ أو غيره؟.
إذن، سنجد في أثناء الدراسة المقارنة خلافًا بين نسخة عليٍّ رضي الله عنه من حيثُ الترتيب، وبين الترتيب المشهور المتداول للمصحف.
انتظروا: هذا ليس كل شيءٍ، فحتَّى إن لم نجد نسخةَ عليٍّ أو ابن مسعود مثلاً، بما تحمله هذه النُّسخ من خلافٍ في الترتيب عن الترتيب المتداول المشهور الذي صار معروفًا بالمصحف العثماني، فحتى إن لم نجد هذه النسخ؛ فسنجد ما يقوم مقامها في كتب العلماء وكلامهم؛ أمثال حكاية ابن الأنباري رحمة الله عليه لخلاف مصحف عليٍّ وابن مسعود مثلاً مع المصحف العثماني!!؟، وهنا تنتهي القصة القصيرة يا قراء، وقد أراد مؤلفها أن يقول لكم:
إنه مهما حاولتُم، فسنجد نسخًا واختلافاتٍ وزيادة ونقص في نسخ المصحف عن الترتيب المعهود المتداول المشهور، وهنا عليكم الاختيار أيها الناس، ويلزمكم البحث والترجيح!!؟.
وهكذا سيخرج بنا موراني من دائرة الثابت المستقر إلى دائرة الشك والتجريب!!؟.
هكذا خططوا وأرادوا.
لكن هل يتم لهم هذا!!؟، هل صحَّ ما ذكروه!!؟.

لم يعد القراء الكرام بحاجة إلى جوابٍ عن هذا السؤال بعد كل ما سبق؛ لكن لا علينا أن نعيد التذكرة ببعض الأمور باختصارٍ وتركيزٍ:
الأول: أن الأصل في نقل القرآن على السماع والحفظ لا على الكتابة والمصاحف، فالأصل السماع، وما خالف السماع الوارد الآن، فلا عبرة به مهما كان، وقد سبق بيان هذا الأصل بحمد الله تعالى.

الثاني: أنَّ عثمان رضي الله عنه قد أراحنا من هذا كله، فأحرقَ تلك النُّسخ التي كتبها ابن مسعود وغيره من الصحابة لأنفسهم رضي الله عنهم، حتى لا يختلف الناس في القرآن.
فمَنْ زعم الآن: أن بإمكانه العثور على نسخة ابن مسعودٍ أو عليٍّ أو أُبَيٍّ نفسها، فقد خالف التاريخ المتواتر المقطوع به.
نعم؛ لا نُنْكر أن نجد بعض نسخ مكتوبة أو منسوخةً من هذه النُّسخ السابقة قبل حرقها، لكن يبقى هذا الاحتمال مجرد احتمال ذهني ممكن الوقوع من حيثُ الذهن فقط، وليس ممكنًا من حيثُ الشَّرْع أبدًا؛ بل مستحيلٌ في نظري.

ومع هذا، فلو حصل ـ وهذا بعيدٌ كما سبق ـ ووُجِدَتْ بعض نسخةٍ مكتوبةٍ ومنسوخةٍ من هذه النُّسَخ قبل حرقها، فكأنَّ شيئًا لم يكن!!؟.
نعم؛ لأنها: لا عبرة بها: لا في الترتيب ولا في غيره من المباحث الخاصة بالقرآن؛ لخلوِّها من شروط نقل القرآن الكريم، المتمثلة في السماع والتواتُّر؛ إلخ.

فشمِّر عن ساعديك يا موراني للبحث عن مثل هذه القطع، واستعن بأهل الأرض جميعًا ممن يوافقك المذهب، لنقول لك في نهاية مطافك وتعبك:
" ما جئتُم به لا يوافق شروطنا الصارمة لنقل قرآننا الكريم، فأعيدوا الكَرَّة في اتجاهٍ آخر، ولا يلزمنا ما ليس بحجةٍ عندنا، كما وأنه مِن العبثِ والجهل: أن يُحْتَجَّ علينا بما ننكره!!؟.
وهنا نقرأ قول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ .. فَسَيُنفِقُونَهَا .. ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً .. ثُمَّ يُغْلَبُونَ .. وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [36] لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ [37] قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ} [الأنفال:36 - 38].

أما أنتم يا قراء، فقد صار مِن حقِّكم علينا أن نكشف لكم عن سِرِّ اختلاف نسخة عليٍّ أو ابن مسعود أو غيرهما ممن كتبَ نسخةً لنفسه، تخالف المشهور المتداول المتواتر بأيدي المسلمين الآن.

دعنا نُذَكِّر القراء الكرام بما سبقت الإشارة إليه من كون الترتيب القرآني لا مجال فيه لاجتهادِ بشرٍ، وإنما هو توقيفيٌّ بحت، يعني أنه تم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، تبعًا للوحي.
وهذا سرٌّ آخر من أسرار المعجزة القرآنية ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى، لكن تتعيَّن الإشارة هنا إلى تلقِّي الصحابة الكرام رضي الله عنهم لهذا الترتيب التوقيفي، ثم رضاهم وعملهم به..
وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه قد نسخ المصاحف ووزعها في المسلمين، بمشورةٍ منهم، فكان ذلك إجماعًا منهم وممن بعدهم من المسلمين على الترتيب المتداول المتواتر بأيدي المسلمين الآن.
وقد رفض عثمان رضي الله عنه كما سبق النَّقْل عنه: أن يتصرَّف في شيءٍ، وعلى حدِّ قوله:" لا أُغَيِّر شيئًا من مكانه" كما سبق قريبًا.
وقد دلَّ إقرار الصحابة رضي الله عنهم جميعًا بهذا الترتيب النبوي للقرآن الكريم على أن اختلاف النُّسَخِ التي كتبها بعضُ الصحابة لأنفسهم، والتي عُرِفَتْ باسم المصاحف لم يكن مقصودًا، سواءٌ لأُبَيٍّ أو ابنِ مسعود، أو غيرهما.
نعم؛ لم يكن خلافهم مع ما عُرِفَ بعدُ باسمِ مصحفِ عثمان مقصودًا، وإنما جاء اختلاف نُسَخِهِم تبعًا لطبيعة الوحي في نزول القرآن مُفَرَّقًا، فكانت الآية تنزل حسب الواقعة أو الحادثة، فيكتبها ابن مسعود أو أُبيٌّ وغيرهما في صحُفٍ خاصةٍ بهم، فإذا نزلتْ أخرى ألحقوها بما قبلها، وهكذا.
ولم تكن أدوات الكتابة في حالةٍ تسمح آنذاك بتغيير الترتيب مِنْ آنٍ لآخر، ولا هي بمثل ما هي عليه الآن من يُسْرٍ وسهولةٍ، ولذا اكتفى أمثال ابن مسعود وأُبي مثلاً بحفظ الترتيب الذي يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم تبعًا للوحي، وتركوا ما كتبوه في ألواحهم الخاصة بهم كما هو، على ترتيب النزول، فلما رحل هذا الجيل المبارك، وجاءتْ أجيالٌ أخرى، ورأوا هذا الاختلاف ظنُّوه مقصودًا، ولذا تناقلوا عبارة (مصحف عليٍّ) أو(مصحف ابن مسعود) أو (مصحف أُبَيٍّ)، وعليٌّ وابنُ مسعود وأُبَيٌّ رضي الله عنهم من هذا القصد براء.
كيف وقد نُسِخَتِ الصُّحُف أكثر من مرة في حياة هؤلاء بالترتيب المشهور في المصحف المتداول بيد المسلمين، ولم يُنْكر عليٌّ ولا ابن مسعود ولا غيرهما هذا الترتيب، ولا اعترضوا عليه!!؟.
ولو كان ترتيبهم المخالف لما في أيدي المسلمين الآن مقصودًا: لاعترضوا على الترتيب الحالي، ولأظهروا رأيهم المخالف، خاصة وهم مَن هم مِن الأمانة والثقة والشجاعة في قول الحق، ولا يمنعهم من البلاغ آنذاك: رهبة حاكم ظالمٍ ولا زيف دنيا هزيلة؛ لأنه لم يكن ثمة ظلم ولا رغبة في دنيا، فما كانوا يعرفون سوى الآخرة، وما عملوا إلا لها، فرضي الله عنهم.
فدلَّ سكوتهم وإقرارهم بالترتيب الذي بأيدي المسلمين على أنه: المعتمد لديهم أيضًا، وأنهم لا يخالفونه أبدًا، وإنما اختلفتْ طريقة الكتابة في ألواحهم فقط؛ لأنهم كتبوها بناءً على ترتيب النزول، آيةً وراء آية، واستغنوا بحفظ الترتيب التوقيفي الذي قَرَّرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، واشتهر بين الناس؛ فاستغنى عليٌّ وابن مسعود وأُبَيٌّ ونحوهم بحفظ هذا الترتيب التوقيفي وشُهْرَتِه عن إعادة نَسْخِ وكتابة ما كتبوه.
فلا ذنب لهم: إِنْ جاء بعدهم مَنْ لم يفهم مقصدهم، ولا عُنِيَ بدراسة حالتهم الاجتماعية وعُرْفهم السائد آنذاك، ليقف على طبيعة الأمور كما هي في الحقيقة، لا كما يتصوَّرها هو!!؟.
وربما رجع الاختلاف عندهم في أول الأمر إلى حدود عِلْمِهم وما بلغهم، ثم ثابوا بعد ذلك إلى الترتيب التوقيفي الذي اشتهر أمره في الناس، ولم يعترضوا عليه.
وقد بعث عثمان بمصحفه إلى الآفاق، وعَلِمَ به الكافة مِن الناس، ولم يعترض عليه أحدٌ منهم، ولا ممَّن بعدهم، فدلَّ ذلك كله على رضاهم جميعًا بالترتيب المشهور في الناس الآن، وهو الترتيب التوقيفي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رجع إليه أصحاب نُسَخ المصاحف الأخرى؛ كعليٍّ وغيره.
وقد وردَ عن عليِّ بن أبي طالبٍ وغيره من أصحاب المصاحف المذكورة: ما يدل على رضاهم ومباركتهم لمصحف عثمان بترتيبه المشهور، بل وَرَدَ صريحًا: أَنَّ عثمان رضي الله عنه لم ينسخ المصحف بترتيبه المتداول بين المسلمين إلا بمشورةٍ مِن عليٍّ وغيره مِن الصحابة الكرام، وأنه فَعَلَ ذلك برأيهم، ولم ينفرد بالرأي دونهم.
وقد ذكر ابن أبي داود في كتابه(المصاحف)، وغيره مِن العلماء عدة نصوصٍ في هذا الصدد، أقتصر منها فقط على الخبر المشهور عن عليٍّ رضي الله عنه، والذي لا يكاد يتركه أحدٌ مِمَّن تعرَّض لهذه المسألة، ومنهم السيوطي في:(الإتقان:772) حيث يقول:
" وأخرجَ ابنُ أبي داود بسندٍ صحيحٍ عن سُوَيْدِ بن غَفَلَة قال: قال عليٌّ: لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا، فوالله ما فَعَلَ الذي فَعَلَ في المصاحفِ إِلاَّ عن مَلأ مِنَّا؛ قال ـ [يعني: عثمان]ـ: ما تقولون في هذه القراءة، فقد بلغني أَنَّ بعضَهم يقول: إنَّ قراءتي خيرٌ مِن قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرًا؟، قلنا: فما ترى؟، قال: أرى أَنْ يُجْمَعَ الناس على مصحفٍ واحد، فلا تكون فرقة ولا اختلاف، قلنا: نِعْمَ ما رأيتَ".
ووردَ عن عليٍّ أيضًا أنه قال:" لو وُليت لعملتُ بالمصاحف عمل عثمان بها". [انظر: الإتقان أيضًا 775].

فهذا ظاهرٌ بلفظه ومعناه على الرضى بعمل عثمان رضي الله عنه، والذي اشتهر بعدُ باسم المصحف العثماني، وهو المتداول بأيدي المسلمين الآن.
ولذا قال الإمام الْمُفَسِّر الآلوسيُّ رحمه الله في:(تفسيره) أثناء الكلام عن نسخ عثمان رضي الله عنه للمصاحف:
" وقد ارتضى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى أن المرتضى كرم الله تعالى وجهه قال على ما أخرج ابن أبي داود بسندٍ صحيح عن سويد بن غفلة عنه: لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا، فوالله ما فعل في المصاحف إلا عن ملأ مِنَّا، وفي روايةٍ: لو وُليت لعملتُ بالمصحف الذي عمله عثمان.
وما نُقِلَ عن ابنِ مسعود أنه قال لما أُحرق مصحفه: لو ملكت كما ملكوا لصنعتُ بمصحفهم كما صنعوا بمصحفي؛ كذبٌ؛ كسوء معاملة عثمان معه التي يزعمها الشيعة حين أخذ المصحف منه.
وهذا الذي ذكرناه مِن فِعْلِ عثمان هو: ما ذكرهُ غير واحدٍ مِن المحققين حتى صرحوا بأَنَّ عثمان لم يصنع شيئًا فيما جَمَعَهُ أبو بكرٍ مِنْ زيادةٍ أو نقصٍ أو تغييرِ ترتيبٍ سوى أنه جَمَعَ الناسَ على القراءةِ بلغةِ قريشٍ محتجًّا بأَنَّ القرآنَ نزلَ بلغتِهِم".أهـ.

فدلَّ هذا على الرضى بترتيب المصحف المتداول بين المسلمين، على أنَّ اختلاف الترتيب في مصاحفهم أو نُسَخِهم التي نسخوها من المصحف، إنما وردَ مِنْ جهة الكتابة عند نزول الوحي مباشرة، وإلحاق ما يُستجد من الوحي بما سبق كتابته، على حسب أزمنة النزول، مع حِفْظ الترتيب الخاص بالقرآن في الصدور.
وإنما مَنَعَهم مِن تغيير نُسَخِهم ونمط ترتيبها: تعسُّر هذا الأمر ومشقّته عليهم، خاصةً مع عدم توفُّر مواد الكتابة، وصعوبة القيام بهذا العمل، وقد سبق أنهم كانوا يكتبون في الأكتاف واللخاف وغيرهما من الأدوات، وهي إما أوراق النخيل، أو قطع العظم أو الأحجار الرقيقة، أو غيرها.
ومثل هذه الأدوات المذكورة وغيرها يصعب جدًا تغييرها كل حينٍ بناءً على الترتيب الأخير للمصحف، الذي تلقَّاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الوحي، فاستغنى هؤلاء بحفظ هذا الترتيب الأخير، وتركوا ما كتبوه كما هو دون تغيير، خاصةً وأنَّ الاعتماد في نقل القرآن على السماع والحفظ لا على الكتابة والمصاحف.
نعم؛ لكنهم أعلنوا رضاهم بما صنَعَ عثمان رضي الله عنه، وبمصحفه الذي نُسِبَ إليه، وهو المصحف المتداول بأيدي المسلمين الآن، بترتيبه الحالي،
فكان هذا الإعلان والرضى منهم: كافيًا في بيان الحال، وقاطعًا لكل الشُّبَه،
ومع هذا، فقد أَبَى قومٌ إلا الأخذ بالشُّبُهات والتعلُّق بها في مقابلة الحق الواضح!!؟.
كما دلَّ رضاهم بهذا الترتيب المتداول المشهور على أنهم علموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وإشارته به، فلم يعارضوه، ولو كان أمرًا اجتهاديًّا تجوز مخالفته: لتمسكوا أو بعضهم بما في نُسَخِهم من ترتيبٍ على أوقات النزول أو غير ذلك، لكن لم يكن شيء من ذلك بحمد الله عز وجل.
فدلَّ هذا كله على ما سبق تقريره: أن سبب اختلاف نسخهم المكتوبة يرجع إلى طريقة الكتابة أولاً بأولٍ عند نزول الآيات في الأحداث والوقائع المختلفة، وإلحاق الآية بعد الأخرى حسب العِلْم بما نزل، والاطلاع على آخر ما استجدَّ مِنْ الوحي الإلهي.
هذا في الوقت الذي كانوا يحفظون فيه الترتيب الأخير لآيات القرآن وسوره حسبما رتَّبَه النبي صلى الله عليه وسلم تبعًا لما قرأَهُ على جبريل عليه السلام قبل وفاته صلى الله عليه وسلم.
فلم يَرَ عليٌّ وابن مسعود وأُبَيُّ بن كعبٍ مثلاً: إعادة نسخ ما كتبوه ليوافق الترتيب التوقيفي المشهور، لصعوبة ذلك بالنسبة لهم ولحالتهم الاجتماعية وأداوات الكتابة آنذاك، ثم اعتمادًا منهم على حفظِ الترتيب التوقيفي والعِلْم به، وشُهْرته في الناس.
وما وردَ عنهم بخلاف ذلك، فلا يصح إسنادًا أو دلالةً، وقد مضى بعض قول عليٍّ الصريح في الرضى بما صنعَ عثمان، وفيه الترتيب المشهور المتداول، والحمد لله ربِّ العالمين.
ولعل من المناسب هنا: أن نلفت نظر القراء الكرام إلى أن د.موراني قد حاول جاهدًا التشويش على الموضوع بصفات ونعوتٍ شتى، منها: الفوضوية مثلا، ومنها: استخدام السب والشتم للتشويش على الموضوع.
وأكتفي في الرد عليه بما ذكره هو نفسه حين قال في ملتقى التفسير:هنا

" الباجي المحترم , حفظه الله, قد كتب:
الرواية الشفوية يا دكتور موراني هي الأصل، ثم يأتي التوثيق الكتابي، بذلك حفظ المسلمون كتابهم من التحريف والتغيير.
أنا شخصيا, كما سبقت الإشارة إلى ذلك, لا أجد دليلا قاطعا على هذا الرأي الذي أحترمه, بل أجد غيره ما لا يفوتك عند قراءتك في الروايات حول (جمع القرآن), وهي كثيرة، فمن هنا لسنا في حاجة إلى إعادتها.
كما لسنا في حاجة, كما أرى, أن ندخل في هذا الحوار العلمي حول المصاحف القديمة ( وهذا هو الموضوع ) أمورا من ميادين السياسة وما يتعلق بها من قريب أو بعيد.
الـدكتور م. مــورانـي مستشرق. كلية الآداب. جامعة بون. ألمانيا". انتهى.

فقوله:" الذي أحترمه" يرد على وصفه لموضوعنا هنا بالفوضوية، وبه نكتفي في هذا الرد السريع الآن إن شاء الله تعالى.
أما إنكاره لكلامنا السابق في اعتماد السماع والحفظ لنقل القرآن لا الكتابة والمصاحف، فأكتفي في الرد عليه بنصٍ سبق ونقله له الأستاذ الباجي في الرابط السابق من ملتقى التفسير أيضًا عن نولدكه أو شفالي، حيث قال الأستاذ الباجي مخاطبًا موراني هناك:
" وأبدأك بهذا النص عن نولدكه العظيم!!؟ أو عن فريدرش شفالي - فلا أدري لمن أنسب الكلام بعد ما رأيته في واجهة الجزء الثاني من [ تاريخ القرآن ] < عدله تعديلا تاما فريدريش شفالي > -.
قال 2/241: ( ... هكذا يبقى أن نعرف بطبية الحال، ما إذا كان كل من <الجامعين> قد حفظ نصوص الوحي أو أجزاء كبيرة منه في ذهنه، كما سوف نرى لاحقا، فإن حفظ النصوص المقدسة غيبا كان في كل الأزمنة؛ الأمر الأساسي، في حين أن التناقل المكتوب لنصوص الوحي كان ينظر إليه دائما بكونه واسطة لبلوغ الغاية). انتهى النص المقتبس من كلام .

وقد اخترتُ هذا النص خاصة لوصف موراني لدراسات نولدكه بأنها:" معتمدة!!؟": كما سبق في كلامه في موضوعنا هذا، وإشادته بصنائع نولدكه في أكثر من مناسبة!!؟، وقد اعترف نولدكه المعظم لدى موراني أو حتى شفالي بما سبق وقررناه.
فهل سيعترف به موراني أيضًا، أم سيرمي نولدكه وشفالي بالهراء!!؟.
ندع له حرية الاختيار على عادتنا في ترك الاختيار له.

يتبع إن شاء الله.
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 06:41 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى