طبيبات ومدرّسات جزائريات "رهينات" عند الدواعش
05-03-2017, 10:12 PM


تحقيق: ناهد زرواطي


ADVERTISEMENT
لم يكن التنظيم يرحم الأجنبيات، حسب ما سمعناه من شهادات حية لنساء التقتهن "الشروق" وانفردت بشهادات حصرية وحيَّة منهن داخل المعتقلات الليبية وعلى جبهات القتال. الأجنبيات كُنَّ عبارة عن لعبة في أيدي داعش، سبايا لإشباع الرغبات الجنسية، أكثرهن إفريقيات من النيجر وإريتريا ومالي والسنغال وغيرها، نساء هربن من جحيم ما يعشنه في بلدانهن من فقر وحروب أهلية طمعا في الوصول إلى الضفة الأخرى، أوروبا، عن طريق شواطئ ليبيا. لم تتخيل هؤلاء الفتيات والنسوة أن تكون الصحراء والمسالك السرية التي يمررن منها تحت سيطرة "داعش" التي اختطفتهن وجاءت بهن إلى معقلها سرت.
هن مئاتٌ من الإفريقيات اللواتي وجدن أنفسهن من حلم اجتياز البحر إلى حلم الفرار من قبضة داعش، أخبرتني إحداهن وهي إريترية الجنسية بأنها والإفريقيات أبدين استعدادهن لاعتناق الإسلام، طمعا فقط في نيل رضى أفراد التنظيم وحتى لا يتم قتلهن، ولكنهن فوجئن بعدم قبول ذلك، يعني حتى لو أعلنت الإفريقية إسلامها تبقى في نظرهم "الكافرة" التي يجوز سبيها واغتصابها.. وأي اغتصاب، كنتُ أستمع إليهن وكل واحدة منهن تبكي وهي تتذكر حجم العنف والضرب الذي كانت تتعرض له على أيدي أفراد التنظيم والاغتصاب الهمجي اليومي من قبل هؤلاء الوحوش البشرية المتدثّرة زورا برداء الإسلام.
تقول إحداهن من مالي إنه كان يمارس عليهن الممنوع الذي من المفروض ألا يفعله المسلمون، طريقتهم في الاغتصاب كانت جماعية، وكثيرا ما كانت قاسية تقتل العديد من الفتيات وأخريات حاولن الانتحار. بالنسبة إلى الإفريقيات اللاتي تحدثتُ معهن فإن داعش يتلخص في أمر واحد وهو إشباع الرغبة الجنسية لأفراده لا أكثر، يستبيحون النساء وقد يتقاتلون من أجل واحدة.
هو نفس ما حدث مع فليبينية التقيتها، كانت في الـ28 سنة من عمرها، جميلة جدا، اشتغلت في منطقة سرت طبيبة رفقة طاقم طبي فليبيني، قبل أن يدخل التنظيم ويبسط سيطرته على المنطقة وتصبح هي رفقة زميلاتها رهينات لديهم. تحكي لنا الفيليبينية كيف أخذها أفراد التنظيم بالقوة وطلبوا منها أن تكون سبيَّة الخليفة في سرت، ولكبر سنه رفضتْ ذلك بكل قوتها، فما كان منه إلا أن أشبعها ضربا إلى أن استسلمت له. بعد أيام تقول محدثتنا تم إعادتها إلى مضافة النساء التي توجد بها غير المسلمات. ومن هنا بدأ عذاب التناوب عليها من شخص إلى آخر، انهارت بالبكاء قائلة: "لقد طلبت منهم أن أعلن إسلامي وأن يتركوني وشأني لكنهم كانوا كالحيوانات المفترسة، كان همّهم الوحيد هو الجنس، هل هذا هو الإسلام الذي ينادون به؟ هل هكذا تعامل النساء"؟! وأضافت: "كانوا يتلذذون بالذبح أمامنا ويقولون: هؤلاء هم الكفار، كان كل انفجار يهزّ العالم يفرحهم وقتل الأبرياء يعجبهم.."، وعن المجموعة الفليبينية التي كانت معها، أخبرتنا بأنهم أجبروا على أن يكونوا مؤطرين لباقي نساء التنظيم وأن يعطوا لهن دورات في التمريض والولادة.. ولادة كانت المسؤولة عنها الجزائريات..

جزائرياتٌ جامعيات في صفوف التنظيم


استقطاب الكوادر من النساء، بغرض تجنيدهن لصالح داعش في سرت الليبية لم يستثنِ الجزائريات أيضا، جزائرياتٌ يحملن مستوى تعليميا عاليا، خريجات جامعات، متفوِّقات، منهن الطبيبة والمعلمة، أسرت لنا مصادرنا الأمنية التي التقيناها داخل ليبيا، بأنهم اكتشفوا خيوطا لشبكات تجنيد تنشط داخل التراب الجزائري منذ سنوات، مهمتها إخراج الفتيات من مناطقهن نحو الجنوب الجزائري، ومن ثم استلامهن من قبل مهربي التنظيمات الإرهابية التي تنشط هناك من بينها داعش، وبعدها إدخالهن إلى معقلهم سرت، تتنوَّع بيئة ومناطق الجزائريات المجنَّدات بين الشرق والغرب والجنوب وحتى الشمال وهو ما يبيِّن قوة شبكات التجنيد التي تنشط داخل الجزائر، منهن من هربت من بيت عائلتها في ولايات عنابة والبويرة والمدية وتيارت وحتى مناطق الجنوب على غرار ورقلة، طريقة الهرب حسب مصدرنا ليست صعبة فشبكات التجنيد الإرهابية ترسل إلى الفتيات سيارة تقلهن من باب المنزل، الفكر الديني المتطرف هو الرقم الأول في انجذاب الجزائريات نحو تنظيم البغدادي، تنظيم يمنع الفتيات من التواصل مع أهاليهن بمجرد قطع الحدود بين البلدين، حيث تسحب منهن الهواتف ويقدِّم لهن المرافق الذي ينتسب إلى التنظيم رقما سريا جديدا يستعمل وقتها ويرمى به، رقم تتصل به الجزائريات لآخر مرة مع أهاليهن طالبات منهم الصفح ولإخبارهم بأنهن قد شققن طريقهن نحو "الدولة الإسلامية" وألا يسألوا عنهن مجددا!
تقول مصادرنا الأمنية التي التقيناها داخل معتقلات نساء داعش بليبيا، إن الجزائريات كان لديهن نوعٌ من الامتيازات لدى التنظيم، وهذا مقابل تفوُّقهن، فمنهن طبيبات ومدرِّسات يساعدن في شؤون التنظيم، كما تزوجن من قياداته وأنجبن أطفالا خلال السنوات التي قضينها معهم.
خلال جولة قادتنا إلى أحد المعتقلات الخاصة بنساء داعش في ليبيا وجدنا العديد من الجزائريات، كانت إحداهن لم تصل الثلاثين من العمر، مصابة إصابة بليغة في اليد والرجل، أوكلت مهمة علاجها إلى طاقم طبي إيطالي وأجنبي متخصص، سبب الإصابة حسب الجهات الأمنية المكلفة، هو محاولة هروبها رفقة مجموعة من النساء من قبضة التنظيم وتسليمهن أنفسهن إلى الجيش.
تقول نفس الجهات التي كانت داخل أرض المعركة، إن مجموعة من النساء تقدمن نحوهم، فما كان من عناصر الجيش سوى محاولة المساعدة. وهنا فوجئوا بتونسية ترتدي حزاما ناسفا تكبِّر وتفجِّر نفسها وسطهم، العملية خلفت العديد من القتلى من كلا الجانبين، أما الجزائرية فقد نجت بأعجوبة رغم إصابتها البليغة التي استدعت بتر رجلها، ولم ينج رضيعها صاحب الشهر من عملية التفجير تلك. واليوم تقبع خلف السجون الليبية جزائريات، كشفن عن تهريب الأمراء لبنات بلدهن قبل سقوط مدينة سرت، فيما كشفت لنا السلطات الليبية عن جزائريات لقين حتفهن تحت قصف الطيران الأمريكي، منهن من توجد جثتها داخل مصالح حفظ الجثث الليبية بغرض تحليلها "دي ان اي" وأخذ كل التفاصيل المتعلقة بها قبل تسليمها إلى أهلها في دولتها، في حال أرادوا ذلك، وإلا فإنها ستُدفن هناك.
استقدام وخروج الجزائريات يتم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي أحيانا، وكثيرا ما يكون الطرفُ المصري متورِّطا فيها وهذا عن طريق الزواج، أما العيِّنات الأخرى فهي الفكر المترسخ لدى بعض الجزائريات اللواتي كن ضحايا إما إخوتهن أو أزواجهن أو شخص من العائلة أقنعهن بوجوب الانضمام إلى داعش تحت مسمى الدين وإقامة "الخلافة الإسلامية" وطاعة زعيمها، واليوم تقبع المئات من نساء داعش من مختلف الجنسيات العربية والأوروبية والإفريقية وحتى الآسيوية، داخل المعتقلات الليبية بتهم عديدة، منها حتى القتال ضدهم، نساء كن قناصات قاتلن بشراسة خاصة منهن العراقيات المدربات على يد عقداء في الجيش العراقي.
مصير نساء داعش اليوم صعبٌ للغاية في ظل غياب الدولة في ليبيا وعدم التنسيق مع دولهن، الجانب الليبي هنا يبدي كامل استعداده للتعاون مع أي دولة ترغب في أخذ بناتها أو حتى جثثهن، فالأسماء والبيانات وكل التفاصيل موجودة، لكن هنا يشير الطرف الأمني الليبي الذي تحدثنا معه، إلى صعوبة حصول ذلك نظير الاتصالات الماراتونية التي قاموا بها والتي كثيرا ما وصلت إلى طريق مسدودة مع بعض الدول التي لا ترغب في تسلُّم بناتها، ربما لتخوُّفها من الخطر القادم منهن، خطر تقول السلطات الليبية إنه لا محلَّ له خاصة وما عاشته تلك الفتيات من تزييف للحقائق وويلات أراهنّ إياها التنظيم كالقتل والتنكيل والذبح والسبي والاغتصاب وحتى الحرق الجماعي للنساء والدفع بالانتحاريات، أي أنهن كن شاهدات على محاولة التنظيم لتصفيتهن جميعا عوض إنقاذهن من الحرب، لذا فالندم اليوم بادٍ عليهن وعودتهن إلى حضن العائلة والمحيط الاجتماعي أمرٌ لابد منه.
في هذه النقطة بالتحديد، كشفت لنا الجهات الأمنية الليبية التي التقينا بها، أن هنالك منظمات دولية تسعى للتكفل بنساء داعش والوقوف معهن وضمان حقوقهن، في ظل تخوف الكثير من النساء من العودة إلى بلدانهن وما ينتظرهن ربما من أجهزة الأمن هناك، هنا تضيف مصادرنا أن التونسيات رفضن العودة إلى بلدهن وفضلن البقاء داخل المعتقلات الليبية، وهو نفس السيناريو بالنسبة للمصريات والمغربيات، نقطة تلعب عليها منظماتٌ دولية قدمت بطائرة خاصة نحو ليبيا للوقوف على معاملة السلطات الليبية للنساء والإعلان عن التكفل التام بهن.

عندما تشكل الزوجة خطرا على الداعشي


دخولنا إلى معتقلات النساء وحضورنا لبعض جلسات التحقيق التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الليبية، جعلنا نقف عند حقائق خطيرة لداعش في ليبيا، فهمتُ سبب قتل وإعدام وتصفية مقاتلي التنظيم للنساء وعدم السماح لهن بتسليم أنفسهن، كان تخوف عناصر داعش من المعلومات الكبيرة التي تحملها النساء، نساء عشن داخل معاقلهم لثلاث سنوات، شهدن خلالها على نواته وبداية تكوينه وأسماء قادته وحتى أشكالهم وعلاقتهم بباقي شبكات التجنيد والعالم الخارجي، وحتى خلافهم مع بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى التي تنشط بليبيا والتي كثيرا ما اختلفت معهم في مسألة أخذ الفتيات من بين يديها، حقائق خطيرة سننشر البعض منها في تصريحات تنقل لأول مرة من نساء كن زوجات لقيادات بارزة وأمراء داخل داعش الإسلامية في مدينة سرت الليبية.

أم حمزة من الشقيق الإرهابي إلى الزوج الداعشي


أم حمزة، أو هكذا تم تلقيبها بعد التحاقها بداعش في منطقة سرت الليبية، القيناها هناك، وبصعوبة وافقت على سرد قصتها ربما لتكون عبرة لفتيات فرض عليهن الأمر من قبل الأهل، تقول أم حمزة أنها يتيمة تعيش رفقة شقيقها فقط في المنزل الذي يقع بمنطقة درنة الليبية المعروفة بإمارتها وولائها لأنصار الشريعة المصنفة عالميا بالإرهابية، ولاء شقيقها لهذا التنظيم جعله كثير التردُّد على منطقة سرت الليبية معقل إمارة داعش وقتها، في تلك الفترة لم يقبل بترك شقيقته وحيدة، ما جعله يفاتحها في موضوع زواجها من صديق له والانتقال للعيش في سرت، تقول أمُّ حمزة إنها رافقت أخاها إلى هناك العام 2015، إذ رتب أمر زواجها من احد مقاتلي داعش وهو ليبي من نفس المنطقة التي ينحدرون منها.
داخل مدينة سرت وبعد الزواج بدأت محدثتنا تقف على صور الهمجية التي يرتكبها التنظيم من تقتيل وذبح، كان ممنوعا عليها الخروج إلا نادرا لكون "والي" سرت يفرض ذلك على النساء، أي لا خروج للمرأة دون عذر شرعي، تضيف أم حمزة أنها بقيت على تلك الحالة لأكثر من سنة، إلى غاية اندلاع حرب تحرير المدينة، حينها وضعها زوجُها داخل مضافة للنساء بها أكثر من خمسين امراة البعض منهن كن مع أولادهن، كن نساء من مختلف الجنسيات حسب شهادتها: من النيجر والسودان والسنغال وليبيا... تقول أم حمزة إن التونسيات والمصريات كن يحظين بمضافات خاصة تختلف عن تلك التي تتواجد بها الليبيات والإفريقيات، موضوع كانت قد لاحظته هي وبقية الليبيات خلال فترة تواجدهن بسرت، إذ أن التونسيات خاصة لديهن كلمة داخل التنظيم ومنازل أحسن وحتى الأكل والمعاملة، هنا تبكي أم حمزة وتصمت لفترة قبل أن تكمل: "في العيد كانت الذبائح والأغنام تذهب إلى التونسيات والمصريات فقط ونحن لا نتذوق اللحم قطّ، كانت معاملتهن خاصة مقارنة بنا كليبيات أو ربما لكون أزواجنا ليبيين لا يملكون عنصر القيادة الأكبر داخل التنظيم ولا الكلمة المطلقة التي تحسِّن أسلوب حياتنا هناك"، ولم تنس محدثتنا أيام الحرب التي عاشتها هناك، أيام كانت المؤن الغذائية فيها تذهب إلى مضافات التونسيات والمصريات والأجنبيات الفرنسيات منهن خاصة، مضافات يتمُّ حمايتها بشكل كبير من قبل جنود داعش في حين يلقون بباقي النساء في الصفوف الأولى كدروع بشرية، نساء لم يجدن في الأيام الأخيرة ما يسد جوعهن سوى الماء موزوجا بالسكر.