الســـــــــــــــــقوط
09-04-2017, 10:03 PM
الســـــــــــــــــــــــــــقوط
من صخب الأفكار المتصارعة..انقدحت فكرة جديدة في ذهنه. قد تكون هي خيط الأمل الأخير...أو قارب النجاة.
رغم تاريخه الطويل في أصلاح مختلف المحركات. إلا أن هذه الشاحنة العجوز استعصت عليه.
محرك الشاحنة آثر الرقاد طويلا رغم المحاولات الكثيرة لإصلاحه. ربما تكون هذه الفكرة الوليدة هي مفتاح الفرج...
جرب الفكرة الجديدة و عالج أحشاء المحرك بشتى أنواع المفاتيح الأمريكية و الفرنسية و مفكات البراغي التي تحتشد في صندوق خشبي كبير...
استلقى مرة و مرة تحت المحرك العملاق و استغرق في الفحص و التنقيب عن موطن الخلل.. كان حاذقا بشهادة الجميع.
- اللعنة عليك أيها المحرك المقرف - أخذ يشتم بصوت منخفض و المحرك يأبى أن يشتغل ثانية.
جرب كل الحيل و الأفكار. و باءت المحاولات بالفشل. أوقد سيجارة جديدة و راح ينفث سحب الدخان بتوتر و غضب...
أرسل بصره إلى الجدار المتشح بالسواد و الزيت. في الأعلى تلتصق بطاقة عريضة مكتوب عليها :
"خريج المعهد الوطني للتكوين المهني فرع ميكانيك السيارات بتقدير ممتاز " و على الفور راودته لحظات جميلة من الزهو و الافتخار...
و سرعان ما شعر بالانزعاج وسط هذا القميص المترع بالزيوت الذي يرتديه منذ شهر أو يزيد. ..
تلك الزيوت القذرة هي دائما نقطة الخصام بينه و بين زوجه المتمردة.
اليوم صباحا لوثت سمعه بهذه العبارة المنتنة :
- لست خادمة أو جارية حتى ترهق كاهلي بملابسك المشبعة بالزيوت و القذارة. اقتني غسالة كهربائية مثل بقية الرجال –
سحق ما تبقى من السيجارة تحت قدمه و استبد به السأم من الزيوت و المحركات و الزوجة البغيضة و من الحياة بكل ما فيها . ..
شعر بأنه عمر كثيرا فوق كوكب الأرض و أنه شاخ قبل الأوان...أسبوع فقط و سوف يقفل عقده الخامس.
تذكر هذا التاريخ ثم ابتسم رغم الإحباط و الانكسار و هو يتمثل مقولة دوستويفسكي :
" لا يليق برجل يحترم نفسه أن يعيش أكثر من خمسين سنة. "
قطع عليه زبون حبل أفكاره :
- صباح سعيد ...كيف أحوال الشاحنة . هل هناك جديد –
نهض الميكانيكي من مقعده المعدني و هو يجيب الرجل بلغة المستسلم :
- لقد قهرني ذلك المحرك و عجزت عن فك ألغازه –
تسلل الشحوب إلى ملامح الزبون و اقتنع بأن المشكلة أعظم مما كان يتوقع...
و ترددت بوصلة الميكانيكي في اتخاذ القرار المناسب. هل يذعن للفشل و يعيد الشاحنة المتعطلة إلى صاحبها..أم يصمم على مواصلة التحدي و إعادة الحياة إلى المحرك أو إعادة المحرك إلى الحياة ؟؟..
لكن الزبون ألح في الاستفسار و قد بدا عليه انزعاج غير مفهوم :
- ليس لدي وقت كثير لأبدده في الانتظار. يجب أن تجد حلا –
و قبل أن يتم الزبون حديثه ضج الشارع بمنبهات الشرطة (سسسسسسسسسسسسسسسسرررررررررررننن)....و وسط حشود من المارة و الفضوليين ضرب أفراد الشرطة حصارا حول الورشة...
بهت الميكانيكي و الزبون لهذا المشهد الغريب و تصلبا في مكانهما كتمثالين من الرخام ...تقدم شرطيان في صمت و عزم نحو خزان الوقود للشاحنة.
و وسط همس الفضوليين فكك الشرطيان الخزان إلى قطع كثيرة ثم استخلصا من جوفه كميات هائلة من المخذرات و الهيروين..
.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو المجد مصطفى ; 23-04-2017 الساعة 10:08 PM