الصراع في سوريا: مؤتمر ميونخ وأسبوع الحسم والتوازنات
17-02-2016, 09:15 AM
ليز دوسيت
كبيرة مراسلي الشؤون الدولية



القصف الروسي على حلب عزز موقف قوات الرئيس بشار الأسد ودفع آلاف المدنيين للفرار نحو تركيا

هل جاءت رسالة مؤتمر ميونخ، للسياسات الأمنية والدفاعية، لتعلن استمرار القتال، أم هل سيكون بمقدرونا، خلال هذا العام، منح فرصة للسلام؟
كان هذا هو السؤال الذي طرحه وولفغانغ ايشينغير، رئيس منتدى ميونخ، في ختام اجتماع هذا العام.
وانصب اهتمام المنتدى حول الحرب والسلام، ومثلما جاء في قصة تولستوى الشهيرة "كل شيء كان عن روسيا."
وركز المنتدى على مدينة حلب السورية المقسمة والمدمرة، حيث يؤدي القصف الروسي المكثف لميل ميزان القوة نحو الرئيس السوري، بشار الأسد، وتتجه قواته لمحاصرة معاقل المعارضة المسلحة شرقا.
وهرب عشرات آلاف السوريين اليائسين من النجاة من هذا العنف المخيف، نحو الحدود التركية.
لا يمكن لأحد معرفة كيف ستنتهي هذه القصة. لكن هناك غضب وقلق من جانب العرب والغرب الداعمين للمعارضة السورية المسلحة، في الوقت الذي تتكشف فيه أبعاد الموقف.
وكان هناك اجتماع حاسم ضم جميع القوى الخارجية المؤثرة في الصراع المتشابك، عشية انعقاد المنتدى، ما ألقى بظلاله الطويلة على المؤتمر السنوي بأيامه الثلاثة، وكان عادة ما يركز على العلاقات عبر المحيط الأطلسي.
"لم تكن مشكلة روسيا"


سيرغي لافروف قاد مناورات ناجحة في مؤتمر ميونخ ورفض الرضوخ لمطالب الغرب والعرب الداعمين للمعارضة المسلحة بوقف الغارات الروسية

ظل الكثيرون يناقشون قدرة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على الخروج من خمس ساعات من النقاشات الصعبة، الخميس الماضي، دون الرضوخ لمطالبهم بوقف قصف حلب.
وتُتهم موسكو بقصف المعارضة المسلحة المدعومة من الغرب بصورة أساسية أكثر من قصفها التنظيمات الإرهابية، بما فيها ما يسمى "تنظيم الدولة" أو داعش.
وتقول مصادر إن لافروف رد بأن وجود الجماعات المقاتلة الأخرى، التي تحارب إلى جانب المتطرفين، في مرمى القصف "لم تكن مشكلة روسيا."
واجتمع 16 وزير خارجية عربي وغربي بجانب منظمات دولية على مائدة الحوار لبحث الموقف في سوريا، يوم الخميس الماضي.
وناقشوا عن قرب، على الورق، اتفاقا طموحا تضمن، وقفا للعمليات العدائية خلال أسبوع، تسليم المساعدات الضرورية للمناطق المحاصرة خلال أيام، والدعوة لعودة مباحثات السلام التي توقفت الشهر الماضي في جنيف.
ولكن أدرك الجميع أن الحملة العسكرية الروسية حول حلب وغيرها من المناطق الاستراتيجية ستظل قائمة.
وقال أحد وزراء الدفاع الأوروبيين غاضبا، "كيف سُمح للروس بعمل هذا؟"، وذلك في ممرات فندق بايريشير هوف، الذي كان يفور بحالة غضب من مناورات موسكو.
وحدثني الوزير بكلمات خاطفة :"وزراء الخارجية يتعاملون مع الكلمات لكننا نتعامل مع النتائج العسكرية."
ومنذ الاجتماع تعرضت ثلاثة مستشفيات ومدرستان في شمالي سوريا لضربات صاروخية، ما تسبب في قتل عدد من المدنيين، واعتبرت تركيا وفرنسا تلك الهجمات جرائم حرب.
وقالت روسيا إنها "ترفض بشكل قاطع" الاتهامات بارتكاب جرائم حرب عن قصف المستشفيات.


يرى البعض أن نفوذ روسيا في سوريا جاء لتراجع دور واشنطن خلال الفترة الماضية وترددها في القيام بعمل عسكري كبير هناك

"الحكم والقرار"
وأوضح أحد مسؤولي الدفاع الغربيين أن "الروس لديهم كل الكروت"، مع إشارة بتقبل توسيع روسيا الوجود العسكري في سوريا منذ إطلاق الحملة الجوية، في سبتمبر/ أيلول الماضي، وتحول دفة الحرب لصالح الأسد.
وقال دبلوماسي أوروبي كبير حضر المنتدى :"ظلت روسيا لا تمثل شيئا في الشرق الأوسط طوال 25 عاما، وخلال أربعة أشهر فقط تحولت إلى لاعب رئيسي في سياسات القوة بالشرق الأوسط بقدرات عسكرية تدعمها إرادة سياسية."
وأضاف:"تنظر دول الخليج العربي إلى حلفائها بحسرة لأنهم لا ينشرون قواتهم هناك مثلما يفعل الروس."
وإحدى الرسائل الواضحة التي برزت في منتدى ميونخ، أن زيادة نفوذ موسكو في المنطقة كان نتيجة لغياب دور واشنطن.
وقال السيناتور الأمريكي، جون ماكين، في اجتماع مغلق :"لم يحدث هذا لأننا نفتقد القوة أو التأثير أو الخيارات لنستخدمها."
واستطرد :" لا، هذا جاء في نهاية المطاف لحكمنا والقرار."
ووجه انتقادا ضمنيا لرفض الرئيس الأمريكي باراك أوباما أي تدخل عسكري كبير في سوريا.
وكان هذا المنتدى بالنسبة للكثيرين مجرد نسخة أخرى من منتدى العام الماضي، الذي هيمن عليه تدخل روسيا عسكريا في أوكرانيا بما في ذلك ضم شبة جزيرة القرم ودعم قوات الانفصاليين في شرقي البلاد.
وأشار دبلوماسي غربي :"كانت جورجيا الفصل الأول في 2008، ثم جاءت أوكرانيا لتمثل الفصل الثاني، والآن سوريا هي الفصل الثالث."
وأكدت مصادر أن وزراء خارجية دفعوا باتجاه وضع حلب على قائمة المناطق المحاصرة التي يجب أن يتوقف قصفها، حتى يمكن إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة.
لكن، بالمعني الدقيق للكلمة، حلب غير محاصرة بعد، على عكس 14 منطقة أخرى محاصرة كليا أو جزئيا من جانب أحد الأطراف المتحاربة في صراع العقاب، الذي يستخدم فيه الطعام كسلاح.
وأوضح مسؤول بالأمم المتحدة "كان علينا العمل على هذا، لكن إذا ما حاصرت روسيا والجيش السوري معاقل المعارضة شرقا فإنه يجب إدراج حلب على قائمة المناطق المحاصرة."
وأخبرتني فدريكا موغريني، رئيسة الدبلوماسية الأوروبية أن "روسيا لم تحصل على شيك على بياض."


جون كيري وصف رسالة مؤتمر ميونخ بأنها لحظة مفصلية في تاريخ الصراع الحالي

وذكرت أن نقطة التحول الحقيقية تكمن في "التنسيق وتبادل المعلومات وتبادل المسؤوليات بين الجيشين الروسي والأمريكي لتحديد أهدافا دقيقة."
"الطريق المسدود"
لكن يقال إن وزير الدفاع الأمريكي، أشتون كارتر، رفض هذا. فالبنتاغون يريد منع وصول موسكو لطريقة جمع المعلومات الاستخباراتية، وأي زيادة في رأس مالها السياسي.
ويلقي مسؤولون روس باللوم على الولايات المتحدة وحلفائها في تصاعد التوتر في سوريا.
واتهم لافروف الغرب بـ"الاستفزاز الصريح" فيما يتعلق بإصراره على "أننا لن نتفاوض حتى يتوقف العنف". ووصف هذا بأنه "طريق مسدود."
ويتوافق معه الرئيس الأسد بقوله إن "وقف إطلاق النار، إذا حدث، لا يعني أن كل طرف سيتوقف عن استخدام الأسلحة."
ومن جانبه تساءل زعيم المعارضة، رياض حجاب في ميونخ عن "لماذا تقع المسؤولية على المعارضة؟"
وأثار هذا انتقادا قويا من جانب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، الذي قال في المنتدى إنه يمكن أن يؤدي إلى "حرب دائمة".
رسالة ميونخ مازالت عالقة في الهواء. فهل سيكون هذا الأسبوع هو الذي ستتحرك فيه قصة سوريا ببطء نحو نهاية أكثر سعادة، أم ستتجه نحو فصل أكثر رعبا؟
إنها، كما قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، "لحظة مفصلية".
والكثير منها يتعلق بروسيا.