أحلام من شوق
29-08-2008, 05:03 PM
كانت خطواتي وئيدة تحمل جسدا أضناه التعب ، وقلبا اضناه الشوق ، ربما لأن اليوم وما قبله كان عامر بالملل ، لم أكن أحس بشيء في ذلك المساء ، ربما لأن شهيتي للحياة توارت خلف حنيني إليها ، كنت أشتاق ليلى بعمق جارف يهزني من كياني ، كنت أئن بصمت مثقل بحزن يتجذر مثل أصل شجرة عمرت آلاف السنين حتى استوطن نفسي ، ولم يكن يبدد ذلك الحزن سوى بعض من هزائم صوتها المسجل على هاتفي فيلحق بعضا من انكسارات في حزني فيرديه جريحا ، ولكن سرعان ما أجدني قد عدت إلى حزن أعمق وأنا استيقن أن بينا بحر وكثير من الأمواج والصخور التي تدمي قلبي قبل ان تدمي جسدي ، كانت بيننا مدن ولغات وأجناس وما كان قبل شهور يفصلنا سوى ممر للريح وبعض الأحلام التي اشتركنا فيها معا ، كانت لنا ابنة من وهم بددها الشوق فنسيتها في رحم قلبها ، ولست أعرف عنها شيء هل ضاعت هي أيضا في طرقات النسيان وتعرجات الزمن وأظافر الشك ؟
أحبها تلك ليلاي ، كانت الروح تصرخ بها في ذلك المساء الباهت ولكن صراخها لم يكن سوى أنين خافت ينهمر دمعا على القلب وارتجافه تسري في الجسد ، وفجأة كاد القلب بغتة يتوقف ، وسرعان ما عاد يتخبط بقوة مثل طير أسير في قفص ينظر إلى اسراب الطيور وهي تعلن الرحيل على دفئ بلاد بعيدة ، كادت الروح تهتف ، وكاد لساني يناديها بأعلى صوتي ، وأنا أرى سيارتها مركونة جنب شرفة بيتنا ، توقفت خطواتي فجأة فما عادت تقوى على المسير حين رسم القلب بداخلي الخيال حقيقة وأمنت بها الروح والعقل صار به مس من جنون ، وحدثتني روحي الأمارة بالحب أنها الآن في صالون بيتنا تتوسط أمي وأختاي ، وخانني حواسي وأقنعني نفسي أن الريح قد أتاني يعطرها ، آآآه يا عطرها كم كان شذيا تسلل إلي .. أغمض جفني .. هدهدني .. وطبع على ثغري قبلة .. كان ذلك مجرد عطر بل رائحة عطر ، هل كان حقيقة ؟ لم اكن أدري ما أعلمه أني ذهلت عن نفسي في الك اللحظات لم اعد أعي شيء صرت أصدق أني قريب منها جدا ، صرت اصدق كذبي ، وأكذب صدقي ، وسرت الرجفة قوية في أوصالي كتيار فتحركت ساقاي فقد خلتهما من دهشتي متاريس من معدن من شدة الدهشة ، وواصلت المسير خطوة تغالب خطوة ، لم نكن خطوات مريض ولا خطوات سكير ولكنها خطوات شوق ترتجف ، ولكنه قلبي الذي اقنعني أن الحلم حقيقة ، أمسكت مقبض الباب ، وأنا أرهف السمع طويلا علي أسمع ضحكاتها تخرج من خلف باب موصد ، لكنه كان الصمت خلف الباب ينشد السكون نسيما هادئا حتى سمعت أوتار قلبي وهو يخفق ، فتحت الباب ، فشرت أن النبض المتسارع يتوقف معي ليرهف سمعه ايضا قلبي ، وبعد صمت قلب طار بجناحين عصفور ذبيح في صدري يرفرف بشدة يصرخ طلبا لرؤيتها ، كانت الروح تسبقني اليها ، وحده جسدي صار كله من معدن ثقيل لا يتحرك ، لحظات لم أعد استطيع فيها أن أقابلها ، فكيف إذا وقعت عينيي في عينيها . هل استطيع أن أنظر إلى وجهها دون أن يتسرب ذلك النور الذي حباها بها الله منها إلى روحي ويضمني همسها حين تراني فأذوب حتى لا أصير شيئا وأتسرب هواء في أعالي الفضاء وتحولني ابتسامتها طيفا يسكن شفتيها ، وقويت رائحة العطر حتى صار العالم من حولي ربيعا ، وكنت افرق بين عطرها ورائحة وجودها ورائحتها ، كان كل شيء الآن يتحول على رائحة وروائح زكية أجمل مما استقبلته مجسات أنفي مذ درجت على عشق الربيع فيها ، فهلا كانت رائحة حقيقية أم حتى حواسي تخدعني ، كل شيء دون شك كان ينبئ بأجمل الأحلام وهي تتحول على حقيقة ، كل شيء حقيقة دون أدنى شك ، سيارتها الرمادية مركونة جنب شرفة بيتنا .. رائحتها .. روحي التي تناشدها بقوة .. قلبي الذي يتوقف وينبض .. أحاسيسي لا تخدعني فقد عادت وحضرتها لي مفاجأة ،لم يكن كل هذا مجرد هلوسة روح على حين غفلة من شوق بل كانت حقيقة أقنعتني بها فجعلتها إيمانا راسخا ، حبست أنفاسي وأنا ارمي خطوة نحو الصالون ، وأليها بخطوة أخرى ، فتحت باب الصالون بهدوء طللت براسي ابحث عن موقعها في أماكن الجلوس ، مسحت بنظري كل الأمكنة الممكنة أن تكون فيها ، فلم أجد لها أثر ، وما وجدت سوى أمي قائمة تصلي ، سرت عبر الرواق إلى غرفتي ، وما كدت أن أضع راسي بين يدي لأحزن على ضحك الأحلام علي فإذا بصوت محرك السيارة يحتل مسمعي ، أسرعت نحو الشرفة ، فإذا بالسيارة الرمادية تمضي بعيدا ، عدت أدراجي أعاتب نفسي على جنونها ، والوم القلب على شوقه ، فتحت خزانتي أخرجت صورتها .. عانقتها .. قبلتها .. وسالتها :
لماذا بعد شهور وايام أحرم حتى من حلم ؟
لماذا لم تأتي وأنا الذي أكاد أهوى من جبل انتظاري ؟
لماذا بعد شهور وايام أحرم حتى من حلم ؟
لماذا لم تأتي وأنا الذي أكاد أهوى من جبل انتظاري ؟
والقيت بجسدي المنهك على سريري وما كدت أطبق الجفون حتى همست لي من بعيد : يا حبيبي كم أحن إليك ، يا طفل القلب وقوته كم اشتاق اليك ، وشعرت بطعم على خدي فلم أشأ أن أفتح عيني ونمت على دفء قبلة عسى تكون حقيقة .

من مواضيعي
0 مساكين في الحكومة -1-
0 "هذه هي البوليتيك يا مخلوقة "
0 "حناني مول الشاش"
0 من أنفلونزا (الحلوف) إلى أنفلونزا (العتروس)
0 سلموا الرئاسة "لدلوع" ماما
0 رجال المطافئ يشعلون النار ..!؟
0 "هذه هي البوليتيك يا مخلوقة "
0 "حناني مول الشاش"
0 من أنفلونزا (الحلوف) إلى أنفلونزا (العتروس)
0 سلموا الرئاسة "لدلوع" ماما
0 رجال المطافئ يشعلون النار ..!؟