الاعتقــــــــــــــــــــــــــــــال
11-05-2020, 11:27 AM
استيقظ على وجع جديد و فشل بغيض و نكسة حزينة.
- باااااااااااااااااااااااااااااااااااااااف – تلقى لطمة قوية مباشرة على عينه .
تخيل أنوارا ملونة تحوم حول عينيه من اثر اللطمة.
مع كل لطمة جديدة كان يفقد ما تبقى من كرامته و رجولته و رباطة جأشه...
و صاح ضابط الشرطة مثل ثور هائج هرب للتو من الحرث :
- المدعو مبروك. تقني سامي في مصلحة البريد. متزوج و لك ثلاثة ابناء. ليس لك سوابق قضائية صحيح؟؟-
- أجل حضرة الضابط – أجاب الشاب متألما و هو يمسك عينه اليمنى .
شعر أن كتلة من اللهب تحترق وسط قرنية عينه.
- لمصلحة أي جهة قمت بتعليق منشورات تحرض على الاضراب ؟؟؟-
هرش مبروك جمجمته المرهقة بآلاف الأفكار و الذكريات و النكسات . و فكر قليلا...
منذ أسبوع حين كان عائدا من مصلحة البريد استوقفه بيان معلق على حائط في شارع "الاستقلال" في وسط المدينة...مكتوب عليه بخط عريض و مرتبك قليلا " اشعار بإضراب عام ".
كان الوقت قبيل مغيب الشمس. و بمجرد أن قرأ الحروف الأولى. توقفت في المكان دورية الشرطة و احتملوه عنوة و انصرفوا كأن شيئا لم يحدث.
سبعة ايام كاملة و هو يتلقى نفس اللكمات و نفس الأسئلة و نفس الاهانات. حتى سئم الحياة و كره نفسه و تمنى الالتحاق بالاموات وسط المقابر.
في الزنزانة و مع شروق شمس كل يوم كان مبروك يحس بأنه ينحدر نحو هاوية سحيقة...
لكن الكارثة العظمى حين يصلون أطرافه و لسانه بأسلاك الكهرباء ليتمدد التيار الكهربائي في أوصاله و جسده و يعبث به كما يشاء و لا يتوقف العذاب حتى تتدفق الدماء من منخريه.
في الليلة المنصرمة أرسلوا اليه في الزنزانة وجبة عشاء "فاخرة".
رغيف يابس و مرق دسم يسبح فيه صرصور قذر.
- باااااااااااااااف – تلقى مبروك ضربة اخرى و زمجر الضابط مرة اخرى:
- أتلوذ بالصمت كلما سألتك ايها الوغد؟؟-
- لقد أجبتكم للمرة الألف أنه لا علاقة لي بالمنشور. كنت أقرأ البيان مثل أي مواطن عادي –
صاح الضابط و هو يلوح بالسوط في الفضاء :
- لا تتفوه بكلمة الوطن يا خائن . أمثالك يبيعون البلاد بحفنة من الدولارات –
أرسلوه مرة اخرى الى زنزانته ليؤنس وحشة الصراصير و الجرذان.
أسلم مبروك جسده المثخن بالجراح و الرضوض و الكدمات الى أرض مترعة بالرطوبة و البرد.
و شعر كأنه رجع للتو من جبهة القتال ضد العدو.
في الزنزانات المجاورة كان ينصت الى أنين المعتقلين مثله بدون سبب. و فكر :
- لو أن الحكومة تنفق هذا الجهد في اعتقال الرجال في حرب ضد عدو حقيقي لكان الأمر هينا و مفهوما –
و فكر مبروك في زوجته و اولاده و وظيفته و رفاق المقهى و ذرف دموعا حارة رغما عنه.
منذ سبعة أيام و هو يحيا مثل كلاب البرية .كأنه في كوكب آخر منقطع عن كوكب الأرض. لا اخبار و لا حرية و لا كرامة و لا انسانية...
يوميات رهيبة و مفعمة باللكمات و الشتم و الاستنطاق و تيار الكهرباء.... و اشياء اخرى.
و عندما يستسلم للاجهاد و التعب يحملوه أخيرا ليعانق بلاط الزنزانة البارد.
لم يحفل مبروك يوما بالسياسة و أصحابها . لقد كان بينه و بين اهل السياسة خمسون سنة ضوئية...
بل كان يصفهم مازحا بـ " الفاسدين و المرتشين".
مبروك لا يملك في جيبه بطاقة انتخاب . و ليس له انتماء حزبي و لا نقابي. و لم يدلي بصوته في الانتخابات قط.
كان ينفق ساعات النهار بين مصلحة البريد و السوق و مقهى الحي حيث يجتمع بالرفاق و يلعبون " الدومينو " أو يتحدثون عن النسوة و الرياضة و لا شيء غير ذلك.
في صباح اليوم الثامن أقبل حارس الزنزانة نحو مبروك و رافقه الى مكتب الضابط.
مبروك كان يعلم علم اليقين. أن هذا اليوم سوف يكون شبيها بالأمس و ربما أسوأ.
لم يكن يدري من أين جاؤوا بذلك الضابط البغيض...لقد كان بذيئا و شرسا و غليظ القلب و كأنه تدرب على يدي الصهاينة.
هش ضابط الشرطة للقاء السجين و سلم عليه بحرارة قائلا:
- مرحبا بضيفنا الكبير مبروك –
وقف مبروك ذاهلا أمام هذا التحول الجذري الذي طرأ على الضابط. و فكر :
- يجب علي أن أكون حذرا من ألاعيب الشرطة و دهاءهم –
و قطع عليه الشرطي خيط التفكير و همس في سمعه:
- تفضل بالجلوس يا مبروك –
و أمر له بقدح دافيء من الشاي و أشعل له سيجارة و قال بنبرة المنتصر في معركة:
- عزيزي مبروك لقد تمكنت الشرطة من القبض على شبكة المحرضين على الاضراب. و بعد تحريات معمقة تبين لنا أنه لا علاقة لك بالموضوع. يمكنك أن تخرج الى الحرية و تلتحق ببيتك -.gif)
.gif)
- باااااااااااااااااااااااااااااااااااااااف – تلقى لطمة قوية مباشرة على عينه .
تخيل أنوارا ملونة تحوم حول عينيه من اثر اللطمة.
مع كل لطمة جديدة كان يفقد ما تبقى من كرامته و رجولته و رباطة جأشه...
و صاح ضابط الشرطة مثل ثور هائج هرب للتو من الحرث :
- المدعو مبروك. تقني سامي في مصلحة البريد. متزوج و لك ثلاثة ابناء. ليس لك سوابق قضائية صحيح؟؟-
- أجل حضرة الضابط – أجاب الشاب متألما و هو يمسك عينه اليمنى .
شعر أن كتلة من اللهب تحترق وسط قرنية عينه.
- لمصلحة أي جهة قمت بتعليق منشورات تحرض على الاضراب ؟؟؟-
هرش مبروك جمجمته المرهقة بآلاف الأفكار و الذكريات و النكسات . و فكر قليلا...
منذ أسبوع حين كان عائدا من مصلحة البريد استوقفه بيان معلق على حائط في شارع "الاستقلال" في وسط المدينة...مكتوب عليه بخط عريض و مرتبك قليلا " اشعار بإضراب عام ".
كان الوقت قبيل مغيب الشمس. و بمجرد أن قرأ الحروف الأولى. توقفت في المكان دورية الشرطة و احتملوه عنوة و انصرفوا كأن شيئا لم يحدث.
سبعة ايام كاملة و هو يتلقى نفس اللكمات و نفس الأسئلة و نفس الاهانات. حتى سئم الحياة و كره نفسه و تمنى الالتحاق بالاموات وسط المقابر.
في الزنزانة و مع شروق شمس كل يوم كان مبروك يحس بأنه ينحدر نحو هاوية سحيقة...
لكن الكارثة العظمى حين يصلون أطرافه و لسانه بأسلاك الكهرباء ليتمدد التيار الكهربائي في أوصاله و جسده و يعبث به كما يشاء و لا يتوقف العذاب حتى تتدفق الدماء من منخريه.
في الليلة المنصرمة أرسلوا اليه في الزنزانة وجبة عشاء "فاخرة".
رغيف يابس و مرق دسم يسبح فيه صرصور قذر.
- باااااااااااااااف – تلقى مبروك ضربة اخرى و زمجر الضابط مرة اخرى:
- أتلوذ بالصمت كلما سألتك ايها الوغد؟؟-
- لقد أجبتكم للمرة الألف أنه لا علاقة لي بالمنشور. كنت أقرأ البيان مثل أي مواطن عادي –
صاح الضابط و هو يلوح بالسوط في الفضاء :
- لا تتفوه بكلمة الوطن يا خائن . أمثالك يبيعون البلاد بحفنة من الدولارات –
أرسلوه مرة اخرى الى زنزانته ليؤنس وحشة الصراصير و الجرذان.
أسلم مبروك جسده المثخن بالجراح و الرضوض و الكدمات الى أرض مترعة بالرطوبة و البرد.
و شعر كأنه رجع للتو من جبهة القتال ضد العدو.
في الزنزانات المجاورة كان ينصت الى أنين المعتقلين مثله بدون سبب. و فكر :
- لو أن الحكومة تنفق هذا الجهد في اعتقال الرجال في حرب ضد عدو حقيقي لكان الأمر هينا و مفهوما –
و فكر مبروك في زوجته و اولاده و وظيفته و رفاق المقهى و ذرف دموعا حارة رغما عنه.
منذ سبعة أيام و هو يحيا مثل كلاب البرية .كأنه في كوكب آخر منقطع عن كوكب الأرض. لا اخبار و لا حرية و لا كرامة و لا انسانية...
يوميات رهيبة و مفعمة باللكمات و الشتم و الاستنطاق و تيار الكهرباء.... و اشياء اخرى.
و عندما يستسلم للاجهاد و التعب يحملوه أخيرا ليعانق بلاط الزنزانة البارد.
لم يحفل مبروك يوما بالسياسة و أصحابها . لقد كان بينه و بين اهل السياسة خمسون سنة ضوئية...
بل كان يصفهم مازحا بـ " الفاسدين و المرتشين".
مبروك لا يملك في جيبه بطاقة انتخاب . و ليس له انتماء حزبي و لا نقابي. و لم يدلي بصوته في الانتخابات قط.
كان ينفق ساعات النهار بين مصلحة البريد و السوق و مقهى الحي حيث يجتمع بالرفاق و يلعبون " الدومينو " أو يتحدثون عن النسوة و الرياضة و لا شيء غير ذلك.
في صباح اليوم الثامن أقبل حارس الزنزانة نحو مبروك و رافقه الى مكتب الضابط.
مبروك كان يعلم علم اليقين. أن هذا اليوم سوف يكون شبيها بالأمس و ربما أسوأ.
لم يكن يدري من أين جاؤوا بذلك الضابط البغيض...لقد كان بذيئا و شرسا و غليظ القلب و كأنه تدرب على يدي الصهاينة.
هش ضابط الشرطة للقاء السجين و سلم عليه بحرارة قائلا:
- مرحبا بضيفنا الكبير مبروك –
وقف مبروك ذاهلا أمام هذا التحول الجذري الذي طرأ على الضابط. و فكر :
- يجب علي أن أكون حذرا من ألاعيب الشرطة و دهاءهم –
و قطع عليه الشرطي خيط التفكير و همس في سمعه:
- تفضل بالجلوس يا مبروك –
و أمر له بقدح دافيء من الشاي و أشعل له سيجارة و قال بنبرة المنتصر في معركة:
- عزيزي مبروك لقد تمكنت الشرطة من القبض على شبكة المحرضين على الاضراب. و بعد تحريات معمقة تبين لنا أنه لا علاقة لك بالموضوع. يمكنك أن تخرج الى الحرية و تلتحق ببيتك -
.gif)
.gif)
.gif)
من مواضيعي
0 حوريــــــــة
0 على سفح الجبل
0 قنـــــــــــــــــــــــاص الميتــــرو
0 محاولة أخيـــــرة
0 لعــــــــــــــــــــبة الدومينو
0 سي بهلـــــول
0 على سفح الجبل
0 قنـــــــــــــــــــــــاص الميتــــرو
0 محاولة أخيـــــرة
0 لعــــــــــــــــــــبة الدومينو
0 سي بهلـــــول
التعديل الأخير تم بواسطة أبو المجد مصطفى ; 13-05-2020 الساعة 10:50 AM