شهادة سفير من الحلفاء
16-02-2008, 09:16 PM

شهادة سفير من الحلفاء
بتمويل من شركة بريتيش بيتروليوم(1)، ومصرف أتش أس بي سي(2)، عُقد في المعهد الملكي للشؤون الدّولية (شاتام هاوس) بالعاصمة البريطانية يوم الخميس 7 فبراير 2008 ندوة(3) تحت عنوان:" الجزائر اليوم و غداً"، حضرها إضافةً إلى رسميين جزائريين شخصيات مهتمّة بالشؤون الجزائرية.

من أهمّ هذه الشخصيات السّفير البريطاني المعتمد بالجزائر السيّد آندرو هندرسن، الذي ألقى كلمة تعتبر شهادة حيّة عن الأوضاع هناك، و هي التي تهمّنا – في هذا المقام – بالإشارة إليها و التعليق – اختصاراً – عليها.
ابتداءاً أعرب الديبلوماسي البريطاني عن استغرابه لجوء "الرئيس" بوتفليقة لتعديل الدّستور ليبقى في السّلطة حتى 2014 وهو الذي كان في السّابق ينتقد بشدّة زملاءه الأفارقة، الذين انتهكوا دساتيرهم لنفس الغرض. ولاحظ بأنّ عملية تعديل الدّستور ستتمّ في المستقبل المنظور ربّما خلال أسابيع من الآن، وهي تُعتبر تحصيل حاصل بسبب الدّعم "العام" الذي يلقاه السيّد بوتفليقة.

وتساءل ما إذا كان ذلك سيشجّع أولئك الذين فقدوا ثقتهم في الحياة السياسية، خاصّةً أنّ المشاركة في "الإنتخابات" التشريعية لم تتجاوز 36%، ولم تتجاوز الإنتخابات المحلّية 44% بالرّغم من أنّ الكثير-يضيف المحاضر- يعتقدون بأنّ كلا النّسبتين قد تمّ تضخيمها.

كما شكّك في أرقام رسمية أخرى وهي المتعلّقة بالبطالة المنتشرة خاصّة بين الشباب، ونسبة التّضخم التي هي أكثر من المعلن عنه رسمياً وهو 4.6%، ولم يفهم كيف ينتشر الفقر بين أوساط الشعب بالرّغم من أنّ ميزانية 2007 وحدها حققت فائضاً زاد عن 14 مليار دولار.

و أشار إلى أنّ زملائه بالخارجية البريطانية قالوا له عشيّة تعيينه سفيراً في الجزائر أنّ ما يقضّ مضاجع الجزائريين قضيّتان أساسيتان: مرض الرئيس والأمن المفقود نسبيا، ولكنّه – يضيف – " وجدت عندما باشرت عملي أنّ الجزائريين تؤرّقهم مشاكل كثيرة ومنها مشاكل السّكن والتعليم و البطالة والصحّة وحتّى مشكلة الحليب و البطاطا".

وختم الديبلوماسي البريطاني حديثه بالتّذكير بأنّ ما معدّله ثلاثين شخصاً يغادرون الجزائر يومياً بطرق غير شرعية بقوارب صغيرة في اتّجاه أوروبا، وهو دليل على أنّ هناك من يئس من وضعه في الجزائر، و تساءل ما إذا كان يمكن عكس التيار حتى يعود جزائريو الشتات البالغ عددهم ستة ملايين ليساهموا في خدمة وطنهم.

هذه شهادة سفير دولة أخرى – حليفة- مقيم في الجزائر، ومازال يمارس عمله هناك، وهو ليس نقابياً متضرّراً أو حقوقياً غاضباً أو معارضاً ثائراً.

هذه شهادة ينزعج صاحبها كيف أنّ " الرئيس" الذي أقسم على احترام الدّستور و تطبيقه، يقوم بانتهاكه لإطالة عمر حكمه البائس وهو الذي كان يندّد بزملائه من رؤساء أفارقة آخرين انتهكوا دساتيرهم ليخلدوا في السّلطة وإن خربت أوطانهم.

هذه شهادة لا يفهم صاحبها كيف أنّ شخصاً مريضاً جاوز السّبعين مازال يطمع في حكم بلد آخذ في الإنهيار، وهو المفروض على رأس نفس البلد منذ تسعة أعوام عمّ فيها الفساد والضّياع، فكيف ينهض بالبلد الآن وهو الطّاعن في السن، المنتكس بالمرض.

هذه شهادة من ديبلوماسي عليم بالحقائق على الأرض، قال صراحة أنّ الأرقام والنّسب المقدّمة عن الواقع السياسي و الإقتصادي غير صحيحة، إنّه يشكّك علناً فيما تقوله الدّعاية الرّسمية، إنّهم يزوّرون الأرقام في كافّة الإتّجاهات؛ فهي تتضخّم في نسب المشاركة في الإنتخابات و تتقلّص في نسب التّضخّم والفقر و البطالة و قائمة التزوير طويلة.

هذه شهادة من سفير بريطاني مساحة بلده أقلّ تسع مرّات من مساحة الجزائر، ومع ذلك يهرب أبناء الجزائر في قوارب الموت، أكثرهم يأكله البحر، وبعضهم تمزّقه نيران حرس الحدود المغلقة على شاطىء البحر من الجهة الأخرى مفضّلين أن يأكلهم الحوت أمواتا على على أن يأكلهم الدّود وهم ينظرون.

هذه شهادة يتعجّب صاحبها كيف أنّ ما يقارب 20% من الجزائريين ( 6 ملايين) يعيشون خارج وطنهم وهو يعلم أن لو استطاع الجزائريون حيلة لفرّوا منه جميعاً وتركوه للمافيا التي تحكمهم قهراً وتسومهم عذاباً متعاظماً في كلّ مناحي الحياة.

هذه شهادة سفير من دولة حليفة عبّر عنها – في تدخّل مختصر – بكلمات على خجل وعبارات على استحياء، و لكنّها جاءت صارخة فاضحة بالرّغم من أنّه لم يقل إلاّ جزءاً يسيراً من حقيقة المأساة التي يعايشها الجزائريون يوميا بمرارة لا تطاق.

و مع أنّ شهادة السّفير منقوصة، فإنّها أثارت انزعاج الرّسميين الذين حضروا النّدوة، وهم الذين جاؤوا بدعاية كاذبة كادت تقول أنّ الجنّة الآن في الجزائر كما جاء في كلمة سفير الجماعة الحاكمة الذي غاب (لأنّه لا يتقن اللّغة) وقرأت إحدى مساعداته عباراته الخشبية.

إنّ الإنزعاج الذي عبّر عنه هؤلاء يذكّرني بانزعاج زملاء لهم قبل بضعة أشهر في جنيف عندما شهد أعضاء لجنة حقوقية تابعة للأمم المتّحدة صراحةً بأنّ انتهاكات حقوق الإنسان مستمرّة في الجزائر منذ (انقلاب1992)، بل إنّ أحد أعضاء اللجنة قال إنّها انتهاكات ترقى لتكون "جرائم ضدّ الإنسانية".