المواجهة: باكستان في مجرى انطلاق القوة الأميركية
05-02-2009, 11:25 AM
أوباما.. المواجهة ومستقبل الحرب والسلام في أفغانستان


الكاتب الباكستاني طارق علي ينتقد التوجه الأميركي لتصعيد العمل العسكري


واشنطن: محمد عبد الخالق بكري

هل تشكل الخطوات المرتقبة لإدارة الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما تجاه أفغانستان بوادر كارثة جديدة تسببها السياسة الخارجية لأميركا؟ هل يفاجأ العالم الذي تنفس الصعداء بعد رحيل إدارة بوش بحرب أميركية جديدة طويلة المدى، وكارثة أكبر من حرب العراق؟

يثير الكتاب الجديد للكاتب الباكستاني طارق علي (المواجهة: باكستان في مجرى انطلاق القوة الأميركية) هذه الأسئلة الحارقة وغيرها، حول مستقبل الحرب والسلام في منطقة تعتبر من أكثر مناطق العالم قلقا واضطرابا. وفي واقع الأمر صرح الرئيس أوباما مرارا في حملته الانتخابية عن عزمه على تصعيد العمل العسكري في أفغانستان، وكان تركيزه على الحرب في أفغانستان معادلا لرفضه للحرب في العراق. وقد قال أوباما بوجوب تحويل القوات الأميركية المنسحبة من العراق إلى أفغانستان، ولم يتردد في القول بأنه على استعداد لضرب أهداف عسكرية داخل حدود باكستان إذا استدعى الأمر. ينتقد طارق علي في كتابه، الصادر أواخر العام الماضي عن دار «سكريبنر»، تصريحات أوباما حول تصعيد العمل العسكري في أفغانستان، ويرى أنه لا سبيل لحسم الوضع في تلك البقعة عسكريا. يقول الكاتب إن تزايد الوجود العسكري الأجنبي في أفغانستان سيدفع الأفغان، حتى الذين لا يعطفون على حركة طالبان، إلى أحضان التطرف والعداء للغرب، لتتسع المقاومة على نحو غير مسبوق. يسترسل المؤلف في تحليل استعصاء إقليم القبائل الحدودية، وزيرستان، على ترتيبات قوات حلف الناتو وحكومة الجنرال مشرف. فمن ناحية تهاجم عصابات «طالبان» أهدافها وتهرب لتعبر ما يعرف بخط الدوران - الذي اختطه الإنجليز لترسيم الحدود ولم تعبأ به القبائل - لتؤويهم القبائل وتطعمهم وتكسوهم وتسبغ عليهم حمايتها. ومن ناحية أخرى تعجز الحكومة الباكستانية عن احتوائهم بجيش تنحدر نسبة كبيرة من أفراده من القبائل البشتونية، الذين لا يتصور اشتراكهم في إبادة أبناء جلدتهم. ويرى علي أن الحل يكمن في الانسحاب الكامل لقوات حلف الناتو من أفغانستان، وتكوين حكومة قومية تقدم لها ضمانات الاستقرار من جميع القوى الإقليمية، والتي تشمل كلا من روسيا والصين والهند وإيران وباكستان. ويؤكد المؤلف أنه لا سبيل لاستقرار أفغانستان دون تنفيذ حزمة من السياسات التي تستهدف بناء البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وهذا يستلزم مراجعة المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي لسياساتها، فعلى الصندوق أن يراجع سياساته الائتمانية ليستهدف مشكلات الصحة والتعليم والفقر والبطالة في أفغانستان. ويبدو أن المؤلف يستبعد مشاركة حركة طالبان في هذه الحكومة القومية، فهو يؤكد أنه حتى لو قبلت الولايات المتحدة التعايش مع نسخة أقل تطرفا من «طالبان» فإن القوى الإقليمية لن تسمح بذلك؛ إذ ليس لديها أدنى مصلحة في مشاركة «طالبان» في حكم أفغانستان. يلاحظ القارئ محاولة المؤلف المستميتة للتنظير والتأسيس لاستبعاد نفوذ الولايات المتحدة من المنطقة، بإعطاء وزن كبير لدور القوى الإقليمية، التي يعتقد أن مصالحها كفيلة بإعادة الاستقرار إلى المنطقة. وهذا يتسق مع فرضية الكتاب الأساسية التي تدور حول مدى تأثير النفوذ والمصالح الأميركية في صياغة ماضي وحاضر باكستان، فقد احتلت هذه القضية معظم فصول الكتاب من خلال سرد تفصيلي لواقع السياسة الباكستانية طوال العقود الستة الماضية. ويوجه المؤلف نقدا قاسيا إلى النخبة السياسية الباكستانية بشقيها العسكري والمدني، ويتهمها بالعزلة والاغتراب عن هموم ومشكلات الشعب الباكستاني، ويتهم الولايات المتحدة بإداراتها المتعاقبة بقصر النظر في الركض خلف مصالحها، لأنها - كما يقول - قد نفضت يدها من باكستان وأفغانستان بعد دحر الغزو السوفياتي، ظنا أن التداعيات المريعة في الإقليم شأن لا يخصها ما دامت قد أنهت مهمتها في المنطقة. لكن يعود الأمر ليرتد إلى صدر أميركا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، ليثبت خطل هذه السياسة وقصر نظرها.
ومن القضايا المثيرة للجدل التي أثارها الكاتب، زعمه أن خطر تنظيم القاعدة على المصالح الأميركية قد تم تضخيمه من قبل الحكومة الأميركية والغرب عموما، فـ «القاعدة» في أسوأ الفروض قادرة على توجيه ضربات متفرقة هنا وهناك، ولكن أفعالها لا تؤثر على المجرى العام للسياسة الأميركية. ويشير الكاتب هنا إلى عجز تنظيم القاعدة عن اجتذاب قطاعات واسعة من الجماهير المسلمة، نسبة للتكتيكات التي يتبعها. أثار الكتاب العديد من ردود الأفعال والنقد في أوساط المهتمين بالشأن الأميركي والعلاقات الدولية بصفة عامة، فقد أشار بعض النقاد إلى أن المنطلقات اليسارية للكاتب لونت الكثير من أحكامه حول النخبة الباكستانية وردود أفعالها تجاه السياسة الأميركية. فقد أهمل دور الضغوط التي أثرت على النخبة الباكستانية جراء تمدد النفوذ السوفياتي في المنطقة، والتوترات المستديمة مع الهند، الأمر الذي جعل البحث عن تحالفات أمرا حيويا لأمن باكستان القومي، كما تصورته هذه النخبة. ولكن بصفة عامة يتفق النقاد على أن أهمية الكتاب تنطلق من الأسئلة والاحتمالات التي يطرحها حول مستقبل المنطقة، والدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الإقليمية في استقرارها، بينما يرى البعض أن الكتاب يمثل أول نقد جدي لسياسة أوباما المعلنة تجاه باكستان وأفغانستان.