العلاقة بين سلوكيات الآباء وموهبة الأبناء
10-04-2020, 07:58 AM



هل هناك علاقة بين سلوكيات الآباء وموهبة الأبناء؟ ربما يكون هذا سؤالًا محيرًا، يجعلنا نفكر مليًا، هل من الممكن أن يجعل الأب ابنه موهوبًا ومبدعًا، أو يحوله لكائن مطموس الملامح والهوية، عبارة عن امتداد زائف له لا حول له ولا قوة؟
أكدت الدراسات على أن أغلب الأطفال يتمتعون بقدرات عقلية شبيهة إلى سن 6 سنوات تقريبًا، لذا من اليسير جدًا أن نعقد مقارنة بين طفلين يتمتعان بالقدرة العقلية نفسها، ولكن نضعهما في بيئتين مختلفتين، إحداهما تُشجع التفكير والإبداع، وتعمل على إثارة عقل الطفل ومشاركته، والثانية تطمس مواهبه وتتخطاه، وتفرض قيودها عليه، وتحرمه من استغلال المَلَكة العقلية التي وهبها الله له. هل تعتقدون أن النتيجة ستكون واحدة؟ بالتأكيد الإجابة بالنفي.
فالبيئة لها أثر بالغ في تنمية الموهبة وصقلها، والعمل على نموها وتطورها، إذا كانت تسمح بالتدعيم والموالاة، كما لها دور أكيد في طمس الموهبة وضياعها ومحاصرتها والقضاء عليها بصورة نهائية؛ لذا لجأ العلماء لعقد مقارنات بين سلوكيات الآباء في حالة الأطفال الموهوبين والأطفال غير الموهوبين، ما الذي يفعله والد الطفل الموهوب؟ وما الذي يفعله والد الطفل العادي أو الطفل مطمور الموهبة، فوجدوا أن:
والد الطفل الموهوب يقضي مع ابنه وقتًا بالقراءة، يعادل ثلاثة أضعاف الوقت الذي يقضيه والد الطفل العادي مع طفله. والوقت الذي يخصصه والد الطفل الموهوب للترفيه والرحلات والاستكشاف والذهاب للسينما والمسارح وحدائق الحيوان، وزيارة المتاحف والآثار، وممارسة الرياضة البدنية والروحية برفقة طفله يزيد بنسبة 20% عن الوقت الذي يخصصه والد الطفل العادي.
والد الطفل الموهوب يساعد طفله على التمييز بين الأصوات، وبين الألوان، ويعلمه العديد من مفردات اللغة، ويعلمه الفرق بينها، كذلك فنشاط القراءة مُنوع ولا يقتصر على مجال واحد، ويلجأ الوالد لتدعيم ما يقرؤه له بالصورة والصوت أحيانًا، كأن يلجأ للقصص المجسمة، ذات الصور الملونة الكبيرة، ويحاكي ما بها بصوته هو، ليساعد الطفل على تلقي المعلومة بصورة واضحة، فعلى سبيل المثال يعلمه أصوات الكائنات الحية، وهو يعرض له صورها عبر قصة شيقة.
يهتم والد الطفل الموهوب بنظرة الطفل لنفسه، فلا يحاول أن يؤذيه بألفاظ بذيئة أو نابية، هذا سواء على مستوى التعامل الشخصي بينهما، أو أمام الآخرين، كما أنه يلجأ لخلق الفضول داخل طفله بنوعية الأسئلة التي تجبر الطفل على الخيال، وتترك أمامه العالم مفتوحًا، كأن يسأله مثلًا وهما في رحلة بالسيارة، يمران بمساحات خضراء عن سبب تلون النباتات باللون الأخضر؟ أو لماذا السماء زرقاء؟ ومن أين تأتي الغيوم؟ أو يطلب منه حصر الأشياء المتشابهة التي تقابلهم بالطريق ويطلق عليها أسماء وحكايات، أو أن يقول له: تعال نحكي حكاية سويًا، وعندما يسأله الطفل عن أي حكاية نتحدث؟ يقول له: هيا لنختلقها أو نؤلفها، ويشجعه على اتخاذ دور الارتجال في السرد، مع توفير نبرة صوت حانية، وبعض الضحكات التي تجعل الطفل يدخل في حالة من السعادة والمحاكاة لوالده ليتعلم كيف ينمي خياله.
ثقافة الوالدين تؤثر بصورة مباشرة في موهبة الطفل؛ فالأب المثقف يُغني ويثري عقلية ابنه، بينما الأب الجاهل قد يحط من تطور طفله، بما يلقنه له من تفاهات وبسخريته من أفكار الطفل، كوالد الطفل «أحمد» الذي تحدث والده عنه بعصبية واتهمه بالغباء، وبأنه ممسوس من جني! لا لشيء إلا لأن «أحمد» يمتلك موهبة رياضية ورغبة في الاستكشاف، والأب غير مؤهل إطلاقًا لفهم أن تلك موهبة التي ينعم بها ابنه، فما كان منه إلا أن لجأ للعيادة النفسية ليطلب إخراس فم الطفل المزعج من وجهة نظره.
بالتأكيد جهل الأب قد يشكل عقبة في طريق نمو الموهبة، أو بالأحرى اكتشافها، ولكن كم من آباء على قدر يسير من التعليم، كانوا أكثر عونًا لأطفالهم من آباء مثقفين. ويتوقف الأمر على وعي الأب وحكمته الداخلية، ودرجة حبه لابنه، ودقة ملاحظته، ودرجة تقبله لتميز ابنه عنه وعن أقرانه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ساسة بوست