من اختراع "الكفتة" إلى "رحمة ربي"؟
17-12-2016, 10:12 AM



ADVERTISEMENT
الفراغ هو الذي يُولّد الفراغ، وفي حكاية "دواء رحمة ربي" الذي أوصلنا إلى "جائزة نوبل في الطب"، سقطت الأقنعة عن المنظومة الصحية في الجزائر، قبل أن تسقط عن "عبقري" الدواء، الذي ارتدى البدلة البيضاء، ولكنها بكذبة سوداء، فسقط القناع عن القناع، وسقطت أذرعنا، وسقطنا قرب بعضنا البعض - على حدّ تعبير محمود درويش - ولكن لا أحد حمل ذراعا، وضرب عدوّا، وطلب الحرية من الجهل المُطبق الذي نعيشه، منذ ما قبل المكمّل الغذائي "رحمة ربي".. إلى ما بعده.
في مصر منذ سنوات قليلة، زعم أحد القادة العسكريين برتبة لواء بأنه اخترع جهازا يقضي على مرض العصر الإيدز، ولأن هذا الاختراع "المُبين" أطلّ من المؤسسة العسكرية، وجد الإشهار المجاني من كل وسائل الإعلام العمومي والخاص، وتبنّته كل الوزارات من دون استثناء، وبدأ الحديث عن ثورة علمية مزعومة في مصر، تمنحها الثروة، وتشجّع "اللواء عبد العاطي" وراح يشرح بطريقة غريبة، كيفية عمل هذا الجهاز، من خلال نسف الخلايا الخبيثة لدى المريض المصاب بفيروس الإيدز، وتحويها إلى "كفتة" يتغذى عليها المريض ويسترجع عافيته، فبدأت القهقهات تتعالى من كل مكان في العالم، ليتضح بعد ذلك بأن هذا اللواء الذي زعم بأنه طبيب وباحث، لا يمتلك شهادة البكالوريا المسماة "الثانوية العامة"، وغير مقيّد في جداول الأطباء.
وخلُص المصريون بعد حكاية "اختراع الكٌفتة" إلى أن الفراغ العلمي والطبي هو الذي ولّد جرأة المشعوذين على عالم الصحة، ومنح للمتطفلين وعددهم بالملايين فسحة الدفع بأجسامهم "الضخمة" لملء الفراغ، الذي تركه انعدام الكفاءات لسبب أو لآخر.
سنكون منطقيين، عندما نتحدث عن تضييعنا الكثير من فرص الإقلاع العلمي التي تهيأت لنا خلال البحبوحة المالية، بعد أن رُحنا نُجنّس لاعبي الكرة من الذين تتلمذوا في مدارس الكرة الفرنسية، ولا نلتفت إلى قرابة الخمسة آلاف طبيب جزائري من الذين تتلمذوا في الكليات الجزائرية من التائهين حاليا في المستشفيات والمخابر الفرنسية والغربية، وسنكون منطقيين عندما نعلن إفلاس منظومتنا الطبية إلى درجة أن مسؤولين كبارا، صاروا يعرّجون شرقا نحو تونس، للقيام بفحوصات أو تحاليل عادية، ولن نكشف سرا إذا قلنا بأن بعض الأطباء من درجة يأسهم وقنوطهم زاروا صاحب "اختراع رحمة ربي"، وتعاطوا خلطته "صاغرين".
لم يكن توفيق زعيبط وحده من دخل أرض الطب "الفارغة"، فقد وجد الآلاف من المشعوذين والدجالين باسم الرقية الشرعية والسحرة وكاتبي الحروز وصانعي الخلطات، ممن تاجروا ومازالوا بصحة المواطنين وبمعنوياتهم، ويعيثون في هاته الأرض فسادا، من دون أن يجدوا من يوقفهم أو بدلا عنهم، فلم يعد للعقم وللسرطان وللشقيقة وللأمراض النفسية من علاج إلا عند الدجالين وضاربي خط الرمل، بمشاركة ساسة، من بينهم برلماني طالب بالاعتراف بشهادة طبية تسلم من راق لمن يمسّه السحر، وبمباركة من رجال الدين.. وحتى من رجال الطب!





عبد الناصر