السّلفية المدخليّة.. بين مزاعم الأتباع وتُهَم الخصوم
17-08-2016, 08:24 AM




سلطان بركاني

السّلفية المدخلية ليست طائفة مارقة ولا جماعة ضالّة منحرفة كما يروّج بعض خصومها، وهي في المقابل - على خلاف ما يزعم أتباعها - ليست جماعة معصومة، والحقّ لا ينحصر في أدبياتها ولا بين منظّريها وعلمائها، وأتباعُها بينهم العالم والمتعلّم والجاهل، وبينهم المحسن والظّالم لنفسه، أصابت الحقّ في كثير من القضايا والمسائل والمواقف، وحادت عن الصّواب ومالت إلى الغلوّ في مسائل منهجية وعلمية وعملية كثيرة، اعتمدت فيها على أقوال شاذّة أو اختيارات مرجوحة أو مواقف فردية لا يصحّ أن تتّخذ منهجا.
مآخذ في الأدبيات والممارسات
لعلّ من أبرز المسائل التي شذّت فيها السّلفيّة المدخليّة عمّا عليه جماهير الأمّة، مسألة طاعة ولاة الأمر؛ حيث حرّم منظّروها الحديث عن أخطاء الحكّام وجناياتهم في حقّ الإسلام وخيانتهم لكثير من قضايا المسلمين، في مقابل شنّ حملات التّبديع والتّصنيف في حقّ العلماء والدّعاة الذين يخالفونهم في هذه المسألة بل وفي بعض المسائل الاجتهادية التي يُفترض ألا يصل الخلاف حولها إلى البراءة والمفاصلة، ولهذا وصفهم بعض العلماء بأنّهم "مرجئة مع الحكّام، خوارج مع العلماء والدّعاة"، هذا فضلا عن تصدّيهم للتّحذير من معارضي الأنظمة وتخوينهم ووصفهم بالخوارج ومثيري الفتن، ولو كانوا ممّن يبرؤون من الخروج ومنهج الخوارج، في مقابل سكوتهم المطبق عن الفتن التي يُذكيها بعض الحكّام بتماهيهم مع مخطّطات أعداء الأمّة، واستفزازهم لمشاعر المسلمين بالتّضييق على شعائر الدّين والسّماح بالإساءة إلى المقدّسات والطّعن في المسلّمات؛ وقد بلغ الغلوّ في طاعة ولاة الأمر ببعض منظّري السّلفية المدخليّة إلى حدّ القول بصحّة ولاية الحاكم المتغلّب الذي يتسلّط على الأمّة بالقوة أيا كانت منطلقاته وأهدافه، وإلى حدّ ربط وجوب الجهاد لدفع الأعداء الغاصبين ونصرة المسلمين بإذن ولاة الأمر، كما حرّم كثير من علماء هذه الطّائفة المظاهرات والاعتصامات بحجّة أنّها خروج على الحكّام وأنّها من أسباب إثارة الفتن وإسالة الدّماء، وسكتوا في المقابل عن الحكّام الذين يقمعون تلك المظاهرات والاعتصامات وينكّلون بالمنضمّين إليها، مع أنّ القوانين لا تمنعها، كما حرّم كثير من منظّري السّلفيّة المدخليّة إنشاء الأحزاب والنقابات والتنظيمات الطلابية، ومنعوا التّعاون مع بعض الجمعيات الإسلاميّة، بحجّة أنّ الانضمام إليها والتّعاون معها من التحزّب المحرّم. كما يؤخذ على أتباع هذه الجماعة موقفُهم السّلبيّ المتخاذل إزاء كثير من قضايا الأمّة المعاصرة، رضوخا لخيارات بعض الحكّام المتناغمة في أكثر الأحيان مع الإملاءات الغربيّة، ومعاداتُهم لجماعات العمل الإسلاميّ ورفضُهم التّعاون معها في قضايا الدّين والأمّة، بل وتحالفهم في كثير من الأحيان مع الجهات العلمانية ضدّ العاملين في الحقل الإسلاميّ، كما حصل في مصر وتركيا.
كما يستنكر بعض العلماء على منظّري السّلفية المدخلية تسبّبهم في فتنة المسلمين بتوسّعهم في مفهوم البدعة، حتى أدخلوا فيها كثيرا من المسائل الخلافية، كالاحتفال بالمولد النبويّ، ودرس الجمعة ورفع اليدين بالدّعاء بعد الصّلاة وقنوت الفجر وحمل العصا على المنبر، وغير ذلك من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف، كما يؤخذ عليهم أيضا تضييقهم في بعض المسائل الفقهية كتحريم التّصوير والأناشيد الإسلاميّة وإسبال الإزار لغير الخيلاء ومنع إخراج زكاة الفطر نقدا.

خصوم السّلفية.. بين الغيرة على الدّين وخدمة المشاريع المشبوهة
خصوم السلفية المدخليّة ليسوا سواءً؛ فمنهم من يخاصمها إحقاقا للحقّ ونصرة للدّين، ولا تدفعه خصومته إلى إنكار ما معها من الحقّ والخير، ومنهم من يخاصمها نصرة لمذهب أو جماعة أو حزب، فيمنعه تعصّبُه الإنصافَ في الحكم عليها، ومنهم من يخاصمها خدمة لمشاريع مشبوهة، تريد أن تجد لها موطئ قدم في بعض بلاد الإسلام، وتسعى جهدَها لإسقاط السلفية التي تحُول بينها وبين تحقيق أهدافها، ويأتي على رأس هذه المشاريع المشروعُ الشّيعيّ الصّفويّ الذي أدرك منظّروه أنّ السّلفيين بمختلف طوائفهم هم أكثر المسلمين تحمّسا للدّفاع عن سلف هذه الأمّة من الصّحابة والتّابعين والأئمّة العاملين، وأكثرهم إنكارا للعقائد الباطنية والقبورية التي تشكّل حجر الأساس –أدبيا وماليا- في هذا المشروع، كما أنّهم أيضا من أكثر طوائف المسلمين معرفة بعقائد الشّيعة واطّلاعًا على مصادرهم، وما تحويه من شذوذات لا تقبلها فطرة ولا يقرّها دين ولا عقل.
السلفيون ليسوا معصومين ومن حقّ الدّين وحقّهم علينا أن ننصح لهم بما يقتضيه المقام، لكنّ ذلك لا يبيح لنا أن نتنكّر لدورهم في التصدّي للفتنة الباطنية والمدّ الشّيعيّ، وقيامهم بالواجب الكفائيّ في الذّود عن مصادر الإسلام، والدّفاع عن حقّ الله في أن يُدعى ويستغاث به وحده، وحقّ النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- في أن يكون المتبوعَ الأوّل، وحقّ أهل البيت الطّاهرين والصّحابة المرضيين والخلفاء الرّاشدين والهداة الفاتحين في أن يُعرف لهم فضلهم وتحفظ مكانتهم؛ فمعركة السّلفيين على هذه الجبهة هي معركة الأمّة كلّها، وليس من الحكمة ولا من مصلحة الدّين والأمّة أن يُصوّر الواجب الكفائيّ في الذّود عن مصادر الدّين وعقيدة الأمّة وسادتها على أنّه معركة بين السّلفيين والشّيعة لا ناقة للأمّة فيها ولا جمل.
إنّه ليس من مصلحة الإسلام والمسلمين أن نسعى إلى إسقاط السّلفيين لصالح من هم أكثر شططا وغلوا منهم؛ من واجبنا مثلا أن نُنكر على السلفيين غلوّهم في تصنيف وتبديع مخالفيهم من العلماء والدّعاة، لكنّ الأوجب من هذا أن نُعلن النّكير على تكفير الشّيعة للصّحابة المرضيّين والخلفاء الرّاشدين وأمّهات المؤمنين وللمسلمين الذين لا يؤمنون بالإمامة الشيعية التي تقتضي عصمة الإمام من السّهو والنّسيان وعلمه الغيب، وتقتضي تكفير من لا يؤمن بالإمام الثاني عشر الغائب منذ 1177 سنة، وليس من العدل أن نسوّي بين من طلب الحقّ فأخطأه وبين من طلب الباطل فأدركه، وننشغل –بصورة مريبة- بتتبّع أخطاء وسقطات السلفيين، ونسكت عن طوامّ الشّيعة، مع أنّه ما مِن خطأ وقع فيه السّلفيون إلا وعند الشّيعة ما هو أشنع وأفظع منه، وعند الشّيعة من الطوامّ ما لا نظير له عند أيّ طائفة أخرى من طوائف أهل القبلة.