الاقتصاد التونسي: تهريب الموز أفضل من استيراده
05-12-2014, 10:11 AM

يضطر التجار لتهريب الموز إلى داخل تونس، إذ تفرض الدولة قيودا على استيراده والكثير من الضرائب.

يعتبر الموز من أرخص أنواع الفاكهة في الكثير من دول العالم، لكن الوضع مختلف في تونس.
إذ تزيد أسعار الموز في تونس عنها في المملكة المتحدة بحوالي 30 في المئة. وبحسب دراسة للبنك الدولي، فالموز من بين أكثر عشر بضائع تهرب إلى داخل البلاد من الجزائر أو ليبيا.
ويمكن العثور على الموز في كل أكشاك الفاكهة في البلاد. ويقول بائع للموز في العاصمة تونس، اشترى بضاعته من الخارج: "تكلفة الموز المهرب من الجزائر تبلغ نصف تكلفة شرائه من أحد المستوردين في تونس".
والجزائر وليبيا وتونس ليست من الدول المنتجة للموز محليا، لكن تونس تفرض ضريبة على استيراده، تبلغ 36 في المئة. كما أن عددا قليلا من رجال الأعمال لديه تصريح باستيراده.
ومن قبل، كان يسمح لبعض المقربين من دوائر الرئيس السابق، بن على، بالتهرب من الضريبة وفرض سعر أعلى على البضائع. وبعد أربع سنوات من الثورة، ما زالت الضريبة موجودة، وأغرق السوق بالموز المهرب.
ورغم نجاح تونس في تحقيق إنجاز سياسي هذا العام وإدارة انتقال نحو الديمقراطية، لا تزال المشاكل الاقتصادية التي كانت سببا في الثورة عام 2011 تستمر.
وأصبح التهريب أزمة بالنسبة للحكومة التونسية، التي تخسر عوائد الضرائب.
ويقدر البنك الدولي أنه في عام 2013، بلغت قيمة قطاع التجارة غير الرسمية حوالي 1.2 مليار دولار، أي 2.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في تونس.
تثبيط المنافسة
ومن بين البضائع التي يستمر فرض الضرائب عليها البن، ويجعل هذا حبوب القهوة العربية في تونس تبلغ ضعف سعرها في المملكة المتحدة.
ويعفى القليل من المقاهي من الضريبة، لكن أغلب واردات القهوة تقع تحت طائلة ضرائب استيراد باهظة.
ويرى نصير، وهو أحد مديري المقاهي في العاصمة تونس، أن عمله قد ينجح أكثر إن استطاع تقديم القهوة لزبائنه بأسعار تنافسية.
ويقول: "بالطبع نفضل أن يكون لدينا المزيد من الخيارات، فالمنافسة تخلق الجودة وتحدد السعر. يمكنني زيادة مكاسبي إن استطعت تقديم أنواع مختلفة من القهوة المصنوعة من حبوب ذات جودة أعلى، كالقهوة العربية".
وتنتشر نفس الشكوى بين رجال الأعمال التونسيين، الذين يعانون من نظام لا يسمح بالمنافسة والنمو.


القهوة من بين البضائع الأقل تنافسية في تونس، إذ تعيق القيود الاقتصادية استيراد وانتشار حبوب ذات جودة أعلى، كالقهوة العربية.

ويقول جان-لوك بيرناسكوني، كبير اقتصاديي البنك الدولي عن تونس: "المشرعون، والمنتجون، والعوائق تمنع الفرص في عدد من القطاعات بالنسبة للمستثمرين التونسيين والأجانب، فأكثر من نصف الاقتصاد التونسي مغلق أمام المنافسات الجديدة. وذلك نتيجة سنوات من التسلط والمحسوبية".
وأضاف: "كان أحد طرق محاسيب النظام السابق لكسب الامتيازات هو تفصيل قوانين ووضع عوائق. وهذه القوانين ما زالت مستمرة".
وينطبق ذلك على معظم القطاعات في البلاد، فالنظام والامتيازات التي وضعها النظام السابق منذ الاستقلال عن فرنسا ما زالت مستمرة.
نمو بطيء
وفي حين يشكو الكثير من التونسيين من ارتفاع تكلفة المعيشة ونقص الفرص الاقتصادية، يعاني الاقتصاد نفسه من الجمود.
فالنمو الاقتصادي بطيء بشكل لا يسمح باستيعاب أعداد خريجي الجامعات. وانخفض الاستثمار الأجنبي هذا العام إلى حوالي 25 في المئة.
وترى عالية محمود، مديرة مركز ميكروسوفت للابتكارات، الذي يعمل مع أصحاب الأعمال على مدار السنوات الثلاثة الأخيرة، أن ميراث الفساد من النظام السابق يكبح إمكانيات أصحاب الأعمال، ويجب التغلب عليه.
وتقول عالية: "على مدار عقود، لم يكن هناك حافز للمحاولة والعمل أكثر. كان الاقتصاد مهزوزا بشكل لا يساعد على النجاح والابتكار. حتى الآن، يبدو أنك بحاجة لضمان القدرة على فرض قانون لتتمكن من إدارة مشروع".
ويمكن استشعار وجود بقايا النظام السابق، الذي يشار إليه بـ"رأسمالية المحسوبية"، في كل القطاعات. لكن أداء القطاع المصرفي العام هو أكثر ما يمكن الاستدلال به على سوء إدارة النظام السابق وتدهور الاقتصاد.
ويقول بيرناسكوني: "البنوك الحكومية كانت ذراع رأسمالية المحسوبية. وخصصت كل الموارد لمشروعات المحاسيب والأصدقاء، وليس للمشروعات المربحة".


قال رئيس الوزراء التونسي، مهدي جمعة، إن الإصلاح الاقتصادي أمر ملح، وإن الأوضاع الاقتصادية في العامين أو الثلاثة القادمة ستكون صعبة.

مشاكل البنوك
وقد أدى سوء الإدارة إلى كثير من القروض غير الفعالة في القطاع المصرفي العام، تبلغ قيمتها حوالي 2.4 مليار دولار. ولا تقتصر الأزمة على حاجة البنوك لسيولة من الموازنة التونسية، لكنها أيضا أدت إلى تقليل الاقتراض وجعله أكثر حذرا.
ويقول بيرناسكوني: "البنوك هي محفزات أي اقتصاد. وإصلاح القطاع المالي أمر مهم ويحتاج إلى العمل بشكل سريع".
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة بيو للأبحاث أن 88 في المئة من التونسيين يرون أن اقتصاد البلاد في حالة سيئة. وكان الاقتصاد من أول اهتمامات الناخبين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
ويقول رئيس الوزراء التونسي، مهدي جمعة، إن البلاد تقف عند نقطة تحول. "نسينا الاقتصاد لكنه لا ينسانا. وبعد تغيير النظام السياسي، نحتاج لتغيير النظام الاقتصادي".
وأضاف: "لقد طوينا صفحة الانتقال السياسي، ونحتاج لانتقال اقتصادي واجتماعي. يجب أن ننجح فيه وإلا انهارت ديمقراطيتنا. وإن انتظرنا شهر، خسرنا سنة".
"نحتاج شجاعة"
ويترقب الجميع معرفة مدى جدية الحكومة القادمة في الإصلاح، إذ يعتبر المراقبون أن حزب نداء تونس، الحاصل على أغلبية المقاعد في البرلمان، على صلات قوية بالنظام السابق.
وأقر جمعة أنه من الصعب إقناع المنتفعين من النظام السابق بالتخلي عن امتيازاتهم، "لكننا يجب أن نكسر هذا النظام ونتطلع للمستقبل. فالأمر يتعلق بصالح البلاد".
ومن بين أول التشريعات التي يجب على البرلمان الجديد مناقشتها إصلاحات القطاع المالي، لتكون البلاد مؤهلة للحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية.
وأضاف جمعة: "لا ينبغي أن نخشى الإصلاحات. يجب أن نصارح الناس أن العامين أو الثلاثة القادمة ستكون صعبة. لكننا نحتاج شجاعة".