الصّولد في الجزائر... خدعة إشهارية لاصطياد الزبائن!
30-01-2015, 05:50 AM

بقيت عملية البيع بالتنزيل أو "الصّولد" تُراوح مكانها في الجزائر، رغم مرور تسع سنوات على تقنين هذه العملية... فلا هي أصبحت ثقافة لدى مواطن باحث عن تأمين متطلبات حياته بأقلّ المصاريف، ولا اتخذها التجار سبيلا لتنشيط تجارتهم وتشجيع المنافسة، والكل يحمّل الآخر أسباب فشل هذا السلوك المهمّ في اقتصاد السوق.

تجولت "الشروق" بين بعض محلات العاصمة وسألت المواطنين عن ظاهرة البيع بالتنزيل، فتفاجأنا من استنكار غالبية من تحدثنا معهم من ارتفاع أسعار الصّولد، مؤكدين أن التجار يعلقون لافتات التخفيض فقط لجلب الزبائن لا غير، فمحلات تعلق لافتة عن تنزيل يصل حتى 60 بالمائة خاصة في الملابس والأحذية والحقائب لتتفاجأ عند دخول المحّل أن السلع المُخفضة رديئة النوعية.

وحتى التنزيلات التي تطال المواد الغذائية والاستهلاكية فيها نوع من الاحتيال، حيث دخلنا بعض المراكز التجارية التي تضع لافتات مكتوبا عليها عبارة "صولد" على بعض المُنتجات مثل الشوكولاطة، العصائر، بعض أنواع الجبن والمُكسّرات.. بعضها لا يحمل تاريخ نهاية الصلاحية، وهو ما يُدخل شكوكا بفساد هذه المُنتجات، وهو ما يُحتم على المشتري التدقيق في تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية، وبعض التجار وإن كانوا قلة ورغم أن التاريخ المدون على السلعة منتهي الصلاحية، فهو يوهم الزبون بأن هذا التاريخ معناه أن تزيد شهرا أو شهرين إليه دون حصول ضرر؟؟



التجار: لن ينجح الصولد... نحن ندفع ضرائب مرتفعة

اكتظاظ كبير لمحناه أمام محل وسط مدينة الشراقة، فظننا التنزيل في متناول الجميع، لنتفاجأ عند اقترابنا بتنزيل لا يتعدى 10 بالمائة، فسروال الجينز الذي كان بثمن ألفي دج أصبح بـ 1900دج!! وعقّب البائع على تعجبنا: "حبيّتو نبيع بالخسارة؟؟" وأضاف زميله: "كي ينقصونا الضريبة نبيعولكم باطل!" وتجارآخرون يُنزلون أسعار سلع صينية مُدّعين أنها تركية، فيكون ثمنها المُخفّض أغلى حتى من ثمنها الأصلي.

وكثير من المُواطنين الذين تحدثنا معهم أكدوا أن الصولد فرصة ثمينة لاقتناء ملابس لم تُشتر في موسمها لغلائها، فمعطف الشتاء يُقتنى مع دخول فصل الربيع، وتُشترى ثياب الصيف عند اقتراب الخريف، فيما اعتبر آخرون أن الصولد عملية وهمية ومُحرجة أيضا، فتدخل محلا يُعلّق عبارة الصولد على أمل الشراء فتخرج خائبا لغلاء الأسعار، ويستفزك البائع بجملة: "أتأسف نفدت سلع الصولد!!"



يتعمّدون ذكر المُواصفات لإغراء الزبائن

"الصولد الإلكتروني" خُدعة تغزو الإنترنت

يُصادف المُتصفح لبعض المواقع الإلكترونية المحلية إعلانات عن تخفيضات مُهمة تَطال الأجهزة الكهرومنزلية، السيارات، الملابس ومواد التجميل.. ليُصبح "الصّولد الإلكتروني" سبيلا آخر لاستنزاف جيوب المواطنين.

أضحى الصولد الإلكتروني الذي تعرضه كثير من المواقع سبيلا يتخذه أصحاب محلات وحتى "بزناسية" لترويج بضاعتهم، مُدّعين محدودية العروض وأهمية التخفيضات التي تصل حدود 50 بالمائة خاصة إذا تزامنت مع نهاية السنة.

فمن خلال تصفحنا لموقع "واد كنيس" الذي أضحى أشهر موقع تسوق جزائري، اكتشفنا أن العديد من أصحاب العروض الذين ينشرون صُور منتجاتهم وميزاتها والبلد المنتج، لا ينسون إضافة عبارة "الصولد" أسفله ويتعمّدون عدم ذكر السعر الحقيقي للسلعة قبل تنزيل ثمنها.

عكس بعض شركات الهواتف النقالة والأجهزة الكهرومنزلية على غرار "داركم"، "إيريس سات" وغيرها من الماركات المعروفة التي تذكر السعر الأصلي للمُنتَج وثمنه بعد التخفيض ومدة الضمان سواء كان هاتفا نقالا، لوحا إلكترونيا، كاميرا رقمية أم جهاز كومبيوتر محمول، وهو ما يحفز المواطنين على البحث في عروض الصولد الإلكتروني، مُعتبرين إياه المُنقذ من عناء التجول في المحلات التجارية، والتنقل بين الشوارع والمتاجر للظفر بالغرض المرغوب فيه. ولأن كلمة الصولد تجلب المواطن في أي مكان، أصبحت العبارة حيلة يستخدمها العديد من تجار "الكابة"، فيعرضون سلعهم من أدوات تجميل، ثياب، وعطور فرنسية وبجانبها عبارة "صولد"، مع أن الفارق بين السعر المُنزّل والسعر الحقيقي لا يتعدى 500 دج!! وهي حال أحد باعة الملابس الرياضية المجلوبة من تركيا حسبما دوّنه في الإعلان مُستخدما عبارة صولد، فأقل ثمن يصل إلى 5300 دج وهو أقل من السعر الأصلي بـ 200 دج فقط. ومع ذلك ينساق المواطنون وراء العروض الإلكترونية الكثيرة، خاصة أيام المناسبات الدينية كالأعياد، نهاية رأس السنة الميلادية، عيد الحب ونهاية فصلي الصيف والشتاء.



اتحاد التجار: هذه نصائحنا للمشتري للتعامل مع ثقافة الصولد


حذّر الناطق الرّسمي لاتحاد التّجار والحرفيّين، الطاهر بولنوار، المواطنين من غشّ بعض التجار في مواسم البيع بالتخفيض، مُطالبا بالتريث قبل الإقدام على شراء الصّولد. وفي هذا يقول: "جهْل غالبيّة الجزائريين بكيفية سير عملية البيع بالتخفيض يجعلهم يتعرضون للتحايل من بعض التجار، فالصولد ليس متاحا كامل أيام السنة وله موسمان في العام فقط".

وينصح بولنوار المُشترين وحتى يستفيدوا فعليا من الصّولد، زيارة أكثر من محل قبل بدء التخفيض للتحقق من الأسعار الحقيقية، ثمّ يعاودون زيارة المحلات نفسها أثناء فترة التخفيضات لمقارنة الأسعار، وبهذا يتجنبون الاحتيال، لأن بعض التجار يضعون ورقة الصولد، لكنهم يتركون الأسعار نفسها، وآخرون يرفعونها بدل خفضها... والبعض الآخر يضع تخفيضا على سلع مقلدة، مُدّعيا أنها من ماركة عالمية، فيصبح ثمنها بالتخفيض أغلى حتّى من ثمنها الحقيقي".

ويقتصر التخفيض فقط على جزء صغير من السلع التي لا ترقى حتى للبيع في طاولات الأسواق الفوضوية، الملاحظ أيضا هو الغياب الكلي للإشعار بالأسعار القديمة، واعتبر بولنوار أن الأسواق الموازية المنتشرة بكثرة في الجزائر هي ما يعرقل سير عملية "الصولد" في المحلات، لإقبال المواطنين الكبير على الأسواق وتجنبهم المحلات.

ويحسن الأوروبيون التعامل مع ثقافة الصولد، لأن معظم مشترياتهم تكون في هذه المواسم، فتجدهم وقبل بدء التخفيضات يتجوّلون عبر المحلاّت، ويُبحرون عبر الإنترنت للتأكد من الأسعار قبل شراء السلع أثناء التخفيضات، كما أن التخفيض على الأسعار في أوروبا يكون في متناول الجميع، فمثلا منتوج كان يباع بـ100 أورو تجده بـ20 أورو فقط.



جمعية حماية المستهلك: ارتفاع شكاوى المواطنين بسبب احتيال التجار


تلقت جمعية حماية المستهلك عدة شكاوى من طرف مواطنين، بخصوص رفع التجار سعر السلع، والإعلان بأنه سعر مُخفّض. حيث صرح رئيس الجمعية، زبدي مصطفى، للشروق، أن "الصولد" أو البيع بالتخفيض، مقنن بمرسوم تنفيذي، يُبين كيفية القيام بهذا التخفيض، مع ول التاجر على رخصة مسبقة، وتشهير للبيْع بوضع بطاقات مكتوب عليها السعر القديم والجديد على واجهات المحلات، ويجب أن تتراوح التخفيضات بين 20 و50 بالمئة. وأشار زبدي أن الصولد في بلادنا ما زال ضيقا يطال الملابس والحقائب فقط، وقلة من التجار من يقصد مديرية التجارة لطلب الرخص. وأعاب المتحدث وجود مادة واحدة خص بها القانون شروط تخفيض الأسعار في القانون التجاري، ما سمح بارتكاب تجاوزات من التجار، كأن يبيع السلعة بثمنها الحقيقي، مقنعا الزبون أنه خصَم له بين 60 أو 70 بالمئة من الثمن الأصلي، وهو ما جعله يدعو جميع التجار للعمل بشفافية، والابتعاد عن الطرق الاحتيالية.



قانونيون: رفع الغرامات والصرامة في عقاب المخالفين يقلل من الاحتيال


حثّ المحامي بهلولي إبراهيم أعوان المنافسة والأسعار، التعامل بصرامة في تطبيق القوانين أثناء مراقبة المحلات التجارية، لهدف حماية المواطن عند شرائه ملابس أو مواد غذائية وغيرها، حتى لا يقع ضحية احتيال وغش. وقال: "من المفروض أن لا تكون العقوبة مجرد غرامة جُزافية معقولة، فذلك يشجع التجار على تكرار أفعالهم، مُقترحا رفع قيمة الغرامة أو غلق المحل التجاري مدة شهر أو شهرين... فالعُقوبات التي يفرضها القانون تُعتبر هيّنة، مقارنة بقيمة الصحة البشرية التي قد تصل حدّ وفاة مواطن".

وأشار المحامي لوجود قانون خاص ينظم النشاط التجاري، يعمل على تطبيقه أعوان قمع الغش من مديرية المنافسة والأسعار التابعة لوزارة المالية. وحسب بهلولي: "المنافسة غير المشروعة يعاقب عليها قانون حماية المستهلك بغرامات مالية تتراوح بين 5 و50 مليون سنتيم"، موضحا: "بعض تجار المواد الغذائية يبيعون منتجات منتهية الصلاحية بسعر منخفض، ويقنعون الزبائن أن تاريخ انتهائها سيكون بعد شهر أو شهرين، وهناك من يتحايل وينزع إشارة انتهاء الصلاحية".



الأئمة: التاجر الصّدوق جزاؤه الجنة


أكد رئيس نقابة الأئمة، جلول حجيمي، للشروق، أن الأصل في التجارة الصدق، كما جاء في حديث الرسول الكريم: "التاجر الصدوق ليس له جزاء إلا الجنة"، ولجوء بعض التجار إلى المكر والخداع في تعاملاتهم مع زبائنهم غير جائز شرعا. فالتاجر بأخلاقه وحسن تعامله وتوكله على الله في طلب الرزق يكون مأجورا، لأن تسعة أعشار الرزق تكون في التجارة. ونصح حجيمي كل تاجر ومسلم، الأخذ بأسباب الرزق التي تكون له في الدنيا خيرا وبركة، وفي الآخرة جنة الرضوان، فعليه الابتعاد عن الأساليب التي تظهر الاحتيال والمكر، والأصل في هذا على التاجر استفتاء قلبه لقوله تعالى: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".

هكذا تنظم مديرية التجارة عملية البيع بالتنزيل في الجزائر


يجهل كثير من المواطنين، وحتى التجار، القانون المُنظم لنشاط البيع بالتخفيض، وهو عبارة عن مرسوم تنفيذي رقم 215 مؤرخ في 18 جوان 2006، ينظم عملية البيع بالتخفيض، فيقع الكثير في مغالطات. فأيّ تاجر وقبل عرضه التخفيضات، لزام عليه تقديم طلب لمديرية التجارة بولايته، يُحدّد فيها السلع التي ينوي تنزيل أثمانها وكميتها، مع تحديد أثمانها الحقيقية، والأثمان التي ينوي عرضها بها أثناء التخفيض، شرط ألا يتعدى التخفيض 60 بالمئة. والتخفيضات في الجزائر -حسب القانون- لها أوقات معينة، الموسم الأول ينطلق في الأسبوعين الأخيرين من شهر جانفي، ويمتد كامل شهر فيفري، والثاني يبدأ في الأسبوعين الأخيرين من شهر جويلية، وأربع أسابيع من شهر أوت، والتجار المخالفون يتعرضون لعقوبات، على غرار التوقيف الفوري للمبيعات، سحب رخصة الممارسة بالنسبة للتجار الذين يعرضون السلع للبيع خارج المحلات التجارية، حجز ومصادرة السلع محل المخالفات، بالإضافة إلى حجز العتاد والتجهيزات المستعملة في ارتكابها، الغلق الإداري للمحلات التجارية.



اقتصاديون: نجاح عملية الصولد مرهون بوجود إنتاج محلي

استنكر تجار تحدثنا إليهم تحميلهم مسؤولية فشل ثقافة البيع بالصولد بالجزائر، مُعتبرين أن نجاح البيع بالتنزيل بالجزائر له شروط، ومنها أن يكون البلد منتجا للسلع، لكن 90 بالمئة ما يدخل الجزائر بضاعة مستوردة من ملابس وإلكترونيات وآلات... يقول (كمال) تاجر في السلع الكهرومنزلية: "أنا شخصيا لا أغامر بتنزيل الأسعار بصورة كبيرة، بل مجرد تخفيض رمزي لجلب الزبون، فأنا أبيعه أجهزة مستوردة، مهما نزّلت في ثمنها لن أسترجع رأس مالي المدفوع".

وتاجر ملابس بمحل بشارع ديدوش مراد يقول: "ألجأ للصولد فقط عندما أرغب في تبديل سلعة، فأنا شخصيا معظم مبيعاتي من ملابس وأحذية من ماركات عالمية غالية، وإذا أنزلت الثمن أكثر من المعقول، سأتكبد خسائر، عكّس التجار الأوروبيين الذين يشترون سلعا تُنتج في بلدهم بأسعار معقولة، حتى لو خفضوا الأسعار في مواسم الصولد إلى 50 بالمئة، سيستفيدون من هامش ربح جيد، وفي حال بقيت السلعة في محلاتهم، يعيدونها إلى المصنع لاستبدالها بأخرى تتماشى مع الموسم الجديد".

وبدوره، اعتبر أحمد مرزوق أستاذ في الاقتصاد، أن نجاح البيع بالتخفيض في الجزائر مرهون بوجود إنتاج وطني محلي، إذ لا يعقل حسبه أن تُخفض الأسعار على بضاعة مستوردة، دفع صاحبها رأس مال كبيرا لإدخالها الجزائر؟ كما إن عملية الصولد مرهونة بالعرض والطلب، والجزائر تعرف عرضا محدودا مقارنة بعدد السكان الكبير.