{{..هــكــذا علمتنــــــي الإعــــاقـــة…}}الجزء الاول
11-11-2011, 12:14 AM
{{..هــكــذا علمتنــــــي الإعــــاقـــة…}}الجزء الاول
منذ الطفولة الباكرة، وفي سن الثالثة،توشحت رداء المرض والإعاقة ،مرض متطور يصيب جميع عضلات الجسم ،ويفقدها فعاليتها مع مرور الزمن،إنه (مرض ضمور العضلات الشوكي)الذي يفقد المرء طعم الحياة ،ويجعله دائم التفكير في واقعه ومصيره،كيف لا وهو لا يدع عضلة من عضلات الجسم،إلا ويشل حركاتها،سنة بعد سنة،وهو الذي مازال يحير العلماء والباحثين.
كانت طفولتي،طفولة بائسة على أكثر من صعيد،كنت أسكن في قرية جبلية نائية،وأضطر لقطع حوالي ثلاثة كيلومترات مشيا على الأقدام،من البيت إلى المدرسة على مسالك وعرة،وخالية من السكان،وإن كان المرض خفيفا في البداية،إلا انه كان يعيقني عن اللعب مع أقراني ،فكان الحرمان الأول من ممارسة طفولتي على أكمل وجه ،وانغرست في ثنايا روحي ،عقدة نفسية،وإن كان جانبها السلبي يتمثل في ذلك الخجل والانطواء اللذان لازماني طويلا،والحساسية المفرطة اتجاه تصرفات الغير،إلا أنها وفي جانبها الإيجابي،كانت حافزا،ومحرضا قويا لي كيما أمتطي صهوة الإرادة والتحدي،وأحاول تعويض ذلك النقص الجسدي الذي أعانيه،بالسفر في فضاءات الدراسة والمعرفة،فكنت الطفل الرجل،منذ الطفولة الأولى،واكتمل وعيي باكرا بما يدور حولي ،وبما أعانيه،وبما يجب علي فعله ،فكنت دائما من بين الأوائل في الصف المدرسي ،إلى أن جاءت الطامة الكبرى حينما أقعدني المرض تماما في سن الرابعة عشرة ،وجعلتني حبيس كرسي متحرك صار جزءا من ديكور حياتي،كنت حينها أطرق أبواب المراهقة،وأتطلع إلى مستقبل أفضل ،وأنا أعبر مسالك العلم بثبات واستقامة،فكان البعد عن الدراسة وعن العالم الخارجي مدة ست سنوات ،كنت خلالها حبيس بيت ضيق لا يستجيب لأدنى متطلبات الحياة الكريمة،مع أسرة كبيرة العدد ،وفقيرة الحال،حتى أنني بدأت أغوص في دوامة من اليأس والاستسلام لواقع كان يدفع بي إلى حافة الجنون ،والإنتحار..وكانت الإعاقة تزداد قسوة وعنفوانا،وتفقدني المزيد من الحركات اليومية الضرورية ،حتى صرت أعتمد على الآخرين،بصفة كبيرة،حتى في الأمور الجد شخصية،والمحرجة في بعض الأحيان.
وأنا على هذه الحال ،كنت دائم المطالعة والقراءة ،ومن خلالها كونت لنفسي قاعدة ثقافية صلبة،أعادتني إلى معانقة الحلم من جديد ،بمساعدة القلة القليلة من المقربين من الناحية المعنوية ،فقررت ذات يوم أن أكون،وقد كان الكثيرون ممن قرأت عن سيرهم الذاتية،قدوتي في الحياة،وأبرزهم على الإطلاق:((الشهيد البطل:الشيخ احمد ياسين) من حيث تحدي الإعاقة والعجز الجسديين والتحليق بعيدا..بعيدا في فضاءات المقاومة بكل أشكالها،وهو القعيد الذي حير العالم،وأذهل الجبابرة الصهاينة،برجاحة عقله،وجهاده بالنفس والنفيس لأجل كيان أمته،برغم حالته الصحية الخطيرة،أما الشخصية الثانية فكانت شخصية الأديب الكبير((عباس محمود العقاد))من حيث اعتماده على النفس لبلوغ أعلى المراتب الأدبية والعلمية،بعصامية متفردة جعلت منه هامة من هامات الأدب العربي الحديث.
ومن هنا أعدت ترتيب أولوياتي،ومشاريع عمري،وقد ضبطت ساعتي الداخلية على هدف واحد أنفقت فيه كل طاقاتي النفسية والجسدية،متوكلا على الله – سبحانه وتعالى – ومستعينا بما تيسر لي من قدرات،فقررت أن أكمل دراستي عن طريق المراسلة، وتدرجت من فصل إلى فصل ،إلى أن حصلت على شهادة الباكالوريا –شعبة آداب وعلوم إنسانية(كمتر شح حر) وقد تفاجأ الكثيرون بحصولي على هذه الشهادة ،كوني كنت أدرس في البيت،ولكن فرحتي بالتتويج كان يكدرها شيء واحد سيطر على كل تفكيري،ألا وهو : كيف يمكنني اجتياز المرحلة الجامعية التي لا مناص فيها من الذهاب إلى الجامعة،ومقارعة كل المعوقات التي تعترض طريقي،خاصة وأن الكثيرين-وبناء على نمطيتهم في النظرة إلى الشخص المعاق- حذروني من متابعة الدراسة،وحدثوني كثيرا عن المصاعب الجمة التي يعانيها الطلبة المعافون،فما بالك بالطلبة المعاقين..؟؟ وقد حدثتني نفسي كثيرا،وطوال المدة المتبقية للدخول الجامعي، أن أكبح جموح طموحي ،وأكتفي بهذا القدر من النجاح،حيث كانت ظروفي قاسية ومؤلمة إلى حد لا يطاق ،ولكن رحمة الله الواسعة،دائما تنقذني في آخر لحظة،وتعيدني إلى سكة التحدي والمقاومة.
وفعلا قررت أن أجرب حظي،مهما كانت المصاعب والمطبات ،ووجدت في انتظاري كل تلك العوائق التي تصورتها وأكثر،ابتداء من الحي الجامعي الذي لم يكن ملائما للأصحاء فما بالك ،لشخص يعاني شللا تاما ،ومرضا حساسا لا يعلم مداه سوى الله-سبحانه وتعالى،مرورا بصعوبة التنقل من الحي الجامعي إلى الجامعة المركزية ،ووصولا إلى السلالم المنتشرة في كل مكان،هذا من الناحية المادية،أما من الناحية المعنوية،فكنت –وأنا الإنسان الحساس،الغارق في كبرياء زائد،وعقلية خاصة صعبة المراس- كنت أعاني نفسيا ،وأنا أطلب يد المساعدة من زملاء الدراسة،وأنا أجبر – في كل مرة – أخا من إخوتي على الذهاب معي إلى الجامعة والمكوث بجانبي مدة تفوق –أحيانا – الأسبوعين ، راضيا كان أم غير راض،بمعنى أنه ،أحيانا بطيب خاطر ،وأحيانا لمجرد أداء الواجب الأدبي.
وتمر الأيام والسنون ،وأتعود على هذا الوضع الجديد،ومن ثم أأسس شبكة زملاء وزميلات ،ما فتئوا أن أصبحوا أصدقاء مقربين،وصرت حينها مركز جذب للكثيرين الذين كانوا يرون في شخصي المتواضع،قدوة يستمدون منها قوة الإرادة والصبر ،والمقاومة،كلما ألمت بهم المصاعب والمتاعب،وكنت- بموازاة الدراسة – أسكب حمم الروح ،وتفاصيل الألم الذي يتأجج بدخيلتي ،على بياض الورق ،على شكل قصائد منزوعة من سراديب الأعماق ،شكلت متنفسا هاما لي ،هذه القصائد التي دونت فيها تصوري للحياة ،برؤى فلسفية خاصة ،وكانت تشغلني أحوال الأمة الرازحة تحت نير التخلف والظلم والخيانة،وجرح القدس بالتحديد،فكان النصيب الأوفر لقصائد الثورة بمعناها العام،ثورة الذات على كل ذلك العالم الخارجي المحيط ، والثورة على الغربة التي يعيشها الإنسان المعولم، والثورة على الأوضاع التي تعيشها أمتي من المحيط إلى الخليج،وكان جرح الجزائر-آنذاك-ينزف بغزارة، والفتنة تكشر عن أنيابها،وتفتك بأبناء هذا الوطن الذي ضحى لأجله مليون ونصف المليون من الشهداء الأبرار.
بقلمي: الطاهر بوصبع(شاعر ميلاف)
منذ الطفولة الباكرة، وفي سن الثالثة،توشحت رداء المرض والإعاقة ،مرض متطور يصيب جميع عضلات الجسم ،ويفقدها فعاليتها مع مرور الزمن،إنه (مرض ضمور العضلات الشوكي)الذي يفقد المرء طعم الحياة ،ويجعله دائم التفكير في واقعه ومصيره،كيف لا وهو لا يدع عضلة من عضلات الجسم،إلا ويشل حركاتها،سنة بعد سنة،وهو الذي مازال يحير العلماء والباحثين.
كانت طفولتي،طفولة بائسة على أكثر من صعيد،كنت أسكن في قرية جبلية نائية،وأضطر لقطع حوالي ثلاثة كيلومترات مشيا على الأقدام،من البيت إلى المدرسة على مسالك وعرة،وخالية من السكان،وإن كان المرض خفيفا في البداية،إلا انه كان يعيقني عن اللعب مع أقراني ،فكان الحرمان الأول من ممارسة طفولتي على أكمل وجه ،وانغرست في ثنايا روحي ،عقدة نفسية،وإن كان جانبها السلبي يتمثل في ذلك الخجل والانطواء اللذان لازماني طويلا،والحساسية المفرطة اتجاه تصرفات الغير،إلا أنها وفي جانبها الإيجابي،كانت حافزا،ومحرضا قويا لي كيما أمتطي صهوة الإرادة والتحدي،وأحاول تعويض ذلك النقص الجسدي الذي أعانيه،بالسفر في فضاءات الدراسة والمعرفة،فكنت الطفل الرجل،منذ الطفولة الأولى،واكتمل وعيي باكرا بما يدور حولي ،وبما أعانيه،وبما يجب علي فعله ،فكنت دائما من بين الأوائل في الصف المدرسي ،إلى أن جاءت الطامة الكبرى حينما أقعدني المرض تماما في سن الرابعة عشرة ،وجعلتني حبيس كرسي متحرك صار جزءا من ديكور حياتي،كنت حينها أطرق أبواب المراهقة،وأتطلع إلى مستقبل أفضل ،وأنا أعبر مسالك العلم بثبات واستقامة،فكان البعد عن الدراسة وعن العالم الخارجي مدة ست سنوات ،كنت خلالها حبيس بيت ضيق لا يستجيب لأدنى متطلبات الحياة الكريمة،مع أسرة كبيرة العدد ،وفقيرة الحال،حتى أنني بدأت أغوص في دوامة من اليأس والاستسلام لواقع كان يدفع بي إلى حافة الجنون ،والإنتحار..وكانت الإعاقة تزداد قسوة وعنفوانا،وتفقدني المزيد من الحركات اليومية الضرورية ،حتى صرت أعتمد على الآخرين،بصفة كبيرة،حتى في الأمور الجد شخصية،والمحرجة في بعض الأحيان.
وأنا على هذه الحال ،كنت دائم المطالعة والقراءة ،ومن خلالها كونت لنفسي قاعدة ثقافية صلبة،أعادتني إلى معانقة الحلم من جديد ،بمساعدة القلة القليلة من المقربين من الناحية المعنوية ،فقررت ذات يوم أن أكون،وقد كان الكثيرون ممن قرأت عن سيرهم الذاتية،قدوتي في الحياة،وأبرزهم على الإطلاق:((الشهيد البطل:الشيخ احمد ياسين) من حيث تحدي الإعاقة والعجز الجسديين والتحليق بعيدا..بعيدا في فضاءات المقاومة بكل أشكالها،وهو القعيد الذي حير العالم،وأذهل الجبابرة الصهاينة،برجاحة عقله،وجهاده بالنفس والنفيس لأجل كيان أمته،برغم حالته الصحية الخطيرة،أما الشخصية الثانية فكانت شخصية الأديب الكبير((عباس محمود العقاد))من حيث اعتماده على النفس لبلوغ أعلى المراتب الأدبية والعلمية،بعصامية متفردة جعلت منه هامة من هامات الأدب العربي الحديث.
ومن هنا أعدت ترتيب أولوياتي،ومشاريع عمري،وقد ضبطت ساعتي الداخلية على هدف واحد أنفقت فيه كل طاقاتي النفسية والجسدية،متوكلا على الله – سبحانه وتعالى – ومستعينا بما تيسر لي من قدرات،فقررت أن أكمل دراستي عن طريق المراسلة، وتدرجت من فصل إلى فصل ،إلى أن حصلت على شهادة الباكالوريا –شعبة آداب وعلوم إنسانية(كمتر شح حر) وقد تفاجأ الكثيرون بحصولي على هذه الشهادة ،كوني كنت أدرس في البيت،ولكن فرحتي بالتتويج كان يكدرها شيء واحد سيطر على كل تفكيري،ألا وهو : كيف يمكنني اجتياز المرحلة الجامعية التي لا مناص فيها من الذهاب إلى الجامعة،ومقارعة كل المعوقات التي تعترض طريقي،خاصة وأن الكثيرين-وبناء على نمطيتهم في النظرة إلى الشخص المعاق- حذروني من متابعة الدراسة،وحدثوني كثيرا عن المصاعب الجمة التي يعانيها الطلبة المعافون،فما بالك بالطلبة المعاقين..؟؟ وقد حدثتني نفسي كثيرا،وطوال المدة المتبقية للدخول الجامعي، أن أكبح جموح طموحي ،وأكتفي بهذا القدر من النجاح،حيث كانت ظروفي قاسية ومؤلمة إلى حد لا يطاق ،ولكن رحمة الله الواسعة،دائما تنقذني في آخر لحظة،وتعيدني إلى سكة التحدي والمقاومة.
وفعلا قررت أن أجرب حظي،مهما كانت المصاعب والمطبات ،ووجدت في انتظاري كل تلك العوائق التي تصورتها وأكثر،ابتداء من الحي الجامعي الذي لم يكن ملائما للأصحاء فما بالك ،لشخص يعاني شللا تاما ،ومرضا حساسا لا يعلم مداه سوى الله-سبحانه وتعالى،مرورا بصعوبة التنقل من الحي الجامعي إلى الجامعة المركزية ،ووصولا إلى السلالم المنتشرة في كل مكان،هذا من الناحية المادية،أما من الناحية المعنوية،فكنت –وأنا الإنسان الحساس،الغارق في كبرياء زائد،وعقلية خاصة صعبة المراس- كنت أعاني نفسيا ،وأنا أطلب يد المساعدة من زملاء الدراسة،وأنا أجبر – في كل مرة – أخا من إخوتي على الذهاب معي إلى الجامعة والمكوث بجانبي مدة تفوق –أحيانا – الأسبوعين ، راضيا كان أم غير راض،بمعنى أنه ،أحيانا بطيب خاطر ،وأحيانا لمجرد أداء الواجب الأدبي.
وتمر الأيام والسنون ،وأتعود على هذا الوضع الجديد،ومن ثم أأسس شبكة زملاء وزميلات ،ما فتئوا أن أصبحوا أصدقاء مقربين،وصرت حينها مركز جذب للكثيرين الذين كانوا يرون في شخصي المتواضع،قدوة يستمدون منها قوة الإرادة والصبر ،والمقاومة،كلما ألمت بهم المصاعب والمتاعب،وكنت- بموازاة الدراسة – أسكب حمم الروح ،وتفاصيل الألم الذي يتأجج بدخيلتي ،على بياض الورق ،على شكل قصائد منزوعة من سراديب الأعماق ،شكلت متنفسا هاما لي ،هذه القصائد التي دونت فيها تصوري للحياة ،برؤى فلسفية خاصة ،وكانت تشغلني أحوال الأمة الرازحة تحت نير التخلف والظلم والخيانة،وجرح القدس بالتحديد،فكان النصيب الأوفر لقصائد الثورة بمعناها العام،ثورة الذات على كل ذلك العالم الخارجي المحيط ، والثورة على الغربة التي يعيشها الإنسان المعولم، والثورة على الأوضاع التي تعيشها أمتي من المحيط إلى الخليج،وكان جرح الجزائر-آنذاك-ينزف بغزارة، والفتنة تكشر عن أنيابها،وتفتك بأبناء هذا الوطن الذي ضحى لأجله مليون ونصف المليون من الشهداء الأبرار.
بقلمي: الطاهر بوصبع(شاعر ميلاف)