يوم نزل الحديد من السماء
05-02-2018, 06:46 PM
الحديد هو رابع أكثرالعناصر المعدنية تواجدا في القشرة الأرضية، لكن وبالرغم من أنه يمثل أكثر من 5 ٪ من تركيب القشرة الأرضية، فيُعتقد أن الحديد والنيكل في باطن الأرض يمثلان 35 ٪ من كتلة الأرض ككل. لذلك يمكن القول أن الحديد هو العنصر الأكثر وفرة في الأرض، وهو فلز قابل للطرق والسحب ويتمتع بمتانة عالية تجعله مفيدا كمادة هامة تدخل في تشييد الأبنية و المعامل و الجسور و المنشآت المعدنية المختلفة، و في صناعة الدروع و الآلات الحربية الثقيلة لذلك فإن معدل استهلاك الحديد في كل دولة يعتبر مؤشرا هاما على مدى تقدمها و قوتها.
من بين المعادن جميعها، يعتبر الحديد وسبائكه أكثر المواد المعدنية استخداماً على الإطلاق، كما يُعتبر أكثر العناصر الكيميائية استقراراً. هو ضروري لحياة الإنسان والحيوان كونه يدخل في تركيب خضاب الدم، وكذلك لحياة النباتات كونه أحد العناصر الضرورية لتكوين الكلوروفيل أو اليخضور، وهو يدخل في تركيب كل ما نعرفه تقريباً.
في بداية الخلق لم يكن هناك من العناصر التي نعرفها اليوم سوى الهيدروجين، ثم ومع مرور الزمن أخذت ذرات الهيدروجين تتراكم على بعضها مشكلة النجوم، و من اندماج نويات الهيدروجين في هذ النجوم بدأت تتشكل عناصر أخرى أثقل من الهيدروجين بدءا من الهليوم و انتهاء بالحديد، فكلما ازدادت الكتلة الأولية للنجم كان أكثر قدرة على تشكيل عناصرأكثر ثقلا، حتى نصل إلى الحديد الذي لا يمكن للنجم أن يشكل عناصر أثقل منه مهما بلغت كتلته الأولية، لأنه يتحول بعد ذلك إلى نجم نيوتروني أو ثقب أسود* و إنما تتشكل العناصر التي هي أثقل من الحديد (كالذهب و النحاس و الفضة) من حوادث كونية بالغة العنف و الشدة كحوادث السعير (الانفجار الخارق للنجوم)، أو ارتطام نجمين نيوترنيين مثلا ...
بما يخص الشمس وهي أحد النجوم متوسطة الحجم والكتلة، فإن التفاعلات النووية التي تجري فيها ستتوقف عند مرحلة إنتاج الهليوم بعد حوالي ستة مليارات عام عندها سيخبو أوار الشمس وتسدل ستارة الفناء على الحياة في الأرض. إذا فالحديد لايمكن انتاجه في مجموعتنا الشمسية، فمن أين نزل؟
تحتوي النيازك الساقطة على الأرض من السماء على كميات من الحديد قد تصل إلى 90% من كتلتها، فهي من المصادر الهامة التي أدت إلى توفر الحديد على كوكب الأرض. هذا المصدر بالرغم من أهميته لايفسر وجود كميات كبيرة من الحديد كما هو الواقع المشاهد.
من بين النظريات الهامة التي تفسر وجود الحديد على الأرض بهذه الغزارة نظرية تقول أن كوكب الأرض الحالي قد تشكل من اصطدامه مع كوكب آخر بحجم المريخ أطلقوا عليه الإسم الإفتراضي "ثيا-Theia"، (نسبة إلى إلهة النور السماوي الإغريقية)، وقد نجم عن هذا التصادم نشوء القمر، الذي ظل يدور حول الأرض بفعل جاذبيتها.
لقد أظهرت تحاليل صخور القمر، التي جلبها رواد الفضاء في رحلات أبولو بين عامي 1969 و1972، أن التركيب الكيمائي لهذه الصخور متطابق بشكل يدعو إلى الدهشة مع التركيب الكيميائي لصخور الأرض.
يقارن الجدول التالي بين التركيب الكيميائي لصخور القشرة الخارجية من سطح القمر وصخور البازلت الموجودة في أعماق البحار على الأرض:

تركيب قشرة القمر / و تركيب صخور البازلت على الأرض(وزنا%):

ثاني أكسيد السيليسيوم 40,4/ 49.2
ثاني أكسيد الألمنيوم 9.4 /15.8
أكاسيد الحديد 19.3/ 8.2
أكاسيد المغنزيوم 7.2 /8.5
أكسيد الكالسيوم 11.0 /11.1
أكسيد الصوديوم 0,5 /2.7
أكسيد البوتاسيوم 0.2 /0.3
أكسيد المنغنيز 0.3 /0.2
ثاني أكسيد التيتان 10.9 /1.4
خامس أكسيد الفسفور 0.1 /0.1
أكاسيد أخرى مختلفة بما فيها الماء (أكسيد الهيدروجين) 2.5/0.7
المجموع 100 /100

مما يدل على الأصل المشترك لكل من الأرض و القمر.
يعتقد العلماء أن تصادم "ثيا" مع الأرض وقع بعد 100 مليون سنة تقريبا من تشكل الأرض، بزاوية 45 درجة عندما كانت الأرض ما تزال على شكل صهارة معدنية، فانتقل الحديد الناتج عن الارتطام إلى نواة الأرض لأنه الأكثر ثقلا بين المكونات الأخرى للأرض و(ثيا)، وهذا ما يفسر ارتفاع نسبته في النواة عن القشرة. لاحظ أن نسبة الحديد في قشرة القمر تزيد عن ضعف نسبتها في الصخور البازلتية على الأرض مما يوحي بأن نسبة الحديد العظمى في نواة لأرض قد جاءت مع (ثيا) من السماء.
وسواء أكان الحديد قد جاء مع (ثيا) أو مع النيازك التي ما فتئت تضرب الأرض منذ نشأتها، فقد أتى من السماء؛ من خارج حدود المجموعة الشمسية بكل تأكيد.


رسم تخيلي لارتطام (ثيا) بالأرض

_____________________________________
*. انظر مقالتي بعنوان: الطارق أو النجم الثاقب