المهنة.. مُجرم! /بقلم: جمال لعلامي
06-10-2015, 02:17 PM
القصة المؤلمة والمفزعة والمخيفة للطفل "أنيس" بولاية ميلة، مهما كانت أسبابها وأهدافها، حسب ما تكشف عنه تفاصيل التحقيق، من الطبيعي أن تنقل الرعب والهلع والفزع إلى كلّ الأطفال والتلاميذ، وطبعا أوليائهم، وليس في ذلك غرابة أو عجب، طالما أن القضية أصبحت "قضية حياة أو موت"!

من البديهي أن يعود شبح الاختطافات إلى بيوت العائلات الجزائرية، وليس في ذلك فرق بين ساكن الربوة المنسية أو قاطن المدن الكبيرة، وإن كانت المعاناة تختلف ولا تتلاقى لا اليوم ولا غدا، نتاج عدّة ظروف ومعطيات!

لقد دقّ المختصون والباحثون وعلماء النفس و"الحسّ" ناقوس الخطر، بسبب هذا الانحراف المثير والخطير، داخل المجتمع، علما أن استشرافيين كانوا قد حذروا بداية التسعينيات، مما أسموه آنذاك "مرحلة ما بعد الإرهاب"!

فعلا، لقد بزغ جيل وُلد في عزّ "المأساة الوطنية" وكبر فيها، ومن هذا الجيل من تحوّل إلى "مشروع مجرم"، ومنهم من كان "ضحية إجرام" لأفراد وجماعات رضعوا من أفكار عنيفة ومتطرّفة، ومنهم من هو أضحية لمشاكل اجتماعية وعائلية سرعان ما تحوّلت إلى إجرام وانتقام!

تصاعد أعمال الإجرام في حقّ البراءة وفي حقّ الأصول، وبين الشقيق وشقيقه، والأب وابنه، بالفعل تثير الانفعال والخوف، فمثل هذه العمليات تستدعي تشخيصا دقيقا ودراسة معمقة لدواخل المجتمع الجزائري الذي علينا أن نعترف بالجملة والتجزئة أنه تغيّر كثيرا!

نعم، لقد تغيّرنا في أخلاقنا وتربيتنا وعاداتنا وتقاليدنا.. تغيّرنا في تفكيرنا، في علاقاتنا وتضامننا وتعاوننا.. وأصبح كلّ شيء بحساب وبمقابل ومقايضة، وهذا أخطر ما في الأمر الخطير!

أليست استقالة المجتمع من حماية سيّدة تعرضت للاعتداء في الشارع، تطورا خطيرا؟ أليس مقتل الأخ على يد أخيه أمرا مريبا؟ أليس تفاقم الإجرام الأسري قصة مرعبة؟ أليس اختطاف الأطفال جريمة نكراء يكاد المجتمع يتعايش معها ويتكيّف معها بطريقة تثير الاستفزاز والاشمئزاز!

الأكيد، أن المسؤولية مشتركة، يتقاسمها القانون والمسجد والإعلام والعائلة والمجتمع، وغيرهم من أرقام معادلة مجتمعية لم تعد سهلة الفهم، ولم تعد متاحة لتفكيك عناصرها بما يُلهمنا الحلول لمشاكل جمّة لغمت الأسرة وضربت استقرارها وسلامتها في العمق!

عندما يصبح الإجرام هو "البديل" لتصفية الحسابات وتسوية المشاكل وتبريد الأعصاب والشعور بالقناعة والثقة، فهذا هو مربط الفرس، الذي يدفعنا دفعا إلى وقف النزيف، وقد وقع الفأس على الرأس!