التعامل الإسلامي مع ذوي الاحتياجات الخاصة
20-02-2017, 12:16 PM
التعامل الإسلامي مع ذوي الاحتياجات الخاصة

حوار مع د. محسن محمد أحمد علي

محمود مصطفى الحاج
الشريعة الإسلامية سبقت كل القوانين والأنظمة في المعاملة الحسنة والمثلى مع ذوي الاحتياجات الخاصة.
المعاق وأهله مطالَبون بالصبر والرضا، والقرآن الكريم يبين لنا بشرى الصابرين: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾.
عُقدت أبحاث كثيرة في هذا الشأن، وتوصلت إلى أنه لا مانع من إجراء الفحص الطبي للمقبِلين على الزواج.

بداية: لقد تقدمتَ ببحث فريد من نوعه في المؤتمر، تحدثت فيه عن التعامل الإسلامي مع ذوي الإعاقات الخاصة، الآن نحن نريد أن نعرف ما هي أسس معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة وفقًا للشريعة الإسلامية؟
الدكتور محسن محمد أحمد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، أما بعد:
فنرحب بحضراتكم في ساحة جامعة الفيوم، وفي هذه الأيام المباركة، ونحن ننظم مؤتمرًا دوليًّا بعنوان: التوجُّهات الحديثة لرعاية متحدي الإعاقة، وقد شرُفت بأني تقدمت ببحث عن التعامل الإسلامي معذي الإعاقة.

حقيقة نستطيع أن نقول وبكل فخر: إن الشريعة الإسلامية قد سبقت كل القوانين والأنظمة الوضعية في المعاملة الحسنة والمعاملة المثلى مع هذه الفئة من فئات المجتمع، ويتضح هذا الأمر من خلال عدة نماذج كلنا نعلمها؛ امرأة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تُصرَع؛ أي إنها كانت مصابة بمرض الصرع، فتوجَّهَتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: يا رسول الله، إني أُصرَع، وإني أتكشف، تتكشف يعني عندما تصاب بالصرع لا تشعر بنفسها، فيتعرى جسدها، وهذا أمر غير مقبول للإنسان بصفة عامة، وللمرأة بصفة خاصة، فماذا تطلب من النبي صلى الله عليه وسلم؟ إنها تطلب منه أن يدعو لها، فيخيِّرُها النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين، قال لها: ((إن شئتِ صبرتِ، ولك الجنة - هذا هو الخيار الأول - وإن شئتِ أدعو لك))، فقالت: أصبر، إنها اختارت الصبر على الدعوة مِن النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نعلم أن دعوةَ محمد صلى الله عليه وسلم دعوة مستجابة، ولكنها فضَّلت الجنة وتركت أمور الدنيا، وتحمَّلت الصعاب والمحنة والابتلاء، واختارت طريق الجنة، أو أن تدخل الجنة عن طريق الصبر، فدعا لها النبي صلى الله عليه وسلم ألا تتكشَّف، إذًا ماذا نستفيد من هذا الموقف؟
نستفيد أن هذا الأمر بالنسبة للإنسان هو عبارة عن محنةٍ وابتلاء، والمحنة والابتلاء ليس للشخص المعاق فقط، وإنما هي محنة وابتلاء للمعاق ولأهله.

إذًا، ما هي النصيحة التي تقدمها للمعاق ولأهله؟
الدكتور محسن محمد أحمد:
عليهم بالصبر والرضا؛فالمعاقمطالب بالصبر والرضا، وأهل المعاق مطالبون أيضًا بالصبر والرضا، والقرآن الكريم في سورة البقرة يبين لنا بشرى للصابرين؛ حيث يقول المولى سبحانه: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.

كذلك يبيِّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه وتعالى أنه قال: ((مَن ابتليته بحبيبتيه - أي: بعينيه - فصبر، فقد عوَّضته منهما الجنة))، بمعنى أنه مَن يصاب بمرض في عينيه بالعمى أو بضعف شديد في البصر فيصبر، فإن الله سبحانه وتعالى يُعوِّضه عن هاتين العينين بالجنة، وهذه دعوة للصبر، ودعوة إلى الرضا، كذلك النبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا أنه ما يصيب المسلم مِن نصَبٍ ولا وصب ولا غم ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها فيصبر، إلا كفَّر الله بها من خطاياه، أو فيما معنى الحديث، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أمر مهم.

ما هي أهم النماذج الدالة على المعاملة الحسنة مع ذوي الاحتياجات الخاصة في الإسلام؟
الدكتور محسن محمد أحمد:
مِن النماذج المهمة جدًّا في هذا الشأن: عبدالله ابن أم مكتوم، وهو رجل أعمى، كلنا نعلم أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يتعلم منه أمور الدين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم منشغلًا بأمور مهمة، وهو ينادي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويُكثر من ندائه، ولكنه لا يدري - بسبب ظروفه الصحية - أن النبي صلى الله عليه وسلم منشغل عنه، ومع ذلك فإن القرآن الكريم يأتي بسورة نحفظها جميعًا ونعلمها، وهي: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى*أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾، ومنذ هذا الموقف ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغضب منه ولم يعاتبه ولم يُعنِّفْه، وإنما كان كلما رآه يقول له: ((مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي))، إنها معاملة حسنة، ومعاملة إسلامية مثلى من حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الذي استفاد منه النبي صلى الله عليه وسلم كطاقة بشرية يمكن استثمارها في المجتمع الإسلامي، ولا يمكن أن يهدرها؛ فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم جعله يؤذِّن، وهو مؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة المنورة في أكثر من مرة، وكان يصلي بالناس وهوكفيف، وهو أيضًا يأتي في مرة من المرات ويطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم الرخصة في أن يصلي في بيته بعيدًا عن صلاة الجماعة؛ لأنه رجل كفيف، وقائده لا يلائمه؛ أي: لا يوافقه، فإذا طلب منه أن يأتيه العصر يأتيه بعد المغرب، فيطلب منه أن يأتيه المغرب فيأتيه بعد العشاء، فهو لا يستطيع أن يذهب وحده، كما قال: إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، ومع ذلك يرفض النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيَه الرخصة في أن يصلي وحده في البيت منفردًا؛ لندرك أهمية صلاة الجماعة، هذا هو عبدالله ابن أم مكتوم.

أيضًا مِن النماذج المهمة جدًّا: معاذ بن جبل رضي الله عنه، كان أعرجَ، وكان شديد العرج، في البداية بايع النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الأولى، فبهذا الموقف نستطيع أن نقول: إنها مشاركة دينية، المهم أنه له دور فعال في المجتمع المسلم، هذا الرجل شديد العرج بايع النبي صلى الله عليه وسلم، وأرسله النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى اليمن معلِّمًا وقاضيًا، وعندما أرسله إلى اليمن بعث النبي صلى الله عليه وسلم خطابًا إلى أهل اليمن، وقال لهم: ((إني بعثتُ لكم رجلًا من خير أهلي))، هذا هو معاذ بن جبل، يذهب إلى اليمن معلمًا وقاضيًا، ويتعرف منه النبي صلى الله عليه وسلم عن منهجه في الإفتاء والقضاء: ((كيف تقضي؟))، فيقول له معاذ رضي الله عنه: أقضي بكتاب الله، ((فإن لم تجد؟))، قال: فبسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((فإن لم تجد؟))، قال: أجتهد رأيي ولا آلو؛ أي: لا أُقصِّرُ في استخدام أدوات شرعية للوصول إلى الحكم الشرعي، فأُعجِبَ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المنهج من معاذ بن جبل، المنهج الفقهي والمنهج الأصولي من معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقال: ((الحمد لله الذي وَفَّق رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لِما يرضي رسول الله))، هذا هو معاذ بن جبل، جلس يصلي بالناس في اليمن.

ما هي أهم سبل العلاج والوقاية من الإعاقة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة؟ وما هي أهمية الحديث الشريف: ((تخيَّروا لنُطَفِكم))؟
الدكتور محسن محمد أحمد:
هذا حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، اعتمد عليه الفقهاء القائلون بجواز إجراء الفحص الطبي للمقبِلين على الزواج، وقد عُقدت أبحاث كثيرة في هذا الشأن، توصلت إلى أنه لا مانع من إجراء الفحص الطبي للمقبلين على الزواج، لا مانع شرعًا من إجراء هذا الفحص الطبي، ويجب التوعية بهذا الأمر من وسائل الإعلام المتنوعة والمختلفة مع التنبيه على عدة أمور مهمة:
أولًا:أن هذا الكشف أو هذا الفحص الطبي ليس شرطًا من شروط صحة عقد الزواج.
الأمر الثاني:أنه أمر يجب أن يكون فيه ستر للمريض، بمعنى أنه لا ينشر أحدهم عيبَ الآخر، شاب تقدم إلى فتاة، أو فتاة تقدم إليها شاب للزواج، فرأت فيه أو رأى فيها عيبًا يعيق الزواج، أو لا تفضل أن ترتبط بهذا الشخص، فتمتنع عن الزواج دون أن تفشي سره ودون أن تنشر سره؛ لأن هذه أمور يجب أن يحتفظ بها الإنسان مع نفسه، كذلك الطبيب الذي نذهب إليه لإجراء الفحوص الطبية يجب أن يكون طبيبًا مسلمًا ثقة.

وأخيرًا، أشكر حضرتك جدًّا دكتور، وجزاكم الله كل خير، ونفع بكم.
حفِظكم الله وبارك فيكم، وكل عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.