الداء والدواء لمن أراد الفلاح والنجاة{2} سيد مبارك
20-07-2018, 01:46 PM








الداء والدواء لمن أراد الفلاح والنجاة{2}
رابط الجزء الأول من المقالة للمتابعة http://montada.echoroukonline.com/sh...d.php?t=380777

الحمد لله رب العالمين و اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد آن محمداً عبده ورسوله وعلي اّله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين أما بعد…
نواصل معكم بقية الأدوية في بيان الداء والدواء لمن اراد الفلاح والنجاة والله المستعان.
**الدواء الثاني :- الإيمان بأن ما أصابك ما كان ليخطئك وما أخطئك ما كان ليصيبك وإنما كل شئ قضاء وقدر .
حقاً أخي المسلم .. لا ريب أنك تعاني كما يعاني غيرك من كثرة الابتلاءات والمصائب التي تزلزل حياتك وتجعلك في حيره من أمرك ولكنها الحياة بحلوها ومرها .. بعسرها ويسرها .. بنعيمها وشقائها ،ولا تملك إلا الصبر والرضا والتسليم ، وسلاحك في ذلك إيمانك وثقتك بالله رب العالمين وأنه لن يضيعك أبداً. قال تعالى{ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون} ( يوسف 87 )
واعلم أن الناس في البلاء معادن ودرجات، وكلما زاد إيمان العبد بربه زاد بلائه والنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم أجمعين كانوا أكثر هذه الأمة إيماناً ويقيناً وثباتاً ولذلك كانوا أكثر الناس بلاء والله تعالى يذكرنا بذلك فيقول جل وعلا : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } وفي الحديث الشريف ( أكثر الناس بلاء الأنبياء فالصالحون فالأمثل فاالأمثل )( الحديث صحيح 143-145 )ومن ثم إذا أصابك مرض في جسدك أو بلية في النفس أو الولد ، أو ضائقة مالية وقلة ذات اليد أو غير ذلك ممالا ينفك فيه المسلم في دينه ودنياه فاعلم أن هذا قدرك وقضاء الله فيك ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه فلا تتمرد ولا تترك طاعته وشكره وذكره والصبر والرضا عسى أن يجعل الله لك من كل هماً فرجاً ومن كل ضيقاً مخرجا ويرزقك من حيث لا تحتسب ، وتذكر وقل قول الله تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } ( البقرة /155 ) يقول سيد قطب : في تفسيره لهذه الآية ما يلي مختصراً : ولابد من تربية النفوس بالبلاء ، ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد ، وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات ، لابد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنين تكاليف العقيدة كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف … وأهم من هذا كله ، أو القاعدة لهذا كله الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها ، وتتواري الأوهام وهي شتى ، ويخلو القلب إلى الله وحده .. لا يجد سنداً إلا سنده وفي هذه اللحظة فقط تنجلي الغشاوات وتنفتح البصيرة ، وينجلي الأفق على مد البصر .. لا شئ إلا الله .. لا قوة إلا قوته .. لا حول إلا حوله .. لا إرادة إلا إرادته .. لا ملجأ إلا إليه .. وعندئذ تلتقي الروح بالحقيقة الواحدة التي يقوم عليها تصور صحيح . وعن قوله تعالى : {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون } (البقرة 155 ) قال : إنا لله .. كلنا .. كل ما فينا ..
كل كياننا وذاتيتنا .. لله منه وإليه المرجع والمآب في كل أمر وفي كل مصير .. التسليم .. والتسليم المطلق .. تسليم الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجهاً لوجه بالحقيقة الوحيدة وبالتصور الصحيح .. هؤلاء هم الصابرون .. الذي يبلغهم الرسول الكرم بالبشرى من المنعم الجليل وهؤلاء هم الذين يعلن المنعم الجليل مكانهم عنده جزاء الصبر الجميل { أأُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)-البقرة } . انتهى( في ظلال القرآن \ السيد قطب )
واعلم أخي المسلم أن الله تعالى ما أخذ منك إلا ليعطيك وما أمرضك إلا ليشفيك .. وما ابتلاك إلا ليعافيك وهو أرحم الراحمين .
وأعلم أن المسلم القوي لا يوهن ولا يكل ، وإنما هو قوياً في توكله وإخلاصه ..قوياً في عزيمته وإيمانه ويقينه ، وليتذكر دائماً أن الله تعالى هو أحكم الحاكمين يعطي من يشاء ويمن عليه بنعمته وكرمه ويمنع عمن يشاء برحمته وعلمه وما علينا نحن عباده إلا التسليم والرضا بقضائه لأننا لا ندري في أيهما الخير في العطاء أم المنع ؟! ولذلك يقول الله تعالى : { عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُم } ( البقرة 216 )
**الدواء الثالث :- الصبر الجميل والرضا بقضاء الله تعالى
إذا ما أيقن المؤمن إنه لا راد لقضاء الله ولا معقب لحكمه ، وان الله يبتليه ليختبر إيمانه وصبره كما قال تعالى : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ ا لْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ }( محمد 31 ) ما كان له أن يجزع ويخاف ويثقل على قلبه بالهموم والغموم ، ويفتح باباً للشيطان ليزين له الأمر ويضله عن سبيل الله ، وربما وسوس له قائلاً على لسانه .. لماذا أنا من دون الناس تتنزل على هذه المصائب ؟! لماذا أنا من دون خلق الله تعالى أصاب بهذا المرض أو ذاك ؟! ، ويجاوب الشيطان على لسانه .. لا ريب أن الله لا يحبني ولا يريد لي الخير !!

أخي المؤمن .. انتبه جيداً
واعلم أن أكثر الناس بلاء الأنبياء فالصالحون فالأمثل فالأمثال .تذكر أن البلاء شعار الصالحين ، وعلى قدر إيمان العبد يكون بلائه فأن كان إيمانه قوياً كان البلاء كذلك . حتى قيل : إذا سلك بك سبيل البلاء فقر عيناً فإنه يسلك بك سبيل الأنبياء والصالحين ، وإذا سلك بك سبيل الرخاء فأبك على نفسك فقد خولف بك عن سبيلهم .
وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : ( ما أعطى عطاء خيراً وأوسع من الصبر ) ( جزء من حديث أخرجه البخاري عن أبي سعيد (برقم/ 6470)
نعم .. أخي المؤمن مهما طال البلاء فأن الله سوف يجعل لك من كل هماً فرجا ومن كل ضيقٍ مخرجا ويرزقك من حيث لا تحتسب .
**الدواء الرابع :- الافتقار إلى الله والالتجاء إليه بالذكر والدعاء.
حقيقة الإيمان بالله تستلزم طاعته في السراء والضراء ، في البلية والنعمة فالمؤمن يفتقر إلى الله دائماً فهو الغني الحميد ، ولكن للأسف الشديد الأمر خلاف ذلك فإذا أصاب الإنسان بلية ابتعد عن الله وعن طاعته وذكره وشكره ولجأ إلى مخلوق مثله لا يملك له ولا نفسه نفعاً ولا ضراً وجحد بنعمة الله عليه ، وإن أصابته نعمة سر
بها ولجأ إلى الله بالشكر والذكر وفي ذلك بقوله تعالى ك { فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ } ( الفجر 15-16 )
وهذه من صفات الجاحدين والمنافقين فكن غير ذلك ، واذكر الله تعالى في سريرتك وعلانيتك .. في بليتك ونعمتك .. في سعادتك وشقائك فأن في ذكرك له رحمة بك واطمئنان قلبك . قال تعالى { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } ( الرعد 28 )
وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم :" قال الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير منهم "أخرجه البخاري ( برقم/7405)
فعليك أخي المسلم بالأذكار المختلفة في ذهابك وآيابك ، في الصباح والمساء ، لا تغفل عن ذكر الله ولا يفتر لسانك عن التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل فإن ذلك من علامات حياه القلوب لأن القلب الذي لا يذكر الله قلب ميت كما قال صلى الله عليه وسلم ( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت ) أخرجه البخاري ( برقم/6407)
ولا تنسى الدعاء فهو مخ العبادة والتمس أوقات الإجابة كبعد الصلوات المفروضة وفي الثلث الأخير من الليل وفي السجود لله تعالى وعند نزول الغيث وغير ذلك واعلم أن الله على كل شئ قدير . قال تعالى : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ( غافر 60
**الدواء الخامس والأخير :- اليقين التام بأن مع العسر يسر وأن الفرج قريب .
إذا ما طبقت على نفسك هذه الأدوية الأربعة التي ذكرناها سلفاً وأيقنت أنه لا نافع ولا ضار إلا الله ، وأمنت بأن ما أصابك من بلاء ما كان ليخطئك وما أخطئك ما كان ليصيبك وإنما هو قضاء الله وقدره عليك ثم صبرت على ما أنت فيه حامداً الله على كل حال ، ومفتقراً إليه ذاكراً داعياً إياه فكن على يقين بأنه سبحانه سيجعل لك العسير يسيراً ، والبعيد قريباً ، والظلام الذي يحيط بحياتك نوراً وبصيرة في قلبك ، وسترى أن البلية صارت نعمة عندما تنكشف لك حكمته ورحمته وقدرته ، وحتى ذلك الحين كن صابراً محتسباً ، راضياً وشاكراً ، ولا تيأس من رحمه الله وإن طال الأمر وتذكر أن دوام الحال من المحال ، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هاجروا من مكة إلى المدينة تاركين الأهل والمال والعشيرة والديار ، وظلوا على إيمانهم وجهادهم مؤمنين بنصر الله وأن مع العسر يسر وأن الفرج قريب حتى قضى الله أمراً كان مفعولا ، ودخل النبي إلى مكة ومعه 10 آلاف مقاتل من المسلمين وحطم الأصنام
وهو يقول قول الحق جلا وعلا : { وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }( الإسراء 81 )وصعد بلال إلى الكعبة فأذن وصدع بكلمة التوحيد ودخل الناس في دين الله أفواجا . وعاد أصحابه إلى الأهل والعشيرة والديار بالصبر والإيمان فدوام الحال من المحال .و اعلم أنه لابد للمرء أن يمر بثمانية أشياء كما قال أهل العلم : عسر ويسر ، حزن وفرح ، لقاء وفراق ، سقم وعافية ، تلك هي سنة الله في خلقة . فالتزم بأوامر الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم لا تحيد عنهما ولا تتبع الهوى ، ولا يغرك بالله الغرور وما أجمل قول الشاعر ‍
إن لله عباداً فطنا ..... طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
.نظروا فيها فلما علموا... أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجةً واتخذوا.. صالح الأعمال فيها سفنا
وختاماً .. هذه هي الأدوية الخمسة وما عليكم أحبتي في الله إلا الإخلاص والاحتراز من أعدائنا الأربعة ( النفس والدنيا والهوى والشيطان ) واسأل الله تعالى أن ينفعنا بها وسائر المسلمين وأن يحسن خواتيم أعمالنا في الدنيا والآخرة إنه نعم المولى ونعم النصير والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
وكتبه/ سيد مبارك
التعديل الأخير تم بواسطة سيد مبارك ; 20-07-2018 الساعة 01:50 PM سبب آخر: اصلاخ خطا