الوصايا الشرعية للسعادة الزوجية الحلقة الثانية .بقلم/ الكاتب المصري سيد مبارك
21-07-2018, 05:59 PM







الوصايا الشرعية للسعادة الزوجية
الحلقة الثانية

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين....
أطرح هنا وصايا شرعيةً من الواقع وحياة المتزوجين ومشاكلهم؛ لتكونَ خير عونٍ لكل مُقبِلٍ على الزواج؛ ليلتمس سُبُلَ السعادة الزوجية، ويُبعِد عنه مسبِّبات المشاكل التي تنشأ من إهمال هذه الوصايا وغيرها، والله المستعان.

الوصية الأولي:
رضا كلٍّ من الزوجين عن الآخر والتجاوز عن العيوب:

أقول دومًا: إن الحياة الزوجية أخذٌ وعطاء، عُسْر ويسر، سعادة وشقاء.

وهي ليستْ سعادة دائمة، ولا شقاءً دائمًا، وإنما بين هذا وذاك، وكل ما ينبغي على كلٍّ من الزوجين أن يفعله هو الوصول لأعلى درجات السموِّ الروحي بينهما في العطاء والمحبة؛ كي تستقر دعائمُ عش الزوجية على أسس متينة من الثقة والاحترام المتبادل بين كلٍّ من الزوج وزوجه، ومعرفة كلٍّ منهما لحقوق الآخر عليه.

ومما لا شكَّ فيه أن الوصولَ لهذه المكانة من السمو لا يتحقَّق بين يوم وليلة، ولا بين قلبين متنافرين متباعدين يكره كلٌّ منهما الآخرَ لشيء فيه ينفِّره منه؛ بل بين قلبين متحابَّين متعاونين، وبالتفاهم وإنكار الذات القائم على مراعاة حق الله - تعالى - مع إدراك أن الإنسان بطبيعة خِلقته ضعيف، وبالتبعية يكثر خطؤه وزلاته غير المتعمدة، خصوصًا بين زوجين جمعهما الله تعالى، ورضي الزوجُ بها زوجة وأمًّا لأولاده، وائتمنها على عِرْضه وماله، وهي مثلُه رضيتْ به زوجًا لها وأبًا لأولادها، وحَفِظتْه في نفسها وبيته.

قال - تعالى -: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28].

قال الشوكاني في فتح القدير (1/682) في تفسيرها ما مختصره:
"﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ عاجزًا غيرَ قادر على ملك نفسه، ودفعها عن شهواتها وفاءً بحق التكليف؛ فهو محتاج من هذه الحيثية إلى التخفيف؛ فلهذا أراد الله - سبحانه - التخفيف عنه"؛ اهـ.

وإذا كان المولى - سبحانه - يخفِّف عن الإنسان لضعفه، فينبغي لكلٍّ من الزوجين التجاوز عن أي هفوة أو زلة من الطرف الآخر، ولا يطلب من شريكه أن يكون مثاليًّا خاليًا من العيوب؛ ولهذا أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل بتجاوز بعض الهفوات من الزوجة لضعفها، فقال: ((لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كَرِه منها خلقًا رَضِي منها آخر - أو قال: غيره))أخرجه مسلم في الرضاع ح/1469

قال النووي في شرح الحديث:
"قوله - صلى الله عليه وسلم-: ((لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنة إن كَرِه منها خلقًا رَضِي منها آخر - أو قال: غيره)).

يَفْرَك - بفتح الياء والراء، وإسكان الفاء بينهما - قال أهل اللغة: فَرِكه - بكسر الراء - يَفرَكه: إذا أبغضه، (والفَرْك) - بفتح الفاء وإسكان الراء -: البُغض، ثم قال - رحمه الله -: أي ينبغي ألا يُبغِضها؛ لأنه إن وجد فيها خلقًا يُكْرَهُ، وجد فيها خلقًا مَرْضيًّا؛ بأن تكون شرسة الخُلق لكنها دَيِّنة، أو جميلة، أو عفيفة، أو رفيقة به، أو نحو ذلك؛ اهـ.

وما يقال عن التغاضي عن عيوب الزوجة، يقال مثله عن الزوج، فكلنا ذو خطأ، ولا عصمة إلا للأنبياء، ولتصبرِ الزوجة وتغضَّ طرْفَها عن عيوب زوجها، ولا تكفُرِ العشير.

• عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أُرِيتُ النارَ فإذا أكثرُ أهلها النساءُ؛ يَكْفُرْنَ))، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: ((يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر، ثم رأتْ منك شيئًا، قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قط)أخرجه مسلم في الكسوف ح/907، والبخاري في النكاح.

ومن ثَمَّ، فينبغي أن يتوقع كلٌّ من الزوجين بعضَ التجاوزات التي قد ينفر منها الطرف الآخر، ولو جرَّب كلٌّ من الزوجين هذه النصيحة، وتجاوز كلٌّ منهما عن عيوب شريكه وسيئاته، مع النصيحة الطيبة للإصلاح ولو بالتدرج، وملأتْ عينيه مميزاتُه وحسناته، ومدحها وزكَّاها، لوجد كلٌّ منهما من شريكه العجب العجاب.

إحياء المناسبات السعيدة بينهما بهدية تُلهِب المشاعر، أو كلمة رقيقة:
لا تخلو الحياة الزوجية من مناسباتٍ مشتركةٍ بين كلٍّ من الزوجين كيومِ زواجهما، أو ترقية للزوج في العمل، أو ما أشبه ذلك.

واستغلال كلٍّ من الزوجين هذه المناسبات يعيد نبض المحبة والأُلفة الذي كاد يتوقف في عَلاقتهما الزوجية؛ إما لكثرة الهموم والغموم، أو مشاكل الأبناء التي لا تنتهي أبدًا، أو غير ذلك.

وهذه النصيحة يجب أن يراعيَها كلٌّ منهما، ونحن نحذر عند إحياء مثل هذه المناسبات من التشبه بأعياد الكفار؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من تشبَّه بقومٍ، فهو منهم))(صحيح الجامع ح/6149 للألباني)، وذلك حتى لا يُفهَم كلامُنا خطأ.

وإنما ندعو إلى إحياءالمناسبات بينهما في خصوصية لا يطلع عليها إلا هما، ولا يشاركهما فيها أحد بعيدا عن التشبه باهل الكتاب والبدع كما لا يخفي.

كما أننا نحذِّر من استمرار الفتور في العَلاقة الزوجية، وإهمال مثل هذه المناسبات بحجة "راح الشباب، وانقضى العمر"، أو: "لا وقت لمثل هذا الترف"... إلخ.

فهذا جهل مَن لا يفكر إلا في نفسه، ولا يعرف لشريكه حقًّا، وهذا الإهمال يحاسب الله - تعالى - المرءَ عليه، حتى لو كان إهماله بسبب العبادة.

• عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبدالله، ألم أُخبَر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟))، قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((فلا تفعلْ، صُمْ وأفطر، وقُمْ ونَمْ؛ فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا))[أخرجه البخاري في النكاح ح/5199.

والكلمة الرقيقة الطيبة لها مفعول السحر في زيادة جرعة السعادة الزوجية، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرخِّم اسم عائشة -رضي الله عنها - لإدخال السرور عليها، فيقول لها: ((يا عائش))، ويكنِّيها فيقول لها: ((يا أمَّ عبدالله))، ومثل هذه المجاملات لا تحتاج لمشقة ولا تصنُّع، بل هي من الأمور الهيِّنة المحبَّبة للنفوس السوية.

وبذلك يحدث المقصود، وتنقشع الغشاوة عن القلوب، فتنبض بالشكر والعرفان والتقدير، ويحدث التفاني في إسعاد كلٍّ من الزوجين للآخر، والله المستعان.

الوصية الثانية
الصبر على هفوات الزوجة عند تبدل الحال والعذر:

المرأة ينتابها أعذارٌ شتى كثيرة؛ كالحيض، والنفاس، والحمل... إلخ، ومثل هذه الأحوال تؤدِّي إلى تقلُّبِها بين الفينة والفينة، وكل ذلك وغيره له تأثيرٌ على نفسيتها، وتلك هي طبيعتها، ولو كانت شديدةَ الذكاء، غزيرة العلم، حليمة، صبورًا؛ فالمرأةُ هي المرأة؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المرأة خُلِقتْ من ضِلَع لن تستقيم لك على طريقةٍ، فإن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وبها عوج، وإن ذهبتَ تقيمها كسرتَها، وكسرُها طلاقُها)) مسلم ح (1468).

قال النووي:
"قال أهل اللغة: العَوَج - بالفتح - في كل منتصبٍ؛ كالحائط والعود وشبهه، وبالكسرِ ما كان في بساط، أو أرض، أو معاش، أو دِين، ويقال: فلان في دِينه عِوَج بالكسر، هذا كلام أهل اللغة، ثم قال: وبيَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنها خُلِقت من ضِلَع، وفي هذا الحديث ملاطفةُ النساء، والإحسان إليهن، والصبر على عِوَج أخلاقهن، واحتمال ضعف عقولهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها، والله أعلم؛ اهـ.

وأرى من المناسب هنا بيانَ حالة المرأة من الناحية الطبية والنفسية عند حدوث مثل هذه الأعذار؛ حتى لا يظلمها الرجل، والله المستعان.

قال صاحب كتاب "القرآن والطب" ما مختصره:
"دورة الحيض رغم كونها طبيعية، إلا إنها تسبِّب للنساء آلامًا شتى؛ فإنهن يَجِدْنَ في زمن الحيض انحرافًا في مزاجهن، ويشعرن بتعبٍ عامٍّ في أجسامهن، ويقاسِين في بعض الأحيان آلامًا شديدة في أصلابهن، ويعانين حدَّة في طبعهن، إلى غير ذلك من الآلام التي تعتبر في ذاتها أعراضًا للطمث والحيض"؛ اهـ.- القرآن والطب، د/ محمد وصفي.

ومن ثَمَّ يجب على الزوج الصبر على تقلُّبها، ولا يأخذ ذلك ذريعة لضربها والاعتداء عليها، ولا ينفعل لمجرد كلمة تؤذيه من زوجته في مثل هذه الأحوال وغيرها، وله في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوةٌ حسنة؛ فقد كانت نساؤه يراجِعْنه وتهجرُه إحداهن اليوم إلى الليل. وللحديث بقية أن شاء الله