الأخلاق وبقاء الحضارات
08-03-2017, 04:19 PM
الأخلاق وبقاء الحضارات

محمود الشال
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
لا شك أن بين الأمم صراعاً حضاريًّا من ناحية وتكاملاً من ناحية أخرى.
فأما عن الصراع، فلكل حضارة طابعها الخاص، فعلى سبيل المثال:
الحضارة النصرانية: طابعها روحي، والحضارة الغربية الحديثة: طابعها مادي، كما أن طابع اليهودية مادي، وأما الحضارة الإسلامية، ففيها تناسق بين الروح والمادة.
ولعل السبب الرئيسي في تخلفحضارة المسلمين في العصور المتأخرة؛ أنه غلب عليهم طابع التقليد لغيرهم، وتركوا ما يأمرهم به دينهم، فأصبحوا تابعين، ويصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم)[1].

رغم أنه صلى الله عليه وسلم هو: الذي نهى المسلم عن أن يكون إمعة، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا)[2].

والسؤال الذي يتبادر للأذهان الآن:
كيف لا نتبع غيرنا وهم متقدمون وحضارتهم متصدرة؟.

الحقيقة المتفق عليها: أن كل حضارة متأخرة تفوق ما سبقها من الناحية المادية، وتلك سنة الله في تطور الحياة، وهو ما نسميه بالتكامل بين الحضارات.
فإذا أرادت أمة من الناحية المادية أن تتفوق وتتقدم، فلابد أن تبني على ما قدمه السابق من ماديات، لا مجرد اتباع واستمتاع بما وصلوا إليه.
وهذا هو: سر التخلفللحضارة الإسلامية في العصر الحديث، فلا هم تمسكوا بأخلاقهم، ولا هم بنوا من الناحية المادية على حضارة غيرهم.

إن أي إنسان يستطيع أن يعيش اليوم في حضارة مادية وتقدم ورفاهية، فإن الحضارة المادية مقدورة اليوم لأي إنسان شريطة أن يكون عنده أموال تنقله من أي مكان إلى غيره، ويستطيع أن يغير جنسيته لو أراد.
لأننا في عصر الانفتاح على كافة المستويات، والعولمة قد جعلت العالم كالقرية الصغيرة، لذلك فإن الحضارة المادية مكفولة لمن أرادها وقدر عليها.
لكن الحضارة المادية لا تكفل له السعادة التي تحتاجها الروح.
إن جميع الحضارات المادية يأفل نجمها عند نقطة معينة، وهي تسلم بعضها، فحضارة تسلم أخرى وهكذا.
لكن الحضارة الإسلامية هي الوحيد القادرة على إحداث الموازنة بين الروح والمادة، لأنها تعتني بالروح ولا تغفل المادة.
ومهما تقدمت أمة من الناحية المادية، فإن مصيرها إلى زوال ولا يبقى ولا يخلد إلا ما كان قائما على الأخلاق.

فكم في عبق التاريخ من أمة وصلت من الناحية المادية شأو عزتها ورفعتها، ولكنها هلكت واندثرت ولم تبق إلا آثارها الدالة على وجودها في التاريخ، لتكون عبرة لغيرها من الأمم كعاد وثمود وفرعون، فقد أخبر عنهم القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ*إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ*وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ*وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ*الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ*فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ*فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ*إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.

قال هود عليه السلام لقومه، كما أخبرنا القرآن: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ*وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ*وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾.

وقال تعالى على لسان نبيه صالح عليه السلام لقومه: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.

نعم إن كثيرا من الأمم تقدموا ماديا، لكنهم غابت أخلاقهم، فدُمّروا واندثروا ولم يبق من حضاراتهم إلا بعض من الآثار التي تدلنا على وجودهم في التاريخ.

وما أحسن ما لخص شوقي به قصة الحضارة في بيت من الشعر رائع؛ حيث قال رحمه الله:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت♦♦♦♦فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وقد صدق فيما قال، فإن أمة بلا أخلاق: لا استمرار لها ولا خلود.
فالأمة التي تبقى هي: الأمة التي تتمسك بالجانبين الروحي (الأخلاقي) والمادي.
يقول:( د. عبد الله راجح):" وأما العنصر الأخلاقي، فهو الذي تخلد به الحضارات، وتؤدي رسالتها في إسعاد الإنسانية وإبعادها عن المخاوف والآلام ولقد سبقت حضارة الإسلام كل الحضارات السابقة واللاحقة في هذا الميدان، وبلغت فيه شأواً لا نظير له في أي من عصور التاريخ، وحسب حضارتنا بهذا خلوداً، حين قربت الإنسان من ذروة السعادة، وعملت له ما لم تعمله حضارة في الشرق أو الغرب"[3].

وإن الدرس الذي لا يمكن للتاريخ أن ينساه للمسلمين في هذا الجانب هو: موقف الرماة في غزوة أحد، حيث أنهم لما أغفلوا الجانب الخلقي المتمثل في طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وغلبوا الجانب المادي المتمثل في حرصهم على الغنيمة التي خلفها العدو: كان أن انقلبت الدفة على المسلمين وتغير النصر إلى هزيمة كادت أن تستأصل المسلمين عن آخرهم لولا عناية الله.
عن البراء بن عازب قال: لما كان يوم أحد ولقينا المشركين أجلس رسولالله -صلى الله عليه وسلم -أناسا من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال لهم: (لا تبرحوا من مكانكم إن رأيتمونا ظهرنا عليهم، فلا تبرحوا وإن رأيتموهم قد ظهروا علينا، فلا تعينونا عليهم) قال: فلما التقى القوم وهزمهم المسلمون حتى نظرنا إلى النساء يشتددن في الجبل، وقد رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن، فجعلوا يقولون: الغنيمة الغنيمة، فقال لهم عبد الله: أمهلوا! أما عهد إليكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ألا تبرحوا، فانطلقوا، فلما أتوهم صرف الله وجوههم، وقتل من المسلمين سبعون رجلا)[4]

مكانة الأخلاق في الإسلام:
لقد أمرنا الله سبحانه بالاقتداء والتأسي بنبيه صلى الله عليه وسلم فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
وقال جل وعلا لنبيه: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ

وقد جعل حسن الخلق: أكثر ما يدخل الجنة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، قال: " التقوى وحسن الخلق "، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: (الأجوفان: الفم والفرج)[5].

وحَسَن الخلق من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم قرباً منه يوم القيامة، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون)، قالوا يا رسول الله: قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟، قال: (المتكبرون)[6].

ارتباط الأخلاق بالعقيدة والشريعة في الإسلام:
الإسلام عبارة عن عقيدة وشريعة وأخلاق، ومما تميز به الإسلام: أن العقيدة والشريعة فيه لا يستطيعان الانفصال عن الأخلاق بحال من الأحوال.
وعلى هذا النحو، نستطيع أن نقول إن الإسلام عبارة عن عقيدة وشريعة قد بُنيا على أخلاق، وذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(بعثت لأتممصالح الأخلاق)[7].
وكأنه المغزى من وراء بعثته صلى الله عليه وسلم.

وذلك هو الذي رأته العرب من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: (لما بلغ أبا ذر مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق)[8].
والأخلاق في الإسلام شاملة، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بكل جوانب الحياة من أجل الارتقاء بالمجتمعات.

فنظام الأسرة محفوف في الإسلام بجملة من مكارم الأخلاق:
قال تعالى عن العلاقة الزوجية: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.

وحث الله الآباء على رحمة الأبناء والإحسان إليهم، فقال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرا﴾.

ووصى الله الأبناء بالآباء، فقال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾.

وأمر الله بأداء الحقوق للأقارب، فقال: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾.

وللزيارة آداب في الإسلام، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

وجعلالله حدوداً بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه، فقال: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...

ونظم البيع والشراء وربطهما بالأخلاق، فقال: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ*أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ*لِيَوْمٍ عَظِيمٍ*يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

وحث النفوس على حفظ الحقوق، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ...

وفي السياسة والحكم، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ....

وبالنسبة للأخلاق المتعلقة بالشريعة، فهي تحتاج بجانب الوازع الديني إلى رادع من السلطة:" إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، قيل إن القائل هو: عثمان بن عفان رضي الله عنه.
لأن النفس البشرية مجبولة على هذا الطبع فيها، وقد ضرب لنا القرآن مثلاً ببني إسرائيل أنهم:﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
لأجل ذلك كانت العقوبات في القرآن على الجرائم المختلفة: كعقوبة قتل النفس، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
وعقوبة الحرابة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
وغيرها من العقوبات على جرائم حددها القرآن، وكفل للسلطان التشريع فيما لم يرد فيه نص بما لا يصل في تشريعه إلى أدنى الحدود، وهو ما يسمى بالتعزير.

وارتبطت الأخلاق في الإسلام بالعقيدة والعبادات أيضاً، ولكن الوازع فيها يكون من داخل المؤمن ومرتبط بقوة وضعف الإيمان.

فقد أمر الإسلام بالصدق وربطه بالتقوى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾.
وربط بين عمل الصالحات والإيمان، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾.

وفي جملة من الأخلاق الذميمة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أنها منافية للإيمان مرتبطة بالنفاق، قال صلى الله عليه وسلم: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ). [9].
وفي بعض أخلاق الجاهلية التي تتنافى مع عقيدة الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية).[10].
وأخبرنا صلى الله عليه وسلم: أن الإيمان الخالي من الحياء هو: إيمان ناقص، إذ لابد من الارتباط الوثيق بين الحياء والإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: (الحياء والإيمان قرناء جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر).[11]
ومر صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار، وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال: (دعه فإن الحياء من الإيمان).[12].
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث جامع: (أكمل المؤمنين إيماناً: أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً).[13].

والعبادات في الإسلام مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأخلاق في الإسلام، فقد شرعت الصلاة لحكمة جليلة، وهي: الابتعاد عن الرذائل، قال تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ

وقال صلى الله عليه وسلم: (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر: لم يزدد من الله إلا بعداً).[14]
وحكمة أخرى للصلاة: أنها تكفر الخطايا، وتمحو السيئات، وتطهر المسلم أولاً بأول من سوء الأخلاق، قال صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟)، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحوا الله بهن الخطايا).[15]
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلاً أصاب من امرأةٍ قبلة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر له، فأُنزلت عليه :[ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ]، فقال الرجل: ألي هذه؟، قال: لمن عمل بها من أمتي).[16].

والزكاة لها في الإسلام أهداف أخلاقية متعددة، فهي: تطهير وتزكية للنفس وتكافل اجتماعي بين المسلمين، قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

والصيام أيضاً له هدف أخلاقي روحي، فقد فرض على المسلم للوصول به إلى التقوى التي هي: جماع الأخلاق الفاضلة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

وكذلك الحج كانت له غاية وهدف بعد تحمل المشقة والمصروفات، وهي: التحلي بمكارم الأخلاق، قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
[1]رواه البخاري ومسلم.
[2]رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه..
[3]من مقال ل د. عبد الله راجح بعنوان (مقومات الحضارة في القرآن والسنة) مجلة الأزهر شهر صفر1437هـ -نوفمبر/ديسمبر20155م.
[4]رواه البخاري.
[5]رواه الحاكم في مسنده وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
[6]رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب.
[7]رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
[8]رواه البخاري.
[9]رواه البخاري ومسلم.
[10]رواه البخاري.
[11]رواه السيوطي في الجامع الكبير عن ابن عمر.
[12]رواه البخاري.
[13]رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
[14]رواه ابن أبي حاتم والطبراني.
[15]رواه مسلم..
[16]رواه البخاري.