رفقا بالعصاة فقد آمن عمر
28-06-2018, 03:17 PM
رفقا بالعصاة فقد آمن عمر
رقية الدبيكي


الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:


يا من ستركَ اللهُ حين عصيته سرًّا، وقد نسيت الذنب بعد أن ألحقته بتوبة، فهنيئًا لك الستر، وهنيئًا لك الأَوبة.


ولكن لِم تنظر إلى العصاة بعين اليأس في العودة!!؟.
أنت عصيت الله سرًّا، وهم قد أذنبوا جهراً، فمن أواك إليه قادر على ردهم قهراً، فإن لم يفروا إليه، فهو كفيل بحسابهم يوم القيامة بين الخلائق، ولا ندرى أينا يُختم له بالحسنى عند الموت، وأينا ينقلب على عقبيه مما أخفى؛ فانشغل - رعاك الله - بنفسك وانظر إلى العصاة بعين الرأفة، وادعُ لهم عسى أن يعودوا إلى ربهم، فمهما اقترفوا من الذنوب، فلن يكونوا مثلما كان عمر بن الخطاب قبل إسلامه، وإن تابوا وأنابوا، فلن يصلوا إلى ما وصل إليه عمر رضي الله عنه بعد إسلامه، وتعالوا معنا لنتجول قليلاً في بستان قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.


خرج عمر متوشحاً سيفه، يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه رجل من بنى مخزوم، وعرف منه مقصده، فأراد أن يثنيه عنه، فأخبره بإسلام أخته وزوجها، فذهب عمر إليها فوراً وفى وجهه الشر.
فلما دنا من البيت سمع القرآن يتلى، وكان خباب بن الأرتّ يتلو سورة طه، ولما سمع خباب صوت عمر اختبأ، فلما دخل عمر عليهما قال:" ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟، لعلكما قد صبَوتما؟".


فقال له زوج أخته:" يا عمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك؟".
فوثب عليه عمر وراح يضربه، فجاءت أخته، فرفعته عن زوجها، فضربها ضربة شجت أذنها.
فقالت وهى غضبى:" يا عمر إن كان الحق في غير دينك، اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله".
فلما يئس عمر، ورأى الدماء تسيل من أخته ندم واستحى، وطلب منها الكتاب ليقرأه.
فقالت:" إنك رجس فقم فاغتسل"، فقام فاغتسل، ثم أخذ الكتاب فقرأ:
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿طه﴾ إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾.


فقال:" ما أحسن هذا الكلام وأكرمه، دلوني على محمد"، فخرج خباب، وقال له:" أبشر يا عمر، أرجو أن تكون قد استجيبت دعوة النبي فيك، فقد دعا يوماً: "اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين إليك"، يقصد بهما عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام (أبا جهل)؛ ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في الدار التي في أصل الصفا.


فأخذ عمر سيفه وانطلق، فضرب الباب، فرآه رجل من خلل الباب، فأخبر النبي، واستجمع القوم، فقال لهم حمزة - وكان قد أسلم منذ ثلاثة أيام -: ما لكم؟، قالوا عمر، قال: وما عمر؟، افتحوا له الباب، فإن كان قد جاء يريد خيراً: بذلناه له، وإن كان قد جاء يريد شرا: قتلناه بسيفه، فخرج له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بمجامع ثوبه، ثم جذبه بشدة، فقال:" أما أنت منتهياً يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة؟، اللهم هذا عمر بن الخطاب، اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب".

فقال عمر: "أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله".
فكبر المسلمون جميعاً.. وما لبث الفاروق حتى قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا؟.
قال: "بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق إن متم وإن حييتم".
قال عمر: ففيم الاختفاء؟، والذي بعثك بالحق لنخرجن، فخرجوا في صفين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عمر في صف، وحمزة في الآخر، فما أن رأتهم قريش حتى أصابهم الغم.


لهذا، سيأتي الإسلام يوم القيامة في هيئة رجل، ويمسك بيد عمر رضي الله عنه ويقول: يا رب كنت غريباً حتى أسلم هذا الرجل.
أسلمَ عُمر ..
الذي كان يقال عنه:" لو أسلم حمار الخطاب ما أسلم عمر!".
أسلم عمر ..
الذي كان من أشد الناس إيذاءً للمسلمين..
أسلم عمر وقد كان من أكثر الناس عداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
أسلم الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل، وحسُن إسلامه حتى تحاشى الشيطان أن يسلك مسلكَه.


فلماذا حين نرى العصاة لا نأمل فيهم إلا شرًّا؟، وننسى فضل الله، وننسى أننا كنا من قبل كذلك، فمنّ الله علينا.
فهل نأمن على أنفسنا من وقوعها في المعصية ثانية؟، وهل ندري من منا سيُختم له بالصالحات؟، فقلوبنا بين يدي الرحمن يقلبها كيف يشاء، فلن نثبت إلا بتوفيقه، ولن نرتقي للعلى إلا برحمته ورضوانه، فلنحيَ جميعاً بالرجاء في العفو والصفح من رب العرش والسماء، وأن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما هو أعلم به منا.